الثورة نت:
2024-07-09@12:16:12 GMT

حين تعوض السياسة فشل الحرب

تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT

 

 

لا أخفي قلقًا من سيناريوهات ما بعد العدوان على غزة، رغم أنني أتمنى أن تطوى اليوم قبل الغد صفحة تلك الملحمة الفلسطينية التي أبهرت واستحقّت احترام وتعاطف الكثيرين. ذلك أن بعض سيناريوهات ما بعد الحرب تحاول بطرق شتى أن تحقق من خلال السياسة ما فشلت الحرب في بلوغه من أهداف.
صحيح أن الاحتيال والخديعة من خصائص الحركة الصهيونية منذ برزت في نهاية القرن التاسع عشر، التي بشّر بها تيودور هرتزل آنذاك في كتابه الشهير: «الدولة اليهودية».

إلا أن ذلك الأسلوب المخادع والمراوغ صار من لوازم كل خطوات تأسيس وبناء الدولة العبرية منذ 1948 مرورًا بكافة المساعي التي بذلت بدعوى تحقيق السلام، وكان من أبرزها المعاهدة التي أبرمها الرئيس أنور السادات مع إسرائيل في 1978، واتفاقيات أوسلو التي تمّت مع منظمة التحرير عام 1993، التي ندم ياسر عرفات على المضي فيها، معترفًا بأنها كانت خطأ وقع فيه.
لكني أزعم أن التاريخ الذي مرّ منذ تأسيس إسرائيل في كفة، والتاريخ الذي بدأ في 7 أكتوبر 2023 في كفة أخرى مختلفة تمامًا، شكلًا وموضوعًا.
يسوغ لنا ذلك أن نقول إن ثمة فرقًا جوهريًا بين تجربة الاحتلال طوال 76 عامًا وبين ما حدث بعد «طوفان الأقصى»، وبعد نحو ثمانية أشهر من القتال، إذ أدركت إسرائيل أن المشروع الصهيوني يواجه خطرًا حقيقيًا يهدّد وجوده. وذلك ليس كلامي وحدي، لأنّ الإشارة إلى هذه الخلاصة وردت في كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تعليقه على قرار محكمة العدل الدولية بوقف الحرب في رفح، إذ نقلت عنه وكالات الأنباء قوله: «من يطالب دولة إسرائيل بوقف الحرب فإنه يطالبها بإنهاء وجودها نفسها، وهو ما لن نوافق عليه».
وتلك رسالة ردّدها بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وعضو الكنيست عن البيت اليهودي اليميني المتطرف، إذ تخلى الرجل عن الغرور والانتفاخ الكاذب وصرح بأنّ الاستجابة لقرار المحكمة الدولية تعد إيذانًا بنهاية المشروع الصهيوني. وليس ذلك فقط تعبيرًا عن فزعه من القرار، وإنما هو تعبير عن إدراكه لأصداء الزلزال الذي لاحظه في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، وأصدائها القوية التي ما زالت تتردد في أرجاء العالم حتى الآن.
لا غرابة في التشاؤم الذي عبّر عنه الوزير الإسرائيلي وهو ما لامسته من مقالة سابقة بعنوان: «أن تصبح إسرائيل تاريخًا»، أشرت فيها إلى علامات أفول المشروع الصهيوني بعدما انفضح أمرُه أمام العالم خلال حرب الإبادة على غزة، حين توالت شهادات الخبراء الإسرائيليين وغيرهم التي اعترفت بهزيمة الجيش الذي لا يقهر عسكريًا وأمنيًا واستخباراتيًا، إضافة إلى تدهور سمعتها الاقتصادية والأخلاقية وضلوعها في جرائم الإبادة، وغيرها من انتهاكات القانون الدوليّ، والقانون الدولي الإنساني.
وهي ذات التفاعلات التي دفعت ثلاث دول أوروبية: (إسبانيا، وأيرلندا والنرويج) إلى اعترافها بدولة فلسطين، الأمر الذي يساهم في عزلة إسرائيل دوليًا ويعزز تراجع الرأي العالمي إزاءها. في الوقت ذاته ارتفعت أسهم فلسطين: القضية والمقاومة والشعب الصامد والصابر. وكان للإدارة الأمريكية نصيبها من الفضيحة بعدما انكشف أمام العالم حجم التواطؤ والتأييد الذي تقدمه إلى إسرائيل، لتتجاوز الشراكة بينهما إلى التبنّي والسعي المستمرّ لتمكين إسرائيل من مواصلة القتل والتهجير، والتستّر على جرائم الإبادة.
حين دخلت الحرب شهرها الثامن ظهرت عوامل جديدة في المشهد. إذ ثبت أن إسرائيل لم تحقق شيئًا من أهدافها الاستراتيجية.
