“الايكونوميست” تسلط الضوء على سيرة الكاتب التشيكي كافكا
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
رغم مرور قرن من الزمان على وفاته، لايزال الكاتب التشيكي، فرانز كافكا، حاضرا بأعماله وسيرته الذاتية في ذهن عديدين حول العالم، ويحظى الكاتب باهتمام لافت على “تيك توك” وبرامج التلفزيون والأعمال الوثائقية والفنية الجديدة التي تتمحور حوله.
ولد كافكا عام 1883 في براغ، عاصمة مملكة بوهيميا، آنذاك، التي كانت جزءا من الإمبراطورية النمساوية المجرية، وكان الأديب الذي توفي بعمر 41 عاما في الثالث من يونيو عام 1924 يشعر بالغربة كيهودي، إلا أنه تمتع بشخصية مرنة أتاحت له الوصول إلى مختلف الثقافات، وفق تقرير لمجلة “إيكونوميست” عنه.
وقالت المجلة إن هويته المرنة أتاحت له أن يكون جزءا من العديد من التقاليد الأدبية دون أن يقتصر على أي منها، ورغم أنه لا يمكن أن يطلق عليه اسم تشيكي، أو ألماني، أو نمساوي، تحتفي به الثقافات الثلاث. وأحد أعظم إنجازات كافكا الأدبية هو قدرته على التحول اعتمادا على جمهوره، وفق المجلة.
ورغم أن كافكا، الذي يعد من أكثر الكتاب تأثيرا في الأدب الغربي، لم يكتب أبدا في رواياته عن أي شخصية يهودية بشكل صريح، إلا أن اليهود دعموه، وبعض أعماله محفوظة في القدس.
وفي الوقت نفسه، أثار تصويره للعنف مشاعر الكثيرين، من بينهم المؤلفون الإسرائيليون والفلسطينيون.
وقالت المجلة في الذكرى المئوية الأولى لوفاة كافكا إنه لم يكن شخصا اجتماعيا، ويعد رائدا لتيار عبر عن الاغتراب النفسي والاضطهاد في أعماله ومنها “المسخ” و”القلعة” و”كتاب رسائل إلى ميلينا” ورواية “المحاكمة” و”المفقود”.
وباتت هناك مفردات تحمل اسمه مثل “الكافكاوية”، التي أصبحت تسمية للمواقف المبهمة والمعقدة وغير المنطقية، وحتى قيود فيروس كورونا التي طبقت في أغلب البلدان، مثل الحجر الصحي وحظر السفر، جعلت الكثيرين يفكرون في كافكا أيضا.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حقق نجاحا كبيرا.
وتمت مشاهدة منشورات عنه تحت وسم #Kafka على “تيك توك” حوالي ملياري مرة.
وتشرح منشورات علاقته السامة مع والده، التي تم تخليدها في رسالة ألقى فيها كافكا باللوم عليه لكونه شخص “مسيء عاطفيا”.
وبعد قرن من وفاته، لايزال كافكا يتمتع بالجاذبية ليس فقط بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تم إصدار مجموعة من الكتب والترجمات الجديدة عنه، وحتى كتاب عن الإدارة بعنوان “فرانز كافكا وحقائق القيادة”.
وتقيم مكتبة بودليان في جامعة أكسفورد، موطن العديد من مخطوطات الكاتب منذ عام 1961، معرضا خاصا بعنوان “كافكا: صناعة أيقونة”.
وتقول الغارديان إن براغ، المدينة التي ولد فيها، ستحتفل بالذكرى المئوية لوفاته طوال عام 2024، بفعاليات ومحاضرات ومعارض وجولات.
وهناك فيلم سيرة ذاتية يتم التحضير له بعنوان “فرانز” للمخرجة البولندية أنيسكا هولاند، وبطولة الممثل الألماني، إيدان فايس.
ومن المحتمل أن يكون الخلود الأدبي لكافكا بمثابة مفاجأة له، فلم يكن الكاتب مشهورا عندما توفي بمرض السل، بعد عامين من تقاعده من وظيفته في معهد التأمين ضد حوادث العمال في براغ.
