قال حجاج فارس التفاؤل هو توقُّع حصول الخير في المستقبل، وحمل الأمور بمحمل حسن مع حسن الظن بالله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ». قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: «الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» رواه البخاري ومسلم وفي رواية: «لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ» رواه البخاري.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما: (الفرق بين الفأل والطِّيَرة: أنَّ الفأل من طريق حُسْنِ الظنِّ بالله، والطِّيَرة لا تكون إلاَّ في السوء فلذلك كُرِهَت). الطيرة هي التشاؤم (بمرئي كرؤية طائر أو انسان ) أو بمسموع ( كأن يسمع كلمة من انسان فيتشاءم منها ) والعرب كانوا إذا عزموا على أمر ، أتوا بطائر ، فأطلقوه ، فإن راح الطائر جهة الشمال ، تشاءموا ، وتوقفوا عن الأمر ، وإن راح الطائر جهة اليمين ، تفاءلوا ومضوا فيه ، فجاء الإسلام وأنكر ذلك وأبطله ، فالتشاؤم ليس له أصل ، ولا ينطبق على الحقيقة، وهو من فعل الشيطان، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يتشاءم ؛ لا من رقم، ولا من يوم، ولا من شخص قال الله تعالى :(طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) [ يس : 19] إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُحبُّ أن يُستبشر بالخير، وكان ينهى عن كلمة (لو)؛ لأنها تفتح عمل الشيطان، فهي من أوسع أبواب التشاؤم، يتَّضح ذلك في توجيهه صلى الله عليه وسلم: «اسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» رواه مسلم.
وكان منهجه صلى الله عليه وسلم في التفاؤل يتجلَّى في تطبيقه لقول الله تعالى: ﴿ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]؛ وفي (الحديبية) لمَّا جاء سُهَيلُ بنُ عَمْرٍو يُفاوِض النبيَّ عن قريش، فتفاءل رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه، وقال: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ» رواه البخاري . إن التفاؤلُ فى حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- منهج ربَّى عليه صحابتَه الكرامَ، ورسَّخ ذلك بقوله وفعله، فكان إذا سمع اسمًا حسنًا أو كلمة طيبة، أو مَرَّ بمكان طيِّب انشرح صدرُه، واستبشَر بما هو عازمٌ عليه تفاؤلًا وأملًا، وحُسْنَ ظنٍّ بالله -تعالى-، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع: يا راشد، يا نجيح“(رواه الترمذي، بسند صحيح). وسمع صلى الله عليه وسلم كلمةً من رجل فأعجبته، فقال: “أخذنا فَأْلَكَ مِنْ فِيكَ“(رواه أبو داود، بسند صحيح)؛ أي: تَفَاءَلْنَا من كلامك الحسن؛ تيمُّنًا به، وفي سفر الهجرة لَمَّا قَدِمَ صلى الله عليه وسلم المدينةَ نزَل في علوها، تفاؤلا بعلو دينه، وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- إذا استسقى قلَب رداءَه بعد الخطبة؛ تفاؤلا بتحوُّل حال الجدب إلى الخصب بل كان صلى الله عليه وسلم يُغَيِّر الأسماء المنافية للتفاؤل، ففي (صحيح مسلم) أن ابنة لعمر -رضي الله عنه- كان يقال لها: “عاصية” فسمَّاها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “جميلة”، وكانت المدينة النبوية تسمَّى في الجاهلية بيثرب، وهي كلمة ليست محمودة، فغيَّرها -صلى الله عليه وسلم- إلى “طابة”، فهي طيبة مباركة إلى يوم القيامة. وفي (صحيح البخاري) عن ابن المسيب أن جدَّه جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “ما اسمُكَ؟ قال: حَزْنٌ، قال: أنتَ سَهْلٌ، قال: لا أُغَيِّر اسمًا سَمَّانِيهِ أبي”، قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعدُ، والحزونة غلظة وقساوة في الخُلُق، قال بل جعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم اليأسَ من الكبائر؛ فلمَّا سأله رجل عن الكبائر؟ أجابه بقوله: «الشِّرْكُ بِالله، وَالإِيَاسُ مِنْ رَوْحِ الله، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ الله» حسن - رواه البزار. إنَّ أعلى درجات التفاؤل هو التفاؤل في أوقات الأزمات، ولحظات الانكسار وساعات الشدائد، فتَتَوَقَّع الخيرَ وأنت لا ترى إلاَّ الشر، والسعادةَ وأنت لا ترى إلاَّ الحُزن، وتَتَوقَّع الشفاءَ عند المرض، والنجاحَ عن الفشل، والنصرَ عند الهزيمة، وتتوقَّع تفريجَ الكروب ودَفْعَ المصائب عند وقوعها، فالتفاؤل في هذه المواقف يُولِّد مشاعر الرضا والثقة والأمل. والتفاؤل له أساسان: الأول: حُسن الظن بالله تعالى؛ لأن التشاؤم سوء ظن بالله بغير سبب مُحقَّق. والإنسان مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله تعالى أنا عند ظنِّ عبدي بي" رواه البخاري والثاني: التوكل على الله تعالى: وهو من أسباب النجاح.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حياة المسلم
إقرأ أيضاً:
كل كلام يقوله الإنسان محسوب عليه إلا 3 أمور فما هي؟.. علي جمعة يوضح
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن سيدنا النبي ﷺ: يقول: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”، إنه أدب رفيع لا نراه في حياتنا اليومية، حيث نجد الناس يتدخلون في أمور ليست من شأنهم، فيتحدثون بما لا يعلمون، ويقولون بما لا يتقنون، وكل ذلك محسوب عليهم لا لهم. وقد قال رسول الله ﷺ: «كل كلام ابن آدم عليه لا له إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله».
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه قد تعجب قوم من هذا الحديث عند الإمام سفيان الثوري رحمه الله ورضي عنه، فقال لهم: "لِمَ العجب؟" واستدل بقول الله تعالى: "لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ"، وبقوله تعالى: "يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا".
كان سفيان يستشهد بالقرآن على صحة الحديث ليزيل عنهم العجب، لأن كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا في الأمور الثلاثة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله، وعندما يقول النبي ﷺ: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، فهي كلمة جامعة تدعو الإنسان إلى أدب عظيم مع الله.
وكما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه، عندما سئل رسول الله ﷺ عما ورد في صحف إبراهيم عليه السلام، قال ﷺ: "عَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ تَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ" [رواه ابن حبان].
هذا هو العاقل الذي يشغل نفسه بما يعنيه من أمور دينه، وليس بما لا ينفعه من أمور دنياه. هذا هو العاقل الذي يستحي من الله. وقد قال رسول الله ﷺ: "الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ".
هذه هي حقيقة الحياء من الله سبحانه وتعالى: أن تحفظ الرأس وما وعى. فانظر إلى بلاغة النبي ﷺ، حيث لم يذكر العين وحدها لحفظها من النظر الحرام، أو اللسان من القول الحرام، أو الأذن من السمع الحرام، بل قال: "الرأس وما وعى"، وهذا يشمل الفكر الحرام أيضًا.
وينبغي عليك أيها المسلم أن تنزه باطنك وتطهره لله حياءً منه، وأن تأكل الحلال لتحفظ البطن وما حوى، وقد قال ﷺ: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعاء".
كما ينبغي عليك أن تذكر الموت دائمًا، فمن ذكر الموت امتنع عن الفسوق، وداوم على ذكر الله، وتذكر البلى، حيث لا شيء يبقى في هذه الحياة الدنيا، كما قال تعالى: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".
عودوا إلى أدب الإسلام، فإن الإسلام كله حلاوة، يأمر بالمعروف، والجمال، والنظافة، وينهى عن القبح، وقلة الحياء، وقلة الأدب.