رام الله- في الخامس من يونيو/حزيران 1967 هزمت إسرائيل 3 من دول جوارها العربي هزيمة ساحقة في حرب دامت 6 أيام، واحتلت أجزاء واسعة من مصر والأردن وسوريا، مدمرة أغلب عتادها العسكري، حتى تحولت إلى ضابط في المنطقة تضرب كيف ومتى شاءت، إلا أن هذا الواقع تزعزع بعد معركة طوفان الأقصى.

ومع اقتراب طوفان الأقصى من إكمال شهرها السابع، تفشل ذات القوة في حسم المعركة بغزة رغم حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فما الذي تغير على مدى 57 عاما من الثورة الفلسطينية؟

يرى محللون -تحدثت إليهم الجزيرة نت- أن أبرز تغير حصل خلال العقود الماضية هو قناعة المقاتل الفلسطيني بقدرته على إدارة معركته من الداخل ودون انتظار خطوط إمداد خارجية، إضافة إلى ما يحمله من أيديولوجيا جعلت الموت والحياة سيان بالنسبة له، فضلا عن طبيعة قتال المدن والتحرك ضمن خلايا عسكرية، خلافا للقوات النظامية التي يسهل شلها كما حدث في النكسة.

مقاومون فلسطينيون سيطروا على عربة عسكرية إسرائيلية قرب غزة أثناء عملية "طوفان الأقصى" (رويترز) إرادة الحرية

يقول الخبير السياسي نهاد أبو غوش إنه "لا مجال للمقارنة بين عقلية وعقيدة جيوش عربية أو أي جيوش نظامية ليس لديها مشروع تحرري ولا تنموي ولا نهضوي، مع المقاومة التي تمثل إرادة شعب".

ويضيف أبو غوش أن معارك التحرر "لا تقاس بالإمكانيات العسكرية، مع أنها مهمة، لكن جوهرها إرادة الحرية عند الناس، ولذلك تتجدد وتبدع وتنطلق".

وهنا، يشير إلى أن المقاومة الرسمية الفلسطينية كانت قبل إغراقها بالأموال والامتيازات والسياسة العربية الرسمية، مقاومة تحررية تتخذ من الأحراش والجبال والمواقع الفدائية ملاذا، ويعيش المقاتلون حياة تقشف مستعدين لبذل أرواحهم في سبيل قضيتهم الوطنية، وهكذا كانوا في غزة أيضا في الخمسينيات وقدموا نماذج بطولية.

وأشار المحلل الفلسطيني إلى أمثلة على معارك التحرر الوطني والحروب غير المتناظرة بين قوى قوية بالمادة والآليات والسلاح والإمكانيات اللوجستية مقابل قوى تحررية محلية كما في أفغانستان وكمبوديا وجنوب أفريقيا وفيتنام وغيرها.

وحسب أبو غوش فإنه "لا يمكن للقوى الغاشمة أن تهزم الشعوب بالقوة المسلحة، ولا ينطبق ذلك فقط على المقاومة الفلسطينية، بل حدث ذلك عام 2006 مع حزب الله؛ حيث عجز الجيش الإسرائيلي عن السيطرة على قرى لبنانية لوجود قرار سياسي وإرادة لدى المقاومة لا يمكن كسرها".

لكن إذا كانت المقاومة مجرد اسم أو ماض مجيد، فإنها بالتأكيد، يقول أبو غوش، لا تستطيع الصمود، "ورأينا عام 1982 كيف أن منظمة التحرير شابها الكثير من الخلل عندما تحولت إلى ما يشبه النظام الرسمي واختلفت عما كانت عليه عند انطلاقتها في الستينيات والسبعينيات".

وفي معركة غزة ورغم استخدام كل أنواع الأسلحة والسيطرة البرية والبحرية والجوية والحصار الخانق وجرائم الإبادة، فإن المقاومة لم تنكسر ولن تنكسر، وفق أبو غوش الذي يرى أنه "كلما استشهد مقاتل جاء مقاتل جديد يكمل المسيرة، لا يمكن للاحتلال أن ينتصر في معركة كهذه تستند لإرادة الناس وإيمانها وقناعتها".

مواجهة غير تقليدية

بدوره يسوق المحلل السياسي أشرف بدر، جملة اختلافات بين النكسة وطوفان الأقصى، أساسها الفرق بين حرب خاضتها جيوش نظامية وأخرى تقودها خلايا عسكرية مسلحة بأيديولوجيا قوية.

فطبيعة المواجهة مختلفة حسب بدر "في حال المواجهة بين القوى النظامية، وهو ما حصل في النكسة، فإن الاحتلال وجه ضربة للمنظومة الجوية في الدول المحيطة وقضى على سلاح الطيران وبالتالي أصبح الجنود مكشوفين لجيش الاحتلال ليصطادهم بسهولة؛ وهو ما سبب خسارة مصر في الحرب على سبيل المثال".

