ما تحديات العمل الدبلوماسي للاعتراف بالدولة؟.. أستاذ بالقانون الدولي يجيب
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
شدد أستاذ القانون الدولي بليغ نابلي على عدم وجود سلطنة مركزية في القانون الدولي تحتكر سلطة الاعتراف بوجود الدول، وذلك في إطار حديثه صحيفة "لوموند" الفرنسية عن الآثار الملموسة للاعتراف بدولة ما وموقف الدول الغربية من القضية الفلسطينية.
وقالت الصحيفة الفرنسية، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن إسبانيا وأيرلندا والنرويج أعلنت اعترافها بدولة فلسطين في 22 أيار /مايو، وسيكون لهذا القرار الدبلوماسي تأثير جيوسياسي على العلاقات الدولية.
وفي سؤال الصحيفة عن من يملك صلاحية الاعتراف بالدول، أكّد نابلي أنه لا توجد في القانون الدولي سلطة مركزية تحتكر سلطة الاعتراف بوجود دولة ما. فكل "طرف فاعل في القانون الدولي"، ما يعني أن الدول والمنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لديها القدرة على تحديد ما إذا كانت ستعترف بوجود دولة أخرى أم لا.
بالنسبة لأي دولة، فإن الاعتراف فعل تعبّر من خلاله بحرية وتقدير عن إرادتها ويكون ذلك عبر إحدى هيئاتها المخولة: رئيس الدولة، أو رئيس الحكومة، أو وزير الخارجية. وفي فرنسا، يجعل الدستور من رئيس الجمهورية رئيسا للدبلوماسية الفرنسية، ما يعني أن موافقته شرط أساسي لأي اعتراف دولي. ومن بين الدول التي اعترفت بها فرنسا مؤخرا، كوسوفو في سنة 2008 وجنوب السودان في سنة 2011.
وفيما يتعلّق باحتمال أن يؤدي الاعتراف بالأمم المتحدة إلى اعتراف تلقائي من قبل الدول الأعضاء، أشار الأستاذ الجامعي إلى أن الأمم المتحدة تتمتع بشخصية قانونية، ويمكنها أن تقبل عضوا جديدا كدولة، دون أن يتم فرض ذلك تلقائيًا على الدول الأعضاء الأخرى. وفي حالة إسرائيل، على سبيل المثال، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 لصالح القرار عدد 181، الذي ينص على إنشاء دولة يهودية، قبل أن تنضم الأخيرة إلى المنظمة في أيار/ مايو 1949. لكن العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثل الجزائر لا تزال حتى اليوم لا تعترف بإسرائيل.
وفيما يتعلق بآثار الاعتراف بدولة من قبل دولة أخرى، بيّن نابلي أنه إلى جانب استيفاء شروط تكوين الدولة (السكان والإقليم والسلطة الحكومية)، فإن وجودها الدولي الفعلي والتمتع بجميع حقوقها يعتمد أيضا على الاعتراف الدولي بها. كما أن اعتراف دولة ما بدولة أخرى لا يعني تلقائيا فتح سفارات لها لاحقا. لكن هذه الفرضية قد تصبح ممكنة. مع ذلك، يمكن تكون هناك علاقات دبلوماسية بين كيانين دون أن يكون أحدهما معترفًا به كدولة ذات سيادة. فعلى سبيل المثال، هناك عدد معيّن من الدول، بما في ذلك فرنسا، لا تعترف بتايوان، وهذا لا يستبعد العلاقات الدبلوماسية، حتى لو كانت أقل مؤسسية.
من الناحية السياسية تعتبر التأثيرات حقيقية. فعندما يتم النقاش حول وجود دولة، فإن الاعتراف بها من قبل دولة أخرى يعد مصدرا للشرعية، خاصة إذا كانت قوة عظمى أو دولة جارة، من أجل تأمين حدودها. ويشكّل اعتراف المنظمات الدولية أو الإقليمية أيضا تحديا كبيرا لوجود وعمل الدولة على الساحة الدولية.
