طبخت واشنطن بالشراكة مع الكيان مبادرة إنقاذ الكيان وإخراجه من مستنقع غزة الذي ادخل نتنياهو وعصابته الكيان فيه، كان الاتفاق أن تبقى المبادرة سرية حتى يحقق الكيان وان بعضاً من أهدافه المعلنة، لكن وبعد أكثر من شهر من صياغة المبادرة وأكثر من أسبوعين من دخول جيش الاحتلال إلى مدينة رفح واحتلال المعبر ومحور فلاديلفيا أو صلاح الدين، لم يجد الرئيس الأمريكي بداً من إعلان المبادرة وفرضها على حلفائه الصهاينة ليس بدوافع إنسانية ولا رحمة بأطفال فلسطين ، ولا إنقاذا لسكان قطاع غزة، بل أعلن بايدن المبادرة رغبة منه في إنقاذ الكيان الصهيوني وإخراجه من مستنقع الهزيمة الذي يوما بعد يوم يفقد فيه الكيان المزيد من قدراته ومهاراته وصورته، فيما الضغط الدولي يلتف حول الكيان، ودول كانت صديقة له أخذت تقطع علاقتها به وتغلق سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية وطرد ممثلي الكيان من عواصمها.
المهم أن مبادرة بايدن التي تم صياغتها بالشراكة مع الكيان، تحولت إلى أزمة بين أمريكا وحليفها المدلل بعد أن فجرت المبادرة بصيغتها الأمريكية _الإسرائيلية خلافا علنيا داخل القيادة الصهيونية من جهة وبين القيادة الصهيونية والبيت الأبيض من جهة أخرى، وفيما تؤكد واشنطن أن المبادرة هي بالأصل (إسرائيلية) تقول إسرائيل أن ما قدمه بايدن فيه الكثير من النواقص، وفيما جاهرت القيادة الصهيونية برفضها المبادرة تطلع واشنطن وتصرّ في كل تصريحاتها بأن الكرة في ملعب حماس..!
حالة إرباك بين واشنطن والكيان، وحماس التي رحبت بالمبادرة وفق الضوابط التي سبق وان سلمتها للوسطاء.
أمريكا وجدت نفسها في حالة إرباك من موقف نتنياهو وحكومته، ومع ذلك تذهب لمطالبة المقاومة بالقبول بالشروط الصهيونية، في ذات الوقت تواصل واشنطن الضغط على الوسطاء للضغط على حماس للقبول بما لم يقبل به الكيان الصهيوني بعد..!
التصريحات التي يطلقها مسؤولو البيت الأبيض تتناقض مع تلك التي تأتي من الصهاينة وتختلف بالمطلق عن تلك التي يتحدث بها الوسطاء وخاصة ما حمله بيان الوسطاء الأخير بعد اجتماعهم بالقاهرة..!
حماس التي رحبت بكل إيجابي حمله بيان الرئيس الأمريكي، وأكدت على ثبات مطالبها التي أبرزها وقف إطلاق نار دائم وتبادل أسرى، وإدخال المساعدات وفتح المعابر والانسحاب الكلي من قطاع غزة..
الملاحظ أن البيت الأبيض مؤخرا وفي آخر التصريحات الصادرة من واشنطن يؤكد أنه ينتظر الرد الإسرائيلي؟!
فإذا كانت المبادرة إسرائيلية أصلاً فكيف تنتظر واشنطن الرد؟ وان كانت أمريكية لماذا لم تصرح بهذا واشنطن وتقول إنها فرضت هذه التخريجة بهدف إنقاذ إسرائيل خشية أن تجد نفسها منبوذة دوليا ومحاصرة إقليميا، ولماذا تربط واشنطن مبادرتها بالتطبيع مع الرياض مع أن الرياض أعلنت صراحة إنها لن تعترف بالكيان قبل قيام الدولة الفلسطينية التي لا تريدها واشنطن، ولا يريدها الصهاينة..؟!
