بقلم: كمال فتاح حيدر ..

يذكر الاستاذ الكبير (حنا بطاطو) في مؤلفاته الرصينة عن العراق ان عدد العاملين في مصلحة السكك الحديدية العراقية بلغ 10801 عام 1945، وكانت تتمتع وقتذاك باستقلالية مالية وإدارية كاملة. وتعد من ارقى المؤسسات الخدمية، وتمثل المحور الرئيس والأهم في مضمار نقل الركاب والبضائع. وأهم المسارات الحيوية في التجارة الداخلية والخارجية لما لها من ارتباطات مباشرة بجميع المنافذ البحرية والبرية.

.
كان معظم العاملين في تلك المؤسسة يشكلون النخبة المنتخبة من اصحاب المواهب والخبرات المكتسبة والمتراكمة من خلال عملهم الدؤوب وممارساتهم اليومية في شتى الاختصاصات المرتبطة بهذا الشريان المتدفق بالنشاط والمزايا الطيبة. .
ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية وما تلاها من حروب وحصار دولي، وعوامل كثيرة اشتركت كلها في تفاقم تداعياتها السلبية، فبانت عليها علامات الضعف والوهن والانخفاض في الأداء والعطاء. ثم عصفت رياح التردي بهذا الصرح الوطني الكبير، فتحولت السكك من شركة رابحة إلى شركة خاسرة. حتى جاء اليوم الذي قرر فيه وزير النقل الأسبق (عامر عبدالجبار) الاستغناء عن أعداد هائلة من خيرة خبراء السكك والعاملين فيها، فقرر تقليص أعدادهم باجتثاث جذورهم من بيئتهم المهنية، وترحيلهم للعمل في الموانئ والنقل الخاص والنقل البري، فكان هذا الإجراء الخاطئ بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لأن اللجوء إلى المعالجات الترقيعية الارتجالية لا يعد من الحلول الناجعة، بل على العكس تماما، وهكذا تسببت هذه الخطوة في إفقار السكك مهنيا وإقتصاديا ووظيفياً. ثم قرر الوزير نفسه طلاء القاطرات والعربات باللون الأزرق ظناً منه بأن رداءها الأزرق سيجعلها اكثر اناقة من ذي قبل. .
بعدها هبت علينا رياح التقاعد القسري التي أجهزت على ما تبقى لدينا من خبرات ومهارات. ولابد من الإشارة أيضاً إلى الهجمات التخريبية التي تعرضت لها المحطات والخطوط على يد عصابات الدواعش. .
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل العواصف التعطيلية والإخفاقات المتعاقبة ظل العاملون في السكك يشعرون بالولاء والانتماء لهذه القلعة الحصينة والمدرسة الرصينة التي تخرج فيها الأجداد والآباء والأحفاد. .
فإلى محطاتنا التي ظلت تصارع عزلتها، وتتطلع إلى جيل جديد. جيل يتفحص التاريخ والجغرافيا والفكر وينكثها من الجذور. ولا يغفر الأخطاء. أو ينحني أمام الصعاب. هدفه الوطن وديدنه البناء. إلى الأصقاع الصحراوية التي قطعتها أقدام أبي العارية وهو يدفع كاشفة خطوط السكك الحديدية مهرولاً في دروب مفارقة خط الزمن، ومازال رذاذ ترابها عالقاً في مخيلتي. إلى الإنسان الذي ظل صوته نقياً حتى وهو في جبروت عزلته تحت الثرى. أهدي هذه المقالة. أملاً أنني استطعت أن أبتكر لغة تليق بهذا الفراق اليقظ الذي يضاء بنور من يقين حيث تلهج الروح بالرجاء لغد أفضل. . .

د. كمال فتاح حيدر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

الجيش حارس ليكم أهلكم..!!

تأمُلات
الجيش حارس ليكم أهلكم..!!
كمال الهِدَي

يتعاملون مع الجيش وكأنه أحد أندية الكرة، يُفترض أن نشجعه ونآزره ونشكره كمان لكي يؤدي المهام التي تُنشأ من أجلها الجيوش، المهام التي يحصل هذا الجيش لأجلها على ٨٢‰ من الموازنة، ده بخلاف المنهوب والمسروق والمسلوب دون أن يؤديها، و بكل (عنجهية بليدة) الواحد يقول ليك الجيش حارس ليك أهلك!! والمحزن أن الكثير من أصحاب هذا الموقف الشاذ و(المدفوع المقابل) أحياناً يُطلق عليهم إعلاميين، لهذا نظل نردد أن مصيبتنا كبيرة، لأن هؤلاء نشروا الجهل وأصابوا عقول الناس بلوثة صار التغلب عليها أمراً بالغ الصعوبة.

* جيش ينسحب كل صباح من مدينة بأوامر قادته العملاء الخونة اللصوص وتريدون من الشرفاء أن يسكتوا عن جرائمه!!

* هو نحن الهلال توقفنا عن تشجيعه في هذه الظروف مع وجود إداريين يساهمون في دمار البلد دايرننا نشجع جيش خائن!!
كمال الهِدَي  

مقالات مشابهة

  • سهل نينوى يقف على أطلال حرب داعش.. والاهمال الحكومي يطيل مسيرة الاعمار
  • سهل نينوى يقف على أطلال حرب داعش.. والاهمال الحكومي يطيل مسيرة الاعمار- عاجل
  • بعد اعتقال عناصر من الـPKK.. اتحاد مجتمعات كردستان يرد على الداخلية
  • اكتشاف تاريخي مذهل.. كيف ساعد انقراض الديناصورات على انتشار العنب؟
  • الجيش حارس ليكم أهلكم..!!
  • كريم عبد العزيز يبدأ تصوير فيلم «الفيل الأزرق 3» في شهر أغسطس
  • وماذا بعد تلك التصريحات؟
  • الأرجنتين تتجاوز بيرو وتتأهل بصدارة مجموعتها في كوبا أمريكا 2024
  • قوات الدعم السريع تعلن السيطرة على سنجة
  • كيف نواجه سيوف التشكيك الأمريكي بالقضاء العراقي؟