سودانايل:
2025-05-01@08:58:01 GMT

معادلات السياسة بين الثورة و الحرب

تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
الواقع التاريخي و الاجتماعي للبشرية يقول أن أعلى درجات العنف في المجتمعات هي الحروب و ليست الثورة، و الأخيرة يمكن أن تتحول إلي حرب، و تخلق واقعا مغايرا تماما للذي كان قبل الثورة، في الأجندة و المطالب و حتى في الشعارات، و الحرب مادامت تمثل أعلى درجات العنف في المجتمع لا تتوقف لكي تتحول إلي ثورة، فالذين يعتقدون أن الحرب المستمرة في السودان سوف تتحول إلي ثورة لكي تحقق لهم الشعارات التي يبشرون بها، هذا الاعتقاد يعتبر محاولة لخلق وهم سياسي وسط قلة محدودة، و هذا الاعتقاد لا مكان له وسط الطليعة الاجتماعية التي تملك "الوعي و إدارة الصراع" لأنهم يعلمون أن الحرب سوف ينتج عنها عنصرين مهمين في مسيرة العمل السياسي " العنصر الأول سوف تخلق أجندة جديدة مغايرة تماما للتي كانت سائدة قبل الحرب.

. و الثاني سوف تبرز قيادات جديدة لها دعم اجتماعي تكتسبه من خلال دورها في الحرب" هذه المتغيرات إذا لم تراعيها القوى السياسية لن تستطيع أن تحجز لها مكانا في المسرح السياسي بعد الحرب..
أن المنتصر في الحروب هو الذي سوف يكتب التاريخ بعدها، و هو الذي سوف يضع أجندة مستقبل البلاد، و يكشف عن القوى التي كانت سببا فيها، و هو سوف يصبح صاحب الكلمة العليا بسبب التحولات التي حدثت في المجتمع تأييدا له و حملت معه السلاح، و قاتلت معه كتفا بكتف، و هذا ليس إحباط للناس لكنه الواقع، فأهم عامل في السياسة معرفة المتغيرات في الواقع و دراسته، و يجب معرفة المكنزمات المحركة له، فالسياسي يجب أن لا يقفز على الواقع، و يضع افتراضات من الخيال، بل لابد من تشريح الواقع حتى يعرف كيف يتعامل معه حاضرا و مستقبلا.. هناك بعض القوى السياسة و النخب الذين يبشرون أنهم سوف يسيرون في خط الثورة و عدم الانحراف عنه، هذا التعهد كان يجب أن يكون بعد انتصار الثورة و يجعلونه مشروعهم السياسي، لكن بعد فشل هذه النخبة عن انجاز شعارات الثورة لا تعد وعودهم صالحة لصناعة المستقبل.. هي محاولة لتبرئة الذمة من الذي حدث، و لكنهم على قناعة أن عجلة التاريخ لا تعود للوراء مرة أخرى..
كما ذكرت تكرار في المقالات أن " الشعار" لا يصبح بديلا عن الفكرة، فالأفكار هي التي تغير الواقع، و إذا أحسنت النخب السياسية التعامل معها، و أجادوا إدارتها.. و دائما تجهض الأفكار؛ إذا كانت القيادات التي تتولى تنفيذها ذات قدرات متواضعة، و قليلة التجربة في الإدارة و الخبرة السياسية، و أيضا تعاملت معها بإنتهازية، أي يخاطبون الناس بأنهم يريدون تنفيذها، و هم يخططون لتنفيذ مصالح أخرى أقل منها شأنا.. فإذا كانت النخب السياسية تحترم الشعب يجب عليهم أحترام خياراته.. و الحرب الدائرة الآن فرضتها تناقضات السياسة، و عدم التعامل معها بعقلانية.. خاصة أن الرهان حتى اليوم عند أغلبية القيادات السياسية ليس رهانها على الشعب، و مايزال رهانها على الخارج بأن يصبح لها رافعة للسلطة.. و السؤال هل الخارج سوف يصبح هو القوى التي سوف تشكل توازن القوى في المجتمع؟ إذا كانت هناك إمكانية لفعل ذلك؛ كانت نجحت في فيتنام و أفغانستان و العراق و لم تفر أمريكا تاركة أدواتها تواجه مصيرها في تلك الدول، الشعب وحده هو الذي سوف يشكل توازن القوى في المجتمع، و يضغط لفرض أجندته، و الآن تغيرت المعادلة السياسية، و الذي يريد الثور يجب عليه أن يبدأ التحضير لها لكي تنجح من خلال أجيال جديدة لم تحضر الحرب، و لا سلبيات مرحلة الفترة الانتقالية...
فالواقع السياسي يفرض على النخب السياسية قراءة تاريخ الثورة و الانتفاضة في السودان، و لماذا كان التباعد بينهما دائما و يتم تنفيذها بقيادات جديدة؟ عندما تفشل القيادات السياسية في انجاز شعارات الثورة يصيب الإحباط قيادات الثورة و خاصة الشباب، و يصعب أن تقنعهم أن يثوروا مرة أخرى، و يقدموا ذات التضحيات، و لكي تعود ذات القيادات التي عجزت عن تحقيق الشعارات. لذلك تنتظر المجتمعات حتى تأتي أجيال جديدة لكي تتولى زمام الأمر.. و التاريخ يقول قد حدث التجديد في قيادات ثورة أكتوبر و في انتفاضة إبريل و في ثورة ديسمبر.. و أيضا أنظر إلي الفارق الزمني بين كل واحدة و أخرى بسبب الحاجة لتجديد الأجيال.. فالذين يعتقدون أنهم يريدون إعادة العجلة للوراء لكي يبدأون عندما توقفوا هم يطاردون السراب. لكن يستطيعوا أن يغيروا اجندتهم حتى تتماشى مع متغيرات الواقع، حتى يستطيعوا أن يخلقوا منافذ جديدة للحوار بأجندة جديدة..
أن الحرب هي أعلى مراحل النزاعات في المجتمعات، و هي المناط بها أن تخلق واقعا جديدا مغايرا للذي أدى إلي الحرب، و أن الحرب صنعت تحالفات جديدة في المجتمع، و أجندة و قيادات جديدة، و هؤلاء هم الذين سوف يضعون أجندة الحوار في المجتمع، و ليس هناك قوى تستطيع أن تبعدهم إذا كانت خارجية أو داخلية.. القيادات التي سوف تفرزها الحرب هؤلاء الذين يصنعون السودان الجديد.. أما المجتمع الدولي و الدول الأخرى أن كانت أمريكا و الغرب و بعض دول الإقليم الذين يتدخلون في شأن السودان الداخلي، هؤلاء يريدون الطمأنة على مصالحها حتى يستطيعوا تغيير مواقفهم.. و أقول؛ ليس بعد الحرب ثورة كما يعتقد بعض الذين لا يقرأون التاريخ.. فالذي يفرض شروطه لوقف الحرب على الأخر هو الذي سوف يشكل مستقبل السودان.. نسأل الله حسن البصيرة..