وظهرت الشقوق داخل مجتمعها، وتطوّرت مظاهرات أهالي الأسرى الذين ظلوا يطالبون بعقد هدنة مع حماس تطلق سراح أسراهم لديها، ثم أضافوا مؤخرًا مطالبات باستقالة الحكومة وانتخاب رئيس جديد لها. وفي هذه الأجواء ظهرت سيناريوهات ما بعد الحرب، خصوصًا ما رشح منها في الولايات المتحدة التي تقف في مربع الانحياز الصريح لإسرائيل.
التطوّر الآخر الهام؛ أن الدور الأمريكي تراجع بصورة نسبية، فرغم أنها لا تزال القوة الكبرى والأعظم عسكريًا، فإن وزنها الاستراتيجي ضعف بدوره بصورة ملحوظة. آية ذلك أنها لم تستطعْ أن تكبح جماح المحاكم الدولية التي تمرّدت وأصدرت أحكامًا كشفت عن عدم رغبة المحافل القانونية الدولية للأمم المتحدة بالاستمرار في منح إسرائيل حصانة مفتوحة الأجل، ولم تستطعْ واشنطن بكل ما تملكه من نفوذ أن تمنعها من ذلك.
كما أنها عجزت عن ممارسة ضغوطها لمنع جنوب أفريقيا من اتهام إسرائيل بممارسة الإبادة بحق الفلسطينيين في غزة، فضلًا عن فشلها في أن تحول دون تمرّد بعض دول أمريكا اللاتينية والتنديد بالعدوان الإسرائيلي، أحدثها إعلان المكسيك طلب الانضمام رسميًا إلى جنوب أفريقيا في الدعوى التي تنظر أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بانتهاك المعاهدة الدولية لمنع الإبادة.
ومن مصادفات الأقدار أن الجسر العائم الذي قامت واشنطن ببنائه بتكلفة 320 مليون دولار بدعوى إدخال المساعدات إلى القطاع انهارت أجزاء منه بعد مضي أسبوع من تشغيله، مما كان تعبيرًا عن هشاشة الدور الأمريكي، وركاكة التعامل مع معطيات الواقع الفلسطينيّ على الأرض.
من نماذج السيناريوهات التي أعنيها ما نشرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية ذات السمعة الرصينة التي نسبت معلوماتها إلى أربعة مسؤولين في إدارة الرئيس بايدن. وهناك أفكار أخرى قريبة تحدّث عنها تقرير لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المؤيد للسياسات الإسرائيلية، ومقترحات ثالثة أعدّتها جماعة بحثية تسمى تحالف فاندنبرج الذي يتكوّن بدوره من عدد من مؤيدي إسرائيل.
ربما كان كافيًا لاستبعاد أمثال تلك الأطروحات بسرعة أن ندرك أنها خارجة من المطبخ الأمريكي الذي هو بمثابة الشريك والكفيل للدولة الإسرائيلية، وذلك لا يمنع من إبداء عدة الملاحظات الأخرى التي تنبّه إلى بعض العوامل المثيرة للقلق.
ذلك أن أغلب الأفكار المطروحة تحرص على التمكين الإسرائيلي وضمان سيطرتها على الأوضاع الأمنية بدعوى الحيلولة دون تكرار ما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ولتحقيق ذلك يسمح بعودة أعداد من الفلسطينيين بشروط معينة. ويتوازى ذلك مع تنشيط عملية الإعمار واستمرار التمويل. ويشرف على الإدارة المدنية مستشار أمريكي له مقر خارج غزة. إذ يقترح له أن يقيم في منطقة قريبة في سيناء أو عمّان، فريقه فقط هو الذي سيبقى داخل القطاع. أما الأمن والاستقرار فتتولاه قوة أممية تشترك فيها قوات تمثل ثلاث دول عربية «حليفة»، هي: مصر والمغرب والإمارات. وتضم إلى هذه القوة بعض عناصر سلطة التنسيق الأمني في رام الله.
وهذه النقطة الأخيرة لها خطورتها؛ لأنها بمثابة توريط غير مسبوق للدول العربية الحليفة في مهمة التنسيق الأمني سيئ السمعة، وهو ما يفتح الباب لاشتباك هذه القوة مع عناصر المقاومة الفلسطينية، على نحو يفتح الباب لاحتمال نشوب حرب عربية – عربية.
إزاء ذلك خطر لي شبح اتفاق أوسلو الذي أخذت فيه الدولة العبرية الكثير من المنظمة، وخرج الفلسطينيون بالسلطة الوطنية وبوعد الحكم الذاتي الذي يمهد للدولة المستقلة والذي لم يتحقق منه شيء طوال أكثر من 30 عامًا. وبذلك حقّقت إسرائيل مرادها وأكل الفلسطينيون الهواء. وهو ما ينبهنا إلى تحديات اللحظة الراهنة التي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن “طوفان الأقصى” كان ولا يزال هو الحلّ. ليس اليوم فقط، ولكن غدًا أيضًا.
مفكر إسلامي