وفي سؤال الصحيفة عن موقف فرنسا من الاعتراف بفلسطين، رد بليغ نابلي أنه منذ عهد فرانسوا ميتران، أبدت فرنسا رغبتها في الاعتراف بوجود دولة فلسطين، ولكن من دون تحديد أي جدول زمني لذلك. وهذا الغموض لا يزال مستمرا مع الرئيس إيمانويل ماكرون: فالاعتراف ليس من المحرّمات، ولكنه يبدو غير مناسب حتى الآن. وبعيدا عن التوقيت، فإن هذا السؤال الجوهري محل نقاش أيضًا بين أعضاء الأغلبية الرئاسية، بما في ذلك بين رئيسة مجموعة النهضة المرشحة لانتخابات البرلمان الأوروبي، فاليري هاير، والنائب برنارد جيتا. إن التناقض الفرنسي واضح حتى داخل المنظمات الدولية. وفي الأمم المتحدة، تؤيد فرنسا قبول "دولة فلسطين" كعضو كامل الحقوق.
وفيما يتعلق بالأسباب التي تجعل فرنسا لا تعترف بفلسطين رغم تأييدها حل الدولتين، أشار نابلي إلى أنه من وجهة النظر الإسرائيلية، فإن اعتراف فرنسا بفلسطين سوف يُفهم على أنه عمل من أعمال العدوان الدبلوماسي، أو على الأقل بمثابة عقوبةٍ سياسيّة. لقد رأينا رد الفعل القوي من جانب إسرائيل التي استدعت السفير الإسباني بعد اعتراف مدريد بفلسطين الأسبوع الماضي. لكن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز أوضح في خطابه أن هذه ليست عقوبة ضد إسرائيل. إن تصوّر القرارات في العلاقات الدبلوماسية مهم للغاية.
وعلى حد تعبير بليغ نابلي، لا ترغب فرنسا في اتخاذ هذه الخطوة لسببين: الأول استراتيجي لأن فرنسا حاولت منذ رئاسة نيكولا ساركوزي (2007-2012) تعزيز علاقتها مع إسرائيل، التي أصبحت الحليف الرئيسي لها في الشرق الأوسط. وقد اتبع فرانسوا هولاند نفس الخط، مجازفا أيضًا بكسر موقف التوازن التقليدي الذي تتبناه فرنسا فيما يتصل بموضوع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأخيرا، يكرس إيمانويل ماكرون هذا الانحياز لصالح إسرائيل، التي يعتبرها نموذج "أمة الشركات الناشئة". أما السبب الثاني فهو داخلي، ويرتبط "بالذاكرة الجماعية" لفرنسا ووزن الجالية اليهودية.
وفي حديثه عن الدول الغربية، أبرز نابلي أن الحجة التي تطرحها الدول الغربية هي نفسها في كثير من الأحيان. وبالنسبة للولايات المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا، بدرجة أقل، يتعين على الطرفين، إسرائيل وفلسطين، التوصّل أولا إلى اتفاق سلام قبل التعبير عن أي اعتراف. لكن هذا ليس له معنى كبير، لأن الاعتراف عمل أحادي وحر وتقديري، ولا يمكن أن يعتمد على شرط مسبق. وهذا الموقف لا يعكس إلا الرغبة في عدم الإساءة إلى إسرائيل.
وحسب الصحيفة، تعتبر الدول الأولى التي اعترفت بفلسطين في كثير من الأحيان مستعمرات سابقة للدول الغربية. وفي سنة 1988، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، في إعلان صدر في الجزائر، استقلال فلسطين. واعترفت عدة دول أفريقية وآسيوية على الفور بالدولة الفلسطينية، لأنها كانت مدفوعة بتجاربها الخاصة وتاريخها ضد الإمبريالية والاستعمار.
ووفقا لنابلي، كانت هذه دولا فتية، وُلدت على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو مبدأ يحظى بقيمة خاصة لدى الدول التي تحررت من الاستعمار بعد الحرب العالمية الثانية. لذلك من المنطقي جدا أن تصبح هذه الدول داعمة للمطالب الفلسطينية. وأكد كذلك أن هذه القصة لا تزال ذات أهمية كبيرة في الأوساط الدولية، وفي الأمم المتحدة بشكل خاص، مع مجموعة السبع والسبعين (التي تضم اليوم 130 دولة) في الجمعية العامة. وهذه المجموعة، التي تضم فلسطين، أنشأتها في الأصل الدول الأقل تقدما للتعبير عن مطالبها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الفلسطينية فرنسا اسبانيا فلسطين فرنسا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الدولی الأمم المتحدة دولة أخرى
إقرأ أيضاً:
مساع من الإنجيليين الأمريكيين لدفع ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على الضفة
أكدت مجموعة مؤثرة من المسيحيين الإنجيليين الأميركيين علنا حق "الشعب اليهودي في يهودا والسامرة" (المسمى الإسرائيلي للضفة الغربية) باعتبارها "القلب التوراتي لإسرائيل".
