عربي21:
2024-12-18@02:16:48 GMT

هل القارة العجوز في حالة احتضار؟

تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT

الجواب على هذا السؤال جاء من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمة ألقاها على مدرج جامعة السوربون والتي طرح فيها عدة مواضيع اقتصادية وسياسية واجتماعية أدخلت الاتحاد الأوروبي في أكثر من أزمة.

وقال “إذا لم نستعجل الحلول الناجعة فإن أوروبا ستجد نفسها في مواجهة وجودية” وطالب ماكرون بوضع استراتيجية دفاعية أوروبية تعتمد على صناعة أسلحة مشتركة وتسريع إعادة التسلح بتمويل من أموال الاتحاد الأوروبي من أجل التعامل مع التهديد الروسي.



تغريد خارج السرب
ليست هذه المرة الأولى التي ينبه فيها الأوروبيين ماكرون للمخاطر المحدقة بأوروبا، ورغم أن البعض يرى أنه يغرد خارج السرب، أو كأنه يطرح نفسه كزعيم لأوروبا ومنقذها عبر أطروحات جريئة بشأن بناء وتعزيز الوحدة الأوروبية، لكن هناك من أصاخ السمع له وأثنى على طروحاته.

فالثنائي ألمانيا ـ فرنسا اللتان تقودان القاطرة الأوروبية، وهما اللتان وضعتا حجر الأساس لها في بداية خمسينيات القرن الماضي بعد حرب طاحنة بينهما خلال الحرب العالمية الثانية باتفاقية الفحم والصلب والتي انضم إليها أربع دول أخرى شكلت فيما بعد السوق الأوروبية المشتركة (بلجيكا، هولاندا، لوكسمبورغ، إيطاليا)، ليستا بالضرورة دائما على الموجة نفسه. وكذلك الخلافات حول مجموعة من القضايا السياسية والاقتصادية والعسكرية وكيفية مواجهة التحديات.

أكثر من مسؤول ألماني انتقد المستشار الألماني أولاف شولتس لبرودة علاقته مع ماكرون وعدم السماع له. رئيس حكومة ولاية شمال الراين ـ ويستفاليا هندريك فوست انتقد تردد بلاده في التفاعل مع أطروحات ماكرون وقال: “لا يضاهيه أحد من أجل ضمان إجابات مشتركة على التحديات الكبرى في هذا العصر”.

مواقف متضاربة
الواقع أن العلاقات السابقة بين المستشارين الألمان والرؤساء الفرنسيين كانت دائما ممتازة، وخاصة مع المستشارة ميركل. وهذا البرود في العلاقات بين الزعيمين الأوروبيين يعود لتضارب في المواقف بينهما، خاصة فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، والهجوم الإسرائيلي على غزة.

فالرئيس ماكرون الذي لوح سابقا بإرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، معتبرا أنه ينبغي طرح هذه القضية إذا ما اخترقت موسكو “خطوط الجبهة” وإذا ورد طلب أوكراني بهذا الشأن، أحدثت بلبلة كبيرة في صلب الاتحاد الأوروبي، وفي حلف الناتو، ورد شولتس على ماكرون “اذهب أنت وجيشك فقاتلا فهاهنا نحن قاعدون”، ومن المعلوم أن الخطر الأكبر لأوروبا وهجسها الدائم هو روسيا (سابقا كان الاتحاد السوفييتي) من ناحية، وأمريكا من ناحية أخرى التي لا تنفك من ابتزاز أوروبا منذ موافقتها و”توريطها” بخطة مارشال لإعادة البناء في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، (وأصلا مصطلح القارة العجوز أطلقه وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد ) لتسيطر عليها اقتصاديا، وسياسيا، وثقافيا، وجاءت الأزمة الأوكرانية لتزيد في الطين بلة، إذ قام الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإطلاق تصريحات مذلة للدول الأوروبية الأعضاء في حلف “الناتو” عندما قال إنه “سيشجع روسيا على فعل كل ما تريده لحلفاء أمريكا الذين لا يوفون بالتزاماتهم في الانفاق العسكري” واليوم يرى زعماء أوروبا أن الكابوس الحقيقي هو عودة ترامب إلى الحكم. خاصة وأن العقوبات الأمريكية على روسيا أثرت تأثيرا مباشرا في واردات النفط وأضعفت الاقتصاد الأوروبي.

والخشية الكبرى على المستوى السياسي الداخلي هي صعود صاروخي لليمين المتطرف في ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولاندا، وفنلندا، والسويد، وينتظر أن يسيطر اليمين المتطرف على مقاعد أكثر في انتخابات البرلمان الأوروبي هذا العام التي ستجرى في 6 حزيران/ يونيو، وهذا يعكس سياسة محاربة الهجرة غير الشرعية من دول افريقيا والشرق الأوسط التي تعاظمت خلال العقدين الماضيين من قبل أحزاب اليمين المتطرف.