أما في غزة اليوم، فيضيف بدر، "فلا يوجد حرب نظامية، إنما جيش مقابل مجموعات عسكرية نظامية موزعة، كما أنه لا وجود لمواجهة مباشرة أو فكرة الحسم العسكري بالضربة القاضية بحسب النظرية الأمنية الإسرائيلية". وتابع: "المقاومة في غزة عبارة عن مجموعات عسكرية متوزعة على جغرافيا معينة توجه ضربات مؤلمة لجيش نظامي".

وفي مقارنته بين حصار الفصائل الفلسطينية في بيروت عام 1982 وغزة اليوم، يقول بدر: "في لبنان لم تكن فكرة الأنفاق موجودة، وكان المستوى السياسي الفلسطيني يفترض أن إسرائيل لن تقوم باجتياح شامل يصل بيروت"، مضيفا أن القوة العسكرية في غزة هي نتيجة تراكم الخبرات والأنفاق والاستعداد لسيناريو المعركة البرية، ما ساعد في تحييد تأثير القوة الجوية إلى حد كبير على المقاتلين.

نجت من النكبة وسقطت في النكسة.. لماذا تأخر احتلال شرقي القدس 19 عاما؟

للمزيد: https://t.co/Yw8dhBA937 pic.twitter.com/kqReh1p36U

— الجزيرة نت | قدس (@Aljazeeraquds) May 15, 2024

فكر المواجهة وثقافة المجتمع

من جهته، يقول مدير مركز يبوس للدراسات سليمان بشارات إن مقارنة النكسة بما يجري في غزة لا تقتصر على منظور القوة، إنما لا بد من النظر إلى جزئيتين أساسيتين، هما فكر المواجهة المتطور فلسطينيا وثقافة المجتمع.

ويوضح بشارات أن المقصود من "فكر المواجهة" هو التوجه بشكل أكبر إلى الاعتماد على الذات في خوض وإدارة المعارك خلافا لما كان عليه الحال عامي 1948 و1967 من حيث انتظار الدعم الخارجي.

وأضاف أن الإنسان الفلسطيني كان يعتقد أن قدرته على مواجهة الاحتلال وحده ضعيفة، وأنه بحاجة للإسناد من المحيط والعمق العربي والإسلامي كامتداد لفكر القومية العربية الذي كان سائدا إبان فترة حكم جمال عبد الناصر لمصر، لكن "حالة الاعتماد على الغير" لم تعد أساسا لتحركه.

ويوضح المحلل الفلسطيني أن ثمة تطورا آخر في ثقافة المجتمع الفلسطيني من فكر الهروب إلى فكر المواجهة أيضا. ويفسر ذلك بقوله إنها تمس الشريحة الأساسية وهي الحاضنة الشعبية، "ففي النكبة والنكسة كانت الحاضنة خائفة ولا تثق بالمقاومة وأدواتها وقدرتها على المواجهة، وهو ما أوجد فجوة وهروبا من إمكانية احتضان العمل النضالي".

لكن بعد 75 عاما على النكبة، والتجارب الفلسطينية الأخرى كانتفاضة الحجارة عام 1987 وانتفاضة الأقصى عام 2000، مرورا بالحروب على غزة ومظاهر الصمود في حي الشيخ جراح بالقدس ومعركة البوابات الإلكترونية تبين أنها "نماذج أثبتت أنه كلما كان هناك التحام بين القاعدة الجماهيرية والحاضنة الشعبية، إلى جانب الفكر والأدوات النضالية، زادت القدرة على مواجهة الاحتلال"، بحسب بشارات.

ولهذا السبب، يضيف المحلل، بدأ يتعزز فكر الصمود والتشبث بالأرض وتحمل تبعات العمل النضالي وفكر الثقة بالمقاومة الذي لم يكن ناضجا قبل ذلك. وفي هذا الصدد، يشير إلى تحول المقاومة وما يصدر عنها من خطاب ومواقف إلى مصدر ثقة مطلقة في الشارع الفلسطيني بحيث لا يستطيع الاحتلال تمرير فكر الهزيمة والهروب.

أما المقاومة نفسها، فيرى بشارات أنها بدأت تؤمن بقدراتها وتمتلك من الخبرات، وهو ما يؤهلها لبناء أدواتها ومنهجياتها، وهذه خبرة تراكمية وليست خبرة مفاجئة داخل الحالة الفلسطينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات أبو غوش وهو ما فی غزة

إقرأ أيضاً:

لجنة نصرة الأقصى تناقش عددا من المواضيع المتصلة بإسناد مظلومية الشعب الفلسطيني

الثورة نت|

عقدت اللجنة العليا لنصرة الأقصى اجتماعها الأسبوعي، اليوم، برئاسة النائب الاول لرئيس الوزراء – رئيس اللجنة، العلامة محمد مفتاح، الذي كُرس لمناقشة عدد المواضيع المتصلة بمواصلة إسناد مظلومية أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

واستعرضت اللجنة جوانب الإسناد والدعم العسكري والسياسي والإعلامي والاقتصادي والشعبي المساند لإخواننا الأحرار الصامدين في قطاع غزة في وجه العدوان، وحرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلي المجرم عليهم مند بدء معركة “طوفان الأقصى”، وحتى اللحظة.