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

مناصرو فلسطين في بريطانيا يتظاهرون بلندن دعما لغزة ومطالبة بوقف الحرب

شهدت شوارع لندن اليوم تظاهرة حاشدة شارك فيها مئة ألف متظاهر لدعم القضية الفلسطينية. نظمها تحالف المنظمات البريطانية الداعمة لفلسطين لمطالبة الحكومة البريطانية الجديدة باتخاذ إجراءات فورية لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين ووقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.

تحدث في التظاهرة عدد من السياسيين البارزين الذين ألقوا خطباً أمام الحشود، دعوا فيها إلى العدالة والسلام. من بينهم جيريمي كوربين، النائب المنتخب حديثاً، الذي أكد على الحاجة الملحة للتحرك السياسي ودعم حقوق الفلسطينيين. كما ألقت الناشطة المعروفة ميكايلا لوتش خطاباً مؤثراً سلّطت فيه الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين وضرورة التدخل الدولي.

من جانبه، قدّم الدكتور الفلسطيني البريطاني غسان أبو ستة تقريراً مباشراً عن الوضع الطبي المتدهور في غزة، مطالباً بإنهاء العنف وتقديم المساعدات الإنسانية. كما ألهمت الناشطة ليان محمد، المعروفة بنشاطها في المجتمع، الحشود بدعوتها إلى الوحدة والمواصلة في العمل النضالي. وشاركت الكاتبة الشهيرة كاملة شمسي بكلمة أكدت فيها على أهمية التضامن العالمي وقوة العمل الجماعي.

