السكك العراقية – البكاء على أطلال أقدم مؤسساتنا
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
يذكر الاستاذ الكبير (حنا بطاطو) في مؤلفاته الرصينة عن العراق ان عدد العاملين في مصلحة السكك الحديدية العراقية بلغ 10801 عام 1945، وكانت تتمتع وقتذاك باستقلالية مالية وإدارية كاملة. وتعد من ارقى المؤسسات الخدمية، وتمثل المحور الرئيس والأهم في مضمار نقل الركاب والبضائع. وأهم المسارات الحيوية في التجارة الداخلية والخارجية لما لها من ارتباطات مباشرة بجميع المنافذ البحرية والبرية.
كان معظم العاملين في تلك المؤسسة يشكلون النخبة المنتخبة من اصحاب المواهب والخبرات المكتسبة والمتراكمة من خلال عملهم الدؤوب وممارساتهم اليومية في شتى الاختصاصات المرتبطة بهذا الشريان المتدفق بالنشاط والمزايا الطيبة. .
ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من حروب وحصار دولي، وعوامل كثيرة اشتركت كلها في تفاقم تداعياتها السلبية، فبانت عليها علامات الضعف والوهن والانخفاض في الأداء والعطاء. ثم عصفت رياح التردي بهذا الصرح الوطني الكبير، فتحولت السكك من شركة رابحة إلى شركة خاسرة. حتى جاء اليوم الذي قرر فيه وزير النقل الأسبق (عامر عبدالجبار) الاستغناء عن أعداد هائلة من خيرة خبراء السكك والعاملين فيها، فقرر تقليص أعدادهم باجتثاث جذورهم من بيئتهم المهنية، وترحيلهم للعمل في الموانئ والنقل الخاص والنقل البري، فكان هذا الإجراء الخاطئ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لأن اللجوء إلى المعالجات الترقيعية الارتجالية لا يعد من الحلول الناجعة، بل على العكس تماما، وهكذا تسببت هذه الخطوة في إفقار السكك مهنيا وإقتصاديا ووظيفياً. ثم قرر الوزير نفسه طلاء القاطرات والعربات باللون الأزرق ظناً منه بأن رداءها الأزرق سيجعلها اكثر اناقة من ذي قبل. .
بعدها هبت علينا رياح التقاعد القسري التي أجهزت على ما تبقى لدينا من خبرات ومهارات. ولابد من الإشارة أيضاً إلى الهجمات التخريبية التي تعرضت لها المحطات والخطوط على يد عصابات الدواعش. .
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل العواصف التعطيلية والإخفاقات المتعاقبة ظل العاملون في السكك يشعرون بالولاء والانتماء لهذه القلعة الحصينة والمدرسة الرصينة التي تخرج فيها الأجداد والآباء والأحفاد. .
فإلى محطاتنا التي ظلت تصارع عزلتها، وتتطلع إلى جيل جديد. جيل يتفحص التاريخ والجغرافيا والفكر وينكثها من الجذور. ولا يغفر الأخطاء. أو ينحني أمام الصعاب. هدفه الوطن وديدنه البناء. إلى الأصقاع الصحراوية التي قطعتها أقدام أبي العارية وهو يدفع كاشفة خطوط السكك الحديدية مهرولاً في دروب مفارقة خط الزمن، ومازال رذاذ ترابها عالقاً في مخيلتي. إلى الإنسان الذي ظل صوته نقياً حتى وهو في جبروت عزلته تحت الثرى. أهدي هذه المقالة. أملاً أنني استطعت أن أبتكر لغة تليق بهذا الفراق اليقظ الذي يضاء بنور من يقين حيث تلهج الروح بالرجاء لغد أفضل. . . د. كمال فتاح حيدر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
صدور الهدهد الأزرق للدكتور غسّان عبد الخالق
عمّان - العُمانية: صدر للكاتب الدكتور غسّان عبد الخالق كتاب "الهدهد الأزرق؛ نحو مختبر تطبيقي في الأدب الرقمي" في 250 صفحة، وذلك عن دار فضاءات للنشر والتوزيع.