وما هي الغاية من توجيه أصابع الاتهام إلى المقاومة ومطالبتها بسرعة قبول المبادرة وأنها فرصة مناسبة لها والشعب الفلسطيني، مطالبة مقرونة بالتهديد بأن في حال عدم قبولها فإن إسرائيل سوف تواصل الحرب..!
حالة إرباك مركب تعيشه واشنطن والكيان وربما حتى الوسطاء الذين لم يصرحوا بمواقفهم وسط صخب التناقضات المتبادلة صهيونيا وأمريكيا..!
و اللافت أن هذا الصخب القائم بين واشنطن وتل أبيب اقترن بحملة اتصالات مكثفة يجربها البيت الأبيض مع عدد من زعماء المنطقة، وكذلك يفعل وزير خارجية أمريكا، يحدث كل هذا دون أن يغفل أطرافه دعواتهم للمقاومة بسرعة قبول المبادرة وان لا تتأخر بالرد عنها، في الوقت الذي لم توافق إسرائيل عليها، وواشنطن تبدو عاجزة عن فرضها على حليفها الصهيوني، ثم تتحدث مع الوسطاء عن ضرورة الضغط على المقاومة وحركة حماس وكأن واشنطن تريد من حماس أن تخرج حاملة الراية البيضاء تقول لبايدن (لبيك اللهم لبيك حماس والمقاومة وقيادتها بين يديك مر تطاع )..؟!
فالمبادرة قطعا ملغومة، ورغم ذلك تعكس وتعبّر عن حقيقة هزيمة الكيان وجيشه رغم دعم أمريكا والعالم له، ويدرك الكيان وقادته وجيشه وأجهزته هذه الحقيقة ويعرفون انهم هزموا على يد المقاومة في أكتوبر الماضي، وهزموا في المواجهة الميدانية طيلة ثمانية أشهر لم يحققوا أيا من بنوك أهدافهم المعلنة.. لكن واشنطن من خلال المبادرة تسوق لهم نصرا أخر بديلاً وهو التطبيع مع السعودية الذي تحاول تسويقه واشنطن وكأنه نصر للكيان بديلا عن النصر العسكري الميداني..!
الأمر الأهم أن واشنطن ترى ما لم يره القادة الصهاينة، وهو خوف واشنطن من عزلة دولية تحيق بهذا الكيان، واتساع دائرة الصراع وخروجه عن النطاق الفلسطيني وجبهات الإسناد ليتحول إلى صراع إقليمي شامل، الأمر الثالث والأخير هو رغبة واشنطن بإنها نيران المنطقة والتفرغ لحربها في أوكرانيا التي تشكل قلقا لها على ضوء تقدم الجيش الروسي في أكثر من جبهة من جبهات الحرب..
إذا من سيجبر الآخر نتنياهو أو بايدن؟ أم تبقى المبادرة بيد المقاومة وهي صاحبة القرار الأخير في المعادلة؟ هذا ما سوف تكشف عنه تداعيات الأيام المقبلة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حرب غزة نظرة إلى الواقع واحتمالات المستقبل.. دراسات إسرائيلية
كان السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023، وما تلاه، حدثا مفصليا في تاريخ المنطقة والعالم. وقد تعددت التقييمات والتقديرات لمجريات الحرب، وما حققته أو لم تحققه الأطراف المنخرطة فيها أو المتأثرة بها. كما كثُرت وتعددت الرؤى لسيناريوهات المستقبل.
وفي هذا الإطار نقدم عرضا لثلاثة دراسات لتقييم وتقدير موقف لحرب غزة، هي:
1 ـ "الحرب في غزة بعد عام: تقييم مرحلي": نشرته "المجلة الإسرائيلية للشؤون الخارجية"، المجلد الثامن عشر، الجزء الأول، 2024. وهي مجلة صادرة عن المؤتمر اليهودي العالمي WJC. وكاتب المقال هو "تشاك فريليش": نائب سابق لمستشار الأمن القومي في إسرائيل، ويُدرس العلوم السياسية في جامعات هارفارد وكولومبيا ونيويورك وتل أبيب.
