خبراء: «رؤية» إماراتية استباقية في التصدي لمشكلة التصحر
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
هالة الخياط (أبوظبي)
أكد خبراء في مجال البيئة والطبيعة أن دولة الإمارات انتهجت رؤية استباقية وسياسة حكيمة في التصدي لمشكلة التصحر والتحديات الناجمة عنها، منطلقةً من توجهها للحفاظ على البيئة الصحراوية وثرواتها وتنوعها، وفي الوقت نفسه الحد من العوامل المؤدية لتصحر الأراضي ومعالجتها، بما يساهم في تحييد آثار التغير المناخي وتدهور الأراضي والجفاف.
ولفتوا في تصريحات لـ«الاتحاد»، بمناسبة يوم البيئة العالمي الذي يصادف اليوم، وينطلق تحت شعار «أرضنا مستقبلنا معاً نستعيد كوكبنا نحو مستقبل أكثر اخضراراً»، إلى أن الإمارات نجحت في تحقيق إنجازات بارزة خلال العقود الماضية، ساهمت في تطويق آثار مشكلة التصحر، والحد من تداعياتها البيئية الضارة، حيث اهتمت في مرحلة مبكرة بإنشاء مجموعة من الغابات وزيادة الرقعة الخضراء، وتوفير موائل للأنواع البرية بالتركيز على استخدام النباتات المحلية والنباتات المقاومة للملوحة، بالإضافة إلى اعتماد منظومة تشريعية متكاملة، وإنشاء السدود، وتعزيز استخدام المياه المعالجة، وتنفيذ العديد من برامج رفع الوعي بمشكلة التصحر وسبل المساهمة في الحد منها.
وقال الدكتور أحمد صبيحي، الأستاذ بجامعة الأفق بمدينة الشارقة الجامعية، إن دولة الإمارات قدمت مثالاً يحتذى به في المنطقة في مكافحة التصحر ومواجهة تحديات تغير المناخ، واتخذت خطوات رائدة على الصعيدين المحلي والدولي للتصدي لهذه التحديات البيئية، مشيراً إلى أن المضي قدماً في هذه الجهود سيساهم في تحقيق مستقبل مستدام للأجيال القادمة.
ومن المشاريع البيئية الكبرى، يرى الدكتور صبيحي أن إعلان المحميات، ومنها «محمية القرم الساحلية»، يساهم في زيادة المساحات الخضراء وتعزيز التنوع البيولوجي، بما ينعكس إيجاباً على المساعدة في استعادة النظام البيئي وتقليل آثار التصحر.
كما أن الدولة انتهجت وسائل الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة لمراقبة التصحر وتغير المناخ، كمشروع «الزراعة العمودية» الذي يستغل المساحات بشكل فعال ويقلل من استهلاك المياه، إلى جانب الاستثمار في مجال الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة، بما يسهم في تقليل انبعاثات الكربون، وتوفير حلول مستدامة لمواجهة التغير المناخي.
وأكد الدكتور صبيحي أن الدول يجب أن تركز على التوعية والتثقيف لتعزيز الوعي البيئي بين أفراد المجتمع، من خلال حملات التوعية والبرامج التعليمية، والتركيز على أهمية الحفاظ على البيئة، وأثر التصحر على الحياة اليومية. إضافة إلى دعم الأبحاث والدراسات البيئية لتطوير تقنيات جديدة لمكافحة التصحر، وإيجاد حلول مستدامة، ويجب أن يكون للجامعات ومراكز الأبحاث دور محوري في هذا المجال.
من جانبه، قال الأستاذ الدكتور رياض الدباغ، خبير البيئة الدولي، رئيس أكاديمية مانشستر الدولية: «إن اهتمام دولة الإمارات بالبيئة ليس وليد اللحظة، فقد كان مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رجل البيئة الأول. فقد كان ارتباطه بالأرض ارتباطاً وثيقاً».
وأضاف: إنه على الرغم من رأي الخبراء باستحالة غرس الأرض وزراعتها، إلا أن القائد المؤسس لم يتوقف عن عزيمته الصادقة، فتغلب الأمل على اليأس حينها وغرس الأرض بيديه، حتى أضحت الإمارات جنةً خضراء. فاستحق بذلك لقب «فارس الصحراء». فهو القائل: «إننا نولي بيئتنا جُل اهتمامنا لأنها جزء عضوي من بلادنا وتاريخنا وتراثنا.. لقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه الأرض للمحافظة عليها، وأخذوا منها قدر احتياجاتهم فقط وتركوا ما تجدُ فيه الأجيال القادمة مصدراً ونبعاً للعطاء». لتعكس هذه المقولة وعيه الفطري بالبيئة وأهمية المحافظة على الأرض ومواردها.
