قرارات تاريخية بالكويت.. مرحلة جديدة أكثر استقراراً
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
د. أمل عبدالله الهدابي كاتبة إماراتية
دخلت دولة الكويت مرحلة جديدة من العمل السياسي بعد القرارات التاريخية المهمة التي اتخذها صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مساء يوم الجمعة 10 مايو 2024، وتضمنت حل مجلس الأمة (البرلمان)، ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على أربع سنوات، ثم تشكيل حكومة جديدة برئاسة سمو الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح ستتولى إدارة المرحلة السياسية الجديدة تحت إشراف ورقابة الأمير مباشرة.
مضمون القرارات ودوافعها:
تضمنت الكلمة المُتلفزة التي وجهها أمير الكويت لشعبه مساء يوم 10 مايو الجاري، مجموعة من القرارات الحاسمة التي تعالج عصب المعضلة السياسية التي تعانيها الكويت منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن أهمها: حل مجلس الأمة، وتجميد بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد على أربع سنوات؛ وهذه المواد متعلقة بتنظيم اختصاصات مجلس الأمة، ولاسيما المواد 51 و65 (فقرة 2 و3) و71 (فقرة 2) و79 و107 و174 و181 من الدستور الصادر في 11 نوفمبر سنة 1962، وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور. كما نصت هذه القرارات على أن تصدر القوانين بمراسيم أميرية، ويجوز – عند الضرورة – إصدارها بأوامر أميرية. فضلاً عن ذلك، أشار أمير الكويت إلى أنه سيقوم بإصدار مرسوم بتشكيل لجنة من ذوي الخبرة والرأي للنظر في تنقيح الدستور، بحيث تنتهي من عملها خلال ستة أشهر من تاريخ تشكيلها.
كما تضمنت كلمة صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح توضيحاً للأسباب والمبررات التي دفعته للإقدام على هذه الخطوة، وعلى رأسها: تمادي بعض النواب في التدخل في صلاحيات الأمير وحقوقه الدستورية، ومن ذلك حقه في اختيار ولي العهد وتشكيل الحكومة، ومحاولة فرض إملاءات وشروط من قِبل بعض النواب للمشاركة في الحكومة؛ مما منع تشكيلها، والتسبب في شلل الحياة النيابية وعدم قدرة مجلس الأمة على إنجاز أعماله. علاوة على انتشار الفساد الذي وصل إلى أغلب مرافق الدولة وحتى المؤسسات الأمنية والاقتصادية، بل وصل، بحسب الأمير، إلى مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرياتهم. وأكد أمير الكويت، بصورة حاسمة، أنه لن يسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة؛ لأن مصالح أهل الكويت فوق الجميع.
وفي واقع الأمر، فإن هذه المبررات التي استند إليها أمير الكويت، لها ما يدعمها من مؤشرات وحقائق على أرض الواقع، ومن ذلك ما يلي:
1- تسببت ممارسات بعض أعضاء مجلس الأمة في خلق حالة من التوتر المستمر بين المجلس والحكومات المتعاقبة، والتي أدت إلى قصر عمر الحكومات وكذلك البرلمانات، وهو مؤشر على عدم الاستقرار السياسي في البلاد، ولا يسمح للحكومات بتنفيذ سياساتها المرسومة لخدمة الوطن والمواطن. فخلال العقود الأربعة الماضية، اضطر أمير الكويت إلى حل مجلس الأمة 12 مرة، أولاها عام 1976 وآخرها في منتصف فبراير 2024، وهذه هي المرة الـ13 لحل المجلس. فيما شهدت مسيرة الحياة السياسية في الكويت تشكيل 46 حكومة على مدار نحو 62 عاماً، بدأت أولاها في يناير 1962، وآخرها التشكيل الحالي في مايو 2024؛ أي أن متوسط عمر الحكومة أقل من سنتين.
لقد أفرط مجلس الأمة في استخدام أداة الاستجواب والتهديد بها في مواجهة وزراء الحكومة، بينما عزف النواب عن المشاركة في الحكومات التي أصبحت مؤقتة وتحت رحمة البرلمان؛ ما خلق مناخاً سياسياً غير مستقر، أوجد حالة من اللايقين في العمل الحكومي، وجعل الوزراء غير قادرين على تنفيذ سياسات الحكومة كل في مجاله. ومن هنا كان التدخل الأميري الأخير بهدف وضع حد لهذا التأزم السياسي المزمن.
2- هذا التوتر السياسي بين مجلس الأمة والحكومات المتعاقبة أثّر بالسلب في التجربة التنموية الكويتية، وعرقل الكثير من المشروعات التنموية المهمة؛ ما جعل الكويت بإمكاناتها الضخمة بعيدة عن المستوى التنموي الذي شهدته دول الخليج. ويُحمّل الكثير من أبناء الكويت مجلس الأمة مسؤولية تعطل مصالح البلاد المالية والاقتصادية من خلال تعطيل المصادقة على مشروعات القوانين المقدمة من الحكومات المتعاقبة، والتي تهدف إلى تنفيذ إصلاحات تضع الكويت على درب تنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد فقط على عائدات النفط.