2 ـ "حرب يخسرها كلاهما: إسرائيل وحماس ومحنة غزة": نشرته "مجلة البقاء"، المجلد 66، العدد الثالث، 2024. وهي من إصدار المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS. وكاتب المقال هو "دانيال بايمان": أستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون، وزميل أول في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS.
3 ـ "كيف يمكن لإسرائيل وإدارة ترامب كسب الحرب وتشكيل الشرق الأوسط": نشره معهد القدس للاستراتيجية للأمن" ، في 16/12/2024، للجنرال المتقاعد يعقوب عميدرور المستشار الأسبق للأمن القومي الإسرائيلي، كما عمل سابقا رئيسا لقسم الأبحاث بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.
أهم ما تضمنته المصادر الثلاثة
في السابع من أكتوبر 2023، استخدمت حماس مُسيرات وتدابير منخفضة التقنية لمفاجأة وتحييد كاميرات المراقبة المتطورة وأنظمة إطلاق النار الآلية بالسياج العازل على الحدود بين غزة وإسرائيل. واخترق 3800 من مقاتلي حماس السياج في 119 مكانا، واجتاحوا القواعد العسكرية، والقرى والبلدات الحدودية، وتوغلوا 25 كيلومترا في منتصف الطريق إلى بئر السبع، وثلث الطريق إلى مفاعل ديمونة النووي.
كيف أدرات إسرائيل الحرب؟
منذ السابع من أكتوبر، اتبعت إسرائيل سياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتوجيه ضربات محدودة في لبنان وإيران إلى منتصف سبتمبر عندما ضربة مؤثرة لحزب الله فيما عرف ب"ليلة الاستدعاءات" أو "حرب البيجرات"، ثم الدخول في حرب شاملة مع الحزب. وقدم الجنرال عميدرور عرضا لأهداف إسرائيل في الحرب، وطريقة إدارتها فقال: تشن إسرائيل حربا على أربعة مستويات: حماية المواطنين الإسرائيليين داخل إسرائيل وفي المناطق الحدودية؛ استعادة مكانتها في المنطقة والعالم؛ على قلوب وعقول المسلمين في المنطقة ليترسخ لديهم أن حركات المقاومة السنية الشيعية تجلب كارثة لشعوبها؛ وعلى عقول الغرب ليعلموا أنه هو التالي إذا فشلت إسرائيل في مواجهة حركات المقاومة الإسلامية. ولذلك قامت استراتيجية إسرائيل في هذه الحرب على ثلاثة مبادئ رئيسية تختلف عن حروبها السابقة: تدمير التهديدات أو على الأقل تقليلها بشكل كبير، التركيز على ساحة واحدة قدر الإمكان، وعدم تحديد الخطط المستقبلية قبل تحقيق الإنجازات. ولذلك، لم يتم اتخاذ أي قرار بشأن الإدارة المدنية لغزة في "اليوم التالي".
غير معروف نظرة الفلسطينيين للدور المستقبلي لحماس المستقبلي في السياسة الفلسطينية. فلا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأي وحدها، والتي تراوحت بين: الدعم الساحق لحماس عند اندلاع الحرب، أو اعتبار الكثيرين أن الدمار الهائل في غزة هو هزيمة ساحقة ونكبة جديدة.الآثار الحالية والمستقبلية للحرب
هذه الحرب لها آثار تاريخية على إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة، كالتي جرت بعد حربي 67 و 73. قد يكون بعضها غامضا الآن؛ لكن بمجرد توقف الصراع، فقد تجد إسرائيل وحماس نفسيهما في وضع أسوأ مما كانا عليه قبل الحرب. وإن مرور عام علي الحرب هو وقت مناسب لتقييم ما أنجزته وما لم تنجزه الجهات الفاعلة الرئيسية فيها، ولرسم المسار المحتمل في المستقبل المنظور:
أولا ـ حماس
كان العام الأول للحرب بمثابة تقاطع بين متناقضين بالنسبة لحماس: النجاح الدراماتيكي، والكارثة التاريخية. ويمكن لها أن تدعي بحق أنها المنظمة الفلسطينية الأكثر فعالية على الإطلاق لتحدي إسرائيل:
1 ـ فهي القوة العربية الوحيدة منذ 1948 التي احتلت أراضي داخل إسرائيل، ولو بشكل عابر.