وتم الكشف عن الإعلان هذه الدعوة في المؤتمر الوطني السنوي للإذاعات الدينية في دالاس من قبل القادة المسيحيين الأميركيين من أجل إسرائيل، وكان من المتوقع أن يوقع عليه 3000 من الزعماء الدينيين قبل تسليمه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يأتي الدفع لتطبيق السيادة الإسرائيلية على المنطقة بعد أن قال ترامب الشهر الماضي إن إدارته ستصدر إعلانًا بشأن هذه المسألة في الأسابيع المقبلة عندما سئل عن الضم.
وقسمت اتفاقيات أوسلو، التي أبرمت في عهد إدارة كلينتون، الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق: المنطقة أ، تحت الولاية الفلسطينية الكاملة؛ والمنطقة ب، تحت الإدارة المدنية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية؛ والمنطقة ج، تحت السلطة الإسرائيلية الكاملة.
كانت خطة ترامب لعام 2020، والتي أطلق عليها "السلام من أجل الرخاء"، تتصور ضم "إسرائيل" لأجزاء من الضفة الغربية، لكنها أُرجئت لصالح "اتفاقيات أبراهام" التي طبَّعت العلاقات الإسرائيلية مع أربع دول عربية.
قال الدكتور مؤسس منظمة "أصدقاء صهيون"، مايك إيفانز، التي تضم ما يقرب من 30 مليون عضو، لقناة فوكس نيوز ديجيتال: "منح الإنجيليون ترامب الرئاسة، سيدعم موقفنا بشأن الكتاب المقدس ولهذا السبب اختار مايك هاكابي سفيرًا في القدس، الذي يدعم السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة".
ويرجع تاريخ الإنجيليين إلى القرن الثامن عشر حين كانت أمريكا مجموعة من المستعمرات، لكن هذه الطائفة مرت بتحولات عديدة حتى صارت مشهورة في يومنا هذا بنشاطها السياسي وانخراط كثير من أتباعها في صفوف "اليمين المسيحي"، وتقاطعها فكريا وسياسيا مع "إسرائيل" والحركة الصهيونية.
يؤكد الإعلان "حق الشعب اليهودي غير القابل للتصرف في قلب إسرائيل التوراتي ويرفض كل الجهود - سواء من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي - للضغط على الشعب اليهودي للتخلي عن وطنه الأصلي في يهودا والسامرة".
وقال إيفانز إن الإنجيليين يدعمون إسرائيل "لأنهم يؤمنون بالوضوح الأخلاقي، والخير ضد الشر، وهم أصدقاء صهيون. إنهم يرون اليهود يُقتلون لأنهم يهود، وليس بسبب الأرض".
وقال المؤسس المؤثر ورئيس منظمة "المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل"، القس جون هاجي، إن الإنجيليين "يعرفون أن إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب سيفي دائمًا بكلمته لأبناء إسرائيل. من البداية إلى النهاية، الكتاب المقدس هو وثيقة صهيونية تلزم جميع المؤمنين بالوقوف مع إسرائيل وشعبها وبركتهم".
وأضاف هاجي: "لمدة نصف قرن تقريبًا، كنت أبشر برسالة مفادها أن إسرائيل لا تحتل الأرض، بل تمتلك إسرائيل الأرض، والتي تم تسجيل سند ملكيتها في صفحات الكتاب المقدس. لقد وهب الله الأرض للشعب اليهودي طوال الوقت".
في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت قناة فوكس نيوز أن بعض المشرعين الجمهوريين بقيادة النائبة الجمهورية كلوديا تيني حثوا الرئيس على الاعتراف بالضفة الغربية كـ"أرض إسرائيلية".