فعلى سبيل المثال، أسهم موقف بعض أعضاء البرلمان في تعطيل تشريع لإصلاح الدعم للحد من مستويات الإنفاق العام المرتفعة. ولم تتمكن الكويت منذ عام 2017 من إصدار سندات ديون؛ لأنها لم تصدر قانوناً محدثاً للديون العامة. وأشار تقرير صدر في 9 مايو الجاري، إثر زيارة خبراء صندوق النقد الدولي، إلى أن الجمود السياسي في الكويت أعاق جهود الإصلاح الاقتصادي والتنويع، محذراً من أن تأخير الإصلاح المستمر قد يقوض ثقة المستثمرين.
3- كان لممارسات بعض أعضاء مجلس الأمة دورها أيضاً في عرقلة قيام الحكومات بدورها في مواجهة الفساد، بشكل جعل الكويت تأتي في المرتبة الـ63 عالمياً من إجمالي 180 في مؤشر مدركات الفساد العالمي 2023، والذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية. ومن هنا كان التأكيد الواضح من قِبل أمير الكويت بأن لا أحد فوق القانون، وأن من نال من المال العام من دون وجه حق سوف ينال عقابه أياً كان موقعه أو صفته.
مرحلة جديدة:
في أول تحرك أميري عقب حل مجلس الأمة وتعليق أعماله لأربع سنوات، أصدر صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، يوم 12 مايو الجاري، مرسوماً بتشكيل تاسع حكومة في البلاد خلال أربع سنوات والثانية في عهده منذ تسلم السلطة في ديسمبر الماضي. وتضم الحكومة الجديدة، التي تُعد الحكومة رقم 46 في تاريخ الكويت، 13 وزيراً، ويرأسها سمو الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح. وبالنظر إلى طبيعة تشكيلة هذه الحكومة، يُلاحظ أنها ضمت تسعة وزراء من الحكومة السابقة، وأربعة وزراء جدد بينهم امرأة هي أمثال هادي الحويلة، وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل وشؤون الأسرة والطفولة والشباب، لتضم بذلك الحكومة وزيرتين مع احتفاظ نورة المشعان بحقيبة الأشغال العامة والبلدية.
وخلال كلمة وجهها للحكومة الجديدة عقب أداء اليمين الدستورية أمامه يوم 15 مايو الجاري، وضع أمير الكويت خريطة طريق للمرحلة المقبلة، داخلياً وخارجياً، والتي ستسير عليها هذه الحكومة. فعلى المستوى الداخلي، طالب الأمير الحكومة بتحديد أولوياتها ووضعها وفق خطة عمل وجدول زمني محددين، مع التركيز على “متابعة الميدان بجولات تفقدية مستمرة”. كما وجه الوزراء بالإسراع في تنفيذ مشروعات استراتيجية تنموية ومعالجة ملفات البنية التحتية، وتطوير الرعاية الصحية والسكنية والتعليم، مع مراعاة “الشفافية والمحافظة على المال العام”. كما طالبهم بتطوير القطاعات الاقتصادية والاستثمارية كافة، وصولاً إلى اقتصاد مستدام واستثمار الثروة البشرية، وكذلك تعزيز الابتكار والبحث العلمي، وتحسين بيئة الأعمال والخدمات الحكومية، والتحول الرقمي في الخدمات المقدمة منها.
وعلى المستوى الخارجي، شدد أمير الكويت على أهمية العمل على الملفات التي من شأنها تعزيز أواصر العلاقات الدبلوماسية مع الدول الشقيقة والصديقة، وترسيخ الدور الإنساني للبلاد.
ومن خلال هذه التوجيهات الواضحة والمباشرة، يتبين أن الاهتمام الأكبر لأمير الكويت والحكومة الحالية سيتركز على تنشيط الجانب الاقتصادي؛ بهدف دفع مسيرة التنمية في البلاد، ولاسيما بعد أن سجل النمو الاقتصادي نمواً سلبياً (انكماش) بنسبة 0.6% عام 2023، مع توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد الكويتي بنسبة 1.4% خلال عام 2024؛ نتيجة انخفاض إنتاج النفط بنسبة 4.3% بسبب خفض حصص الإنتاج من جانب “أوبك بلس”.
ومع تحرر الحكومة الكويتية الحالية من القيود التي يفرضها مجلس الأمة، وامتلاكها حق وضع وتنفيذ سياساتها الاقتصادية؛ فإن التفاؤل سيكون أكبر باتجاه البلاد نحو النمو الاقتصادي وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين كافة، والانتقال إلى مرحلة أكثر استدامة مع تقليل الاعتماد على النفط والتقلبات المرتبطة بأسعاره.