2 ـ تسببت في إحداث أكبر صدمة نفسية في تاريخ إسرائيل، وحطمت شعور الجمهور الإسرائيلي بالأمن.
3 ـ نجحت في استعادة الفلسطينيين الثقة في كفاءتهم الأساسية، وقدرتهم على الوقوف في وجه إسرائيل.
4 ـ حققت هدفها الأدنى المتمثل في مجرد النجاة من الهجوم الإسرائيلي المضاد، واحتفظت إلى حد كبير بالسيطرة السياسية في غزة، وأعادت تشكيل كتائبها في بعض مناطق القطاع.
5 ـ إعادت القضية الفلسطينية إلى مركز الاهتمام الدولي، على النقيض من الجهود العقيمة التي بذلتها السلطة الفلسطينية..
6 ـ أكدت أن القضية الفلسطينية لا يمكن تنحيتها في أجواء استمرار إسرائيل في التمتع بامتداد التطبيع والتكامل الإقليمي والنمو الاقتصادي.
7 ـ وفرت الرهائن لحماس درجة غير متوقعة من النفوذ، وأدت إلى توترات داخل إسرائيل.
8 ـ عرقلت قطار التطبيع الذي كان أوشك على إقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية. وكان من المحتمل أن يؤدي إلى مزيد من توسيع العلاقات مع الدول الإقليمية والإسلامية الأخرى.
9 ـ ازدياد الدعم الدولي للفلسطينيين، وأعربت قطاعات من الرأي العام العالمي عن تضامنها مع حماس.
10 ـ تعزيز جهود نزع الشرعية عن إسرائيل، وعزلها دبلوماسيا.
وعلى عكس النجاحات التي حققتها خلال العام الأول من الحرب، فهناك مجموعة من الاخفافات هي:
1 ـ هُزمت حماس عسكريا؛ لكنها ليست هزيمة كاملة..
2 ـ دمار شامل وكبير بقطاع غزة.
3 ـ نجاح جزئي في جر محور المقاومة: ففي الأسابيع الأولى، عندما كان من الممكن أن يُحدِث تدخل إيران وحزب الله فرقا حاسما؛ لم تُلبِ طهران مناشدات حماس للتدخل في القتال. أما حزب الله، فقد أبقى الأعمال القتالية عند مستوى يهدف إلى تجنب تصعيد كبير مع إسرائيل يجبرها على تحويل مواردها الرئيسية من غزة إلى الحدود الشمالية. وأطلق الحوثيون والميليشيات الشيعية الصواريخ والمسيرات بشكل متقطع فقط. ولم يتغير هذا الوضع في معظم العام الأول للحرب.
4 ـ غير معروف نظرة الفلسطينيين للدور المستقبلي لحماس المستقبلي في السياسة الفلسطينية. فلا يمكن الاعتماد على استطلاعات الرأي وحدها، والتي تراوحت بين: الدعم الساحق لحماس عند اندلاع الحرب، أو اعتبار الكثيرين أن الدمار الهائل في غزة هو هزيمة ساحقة ونكبة جديدة.
