درع السماء.. مشروع دفاع جوي ألماني لحماية أوروبا يلقى بعض المعارضة
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
قالت ليبراسيون إن "درع السماء" -المشروع الدفاعي الألماني المتعدد الطبقات فوق القارة الأوروبية، بتبنيه استخدام المعدات الأميركية والإسرائيلية- سيكون مكلفا ويمثل تحديا تقنيا، كما يشكل مصدرا للتوترات السياسية رغم انضمام 21 دولة إليه.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير بقلم لورانس ديفرانو- إن المشروع الذي أطلقته برلين بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022، يقوم على فكرة تبدو بسيطة وفعالة، وهي مظلة منتشرة بشكل جيد فوق النمسا، قادرة على إيقاف المسيرات والصواريخ والطائرات القادمة من الشرق.
وقالت وزيرة الدفاع النمساوية كلوديا تانر التي وقعت بروتوكولا مع ألمانيا "نحن نفعل ذلك من أجل سلامتنا وسلامة أبنائنا وأحفادنا" وهذا يعني أنه "يمكننا الحصول على الدفاع الجوي اللازم بشكل أسرع وأرخص".
وتشتمل أنظمة الدفاع الجوي المتنقلة في "درع السماء" الألماني على أجهزة استشعار (رادارات) ومركز قيادة وسيطرة وقاعدة إطلاق ومقذوفات، ويهدف لشراء أنظمة متطورة للغاية لتشكيل دفاع "متعدد الطبقات" سيكون مسؤولا عن اكتشاف وتحديد واعتراض الأجسام المعادية التي تحلق على جميع الارتفاعات، باستثناء الأقمار الصناعية التي يمكن تدميرها بأنظمة أبسط، مثل الليزر.
ولاعتراض المقذوفات قصيرة المدى، مثل الصواريخ والمسيرات (الطبقة المنخفضة)، اختارت برلين صواريخ "إريس-تي إس إل إم" (Iris-T SLM) التي تنتجها شركة الصناعة ديهل، ويبلغ مداها 40 كيلومترا، وقد وافق البرلمان (البوندستاغ) بالفعل على شراء 6 بطاريات إضافية منها.
وبالنسبة للطبقة الوسطى، فقد وقع الاختيار على صاروخ "باتريوت بي إيه سي-3″ (PAC-3) الأميركي الذي يصل مداه إلى 100 كيلومتر، ولا بد من طلب وحدات إضافية منه. أما بالنسبة للارتفاعات العالية جدا، فقد التزمت ألمانيا بالحصول على نظام أرو 3 المضاد للصواريخ الذي طورته إسرائيل بمساعدة أميركية.
معدات باهظة الثمن
وأوضحت الصحيفة أن تكلفة بطارية "إريس- تي 145" (Iris-T145) تبلغ مليون يورو، ومليار يورو لبطارية باتريوت، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة كل صاروخ من طراز أرو 3 مبلغ 10 ملايين يورو، في حين يبلغ إجمالي تكلفة النظام 3.5 مليارات يورو.
ولاعتراض الصواريخ الباليستية أو صواريخ كروز بعيدة المدى، لا تكفي رادارات الدفاع الجوي البسيطة، وسيكون من الضروري إنشاء طبقة من أجهزة استشعار الإنذار المبكر بالمدار. علما بأنه لا توجد الرادارات فوق الأفق في الغرب إلا لدى الولايات المتحدة.
وفي حين تبرر برلين اختيارها بالإلحاح الذي ولّدته الحرب في أوكرانيا، وحقيقة أنه من المفترض أن يتم تسليم "أرو 3" نهاية عام 2025، فإن الأنظمة لن تكون جاهزة للعمل في الواقع قبل 10 سنوات، حسب الكاتب.
وأشارت الصحيفة إلى أن صواريخ إريس وباتريوت التي تم تصميمها قبل 20 أو 30 عاما، لا تتكيف مع التقدم التكنولوجي لروسيا، وهي القوة الوحيدة التي أثبتت أن لديها صواريخ تفوق سرعة الصوت وقادرة على المناورة، وبالتالي سوف تجد هذه المنظومة صعوبة في اعتراض مئات من المسيرات الصغيرة.
أنظمة مماثلة
وتساءل الكاتب: لماذا هذا الاختيار إذن؟ ليرد بما احتج به ضابط فرنسي من أن "ألمانيا تفضل نموذج الأعمال الأميركي على حساب الصناعة الأوروبية" ومن وصف الرئيس البولندي أندريه دودا هذه الدرع بأنها "مشروع تجاري ألماني" خاصة أن كثيرين يرون أن اللجوء إلى الشركات الأجنبية سيمنع الاتحاد الأوروبي من تعزيز سيادته في المسائل الدفاعية.