وقال الدكتور معتصم نور، أستاذ مشارك ومدير للعلاقات الخارجية بكلية الهندسة والعلوم الفيزيائية في جامعة هيريوت وات بدبي: إن «دولة الإمارات العربية المتحدة قطعت خطوات كبيرة في الحفاظ على البيئة، ومن إحدى الأولويات التي تعاملت معها التركيز على الاستدامة ومكافحة التصحر. وتدرك القيادة الرشيدة في الدولة أهمية تحقيق التوازن بين النمو والإشراف البيئي، حيث خططت ونفذت الحكومة سياسات ومبادرات مختلفة لحماية الموارد الطبيعية، والحد من انبعاثات الكربون، وتعزيز الطاقة المتجددة».
وفي مواجهة التصحر، قال الدكتور نور: إن دولة الدولة اتخذت إجراءات عدة لإعادة تأهيل وحماية المناظر الطبيعية القاحلة. وبدأت الحكومة مشاريع تشجير واسعة النطاق، حيث زرعت ملايين الأشجار لتثبيت الكثبان الرملية ومنع تآكل التربة. وكانت شجرة الغاف، وهي نوع محلي مناسب تماماً للبيئة الصحراوية، نقطة محورية في هذه الجهود. وتهدف حملة «تخضير الصحراء» إلى توسيع المساحات الخضراء وتحسين التنوع البيولوجي.
علاوة على ذلك، نفذت دولة الإمارات ممارسات زراعية مستدامة لمكافحة التصحر. ويتم الترويج لتقنيات مثل الزراعة المائية والزراعة العمودية لتحسين استخدام المياه وزيادة إنتاج الغذاء في المناطق القاحلة. وتعمل المؤسسات البحثية في دولة الإمارات العربية المتحدة بنشاط على دراسة التصحر وتطوير حلول مبتكرة لمواجهة تحدياته.
وفيما يخص الطاقة المتجددة، لفت الدكتور نور إلى أن أحد الجوانب الرئيسية للاستراتيجية البيئية لدولة الإمارات هو التزامها بالطاقة المتجددة، حيث أطلقت استراتيجية الإمارات للطاقة النظيفة 2050، والتي تهدف إلى التخفيف من تغير المناخ وانبعاثات الكربون. كما استثمرت الدولة بكثافة في الطاقة الشمسية، من خلال مشاريع بارزة، مثل مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وهو يُعد من أحد أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم. وتهدف هذه المبادرة إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة الخطة الوطنية لتغير المناخ، والتي تحدد استراتيجيات التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ.
وأشار الدكتور إبراهيم علي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء البيئة، إلى أن دولة الإمارات تحرص على الاستفادة من الحلول المستندة إلى الطبيعة للتخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها، ومن خلال إعلان خطتها نحو زراعة 100 مليون شجرة بحلول 2030، فهي بذلك تعزز مكانتها الرائدة عالمياً في الاعتماد على الحلول المستندة إلى الطبيعة في مواجهة تحدي التغير المناخي، ومكافحة التصحر.
وقال: إن حرص الإمارات على إنشاء المحميات الطبيعية واعتماد التقنيات الحديثة في الزراعة، يؤكد اهتمام الدولة الكبير بالحفاظ على التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة ومكافحة تغير المناخ، وتحسين جودة الحياة.
ولفت الدكتور إبراهيم علي إلى «ريادة» دولة الإمارات في مواجهة التحديات البيئية، لا سيما أنها تعد إحدى الدول السباقة في دعم خطط واستراتيجيات الحفاظ على البيئة، ومواجهة التغير المناخي بعدد من المبادرات والإنجازات، منها التحول بشكل كبير إلى الطاقة المتجددة، والتركيز على تعزيز الاستدامة في مشروعاتها التنموية.