ورأى المنتدى الفلسطيني أن تعيين ديفيد لامي وزيراً للخارجية يثير تساؤلات عديدة ينتظر منه الإجابة عنها بشكل فوري. وأهمها هل سيتخذ إجراءات فورية لوقف جميع صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل وإلغاء التراخيص الحالية؟ وهل سيفي بوعده بإعادة تمويل المملكة المتحدة لوكالة "الأونروا" فوراً؟ بالإضافة إلى ذلك، يجب عليه توضيح موقفه بشأن تدخل المملكة المتحدة في محكمة العدل الدولية لدعم إسرائيل، وإعادة تأكيد التزام المملكة المتحدة بالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. هذه التساؤلات تبرز الحاجة الملحة للوضوح والعمل الحاسم من الوزير الجديد، وتعكس مطالب تظاهرة اليوم والدعوة الأوسع للعدالة وحقوق الإنسان.

وأشاد المنتدى الفلسطيني في بريطانيا بالانتخابات الأخيرة ونتائجها من المنظور الفلسطيني وثمن عاليا جهود المرشحين الفلسطينيين الذين خاضوا هذه التجربة المهمة والواعدة، وخاصة ليان محمد، وسامح حبيب وكامل هواش وآخرين، وأعرب عن شكره لهم لشجاعتهم وتفانيهم، مؤكدا أن مشاركتهم تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التمثيل الفلسطيني والدفاع عن حقوقهم في المشهد السياسي البريطاني.

وقال المنتدى في بيان له اليوم أرسل نسخة منه لـ "عربي21": "لا يمكن في هذا السياق إغفال دور غزة وصمود أهلها في مجريات الانتخابات ونتائجها. هذا الصمود الاسطوري الذي يستمر في إلهام الحركة التضامنية والتأثير في  الخطاب السياسي، وفي تسليط الضوء على النضال المستمر من أجل العدالة وحقوق الإنسان"..

وقال زاهر بيراوي، رئيس المنتدى الفلسطيني في بريطانيا،: "إن تظاهرة اليوم هي شهادة قوية على الدعم الثابت لفلسطين داخل المملكة المتحدة. وندعو حكومتنا للاستماع إلى أصوات مواطنيها واتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء الإبادة الجماعية ووقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.

وأعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم السبت، ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين جراء الحرب الإسرائيلية إلى "38 ألفا و98 شهيدا و87 ألفا و705 إصابات" منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقالت الوزارة في بيانها اليومي: "ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 38098 شهيدا و87705 إصابات منذ 7 أكتوبر الماضي".

وأوضحت أن الجيش الإسرائيلي ارتكب خلال الـ24 ساعة الماضية "3 مجازر بحق العائلات في القطاع وصل من ضحاياها للمستشفيات نحو 29 شهيدا و100 إصابة".

وأشارت إلى وجود عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم بسبب استمرار العدوان.

ومنذ 9 أشهر تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي خلفت دمارا هائلا ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.

وتواصل إسرائيل حربها رغم قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال "إبادة جماعية"، وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.

مقالات مشابهة

  • هل من تأثيرات اساسية لـالانقلاب الفرنسي على لبنان؟
  • حماس: ألاعيب “نتنياهو” وجرائمه تعيق المفاوضات
  • أقرع: يمكن قياس الحجم المهول للكذب في السياسة السودانية بأن (..)
  • التعاون الإسلامي تدين استمرار جريمة الإبادة الجماعية ضد غزة
  • اللجنة التنفيذية تؤكد أهمية الضغط من أجل وقف حرب الإبادة التي يتعرض لها شعبنا
  • ماذا تقول الغزيّات في القدس بعد 9 أشهر من الإبادة؟
  • صفارات الإنذار تدوي شمال إسرائيل للمرة الأولى منذ بداية الحرب
  • الهيئة الدولية لدعم الشعب الفلسطيني تدعو لزيادة الضغوط على الاحتلال لوقف حرب الإبادة بغزة
  • مناصرو فلسطين في بريطانيا يتظاهرون بلندن دعما لغزة ومطالبة بوقف الحرب
  • البرلمان العربي يواصل تحركاته لإيقاف حرب الإبادة في غزة