ويبدو أن اختيار المعدات كان مدار الجدل أكثر، لأن صناعة الدفاع الأوروبية تقوم بتسويق أنظمة مماثلة، وقال مصدر عسكري فرنسي إن "نظام "إس إيه إم بي/تي" (SAMP/T) -وهو نظام فرنسي إيطالي مضاد للصواريخ طورته شركة Thales وMBDA وتم نشره في رومانيا وأوكرانيا- يقدم "أداء مكافئا لأداء صواريخ باتريوت الأميركية".
وقالت شركة MBDA للصناعات الأوروبية إنها "تقدم حلولا دفاعية كاملة متعددة الطبقات للحماية من مجموعة كاملة من التهديدات الجوية، بدءًا من المسيرات وحتى الصواريخ الباليستية".
ولا تزال إيطاليا وفرنسا تقاومان المشروع، وإن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خطا خطوة باتجاه قبوله عندما قال "يجب على أوروبا أن تعرف كيف تدافع عما هو عزيز عليها. ومن أجل ذلك، هل نحتاج إلى درع مضاد للصواريخ؟ ربما".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ترامب × بوتين| صفقة تثير العاصفة الأوروبية.. التقارب الأمريكي الروسي يقلق أوروبا وتدرس تأثيره المحتمل على أمن القارة العجوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لم تكن العلاقة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الروسى فلاديمير بوتين مجرد "كيمياء شخصية"، كما وصفها ترامب ذات مرة، بل تحولت إلى مُعادلة سياسية معقدة هزّت أركان التحالف الأطلسي، وأثارت تساؤلاتٍ عن مدى استمرارية التضامن الغربى فى مواجهة التمدد الروسي، حيث نشهد منذ عودة الرئيس الأمريكى إلى البيت الأبيض فى يناير ٢٠٢٥ تحولات جذرية فى السياسة الدولية، أبرزها التقارب الملحوظ بين واشنطن وموسكو والذى أثار تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، خاصة فى ظل التوترات المستمرة مع الصين.
بدأت ملامح التقارب بين ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالظهور مع إعلان البيت الأبيض عن تعليق الدعم العسكرى والاستخباراتى لأوكرانيا، والبدء فى مفاوضات مباشرة مع موسكو لإنهاء الصراع فى أوكرانيا، كما أكد ترامب أن انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو ليس مطروحًا على الطاولة، مما يعكس تحولًا كبيرًا فى السياسة الأمريكية تجاه الأزمة الأوكرانية. كما أن جاءت العاصمة السعودية الرياض كمنصة شهدت لقاءات أمريكية روسية تمهيدية على مستوى وزراء الخارجية ناقشت سبل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وتعزيز التعاون الثنائي، مما يعكس جدية الطرفين فى تحسين العلاقات.
وفى خطوة لافتة، قدمت واشنطن مقترحًا لوقف إطلاق النار لمدة ٣٠ يومًا فى أوكرانيا، بهدف فتح المجال أمام مفاوضات سلام شاملة. ورغم أن الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلينسكى أبدى دعمه للمقترح، إلا أن موسكو أبدت تحفظات، مشيرة إلى ضرورة مناقشة تفاصيل إضافية قبل الموافقة النهائية. وترامب، من جانبه، حث بوتين على تجنب أى تصعيد قد يؤدى إلى "مجزرة رهيبة"، مشددًا على أهمية الحفاظ على أرواح الجنود الأوكرانيين المحاصرين، عاكسًا رغبة ترامب فى لعب دور الوسيط لإنهاء الصراع المستمر منذ سنوات.
المعروف هو أن ترامب قبل توليه منصب الرئاسة، كان رجل أعمال صاحب ثروة تقدر بمليارات الدولارات الأمريكية، وبالتالى من المنطقى أن نجد قرارته وسياسات أمريكا الخارجية أشبه بالصفقات التجارية، بمعنى، إنه لم تكن أمريكا أكبر رابح من الصفقة، فإنها تعد صفقة غير رابحة.
ومن هنا يمكن أن نفهم انحياز ترامب لروسيا ونرجع هذا الانحياز إلى عدة عوامل، أبرزها اعتقاد ترامب بأن ما يمثل التهديد الأكبر للولايات المتحدة فى القرن الحادى والعشرين هى الصين وليس روسيا، هذه القناعة تدفعه إلى السعى لتطبيع العلاقات مع موسكو، بهدف التركيز على مواجهة النفوذ الصينى المتصاعد. بالإضافة إلى ذلك، يرى ترامب أن تحسين العلاقات مع روسيا قد يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادى والسياسي، مما يعزز مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية. كما أن ترامب يحمل نظرة متشككة تجاه حلف الناتو، إذ يرى أن الدول الأوروبية لا تساهم بما يكفى فى نفقات الدفاع الجماعي، مما يجعله أكثر ميلًا للتعاون مع روسيا كبديل.