ولم يكن له زوجة ولا ورثة.
وفي وصيته، طلب من صديقه المؤلف، ماكس برود، حرق كتاباته غير المنشورة بعد موته، لكن برود فضل، لحسن حظ البشرية، ألا ينفذ وصية صديقه، ونشر كتاباته في العام التالي، ثم عمل بجد على حفظ إرث كافكا.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية
إقرأ أيضاً:
نزار قباني في مصر.. سيرة أخرى
مازال نزار قباني رغم الغياب ورغم الآلام العربية، الآلام العريضة بحجم الصرخات، الكبيرة حجم الطعنات، هو صوت الحرية وصوت الحب وصوت العنفوان الثوري الهادر من الخليج إلى المحيط.
لم يشغل شاعر قومه منذ عهد المتنبي، مثلما شغل نزار قباني العرب وملأ دنياهم حبا وأملا وغضبا وألما، ومثلما كان نزار قباني كبير الشعراء، كان أيضا عظيم الوفاء، كان وفيا لعروبته ووطنه، وكان أمينا ووفيا لمصر وترابها، أحبها كما لم يحب شاعر وطنا، وكان إذا ما غادرها لا يطيق البعاد عنها، وسرعان ما يعود، وكان إذا ما غضبت منه مصر يوما، وأقصته بعيدا عنها، كان كالطفل يعود إلى أحضان أمه، وكانت مصر دائما تسامحه وتغفر له زلاته، لأنها تعلم حبه وصدقه وإخلاصه.
نزار قباني في مصرويأتي كتاب "نزار قباني في مصر" للكاتب الصحفي علي النويشي، يحكي سنوات المجد والشهرة والسطوع الشعري في القاهرة، وعلى صفحاته نشاهد صليل السيوف، وضجيج المعارك ولون الدماء المراق بطول وعرض الساحات العربية ، وعلى صفحاته أيضا نشاهد الجراحات وعدد الطعنات، وفيه نقرأ عن الحب و أحضان الحبايب، وفيه أيضا نعيش ساعات الألم و الدموع التي ذرفتها عيون شاعرنا، وهو على فراش الوجع من هول ما لاقاه من طعنات، إنها سيرة أخرى للشاعر نزار قباني، الشاعر الذي مدح الجميع، ولم يسلم الجميع أيضا من هجائه، ومع كل، لم يمل العرب أيضا من غنائه، إنه أسطورة القرن الـ20… نزار قباني.
إعلانجاء الشاعر السوري الراحل نزار قباني (1923- 1998) إلى مصر سنة 1945، وكان عمره 22 عاما. وعندما غادرها بعد 3 سنوات، لم يكن يعلم أنه ارتبط بها حتى آخر لحظة في عمره.
على أرضها دشن شاعريته ورحلته كمثقف، وبجوار نيلها دارت معاركه الفكرية والشعرية. وفي مصر، وبعد رحيله، صار شعر نزار يغنى على كل لسان، وعندما غادر الوطن العربي ليعيش في منفاه الاختياري في أوروبا، لم تتركه مصر، ولم يتركها هو أيضا.
وفي القاهرة كانت ولادته الثانية، ومنها كانت نقطة الانطلاق نحو عالم الشهرة والألم، فيها تعلم كيف يصالح، ومن يعادي، وكما يقول: كانت القاهرة في ذروة نضجها الثقافي والصحفي والإذاعي في سنوات الملكية الأخيرة، وللقاهرة عليَّ فضل الربيع على الشجر، وبصمات يديها ترى واضحة على مجموعتي الشعرية الثانية (طفولة نهد) المطبوعة عام 1948”.
بعد عام 1948 غادر نزار القاهرة بجسده فقط، وبقيت القاهرة معه يحملها في حقائبه أينما رحل وأينما حل، فهو لا ينقطع عن زيارتها، وأصدقاؤه على تواصل دائم معه، وفيها عاش وعشق واقترن، وإليها يعود كما يعود الطائر المسافر.