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی المجتمع أن الحرب إذا کانت

إقرأ أيضاً:

استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة واغتيال الدولة تحت غطاء الحرب (1-3)!!

Mohammedabdalluh2000@gmail.com

اليوم يدخل السودان يومه الـ745 في أتون حرب عبثية مزقت أوصاله ودفع فيها المدنيون كلفة لا تحتمل من القتل والدمار والتشريد، ولم تعد هذه الحرب مجرد صراع بين طرفين، بل حرب شاملة تستهدف الإنسان والذاكرة والمستقبل، وتحولت إلى مشروع منظم لتدمير حلم السودانيين في الحرية والسلام والعدالة، واختلطت فيها أدوات القمع بوسائل التصفية العرقية، وغلفت الجرائم ضد الإنسانية بخطابات زائفة عن الوطنية والسيادة.

هذه الحرب لم تكن صدفة، وإنما مخطط طويل الأمد تقوده الحركة الإسلامية، التي عادت إلى المشهد من الظلال مستندة إلى إرثها في تفكيك الدولة وسحق إرادة الشعب، فمنذ سقوط نظام البشير في 2019، تلقت قوى الإسلام السياسي صفعة لم تتوقعها، فالثورة السودانية المجيدة باغتتهم وأطاحت بمشروعهم السلطوي المتجذر في مفاصل الدولة، ولأنهم لم يتقبلوا الهزيمة، اختاروا طريق الحرب والتآمر والتخريب والانتقام، ولم تهدأ مخططات الحركة الإسلامية التي رأت في الثورة الشعبية تهديداً وجودياً لمشروعها الإسلامي، فبينما كان أنصار النظام يراهنون على وأد ثورة ديسمبر المجيدة في 2019، كما فعلوا في سبتمبر 2013، باغتتهم الإرادة الشعبية، وأطاحت بعرشهم، ودفعتهم صدمة السقوط إلى التواري والاختفاء مؤقتاً، خاصة بعد اعتقال قياداتهم، الا انهم لم يغادروا المشهد، وبدأوا في إعادة تنظيم صفوفهم، وشنوا حرباً باردة ومؤامرات ضد الحكومة الانتقالية، عبر حملات إعلامية ممنهجة لتشويه قوى الثورة، وخلق تشويش وتأجيج خلافاتها، واخترقوا مؤسسات الدولة، وحركوا خلاياهم في الجيش والشرطة وجهاز الأمن، استعداداً لساعة العودة.