وأشار إلى أن جهود الإمارات عابرة للحدود في مواجهة آثار التغير المناخي، فلم تقتصر جهودها على الاستراتيجيات المحلية، وإنما امتدت لتصل للعديد من الدول النامية والفقيرة، عبر تقديم مساعدات ومبادرات تنموية تهدف إلى التخفيف من تداعيات التغيرات المناخية، وما ينجم عنها من أزمات إنسانية تواجه الملايين من سكان تلك الدول.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: مكافحة التصحر الإمارات البيئة يوم البيئة العالمي اليوم العالمي للبيئة تغير المناخ التغير المناخي الطاقة المتجددة التغیر المناخی تغیر المناخ على البیئة فی مواجهة إلى أن
إقرأ أيضاً:
تغير المناخ يعصف بأولويات الأمن العالمي.. تحذيرات من تداعيات بيئية تهدد جاهزية الجيوش حول العالم.. وخبراء يدعون إلى استراتيجيات جديدة للتعامل مع تحديات البيئة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
حذر خبراء في مجال الأمن من أن تغيّر المناخ يمثل تهديدًا أمنيًا متزايدًا، مشددين على ضرورة ألا يُترك ليُصبح "نقطة ضعف استراتيجية"، وأن على الجيوش في العالم أن تتكيف مع التهديدات المتزايدة الناتجة عن الكوارث المناخية. وتأتي هذه التحذيرات في ظل تصاعد القلق من تراجع الأولويات المناخية، خاصة مع تركيز أوروبا على تعزيز قدراتها الدفاعية، وتراجع الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه حلفائها والملف البيئي. حسب ما أوردته شبكة فرانس 24.
تأثيرات مباشرة على الجيوش
وأشار الخبراء إلى أن الجيوش أصبحت بالفعل معرضة لتداعيات تغيّر المناخ، بدءًا من التعامل مع الكوارث الجوية وصولًا إلى المنافسة المتصاعدة في القطب الشمالي، الذي يشهد ارتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة. وأكدوا أن هذه التحديات لا يجب أن تتحول إلى "نقطة عمياء" في الاستراتيجيات العسكرية.
احتباس حراري يهدد الأمن القومي
وقد عبّرت عدة جهات دفاعية عن إدراكها المتزايد لهذه التهديدات، معتبرة أن الاحتباس الحراري يشكل تحديًا كبيرًا للأمن القومي، مما يتطلب من القوات المسلحة تكييف استراتيجياتها وعملياتها.
وقالت إيرين سيكورسكي، مديرة مركز المناخ والأمن في واشنطن: "هذا الأمر لا يمكن تجنبه. المناخ لا يعبأ بمن يكون الرئيس أو ما هي أهدافه السياسية الحالية". وأضافت: "التغيرات قادمة لا محالة، ويجب على الجيوش أن تكون جاهزة".
تجاهل أمريكي لقضية المناخ
وفي الوقت الذي تجاهلت فيه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ظاهرة الاحتباس الحراري بحذفها من المواقع الرسمية، لم يتطرق آخر تقرير استخباراتي إلى التغير المناخي، ما أثار انتقادات حادة من المتخصصين.
وعلقت سيكورسكي على هذا قائلة إن هذه الفجوات الاستراتيجية تزداد خطورة، خاصة في ضوء التنافس مع الصين في مجال الطاقة المتجددة، والسباق نحو السيطرة على القطب الشمالي مع انحسار الجليد وفتح ممرات الشحن الجديدة والوصول إلى الموارد.
وأضافت: "ما يقلقني، بوصفي عملت طويلًا في مجال الأمن القومي، هو أن هذا الإغفال يشكّل تهديدًا فعليًا للولايات المتحدة".
تهديدات مناخية تُقلق الأمن القومي الأوروبي
وفي أوروبا، أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى تجدد المخاوف المتعلقة بأمن الطاقة، مما دفع العديد من الدول إلى تسريع خطواتها نحو مصادر الطاقة المتجددة. إلا أن خفض ميزانيات المساعدات الإنمائية مؤخرًا أثار تساؤلات بشأن قدرة الدول على الاستمرار في تمويل المبادرات المناخية في ظل التوجه نحو زيادة الإنفاق العسكري والتجاري.
وفي ألمانيا، أقرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في وقت سابق من شهر مارس بالوضع الجيوسياسي "بالغ التعقيد"، لكنها شددت على أن العمل المناخي يظل "أولوية عليا في السياسة الأمنية". وأعلنت برلين عن خطط لإنفاق نحو نصف تريليون دولار على التحديث العسكري والبنية التحتية، بالإضافة إلى 100 مليار يورو مخصصة لإجراءات المناخ.