حرب غزة
وجاءت حرب غزة لتظهر جليا على السطح الخلافات العميقة بين الدول الأوروبية في تعاطيها الأزمة الغزية ومواقفها من الحرب الهمجية الصهيونية على الشعب الفلسطيني، وظهر الخلاف والتضارب في الآراء أولا على أعلى المستويات في صلب الاتحاد الأوروبي ففي الوقت الذي تؤيد فيه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فون دير لاين الألمانية إسرائيل في همجيتها ومجازرها في غزة (وهذا موقف بلادها أيضا والمستشار شولتس )، يعارض الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية الإسباني جوسيب بوريل هذا الموقف (كموقف بلاده إسبانيا) ويدعو إلى وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة.

بدأت بكين تلعب دورا دبلوماسيا نشطا في الشرق الأوسط فهي تبحث عن دور لها في التدخل في الأزمات العالميةوبالطبع في صلب البرلمان الأوروبي تضاربت المواقف بين نواب الأحزاب اليسارية واليمينية من حرب غزة، لكن الخلافات الأعمق جاءت بعد إطلاق دعوات أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية التي بدأتها كل من إسبانيا وإيرلاندا والنرويج، وتحفظت فرنسا وألمانيا، وتمهلت دول أخرى، في الوقت الذي لوح فيه ملك الدانمارك من شرفته بالعلم الفلسطيني.

وزادت المحكمتان الجنائية والعدل الدوليتان في الطنبور نغما عندما دعت الجنائية لاعتقال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت باعتقالهما كمجرمي حرب، ودعت الدولية إلى وقف الحرب في رفح وإدخال المساعدات، فالمواقف الأوروبية تباينت هنا أيضا، والغريب في الأمر أن المستشار الألماني شولتس صرح أنه قانونيا إذا مر نتنياهو أو غالانت في ألمانيا ستقوم ألمانيا باعتقالهما في حين صمتت دول أخرى، في حين الراعية الأمريكية هاجمت قرارات المحكمتين. وهكذا يتبين أن الاتحاد الأوروبي لم يتفق أعضاؤه يوما حول أي حدث سياسي عالمي كما حصل في البوسنة، أو في جيورجيا، أو في المشاركة في حروب أمريكا في أفغانستان والعراق.

خطر الريح الأصفر
خلال النصف الثاني من القرن العشرين كانت أوروبا تنام قريرة العين، مطمئنة أنها في حلبت المنافسة الاقتصادية العالمية كانت لاعبة أساسية كثاني اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن زمان أول تحول مع بداية القرن الجديد، فالمارد الذي كان غافيا في الشرق الأقصى وأوصى الجنرال شارل ديغول “بألا يوقظوه” خرج من القمقم لا ليقول: “شبيك لبيك” ولكن ليكشف عن حجمه الهائل الذي دب الرعب ليس فقط في القارة العجوز بل في عقر دار الرأسمالية العالمية في واشنطن، فالصين التي كانت مستعمرة بريطانية ويابانية ونالت استقلالها بالثورة التي قادها ماوتسي تونغ في العام 1949 أصبحت في أقل من نصف قرن أقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، ونسبة النمو الاقتصادي بقي خلال سنوات طويلة يرمز إليه برقمين وليس برقم واحد، بل أنها طورت قوتها العسكرية بحيث أصبح الغرب كاملا يخشى جانبها، خاصة وأن تكتل البريكس الذي يضم روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا وهناك دول ترغب بالانضمام إليه بدأ يشكل قطبا مناهضا بشكل أو بآخر للغرب خاصة بعد توثيق التعاون الروسي الصيني.


وبدأت بكين تلعب دورا دبلوماسيا نشطا في الشرق الأوسط فهي تبحث عن دور لها في التدخل في الأزمات العالمية، وكانت قد استقبلت الفصائل الفلسطينية لمحاولة رأب الصدع بين حماس والسلطة الفلسطينية، وقامت بعقد المؤتمر الصيني ـ العربي الذي عقد مؤخرا في بكين الذي يؤكد على أن الصين تبحث عن دور دبلوماسي نشط في الشرق الأوسط، وهذا ما يقلق الغرب بأكمله، وإزاء هذا الاختلال في التوازن تجد أوروبا نفسها اليوم عاجزة على مجاراة هذه التحولات السريعة، والأحداث الجسام في أوكرانيا، وغزة التي هي في صلب اهتماماتها خشية على أمنها من جهة، وأمن إسرائيل من جهة أخرى.

وتزداد التحديات حدة مع صحوة الدول الافريقية الراغبة في التخلص من المستعمر القديم عن طريق انقلابات عسكرية (مالي، النيجر، الغابون)، بل وتتفاقم مع إحلال القوى الجديدة مكانها في أكثر من مكان في القارة السوداء الغنية بالمواد الأولية (روسيا، الصين، تركيا) التي كانت تستغلها بأرخص الأثمان وتدر عليها أرباحا كبيرة.

