روح الثورة.. والانقلاب في دولة النيجر
تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT
د. محمد الطيب قويدري تشهد أفريقيا أحداثا تشد انتباه العالم، لعل أحدثها انقلاب النيجر الذي ليس حصوله بالصدفة العابرة، وإن كانت عواقبه ستتضح لاحقا، لأن الملاحظ الذي يعتمد على المواقف الرسمية للدول الكبرى، ودول الجوار المؤثرة لن يتأتى له في الوقت الراهن سوى صياغة استنتاجات قد يضطر إلى مراجعتها في ضوء ما ستؤول إليه الامور ان حدثت تدخلات عسكرية اجنبية خصوصا تدخل قوات فرنسية تبدو مرفوضة شعبيا ورسميا في أفريقيا مثلما ينطبق على مثيلا تها من دول الغرب.
موقف الشعب في النيجر يتضح من خلال الخروج إلى الشارع الذي سرعان ما اتجهت بوصلته كما يتوقع في مثل هذه الحالات إلى مناهضة الغرب وسياساته التقليدية القائمة على النهب والهيمنة على شؤون الدول غير الغربية سواء أكانت هذه الدول قوية وكبيرة ام كانت صغيرة وضعيفة. والحديث في الغرب عن الديمقراطية وحتى عن الإرهاب لم يعد كما كان في الماضي شعارا سياسيا لا يرد، فقد جرت تعرية التبريرات والذرائع التي طالما استعملت في استراتيجيات الهيمنة الأحادية القطب بعد نهاية الحرب الباردة. الجزائر رفضت وترفض التدخل العسكري الاجنبي استنادا الى مبادئها السياسية اولا، واستنادا إلى النتائج والانعكاسات الكارثية لتطبيق سياسات الغرب وحروبه في القارة كما حدث في ليبيا، وكما يوشك أن يحدث في السودان، لكن الغرب اليوم يطور استراتيجيات مختلفة لنشر الفوضى والاضطراب من خلال تدخل الاموال غير المشروعة التي مولت الإرهاب في السابق، وهي الآن إحدى الوسائل المفضلة لتغذية الصراعات وعدم الاستقرار داخل الدول بطرائق و بحجج جديدة من شأنها أن توظف كي تعيد صياغة معادلات قديمة. لقد هبت رياح شرقية على افريقيا، قبل وأثناء الحرب في أوكرانيا التي يتضح يوما بعد يوم أن أحد أهدافها واولوياتها هو ردع القوى الكبرى غير الاستعمارية، والقوى الصاعدة عن الاستمرار في تبني نهج الثورة السلمية الهادئة على القواعد القديمة للعلاقات الدولية، التي فرضها الغرب على الجميع، خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس أمنها. لكننا لا ينبغي أن نهمل الحسابات الحساسة بين مكونات الغرب الانجلوساكسونية من جهة، وبين الاتحاد الأوروبي الذي كانت قد بدت عليه بوادر نزوع نحو الاستقلال والوحدة. بعد استقلا دول أفريقية كثيرة، تأجل مشروع التحرر الاقتصادي بسبب القصور الذاتي لبلدان القارة، وعدم قدرة القوى الناشئة فيها على قطر بقية الاقتصادات المحلية في القارة، ولكن الصين اضطلعت بدور رائد وبالغ الأهمية في مساعدة بلدان القارة على تغيير الذهنية السياسية السكونية التي سادت لعقود، وهكذا بدا فجر جديد يطل بإشعاعه على نواح عديدة في القارة البكر التي مازال في انتظارها الكثير لعمله من أجل أن يكون لها صوت في حركة بناء الثروة، وحل المشكلات خطيرة المستجدة على حياة الكوكب بأسره لا القارة الفقيرة/ الغنية وحدها. ان تضامن البلدان الإفريقية فيما بينها سياسيا ليس كافيا اليوم ولكنه سبيل ملائم للبحث عن حلول اقتصادية ضرورية للتنمية والتطوير في الأفق المتوسط والبعيد، وستبقى مشاريع البنية التحتية العالية الكلفة، لتنشيط التبدلات وتحسين التدفقات البينية بين دول القارة وبينها وبين بقية العالم، رهانا ملائما كما قد شرعت فيه الجزائر مع بعض أصدقائها وجيرانها، ومنهم النيجر ومالي وموريتانيا. فهل سيتوقف الغرب عن عاداته السيئة في عرقلة كل مجهود للتعاون والتنسيق بين الأفارقة؟ تبدو الحكومات والقوى الفاعلة في بلدان أفريقيا اليوم حريصة على تخطي العوائق المعارضة لتنشيط عملية إحياء تاريخية واسعة داخل القارة، في ظل بصيص الاستقلال الذي ابدته بعض دولها بمعونة الصين وروسيا احيانا، وبجهود من قوى محلية واعية بأهمية التواجد ضمن معادلات التغيير التي يمكن أن تمخض عنها أوضاع العالم اليوم، كما هو شان الجزائر وجنوب أفريقيا ونيجيريا وغيرها، لأن من المهم الحيلولة دون مفاعيل محاولات اجهاضها التي لا تتوقف وأن فشل بعضها. وما الدور الصهيوني في القارة سوى واحد من مظاهر هذه الاستماتة في رفض ثورة الشعوب من قبل القوى الرجعية التي تخدم عودة الروح الاستعمارية من جديد. كاتب جزائري
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
مؤتمر وطني في النيجر يناقش مستقبل البلاد
انطلقت اليوم السبت الموافق 15 فبراير/شباط في العاصمة نيامي أعمال المؤتمر الوطني للمرحلة الانتقالية المنظم من طرف المجلس العسكري الحاكم في النيجر لمناقشة القضايا المتعلقة بمستقبل البلاد مثل تعزيز السيادة، وإعادة الاستقلال، والوحدة الوطنية.
وحضر حفل انطلاق المؤتمر رئيس المرحلة الانتقالية الجنرال عبد الرحمن تياني، وأعضاء المجلس العسكري وجميع الوزراء وقادة القوات المسلحة.
ويشارك في المؤتمر بشكل رسمي 700 شخصية تمثل مكونات المجتمع والأحزاب السياسية، والهيئات الدينية والنقابية والحقوقية، وممثلين عن المجالس الشبابية والنقابات الطلابية.
وفي كلمته الافتتاحية، ركز الجنرال تياني على الأمن والاستقرار وتحدث عن التحديات الداخلية التي تواجهها بلاده بسبب الإرهاب في المنطقة، كما تحدث عن خروج بلاده من منظمة "إيكواس".
وسيستمر المؤتمر حتى 19 فبراير/شباط الجاري، ويناقش المشاركون فيه قضايا جوهرية تتعلق بمستقبل البلاد وسياساتها الداخلية والخارجية.
إعادة التأسيسوقال رئيس اللجنة الوطنية المشرفة على إدارة المؤتمر الدكتور مامادو هارونا إن الحوار الحالي يضع الأسس الرئيسية لإعادة التأسيس وكتابة تاريخ جديد لدولة النيجر، مؤكدا أن ما يتم القيام به ليس شكليا، وإنما يعكس إرادة قوية لبناء دولة ذات سيادة قوامها العدالة والشفافية وإشراك المواطنين.
إعلانوأضاف هارونا أن النيجر لم تثنه تهديدات "الإيكواس" ولا المجتمع الدولي عن رغبته في المضي قدما نحو طريق السيادة والاستقلال التي رسمها المجلس الانتقالي في 26 يوليو/تموز 2023.
وطالب رئيس المؤتمر الحضور والمشاركين بتقديم مقترحات وتوصيات حول مستقبل البلاد وحكومتها، من أجل الخروج بنتائج ملموسة يمكن تجسيدها على أرض الواقع.
وينظر كثير من المراقبين إلى مجريات الحوار الذي انطلق اليوم وما يترتب عليه من نتائج، إذ يتوقع أن ترسم فيه خارطة طريق وطنية تعيد البلاد إلى مظاهر الحياة المدنية.
وكان المجلس العسكري الحالي قد تولى حكم البلاد عبر انقلاب عسكري في 26 يوليو/تموز 2023 أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم، وقام بطرد القوات الفرنسية والأميركية، والخروج من مجموعة دول الساحل الخمس (جي 5)، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، ودخل مع مالي وبوركينا فاسو في تحالف "كونفدرالية دول الساحل".