ثانيا ـ إسرائيل
1 ـ نجاح عسكري جزئي
على المستوى العسكري البحت، حققت إسرائيل نجاحا كبيرا. فقد دمرت الكتائب التي نشرتها حماس، أو أدت إلى تدهورها بشدة. ولم تعد حماس تشكل قوة عسكرية متماسكة، وفقدت قدرتها على شن هجوم مماثل للسابع من أكتوبر لسنوات عديدة قادمة. وتم إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود مع غزة، وأعادت إسرائيل بسط السيطرة على ممر فيلادلفيا ومعبر رفح. وفقدت حماس الكثير من مقاتليها وقادتها.
ومع ذلك، ومع مرور عام، لم تُهزم حماس بالكامل. ولا يزال بإمكانها شن هجمات ضد الجيش الإسرائيلي. وتحتفظ بعدد صغير من الصواريخ. ولم تتمكن إسرائيل من تدمير شبكة الأنفاق الضخمة بالكامل التي تزيد عن 500 ميل. ولا يزال 100 رهينة بيدها، مما يضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحد استراتيجي.
2 ـ فشل إيجاد بديل لحماس
على الرغم من أن السيطرة السياسية لحماس على غزة قد ضعفت بشكل كبير، إلا أنه لم يتم القضاء عليها. وأدى فشل إسرائيل في تقديم بديل لحماس إلى جعلها الهيئة الحاكمة في غزة بحكم الأمر الواقع.
3 ـ عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية للحرب
حددت إسرائيل أهداف الحرب على أنها التدمير العسكري والسياسي الكامل لحماس، وإطلاق سراح الرهائن، وتحقيق "النصر الكامل". وكلها أهداف لم تتحقق حتى الآن. وكان أكبر فشل في نظر الجمهور الإسرائيلي هو عدم قدرة الحكومة على إنقاذ الرهائن أحياء، سواء من خلال العمل العسكري أو المفاوضات، وهو ما استغلته حماس في إطار الحرب النفسية لإضعاف عزيمة المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، تلاعب نتنياهو بالقضية لأغراض سياسية، ولم يستفد من أي فرصة متاحة لإطلاق سراحهم.
4 ـ فشل جزئي في عملية التطبيع
رغم تأجيل الحرب لاحتمالات التطبيع بين إسرائيل والسعودية؛ فقد استمر التعاون العسكري مع بعض دول الخليج والدول العربية، وربما تكثف هذا التعاون في بعض الحالات. ومع ذلك، فإن فشل إسرائيل في تقديم تصور لما بعد الحرب حال دون إضفاء المزيد من الطابع الرسمي على التحالف.
5 ـ عزلة دولية
أثرت الحرب بشدة على مكانة إسرائيل الدولية، وأدت إلى تعاطف دولي مع الفلسطينيين لم يُسمع به من قبل. واعتبر الأوروبيون في استطلاعات الرأي أن إسرائيل تهديد كبير للسلام أكثر من إيران وكوريا الشمالية وروسيا. وأصبحت المواقف تجاه إسرائيل عدائية بشكل كبير، وتزايدت الإدانة الدبلوماسية، وتعززت مبادرات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل، ووُجهت اتهامات الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، مما أدى إلى عزلة إسرائيل.
6 ـ صدمة عميقة وانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي
لا يزال المجتمع الإسرائيلي يعاني من صدمة عميقة بسبب الحرب، الذي استهلكه رعب الأيام الأولى، واحتجاز الرهائن، والقتال في غزة، وإطلاق النار المستمر في الشمال. وكان في 2023 قبل الحرب يترنح بالفعل بسبب ما يسمى ب"الإصلاح القضائي". وهو ما سبق للجيش ووكالات الاستخبارات أن حذروا نتنياهو من أن هذه الانقسامات العميقة والمعارضة التي أثارها الإصلاح المقترح ستضعف إسرائيل عسكريا وتشجع خصومها على الاستفادة من الفوضى الداخلية لبدء أعمال عدائية. ثم أدى اندلاع الحرب إلى استعادة الإجماع الوطني الأساسي؛ ولكن سرعان ما تجددت الانقسامات. ويلوم بعض الإسرائيليين نتنياهو على عدم تحمله المسؤولية عن الفشل الاستراتيجي الذي يعكسه السابع من أكتوبر. وبينما يريد اليمين المتطرف الاستمرار في الحرب؛ فإن الإسرائيليين الآخرين أكثر استعدادا لقبول وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن.