وفي تقييم مشترك صدر في فبراير عن وزارتي الخارجية والدفاع في ألمانيا، ورد أن "أي شخص يفكر في الأمن عليه أن يفكر أيضًا في المناخ، فنحن نعيش بالفعل في أزمة مناخية". وأشار التقييم إلى أن التحديات المناخية بدأت تؤثر على "مجموعة كاملة من المهام العسكرية"، مع تصاعد المخاطر مثل فشل المحاصيل على نطاق واسع، وزيادة احتمالات النزاعات وعدم الاستقرار.
وفي بريطانيا، أوضح تقرير صادر عن وزارة الدفاع البريطانية في سبتمبر أن تأثير النشاط البشري على المناخ لا يزال يُحدث تداعيات واسعة النطاق، ويضغط على المجتمعات والاقتصادات، بل ويهدد بقاء بعض الدول.
استدعاء الجيوش في مواجهة الكوارث المناخية
وتشير بيانات مركز المناخ والأمن إلى أن الجيوش استُدعيت أكثر من 500 مرة منذ عام 2022 للاستجابة لحالات طوارئ مناخية حول العالم، مثل الفيضانات والعواصف وحرائق الغابات، مما يُشكل ضغطًا كبيرًا على قدراتها التشغيلية.
وذكرت سيكورسكي أن هناك محاولات من بعض الدول لـ"تسليح" الكوارث المناخية. فعلى سبيل المثال، تسببت الأمطار الغزيرة الناتجة عن العاصفة "بوريس" في فيضانات هائلة ببولندا العام الماضي، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية وإجلاء السكان. ورغم تدخل الجيش، أفادت الحكومة بارتفاع بنسبة 300% في المعلومات المضللة القادمة من روسيا، والتي استهدفت جهود الإغاثة.
وأضافت سيكورسكي أن الصين استخدمت أساليب مشابهة عقب فيضانات قاتلة ضربت فالنسيا في إسبانيا، حيث تدخلت القوات المسلحة للمساعدة.
وفي السياق ذاته، أشارت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة الناتج عن الاحترار العالمي يحمل آثارًا مباشرة على العمليات العسكرية، مثل التسبب في مخاطر صحية للجنود أو تقليص القدرة على نقل البضائع بالطائرات نتيجة تغيّر الكثافة الجوية.
غياب الشفافية حول الانبعاثات العسكرية
ولا تُلزم الجيوش حول العالم بالإبلاغ عن انبعاثاتها من الغازات الدفيئة، ما يجعل تقدير تأثيرها الدقيق على التغير المناخي أمرًا صعبًا. ومع ذلك، قدر تقرير للاتحاد الأوروبي في 2024 أن البصمة الكربونية للقوات المسلحة عالميًا قد تصل إلى 5.5% من إجمالي الانبعاثات، في حين أشار التقرير ذاته إلى أن البنتاجون وحده ينتج انبعاثات تفوق تلك الصادرة عن دول بأكملها مثل البرتغال أو الدنمارك.
وأوضح الباحث دونكان ديبليدج من جامعة لوبورو، أن الجيوش كانت مدركة منذ عقود لمخاطر الاعتماد على الوقود الأحفوري، مشيرًا إلى أن تلك المخاوف بدأت منذ أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي. ووفقًا لدراسة تعود لعام 2019، فإن الجندي الأمريكي كان يستهلك خلال الحرب العالمية الثانية نحو جالون وقود يوميًا، فيما ارتفع هذا الرقم إلى 4 جالونات في حرب الخليج، وقفز إلى 16 جالونًا بحلول عام 2006 خلال العمليات الأمريكية في العراق وأفغانستان.
وأكد التقرير الأوروبي أن هذا الاعتماد على الوقود الأحفوري يُمثل "نقاط ضعف كبيرة" أثناء المعارك، حيث تكون قوافل الوقود أهدافًا سهلة للعبوات الناسفة، والتي تسببت في سقوط نحو نصف القتلى الأمريكيين في العراق وقرابة 40% في أفغانستان.
ورغم إمكانية تقليل هذه المخاطر من خلال الطاقة المتجددة، إلا أن التقرير أقر بأنها "لا تزال غير ملائمة تمامًا لظروف القتال".
وختم ديبليدج بالقول إن التحول العالمي السريع في مجال الطاقة لتفادي "كارثة مناخية" سيشكل تحديات كبرى للجيوش، وسيطرح تساؤلات جدية بشأن استمرار استخدامها للوقود الأحفوري. وأضاف: "أيًا كان المسار الذي سنتخذه، لم يعد لدى الجيوش خيار سوى التأقلم مع واقع عالمي يختلف تمامًا عما عهدته حتى اليوم".