واشتمل الكتاب على إهداء جاء فيه: "إلى مجلاّت الحائط المنسية في مدارسنا العتيقة"، وإشارة استحضرت قصيدة محمود درويش: "يغتالني النقاد أحيانًا، وأنجو من قراءَتهم، وأشكرهم على سوء التفاهم؛ ثم أبحث عن قصيدتي الجديدة"، ومقدّمة، وتمهيد، وتوقيعات، وملحقَين؛ وخاتمة.
ومما جاء في المقدّمة: "قُيّض لي سابقًا، أن أقارب التأثير الحاسم لوسائل التواصل الاجتماعي، في أبرز أبحاثي (معجم ألفاظ الربيع العربي) الذي صدّرت به كتابي (بلاغة الشارع؛ دراسات تطبيقية في ضوء النقد الثقافي). وها أنا ذا أفي بالوعد الذي قطعته على نفسي أكثر من مرة، وأعني به التصدّي لتوثيق تجربتي في (الفيسبوك)؛ سياقًا ونصًّا".
ويضيف عبد الخالق: "مع أنني أدرك أن الانشغال بهذا الشأن قد يثير استهجان أو استغراب بعض المتزمّتين، فإنني أُقدم عليه بكل اطمئنان، لأنني عوّدت قرّائي ودرّبتهم على التعامل معي بوصفي ناقدًا ثقافيًّا مهجوسًا بخطاب الجمهور في المقام الأول، ومن واجبي –لذلك- أن أشتبك مع كل نسق ثقافي معلن أو مضمر، بلا هوادة ودون مجاملة، ولأنني أَعدُّ النقد الثقافي التزامًا شاملًا، وليس (بريستيجًا) أكاديميًّا أو نقديًّا، أفعّله هنا ولا أفعّله هناك، لغاية في نفسي أو لغاية في نفس غيري".
مثّل التمهيد للكتاب تشخيصًا للأنساق المضمرة في (الفيسبوك)، وخاصة على صعيد نسق الدوافع السياسيّة الذاتيّة أو الجمعيّة، ونقرأ للمؤلف في ذلك: "ليس سرًّا أن كثيرًا من المغامرين السياسيين، قد نقلوا مماحكاتهم ومهاتراتهم وآمالهم وطموحاتهم السياسيّة، من الشارع إلى شاشة الحاسوب المحمول أو الهاتف المحمول، وراحوا يصبّون جام غضبهم وإحباطاتهم وتطلّعاتهم عبر الفيسبوك. وقد أشاع كثير منهم حالة من الابتذال السياسي المكشوف، المصحوب بمظاهر التنمّر والعدمية والعبث والضحك الأسود، وتطبيع ثقافة التخوين والاتهام والتجريح".
وفيما شغلت التوقيعات -التي سبق للمؤلف أن نشرها في صفحته بين عامي 2012 و2020- مئة وخمسًا وستين صفحة؛ فقد ضمّ الملحق الأول أبرز ما أُهدي له من قصائد شعرية فيسبوكية، وضم الملحق الثاني مقالات تابع المؤلف من خلالها تطورات موقفه من وسائل الاتصال الاجتماعي، مشيرًا إلى أنه حدّد سمات التوقيع بـ: الفكرة، والمفارقة، واللغة الشعرية، والإيجاز، والبساطة.
وختم المؤلّف كتابه قائلًا: "حينما عرضت هذا الكتاب على ثلّة من الزملاء والأصدقاء الذين أثق برأيهم؛ بادر الأكاديميون منهم لتأكيد قناعتهم بأنه قد يكون فاتحة لعدد من التجارب التوثيقية الإبداعية والدراسات الثقافية الجادة في حقل الأدب الرقمي. وأضاف بعضهم قائلًا: إذا أُحسن توجيه طلاب الدراسات العليا إلى بعض المدوّنات النوعية في الفضاء الأزرق؛ الأدبية والاجتماعية والسياسية -ومن منظور النقد الثقافي- فإن الحصاد سيكون وفيرًا، وخاصة إذا نظرنا بعين الاعتبار، إلى حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي الآن، تمثل المنابر الأولى للجمهور، على اختلاف مرجعياته وتوجهاته، وأن هذه الوسائل توفر للباحثين فرصًا ذهبية، لرصد التفاعلات الموثّقة بين المرسل والمستقبل بالسنة والشهر واليوم والساعة".