وهكذا تجد القارة العجوز نفسها في خضم أحداث متلاطمة، وتحديات كبيرة خارجية وداخلية على أصعدة مختلفة وهذا ما دفع ماكرون للتحذير من أن أوروبا في حالة احتضار ولابد من إدخالها غرفة الإنعاش.

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ماكرون أوروبا فرنسا فرنسا أوروبا ماكرون مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی القارة العجوز الشرق الأوسط فی الشرق فی صلب

إقرأ أيضاً:

محمد كركوتي يكتب: معضلة الطاقة الأوروبية

لا يزال الأوروبيون يواجهون مصاعب جمة على صعيد الاستغناء عن واردات الطاقة الروسية. 
القرار الجماعي بوقف هذه الواردات اتُخذ منذ اليوم الأول للحرب الروسية- الأوكرانية، ولا سيما في أعقاب بدء فرض عقوبات هائلة من قبل الاتحاد الأوروبي على موسكو. 
وحاولت بلدان عديدة تعتمد على واردات الطاقة الآتية من روسيا، البحث عن بدائل سريعة، لكنها واجهت مصاعب من ناحية الموقع الجغرافي، إلى جانب ارتفاع قيمة هذه الواردات. 
وفي حراك رمزي بداية أرسلت الولايات المتحدة مجموعة من الناقلات الحاملة للطاقة إلى البر الأوروبي، إلا أنها ظلت ضمن نطاق غير فاعل. 
فالطاقة الروسية تبقى الأرخص والأسرع، والأسهل من ناحية النقل، خصوصاً بوجود أنابيب مباشرة هائلة الحجم تربط الطرفين.
وضع الاتحاد الأوروبي خططه منذ البداية لوقف الواردات الروسية، ولكنه سرعان ما قرر خفض هذه الواردات لصعوبة التخلي عنها، لكن حتى عملية الخفض هذه منيت بالفشل، باعتراف المفوض الأوروبي للطاقة دان يورجنسن، الذي يعتقد بضرورة اتباع نهج مختلف لحل هذه المشكلة. فالمشتريات الأوروبية من الطاقة الروسية زادت بدلاً من تراجعها. وهذا العام استورد الاتحاد أكثر بحوالي 10% من الغاز الطبيعي الروسي مقارنة بالسنة الماضية. وحتى في العام 2022 الذي اندلعت فيه حرب أوكرانيا، زادت مشتريات الأوروبيين من غاز روسيا 40% ما يعزز الاعتقاد بأن هذه المعضلة الأوروبية، لن تُحل في وقت قريب. ويبدو أن البرنامج الذي أطلقه الأوروبيون باسم «ريباور إي يو»، ويستهدف إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي بحلول عام 2027، لن يحقق غاياته في التاريخ المحدد. 
ليس أمام الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة، سوى اللجوء إلى الحلول الأخرى، للتخلص من التبعية للطاقة الروسية، وعلى رأسها رفع وتيرة الاعتماد على الطاقة النووية. فدول الاتحاد تتمتع بقدرات كبيرة في هذا المجال، كما أنها حققت قفزات كبيرة منذ أكثر من عقدين من الزمن، في مجال الطاقة المتجددة، لكن يبقى النفط والغاز على رأس مصادر الطاقة حتى اليوم، وعلى المفوضية الأوروبية العمل من دون توقف، للوصول إلى حالة مقبولة في ميدان الطاقة كلها. مسألة الطاقة في القارة الأوروبية عموماً، تبقى معقدة جداً، حتى في أزمنة الاستقرار.

أخبار ذات صلة محمد كركوتي يكتب: النمو الخليجي يوائم المخططات محمد كركوتي يكتب: «صراع» رسوم لأكبر اقتصادين

مقالات مشابهة

  • رغم اقتراب نهاية فترة العقد.. المفوضية الأوروبية: لا نبحث تمديد نقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا
  • «السوبر الأوروبي» يتحول إلى «الدوري الموحد»
  • أدنى الأجور في أوروبا: تعرف على الدول التي تتصدر القائمة والتفاصيل اللافتة حول تركيا
  • القلق الإطاري..السوداني يدعو الاتحاد الأوروبي للتدخل في سوريا لـ” بناء نظامهم”
  • بسبب إعصار"تشيدو".. ماكرون يُعلن حالة الحداد في فرنسا
  • محمد كركوتي يكتب: معضلة الطاقة الأوروبية
  • إقامة نهائيات دوري الأمم الأوروبية في ألمانيا أو إيطاليا
  • المستشار الألماني: تحقيق بوتين الانتصار على أوكرانيا سيهدد أمن القارة الأوروبية
  • جوارديولا: كنا الفريق الوحيد الذي لم يهزم في أوروبا قبل مباراة أمس
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته