لم يعتد اللبنانيون على سماع كلام بهذه المسؤولية كالكلام الذي سمعوه امس الاول من رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، وهو كلام مبني على واقعية لافتة وبعد نظر غير مألوفين، سواء في الشكل أو في المضمون، إذ بدا للوهلة الأولى وكأن شخصًا آخر من يتكلم، أقّله من حيث الشكل قبل الغوص في المضمون، الذي ينمّ عن أن المتكلم قد وصل إلى مرحلة من النضج السياسي، الذي يتماهى مع صعوبة المرحلة التي يمرّ بها لبنان، وبالأخصّ في ظل ما يتعرّض له جنوب لبنان اليوم من اعتداءات إسرائيلية متواصلة، مع ما يخشاه كثيرون من أن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ، وأن تشمل هذه الاعتداءات بوحشيتها كل لبنان بعد التهديدات الأخيرة من قِبل صقور حكومة الحرب، الذين طالبوا بقصف بيروت ردًّا على قصف منطقة الجليل الأعلى في فلسطين المحتلة.
وما يمكن أن يُقال عن كلام النائب باسيل إلى برنامج 2030 من على شاشة "الـ بي سي انترناشيونال" لخير دليل على أن انتقادنا له على مدى سنوات لم يكن لمجرد الانتقاد لشخصه، إذ لم نسمح لأنفسنا بأن نتعرّض له في الشخصي، بل كان انتقادنا له لمواقف كان يتخذها في أكثر من مناسبة، انطلاقًا من قراءة موضوعية لما كنا نراه مخالفًا لمنطق الأمور على عكس الذين يقولون "عنزة حتى ولو رأوها تطير". فـ "لبنان 24"، ومنذ انطلاقته الأولى قبل اثنتي عشرة سنة، حاول أن يكون على مسافة واحدة من مختلف الشرائح السياسية بمقدار ما كان هؤلاء قريبين من نظرته إلى الأمور، من دون الادّعاء بأنه لامس الحقيقة المطلقة، وهي من الصفات غير البشرية، مع الاعتراف المسبق بأن من يسعى وراء هذه الحقيقة قد يصيب أحيانًا وقد يخطئ أحيانًا أخرى، مع امتلاك الشجاعة الكافية للقول عن الأبيض أبيضَ، وعن الأسود أسودَ، وإن كان ما دونهما من عمل الشيطان، الذي يستغّل أدّق التفاصيل ليحاول تخريب ما يمكن تخريبه.
فما سمعناه امس الاول أدخلنا في حيرة من أمرنا، وإن كان لنا من قائله موقف مسبق، وذلك استنادًا إلى تجارب قديمة لم تكن مشجعة لكي تُخاض معه مناقشة موضوعية لجملة مواقف. وسبب هذه الحيرة قد يعود في الأساس إلى نوع من التشاوف، وهذا ما كنا نأخذه في الشكل على رئيس ثاني أكبر كتلة نيابية في مجلس النواب، وهذا ما كان يدفعنا إلى انتقاده نقلًا عمّن يعرفه حق المعرفة وعن قرب...
الكلام في السياسة إن لم يكن نابعًا من قراءة استشرافية للواقع يبقى مجرد كلام ومن دون أي تأثير، ولكن عندما يكون مستندًا إلى تحليل منطقي للأشياء يمكن عندها التوقف عنده، والتأسيس عليه لمرحلة متقدمة من الحوار البنّاء والمنتج، أقّله في مجال توحيد كلمة اللبنانيين في ما يمكن أن يكون مفيدًا لمستقبل البلد وأجياله الطالعة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: ما یمکن
إقرأ أيضاً:
العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان ودور المقاومة في مواجهة التحديات (قراءة تحليلية)
يمانيون../
لا يزال لبنان يُواجه تحدياتٍ مصيرية في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الذي لم يلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، مما يُبرز الحاجة الماسة إلى المقاومة كصمام أمان لحماية البلاد. العدوان الإسرائيلي يتجاوز كل القوانين الدولية، متجاهلاً الجيش اللبناني، واتفاقات الهدنة، واللجان الدولية. دمار القرى، نسف المنازل، وتجريف المزارع هي أفعال تكشف حقد الاحتلال وطبيعته العدوانية، وتؤكد أهمية وجود مقاومة قوية لردع هذا الطغيان.
العدوان الإسرائيلي: خروقات مستمرة وتحدٍ للسيادة
منذ إعلان وقف إطلاق النار الهش، لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن خروقاته التي تجاوزت 200 خرق، شملت نسف منازل، تجريف مزارع، واستهداف المدنيين. هذه الاعتداءات، التي تتجاوز كل الأعراف الدولية، تؤكد أن الاحتلال يحاول تحقيق أهدافه بالقوة، حيث فشل في ذلك أثناء الحرب.
العدوان الإسرائيلي ليس فقط عدواناً على لبنان، بل هو اعتداء على القرارات الدولية والمجتمع الدولي برمته، كما أكد الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم. في ظل هذه الهجمة المستمرة، تُظهر المقاومة اللبنانية استعدادًا كاملًا لمواجهة أي تمدد إسرائيلي، في الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال اختبار صبر المقاومة.
المقاومة اللبنانية: قوة الصمود والردع
منذ حرب 2006، أثبتت المقاومة اللبنانية أنها الحصن المنيع الذي يحمي لبنان من استباحة أراضيه. تصريحات قادة حزب الله تعكس رؤية واضحة واستراتيجية مدروسة لمواجهة الاحتلال. كما أشار نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله، محمود قماطي، فإن الصبر الذي التزمت به المقاومة خلال الفترة الماضية لم يكن إلا لإعطاء فرصة للوسطاء، مؤكداً أن اليوم الحادي والستين بعد الهدنة سيحمل تحولاً كبيراً إذا استمر الاحتلال في خروقاته.
هذه الرسائل الحاسمة تُبرز أن المقاومة ليست في موقف ضعف، بل تمتلك القدرات اللازمة للردع. المخزون الصاروخي، والاستعداد العسكري، والدعم الشعبي هي عوامل تجعل المقاومة جاهزة لكل السيناريوهات. كما أكد قادة المقاومة أن خطوطهم الحمراء، بما فيها سلاح المقاومة وحماية السيادة اللبنانية، ليست قابلة للمساومة.
وفي ظل هذا الواقع المعقد، تُعد المقاومة اللبنانية الركيزة الأساسية لحماية البلاد. كما أشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة، إيهاب حمادة، فإن المقاومة لم تضعف، بل أصبحت أكثر قوةً وصلابة. ورسائل حزب الله واضحة: أي تمدد إسرائيلي في لبنان أو سوريا سيُواجه بردٍ حاسم.
دور الدولة اللبنانية: بين التحديات والالتزامات
الدولة اللبنانية، بدورها، تواجه مسؤولية كبيرة في الحفاظ على سيادة البلاد. رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، أكد في جلسة خاصة لمجلس الوزراء التزام الجيش اللبناني بتطبيق القرار 1701، الذي يدعو إلى إنشاء منطقة خالية من السلاح بين الخط الأزرق ونهر الليطاني.
إلا أن الواقع يشير إلى غياب جدية المجتمع الدولي في إجبار الاحتلال على الالتزام بهذا القرار. مع تواصل الخروقات، تصبح المقاومة هي الضامن الفعلي لحماية الجنوب اللبناني. التحديات التي تواجهها الدولة لا تقتصر على العدوان الإسرائيلي، بل تمتد إلى الأزمات الداخلية، بما في ذلك أزمة النزوح السوري وتأثيرها على البنية الاجتماعية والاقتصادية.
أزمة النزوح السوري: تحدٍ إضافي للبنان
إلى جانب التهديدات الإسرائيلية، يواجه لبنان أزمة إنسانية بسبب تدفق النازحين السوريين عبر الحدود غير الشرعية. الأرقام تشير إلى دخول نحو 85 ألف نازح، منهم 65 ألف سوري. هذه الأزمة تُلقي بظلالها الثقيلة على الاقتصاد اللبناني، وتُفاقم الضغط على البنية التحتية والخدمات الأساسية.
وزير الشؤون الاجتماعية، هيكتور حجار، أكد ضرورة معالجة هذا الوضع بشكل عاجل، داعيًا المؤسسات الدولية إلى تحمل مسؤولياتها، وضمان عودة النازحين إلى بلدهم. التداخل بين الأزمات الإنسانية والأمنية يُعقّد المشهد اللبناني، ويُبرز الحاجة إلى استراتيجية شاملة تُوازن بين حماية الحدود وتلبية الاحتياجات الإنسانية.
المجتمع الدولي: بين الصمت والتواطؤ
الصمت الدولي أمام الخروقات الإسرائيلية يُثير تساؤلات حول جدية التزام المجتمع الدولي بحماية لبنان. الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان تُشرفان على تنفيذ وقف إطلاق النار، لم تُظهرا موقفًا حازمًا تجاه الاحتلال. هذا التواطؤ الضمني يُبرز أهمية اعتماد لبنان على قوته الذاتية ومقاومته الشعبية في مواجهة التحديات.
الخاتمة: خيار بين السيادة والخضوع
لبنان اليوم في مرحلة مفصلية. العدوان الإسرائيلي والخروقات المتواصلة تهدد استقراره، بينما تُلقي الأزمات الداخلية بثقلها على مستقبل البلاد. المقاومة أثبتت أنها العمود الفقري لحماية السيادة اللبنانية، ولكن الدور المطلوب من الدولة والمجتمع الدولي لا يزال دون المستوى المطلوب.
الرسالة واضحة: الكرامة والسيادة ليستا قابلتين للتفاوض. المقاومة ستظل الحصن المنيع، ولكن على الدولة أن تُعزز موقفها داخليًا ودوليًا، وتُعيد ترتيب أولوياتها بما يخدم مصالح الشعب اللبناني.
في هذا الصراع، الزمن لا يرحم، والتاريخ يُكتب الآن. الخيار أمام لبنان إما أن يبقى صامداً وقويًا في وجه الاحتلال، أو أن يتحول إلى ساحة مفتوحة للعدوان. الشعب اللبناني، الذي صمد في وجه الاحتلال لعقود، يُثبت كل يوم أن السيادة لا تُمنح، بل تُنتزع بنضالٍ مستمر وإرادةٍ لا تنكسر.
—————————————
تقرير : ماجد الكحلاني