وتوجهت اللجنة بتحية إجلال وإكبار للشعب اليمني الصامد الشهم الحر الوفي مع وطنه وأمته.. وحيت عاليا الخروج المليوني لشعبنا العزيز المستمر على مدى أكثر من ٤٠٠ يوم، دون كلل أو ملل أو فتور، الذي جسد استشعارا عاليا بالمسؤولية في نصرة إخوانه.

وأشادت بالعمليات العسكرية الناجحة التي نفذتها القوة الصاروخية والطيران المسير، خلال هذا الأسبوع، بما في ذلك اليوم الاربعاء ضد عدد من الأهداف الحساسة في عمق العدو الإسرائيلي وأثرها الكبير على العدو.

وعبرت عن الفخر والاعتزاز بالعملية الهجومية ضد حاملات الطائرات الأمريكية “هاري تورمان”، أثناء استعدادها لشن عدوان واسع مخطط له مسبقا ضد الشعب اليمني ومقدراته الحيوية، وإجبارها على الفرار نحو شمال البحر الأحمر.

وأكدت أن هذه الانتصارات هي من عند الله، وتوفيقه لقواتنا المسلحة وشعبنا الذي يرتبط بخالقه العظيم في مواجهة الأعداء وكافة التحديات، وتحركه في نصرة إخوانه المظلومين المخذولين من معظم الأنظمة العربية والإسلامية.

وتطرقت اللجنة إلى تهديدات مجرم الحرب نتنياهو ووزير دفاعه باستهداف القادة في صنعاء.. موضحة أن هذه التهديدات لا تخيف صنعاء، وقادتها المجاهدين الذين ينظرون إلى الاستشهاد في واحدة من أعظم، وأنبل المعارك بأنه فضل ومنه كبيرة من الله.

وشددت اللجنة على أن الشعب اليمني وقيادته الحكيمة لن تتهاون مع أي اعتداء إسرائيلي أمريكي، وأن أي استهداف للبنى التحتية من قبل الكيان الصهيوني، أو محاولة استهداف القادة سيتم الرد عليها بالمثل بما في ذلك استهداف مصالح الأمريكي في المنطقة.

وجددت التأكيد على أن الشعب اليمني لن يتخلى عن الشعب الفلسطيني مهما كانت الظروف والتهديدات، وأنه لا خطوط حمراء أمام الموقف اليمني المناصر لغزة الذي سيستمر حتى إيقاف العدوان الوحشي الهمجي الصهيوني ورفع الحصار عن سكانها.

واطّلعت اللجنة على الخطوات المتخذة من قبل الجهات المختصة لمصادرة البضائع المقاطعة، خاصة في أمانة العاصمة وبدرجة أساسية المولات الكبيرة، لا سيما بعد إبلاغها بقائمة المنتجات المقاطعة المجددة والصادرة من وزارة الصناعة والاقتصاد والاستثمار.

وأكدت مباركتها لهذه الخطوة التي تعزز من مسار مقاطعة البضائع الإسرائيلية والأمريكية، والشركات الداعمة للكيان الغاصب.

وأقرت اللجنة البرنامج التنظيمي الخاص بالفعالية الكبرى، التي ستقام يوم الجمعة المقبل على ساحة ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، والمسيرات التي ستقام بالتزامن في المحافظات والمديريات مواصلة لنصرة غزة تحت شعار “ثابتون مع غزة العزة بلا سقف ولا خطوط حمراء”.

ودعت اللجنة العليا أبناء الشعب اليمني الحر إلى المشاركة المليونية، في مسيرات يوم الجمعة، مواصلة لخروجهم المشرف المستمر منذ أكثر من عام.

مقالات مشابهة

  • مناورة عسكرية ومسير راجل لخريجي دورة “طوفان الأقصى” في عمران
  • لجان المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الصهيوني على اليمن
  • لجان المقاومة الفلسطينية تدين العدوان البربري على اليمن واستهداف منشآت مدنية بتنسيق ودعم أمريكي- بريطاني
  • المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الصهيوني على اليمن
  • فصائل المقاومة الفلسطينية تشتبك مع جنود العدو وتدك آلياتهم بمحاور التوغل في غزة
  • المقاومة تقصف مقر القيادة الإسرائيلي في نتساريم وتوجه رسالة للسلطة الفلسطينية
  • الخارجية الفلسطينية تحذر من مخططات الاحتلال لتهويد المسجد الأقصى  
  • روى النضال الفلسطيني في أزواد.. أحمد أبو سليم: أدب المقاومة إنساني والنظام السياسي يتطور بالثقافة
  • لجنة نصرة الأقصى تناقش عددا من المواضيع المتصلة بإسناد مظلومية الشعب الفلسطيني
  • خبير عسكري: المواجهة بين المقاومة والاحتلال تحولت إلى حرب معلومات