ثالثا ـ إيران ومحور المقاومة
أظهر السابع من أكتوبر هشاشة أمن إسرائيل، وزاد من إيمان محور المقاومة بقدرته على تحقيق هدفه النهائي بتدمير إسرائيل في وقت أبكر مما كان يتوقع. وأحبطت الحرب مؤقتا خطر التطبيع السعودي الإسرائيلي، والتكامل الإقليمي مع إسرائيل. وانهارت صورة إسرائيل الدولية.
كان أكبر فشل في نظر الجمهور الإسرائيلي هو عدم قدرة الحكومة على إنقاذ الرهائن أحياء، سواء من خلال العمل العسكري أو المفاوضات، وهو ما استغلته حماس في إطار الحرب النفسية لإضعاف عزيمة المجتمع الإسرائيلي. ومع ذلك، تلاعب نتنياهو بالقضية لأغراض سياسية، ولم يستفد من أي فرصة متاحة لإطلاق سراحهم.وكان لقدرة حماس على النجاة من الهجوم المضاد الإسرائيلي تداعيات مهمة على محور المقاومة. فقد اعتبره فعالا لمواجهة التفوق التقليدي الساحق لإسرائيل. وللمرة الأولى شنت إيران هجوما مباشرا كبيرا على إسرائيل بدلا من الاقتصار على هجمات وكلائها. وواصل حزب الله أعماله على طول الحدود، محولا شمال إسرائيل إلى أرض محايدة. وقدم الحوثيون مساهماتهم الخاصة. وقد خدمت الحرب عددا من المصالح الاستراتيجية لإيران:
1 ـ تحويل الانتباه الدولي عن برنامج طهران النووي، مما مكنها من تحقيق المزيد من التقدم فيه.
2 ـ إظهار إيران كزعيم إقليمي وقوة مهيمنة محتملة.
3 ـ تعزيز العلاقات مع بكين وموسكو وموقعها داخل المعسكر الأوسع المناهض للغرب.
4 ـ زيادة تطلعات إيران الطويلة الأمد للعب عالمي.
وفي الوقت نفسه، كشفت الحرب عن الاختلافات وحدود التحالف داخل المحور. فلم تشارك إيران وحزب الله في الحرب بعد اندلاعها بشن هجوم شامل منسق متعدد الجبهات على الفور ضد إسرائيل. ولو فعل المحور ذلك، لكان الهجوم المشترك كافيا لتوجيه ضربة قاضية كانت تطمح حماس توجيهها إلى إسرائيل.
وقدم الهجوم الإسرائيلي على حزب الله دليلا آخر على حدود تماسك وفعالية محور المقاومة، فأطلق الحوثيون والميليشيات الشيعية الأخرى بعض الصواريخ والقذائف المتقطعة، واكتفت إيران بالهجوم الصاروخي في 1 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأوضحت أنها تفضل رؤية نهاية للقتال. لكن، لا يزال من السابق لأوانه شطب محور المقاومة.
رابعا ـ الضفة الغربية
كانت الضفة الغربية صندوق بارود لتصدي الفلسطينيين للاعتداء المتكرر للمستوطنين. ومنذ السابع أكتوبر، أصبحت إسرائيل أكثر عدوانية في الضفة، وبدأ المستوطنون هناك في حالة من الفوضى:
ـ حتى نهاية أبريل/نيسان 2024، اعتقل الجيش أكثر من 8000 فلسطيني في الضفة، وقتل أكثر من 400 فلسطيني.
ـ أصبح عدد الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أعلى مما كان عليه قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر
ـ زاد عنف المستوطنين بشكل كبير، مع انتشار جرائم القتل وتدمير الممتلكات الفلسطينية.
ـ كثفت الحكومة الإسرائيلية عمليات الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وسهلت عملية تسليح المستوطنين، ومنحهم وزراء اليمين المتطرف تفويضا مطلقا في وضع قابل للاشتعال بالفعل.
خامسا ـ السلطة الفلسطينية
أعادت حماس تأكيد نفسها كقوة مقاومة وقوة حكم مما يجعلها قلب الحركة الوطنية الفلسطينية. ونجحت حماس في إطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين في صفقات التبادل في بداية الحرب؛ بينما فشلت السلطة الفلسطينية في تحقيق مثل هذه الإفراجات التي رفضتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية، يفضلون حماس على السلطة التي ليس لديها نظرية حقيقية للنجاح، وهي تقمع المقاومة بدلا من تعزيزها، ورهانها على عملية سلام لإقامة دولة فلسطينية مجرد وهم. أما السلطة الفلسطينية نفسها فهي في أزمة للأسباب التالية:
ـ اُبتليت السلطة بالخلل الوظيفي والفساد والاستبداد. ولذلك، لا تحظى بشعبية كبيرة.
ـ أدى التوسع الاستيطاني في الضفة، وجرائم المستوطنين، والغارات المنتظمة التي يشنها الجيش، إلى تقويض مصداقية السلطة التي يراها العديد من الفلسطينيين أنها خادمة للاحتلال الإسرائيلي.
ـ ليس لعباس خليفة واضح، ومن المحتمل أن تنقسم القيادة الفلسطينية عندما لا يكون قادرا على القيادة، وفي هذه الحالة يمكن لحماس أن تحل محلها في الضفة الغربية.
ـ فقدان السلطة للمصداقية السياسية. فهي قبل الحرب، تعاونت قواتها بانتظام مع إسرائيل ضد حماس والمنظمات الأخرى
ـ لا يفعل عباس شيئا يذكر في الضفة الغربية لتثبيط العمليات العسكرية الإسرائيلية المفرطة في العدوانية والتي تنفذها دفاعا عن المستوطنين الذين كثيرا ما يهاجمون المدنيين الفلسطينيين.
رابعا ـ الولايات المتحدة
قدمت واشنطن لإسرائيل دعما استراتيجي وعسكريا ودبلوماساي ساحقا لضمان قدرتها على الدفاع عن نفسها، وردع محور المقاومة، وتعزيز التحالف الإقليمي المناهض لإيران. وبحلول أوائل 2024، تبنت إسرائيل المخطط العسكري الأمريكي لغزة: فترة أولية من الحرب الشديدة، يتبعها انسحاب معظم القوات الإسرائيلية، وعمليات مركزة مستمرة ضد التهديدات الملموسة. ورغم كل ما قدمته، فلم تتبن إسرائيل الرؤية الأمريكية بالكامل، وركزت بدلا من ذلك فقط على الأبعاد العسكرية للحرب، وأثارت مطالب قوضت صفقة الرهائن.
ولردع محور المقاومة، نشرت واشنطن وجودا عسكريا كبيرا في المنطقة على مدار العام، بما فيها مجموعات حاملات الطائرات؛ لكنها لم تحقق سوى نجاح جزئي. فقد استهزأت إيران بالردع الأمريكي في هجوم أبريل وأكتوبر. ومما لا يثير الدهشة أن الردع الأمريكي أثبت أنه أقل نجاحا في ما يتعلق بحزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية الأخرى، وفشلت في رفع الحصار الحوثي عن البحر الأحمر.