وأعربت رسالتهم إلى الرئيس عن دعمهم لتطبيق القدس للسيادة على المنطقة، والتي قال المشرعون إنها "قلب تراثنا اليهودي المسيحي المشترك".
زحث رئيس البرلمان الإسرائيلي أمير أوهانا في 23 شباط/ فبراير حكومة الاحتلال على بسط السيادة على الضفة، قائلاً إن السيطرة الكاملة على المنطقة هي "السبيل الوحيد" لتحقيق السلام الدائم.
وقال عضو آخر في البرلمان من الليكود، دان إيلوز، إن "مذبحة حماس في 7 أكتوبر 2023 أثبتت أن أي انسحاب، وأي تنازل، وأي وهم بالتعايش مع أولئك الذين يسعون إلى تدميرنا ليس ساذجًا فحسب - بل هو انتحاري.. لقد انسحبنا من غزة، وفي المقابل حصلنا على حماس ومذبحة شعبنا. لا يمكن أن تصبح يهودا والسامرة دولة إرهابية أخرى".
بدوره، أكد عضو الكنيست الإسرائيلي السابق ووأحد مهندسي اتفاقيات أوسلو لعام 1993 أن "الدفع نحو السيادة في يهودا والسامرة سيكون نهاية إسرائيل".
وأضاف: "إذا أصبحت إسرائيل أقلية من اليهود تهيمن على أغلبية الفلسطينيين، فلن تكون يهودية ولا ديمقراطية. لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث على الإطلاق، لكن مجرد التلويح بهذه [الفكرة] أمر سيئ بما فيه الكفاية".
وأوضح "يعتقد اليمين في إسرائيل أن ترامب سيدعم أي شيء يطلبونه. لكن قبل خمس سنوات، اقترح أنه قد يكون هناك حل الدولتين. وعلى هذا النحو، فإن الأمر ليس واضحًا كما يبدو".
وفي أواخر الشهر الماضي، أمر نتنياهو قوات الدفاع الإسرائيلية بإجراء عملية "ضخمة" لمكافحة الإرهاب في يهودا والسامرة بعد انفجار ثلاث حافلات بالقرب من تل أبيب، والعثور على قنابل على حافلتين أخريين فيما يتم التحقيق فيه باعتباره هجومًا منسقًا.
وقال أحمد فتوح، المتحدث باسم حركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لقناة فوكس نيوز الرقمية: "هذه الوحشية والتهجير القسري للمدنيين في الضفة الغربية... لم تكن أبدًا دفاعًا عن النفس، بل كانت مخططًا للتوسع الاستعماري وحملة تطهير عرقي".
وذكر أن "ضم الضفة الغربية سيعيدنا إلى عام 1948 ويدمر أي استقرار مستقبلي أو آفاق للسلام، وكل صوت عقلاني يفهم جيدًا أنه لا يوجد طريق للمضي قدمًا باستثناء حل الدولتين؛ وإلا فإنه سيؤدي إلى دمار لا نهاية له".
ومن ناحية أخرى، قال، المتحدث الدولي السابق باسم جيش الاحتلال والزميل في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات" جوناثان كونريكوس: "لكي تتمكن إسرائيل من الاستمرار في البقاء والازدهار على طول السهل الساحلي، الذي ينتج حوالي 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فيجب عليها الاحتفاظ بالسيطرة على الأراضي المرتفعة في يهودا والسامرة".
وأضاف "إذا افترضت أي جهة أخرى، فلسطينية أو غير ذلك، ذلك، فسيتم استخدامه كوسيلة لتهديد أمن إسرائيل، والبنية التحتية الأساسية، بما في ذلك مطار بن غوريون، وكذلك سكانها - المتمركزين في شريط ضيق بين حيفا [في الشمال] وأشدود [في الجنوب] - حوالي 15 كيلومترًا في العرض".
وأوضح كونريكوس أن هناك عنصرًا آخر يتمثل في أن نحو 500 ألف إسرائيلي يعيشون حاليًا في الضفة الغربية، وهم بحاجة إلى الحماية.
وقال: إن "اتجاهات التصعيد في الضفة الغربية والقدس هي الأعلى الآن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ونحن نرى نشاطًا إرهابيًا كبيرًا في جميع المدن الفلسطينية تقريبًا وضعفًا مستمرًا للسلطة الفلسطينية في ممارسة السيطرة".