كانت الحركة الإسلامية تعرف جيداً أن معركتها لن تخاض في الشوارع وحدها، بل داخل أجهزة الدولة نفسها، حيث تنام خلاياها النشطة بدعم خفي من ضباط المجلس العسكري، الذين تبنوا أجندتها، وشرعت في تفكيك الشراكة بين المكونين المدني العسكري الذي قام عليه الانتقال، وحاكت المؤامرات وصنعت الأزمات الاقتصادية والأمنية في البلاد، وفي قلب هذا المخطط، كان انقلاب 25 أكتوبر 2021 النقطة الفاصلة، ولم يكن مجرد انقلاب "كلاسيكي"، بل كان تحرك مخطط ومدعوم من الإسلاميين، لإستهدف وتفكيك الفترة الانتقالية، وضرب وحدة قوى الثورة، وتمهيد الأرضية لإعادة النظام القديم بثوب جديد، وعلى الرغم من فشل الانقلاب في تحقيق أهدافه، الا انهم نجحوا في شيء واحد فقط، وهو إدخال البلاد في نفق مظلم من الأزمات والانقسامات.
ومع فشل الانقلاب في تحقيق أهدافه وتشكيل الحكومة، ومع اشتداد الحراك الشعبي الرافض له، تحركت الحركة الإسلامية خطوة أخرى إلى الأمام، لـ “تعطيل الاتفاق الإطاري"، الذي كان يمثل تهديداً حقيقياً لطموحاتهم، كونه يفتح الباب مجدداً لعودة قوى الثورة، فكان لا بد من قطع الطريق عليه، لذلك دفعوا نحو المواجهة العسكرية بين "الجيش والدعم السريع"، وأشعلوا فتيل الحرب في 15 ابريل 2023، وكانوا حسب مخططاتهم، ظنوا أن الجيش سيحسمها خلال اربعة او خمسة أيام، وهم يدعمونه بتوفير الغطاء السياسي والشعبي، وكتائب إسلامية مدربة، ولم تكن تقديراتهم وليدة لحظتها، بل امتداداً لعقود من التمكين العقائدي داخل المؤسسة العسكرية، ولكن حساباتهم كانت خاطئة ولم تصب، وحولت البلاد إلى ساحة حرب مفتوحة تحول فيها المدنيون إلى ضحايا في معركة ليست لهم.

إن جذور مشروعهم الاسلامي يعود لانقلاب 1989، حين استولى عمر البشير على الحكم بدعم مباشر من الحركة الإسلامية، التي حولت السودان إلى مختبر لأفكارها المتشددة، وفرضت رؤيتها على التعليم والقضاء والمجتمع واخترقت المؤسسة العسكرية بالكامل، وخضعت القوات النظامية من "الجيش والأمن والشرطة"، لعملية "أسلمة وأدلجه" ممنهجة، وتحول الولاء العقائدي إلى شرط للترقي، ولم يعد الالتحاق بالكليات العسكرية مسألة كفاءة، بل ولاء مطلق للمشروع الإسلامي، وأصبحت بوابة لتخريج ضباط يعتنقون أيديولوجيا الإسلام السياسي، وما تزال قيادة المؤسسة العسكرية الى اليوم تحت قبضة الحركة الإسلامية، وإن حالوا التبرؤ منها.

ان أدلجة الدولة لم تتوقف عند المؤسسات الرسمية فقد امتد تأثير الحركة الإسلامية إلى النسيج الاجتماعي والثقافي، حيث أُعيد تشكيل التعليم والإعلام والثقافة لتكون انعكاساً لرؤية أيديولوجية ضيقة أفرزت أجيالاً مشوهة، وتم تسليحهم ليكونوا أدوات قتل في الحروب السودانية، وادلجت الحركة الإسلامية مجتمع بكامله وأعاده تشكيله ليخدم مشروعاً أيديولوجياً مغلقاً لا يقبل التعدد ولا يعترف بالآخر.

ومع اندلاع الحرب الحالية، سقط القناع تماماً، ولم تعد الحرب صراعاً على نفوذ أو موارد، بل تحولت إلى أداة انتقام شامل ضد الشعب السوداني، لا سيما هنالك عشرات الفيديوهات المتداولة توثق جرائم تقشعر لها الأبدان، "قتل على الهوية واغتصاب وتعذيب وإعدامات ميدانية وانتهاكات لا تحصى"، وتقف البلاد على حافة الهاوية تحاصرها كتائب الارهاب، التي لا تسعى فقط إلى إسكات صوت الثورة، بل إلى اقتلاع جذورها من الوعي الجمعي، وتحويل السودان إلى مسلخ مفتوح لكل من يجرؤ على المطالبة بوقف الحرب، او عودة الحكم المدني الديمقراطي.

يتبع ..  

مقالات مشابهة

  • ثنائي الابادة
  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • لقاء شعبي واسع في مصياف.. تعزيز السلم الأهلي وتحسين الواقع الخدمي
  • استراتيجية الحركة الإسلامية .. لتصفية الثورة واغتيال الدولة تحت غطاء الحرب (1-3)!!
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • مدير الشؤون السياسية بحلب والمشرف على عمل مديريتي الصحة بحلب وإدلب يبحثان مع عدد من الصيادلة التحديات التي تواجه القطاع الدوائي
  • تحولات اجتماعية عميقة في المجتمع المغربي.. ارتفاع نسب الأسر التي تعيلها النساء وتزايد الشيخوخة
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • زيارة البرهان إلى مصر: محاولة لالتقاط أنفاس السياسة وسط ركام الحرب
  • الفيلم الوثائقي طريق البيت… السيرة الشخصية في إطار المجتمع وبدايات الثورة