وتصاعد هذا المشهد الدرامى الدولى المتشابك وإعادة ترتيب التحالفات. فقد بقى يوم ٢٨ فبراير ٢٠٢٥ عالقا فى الأذهان لأنه هو اليوم الذى شهد لقاءً متوترًا بين ترامب وزيلينسكي، حيث تحول الاجتماع إلى مشادة كلامية حادة أمام وسائل الإعلام. وانتقد ترامب زيلينسكى علنًا متهمًا إياه بعدم الاحترام وهو ما أدهش متابعى اللقاء حول العالم، حيث إن لا أحد كان يمكن أن يتخيل حدوث موقف مشحون بهذا الكم من الكوميديا السوداء، وهو ما أثار أيضا استياء القادة الأوروبيين الذين يرون فى هذا التصرف تقليلًا للوحدة الغربية فى مواجهة التهديدات الروسية. هذا التوتر ألقى بظلاله على العلاقات الأمريكية الأوروبية، حيث أعربت العديد من الدول الأوروبية عن قلقها من التقارب الأمريكى الروسى وتأثيره المحتمل على أمن القارة. فالاتحاد الأوروبى يعتبر روسيا تهديدًا استراتيجيًا، وأى تقارب بين واشنطن وموسكو قد يُضعف الجبهة الغربية الموحدة.
فى ظل هذه التطورات، تبرز التساؤلات حول مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية، فالتقارب بين ترامب وبوتين قد يؤدى إلى توترات مع الحلفاء الأوروبيين، خاصة إذا شعروا بأن مصالحهم الأمنية مهددة. من جهة أخرى، قد يسعى ترامب إلى طمأنة الأوروبيين من خلال تعزيز التعاون فى مجالات أخرى، مثل الاقتصاد ومكافحة الإرهاب. أما فيما يتعلق بالصين، فإن التقارب الأمريكى الروسى قد يكون جزءًا من استراتيجية أوسع لمواجهة النفوذ الصينى المتزايد. فالولايات المتحدة ترى فى بكين منافسًا استراتيجيًا يسعى لتقويض النظام الدولى القائم، وقد يكون التنسيق مع موسكو خطوة لتعزيز الجبهة المضادة للصين.
ويظل التقارب بين ترامب وبوتين يعكس تحولًا فى ميزان القوى العالمي. فمن جهة، تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية، مركزة على التهديد الصينى المتصاعد. ومن جهة أخرى، ترى روسيا فى هذا التقارب فرصة لتعزيز نفوذها الدولى وتخفيف الضغوط الغربية، وقد يؤدى ذلك إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية. فالدول الأوروبية قد تجد نفسها مضطرة لإعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، وربما تعزيز التعاون فيما بينها لمواجهة التهديدات المحتملة. كما قد تسعى دول أخرى، مثل الهند واليابان، إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة لموازنة النفوذ الصينى والروسى المتزايد.
على الصعيد الاقتصادي، قد نشهد تغييرات فى سياسات التجارة والطاقة. فروسيا قد تسعى إلى تعزيز صادراتها من الطاقة مما قد يؤثر على أسواق الطاقة العالمية. كما قد يؤدى التعاون الاقتصادى بين البلدين إلى تغييرات فى سياسات العقوبات والتعريفات الجمركية. من ناحية أخرى، قد يثير التقارب الأمريكى الروسى قلق الشركات الأوروبية التى تعتمد على الأسواق الأمريكية والروسية. فالاتحاد الأوروبى يفرض عقوبات صارمة على موسكو، وأى تخفيف أمريكى لهذه العقوبات قد يضعف التأثير الاقتصادى الأوروبى عليها.
إن التقارب بين ترامب وبوتين يمثل تحولًا كبيرًا فى السياسة الدولية، يحمل فى طياته فرصًا وتحديات. فبينما قد يسهم هذا التقارب فى إنهاء الصراع الأوكراني، إلا أنه يثير مخاوف الحلفاء الأوروبيين بشأن أمنهم ومصالحهم، وفى ظل التوترات مع الصين، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية توازن الولايات المتحدة بين تعزيز علاقاتها مع روسيا والحفاظ على تحالفاتها التقليدية فى أوروبا وآسيا.
على المدى الطويل، سيحدد هذا التقارب مستقبل النظام الدولي، حيث قد نشهد إعادة هيكلة كبرى للعلاقات بين القوى العظمى. أوروبا قد تجد نفسها مضطرة لتعزيز قدراتها العسكرية والاستراتيجية لمواجهة التهديدات الروسية المحتملة دون الاعتماد الكامل على واشنطن. أما الصين، فقد ترى فى التقارب الأمريكى الروسى فرصة أو تهديدًا، مما قد يدفعها إلى تعزيز تحالفاتها فى آسيا وأفريقيا لتعويض أى خسائر دبلوماسية.
وفى النهاية، يبقى السؤال الأهم هو هل سيكون هذا التقارب مجرد تكتيك مؤقت أم بداية لتحالف استراتيجى جديد يعيد تشكيل النظام العالمي؟ والإجابة عن هذا السؤال ستعتمد على كيفية تفاعل القوى العالمية مع هذه المتغيرات، ومدى قدرة أوروبا والصين على موازنة التأثير الأمريكى الروسى المتزايد.