سؤالان مهمان:
1 ـ هل هناك بديل مستقبلي لحماس؟
في السنوات المقبلة، ستتبع إسرائيل سياسة "إطلاق النار أولا"، ولو بناءًا على استخبارات سطحية. وسيؤدي ذلك إلى المزيد من الأخطاء الإسرائيلية، ومقتل الفلسطينيين الأبرياء؛ لكنه سيعني أيضا ضغطا مستمرا على حماس، وسيحصل المنافس لها - ولو كان السلطة - على دعم إسرائيلي ودولي أكبر.
2 ـ هل تستطيع إسرائيل القضاء على حماس؟
لن يغير قتل آلاف من مقاتلي حماس من ميزان القوى بشكل كبير. ولن يكون موت قائد ك"السنوار" و"الضيف" ذا فائدة كبيرة. فلدى حماس رصيد كبير من القادة، ولديها القدرة على سرعة التكيف. لذا، فهي أقوى بكثير على المدى الطويل. وستؤدي الحرب إلى امتلاء غزة بالشباب المستعدين للانضمام إليها. حتى لو هُزمت عسكريا، فستظل نظريتها عن المقاومة، كسبيل وحيد لتحرير فلسطين، مقنعة للفلسطينيين.
الاستنتاجات
هناك مجموعة من الاستنتاجات المهمة التي تبين المتاهات الاستراتيجية التي دخلت فيها إسرائيل بسبب طوفان الأقصى:
1 ـ الغرق في وحل غزة: إن تحول التركيز الدولي والعربي إلى وقف القتال وضمان الانسحاب والبدء في الإعمار سيجعل إسرائيل معرضة لخطر الغرق مرة أخرى في احتلال طويل الأمد لغزة.
لن يغير قتل آلاف من مقاتلي حماس من ميزان القوى بشكل كبير. ولن يكون موت قائد ك"السنوار" و"الضيف" ذا فائدة كبيرة. فلدى حماس رصيد كبير من القادة، ولديها القدرة على سرعة التكيف. لذا، فهي أقوى بكثير على المدى الطويل. وستؤدي الحرب إلى امتلاء غزة بالشباب المستعدين للانضمام إليها. حتى لو هُزمت عسكريا، فستظل نظريتها عن المقاومة، كسبيل وحيد لتحرير فلسطين، مقنعة للفلسطينيين.2 ـ تراجع حل الدولتين: إذا كانت غزة البعيدة نسبيا قد غزت إسرائيل، فسيكون من المستحيل توفير ترتيبات أمنية فعالة في الضفة الغربية التي تتاخم المراكز السكانية في إسرائيل. وهكذا، قللت الحرب من احتمالات حل الدولتين.
3 ـ قيام الأمن القومي الإسرائيلي على افتراضات خادعة: مثل الافتراض بأن تفوقها الاستخباراتي يضمن لها الإنذار المبكر الكافي قبل أي هجوم كبير، وأنها قادرة على تحقيق نصر عسكري حاسم على حماس دون مساعدة كبيرة من الولايات المتحدة. ومثل الاعتماد على جيش صغير ذكي لتحقيق النصر. وكلها افتراضات ثبت خطأها في حرب غزة.
4 ـ مخاطر غياب استراتيجية لما بعد الحرب: يغذي الاحتمالات المتزايدة لاندلاع الصراع في الضفة الغربية، ومخاطر نشوب صراع حاد مع إيران. وقد يفاقم التوترات مع الولايات المتحدة والشركاء الدوليين والإقليميين، ويزيد العزلة الدولية. وسيكون التأثير كبيرا على الاقتصاد الإسرائيلي والنسيج الاجتماعي المتأثر بشدة بسبب الحرب.
5 ـ التورط الأمريكي في المنطقة: أصبحت واشنطن تلعب مرة أخرى الدور القيادي بين القوى العالمية، وأزالت جزئيا مخاوف حلفائها فيما يتعلق بلتزامها بأمنهم والتغلب على التحديات التي يواجهونها.