وعلى المستوى السياسي، سيكون المشهد أكثر استقراراً وتناغماً، في ظل الدعم الشعبي لقرارات أمير الكويت، وفي ظل توجه البلاد إلى مراجعة اختصاصات مجلس الأمة ودوره في العملية السياسية بالشكل الذي يسمح له بالقيام بدوره الرقابي والتشريعي وعلى نحو يخدم المصالح العليا للبلاد؛ ما يمهد لمرحلة سياسية جديدة في مستقبل الكويت الحديث.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: حل مجلس الأمة أمیر الکویت مایو الجاری
إقرأ أيضاً:
أوروبا الخاسر الأكبر.. ملامح مرحلة جديدة بين موسكو وواشنطن
موسكو- قدم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رؤية بلاده لعدد من القضايا الراهنة للسياسة الخارجية، وذلك في خطاب ألقاه أمام مجلس الدوما (البرلمان) بعد يوم واحد من مفاوضات الرياض مع مسؤولين أميركيين بينهم وزير الخارجية ماركو روبيو.
وركز الوزير الروسي في كلمته الأربعاء الماضي على ما وصفها بالتوترات المتزايدة في العالم بسبب "رغبة الغرب في الهيمنة".
وعن مفاوضات الرياض، قال لافروف إن الجانب الأميركي أكد أن "الاختلافات في مصالح الدول لا ينبغي أن تؤدي إلى الانزلاق نحو المواجهة" مشيرا إلى أن التحرك نحو تطبيع العلاقات مع واشنطن يسير في "كافة الاتجاهات".
وأضاف أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو "الزعيم الغربي الأول والوحيد حتى الآن الذي قال علنا وبصوت عال إن أحد الأسباب الجذرية للوضع في أوكرانيا كان الخط الوقح للإدارة السابقة بجر أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي".
وأكد أن بلاده لا تركض وراء الدول الأوروبية للتطبيع معها، لأن موسكو -حسب كلامه- لم تفعل شيئا لتجميد أو تدمير العلاقات مع هذه البلدان.
أوكرانيا وسوريا
وبخصوص الحرب مع أوكرانيا، أكد لافروف أن روسيا مستعدة للتسوية السياسية والدبلوماسية على أساس الأخذ بعين الاعتبار الحقائق "على الأرض".
إعلانوأوضح أن الوفد الروسي أكد للجانب الأميركي بالرياض ضرورة الحد من تحركات النظام في كييف الرامية إلى تدمير كل ما يرتبط بالثقافة الروسية.
وبالنسبة لسوريا، كشف الوزير الروسي عن اجتماعات رفيعة المستوى بين ممثلي البلدين من المقرر عقدها الأسبوع المقبل.
ووفق لافروف فإن الموضوع الرئيس بالنسبة لسوريا هو "منع تكرار السيناريو الليبي، عندما فقدت ليبيا، نتيجة عدوان حلف شمال الأطلسي، سيادتها وانقسمت ولم تتمكن من لملمة نفسها لمدة 15 عاما حتى الآن".
ويرى أن سوريا لديها مشاكل تتعلق بالوجود غير الشرعي للولايات المتحدة على أراضيها والسياسات التي اتبعتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن، وخاصة ما يتعلق بإنشاء "شبه دولة كردية".
رسائل للأوروبيينوبرأي المحلل السياسي أوليغ بوندارينكو، يحمل خطاب لافروف في طياته ملامح مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، لكن تفعيلها سيعتمد بشكل كبير على مستوى التقدم في المباحثات مع واشنطن ونتائجها.
وقال بوندارينكو للجزيرة نت إن تجاوز عقبة التباينات في المواقف حول الأزمة الأوكرانية سيمهد على الأرجح لحلحلة مشاكل عالقة أخرى مرتبطة بهذا الملف، كالعقوبات والأصول الروسية المجمدة.
ويضيف أن ثمة رسائل غير مباشرة للزعماء الغربيين حملتها كلمة لافروف، مفادها أن موسكو وواشنطن أطلقتا عملية استعادة القنوات الدبلوماسية والاقتصادية، وأن على أوروبا التحرك بإيجابية وإظهار مواقف أكثر توازنا تجاه روسيا.
وأوضح المحلل السياسي أن الخلاف بين موسكو وواشنطن حول الملف السوري تراجع بعد تغير نظام الحكم هناك، مما يقلل من حجم الملفات الإشكالية العالقة بينهما، على حد تعبيره.
براغماتية
من جهته رأى الباحث في الدراسات الدولية ديمتري زلاتوبولسكي أن مقارنة لافروف بين الإدارتين الأميركيتين الحالية والسابقة عبارة عن لعبة دبلوماسية ذكية هدفها الإعلان عن وجود أرضية مشتركة بين الكرملين والبيت الأبيض.
إعلانوبخصوص العلاقات الأميركية الأوروبية، قال زلاتوبولسكي للجزيرة نت إن الغرب أصبح الآن منقسما حول أوكرانيا. كما أن المرحلة المقبلة قد تشهد أزمة بين بروكسل وواشنطن، ولن يتم حلها إلا من خلال تغيير النخب والقيادات في الاتحاد الأوروبي، حسب كلامه.
وختم الباحث بأن القرارات بشأن نظام الأمن المستقبلي ستتخذها روسيا والولايات المتحدة فقط، لأنهما وحدهما قادرتان على ضمان الأمن في العالم، بصرف النظر عن مشاركة الاتحاد الأوروبي من عدمها.