في القاهرة شغل وظيفة ملحق في السفارة السورية، وشاهد وعاش جو حرية الصحافة، والمعارك النيابية، وكان متابعا لحالة الحراك الاجتماعي الذي تعيشه مصر، وهو يرى صحفا تولد كل يوم، ومراحل سياسية تذوي وتموت، وحقبة تاريخية تطوى، وشبابا يقاتل من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
في القاهرة أصدر أهم دواوينه "طفولة نهد" الذي حمله على جناح الشهرة، وفيها أصبحت قصائده أنشودة يتغنى بها كل لسان، وفي القاهرة جرب أن يكون ممثلا، وأن يكون شاعرا مشهورا تطبع دواوينه طبعات شعبية يشتريها الأولاد والبنات بقروش قليلة.
وإذا كانت دمشق تمثل الرحم الذي تشكلت فيه شعرية نزار قباني، فإن القاهرة هي الحاضنة التي تعهدت شعريته وموهبته، وصاغت جنونه وجنوحه الشعري، وأخرجته من فكر البداوة وأطلقته ليحلق في سماء الحضارة والمدنية.
إعلان تحولات المدينة والقصيدةكان للقاهرة دور مهم في تشكيل القصيدة عند نزار قباني، وعلى حد قوله: "لم تكن القاهرة مجرد بعد جغرافي عرف الشاعر منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، بل حمّله الشاعر دلالات إيحائية وإسقاطات روحية وسياسية أحيانا ".
يرحل نزار عن مصر، وعينه وقلبه معلقتان بها، تشتعل ثورة الضباط الأحرار، ويؤمم عبد الناصر قناة السويس، ويقع العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وينفعل نزار يكتب رسائله الشهيرة إلى جندي بورسعيد، وينطلق بث التلفزيون المصري في 1960، وكان نزار من أول ضيوفه ليشهد العالم لقاءاته على الهواء مباشرة من القاهرة.
في عام 1962 يستقيل من الدبلوماسية ويتفرغ للشعر فقط، وكان يعيش بين القاهرة وبيروت، حتى جاء 5 يونيو القاصم للظهر، ولا يتحمل نزار الكارثة فيقع مريضا ويدخل المستشفى، وبين الصحو واليقظة ينتبه ليكتب قصيدته الباكية المنتحبة "هوامش على دفتر النكسة".
ورغم كل هذا لم يترك نزار القاهرة، ولم تتركه القاهرة، بل ظلت تعيش فيه، وإن لم يعش هو كثيرا بها، ولكن ظلت زياراته ورحلاته إليها لا تنقطع، وفي شتاء كل عام لابد له من زيارة للقاهرة، سواء دعوه في معرض الكتاب أم لم تتم دعوته، فهو دائما كما يقول: مدعو من النيل ومن الأهرامات، ومن قنوات وترع الفلاحين، ودائما مدعو من الطلاب والشباب والعشاق في كل مكان من أرض مصر.
لوسامته وجاذبية شخصيته أقنعه الرفاق والأصدقاء بتجربة التمثيل، ولعب المخرج الكبير السيد بدير دورا كبيرا في هذه العملية، ربما التجربة تخرج منه فنانا شهيرا وممثلا عظيما، ولكن ينحاز نزار للشعر فينتصر في النهاية، وبرغم نجاح تجربته في التمثيل، فإنها كانت التجربة الأولى والأخيرة.
وتقع حرب الاستنزاف، ويستشهد الفريق عبد المنعم رياض ويرثيه بقصيدة حزينة، ويبقى نزار متفاعلا مع هذه الأحداث بقصائده، حتى يصدمه كما تصدم الأمة العربية كلها بالوفاة المفاجئة للرئيس عبد الناصر، وينتحب نزار من جديد على هذا الرجل الذي كان يعشقه، وتتوالى قصائد الرثاء على عبد الناصر من "قتلناك يا آخر الأنبياء" لغيرها من القصائد.
إعلانويعيش نزار لحظة عبور قواتنا العربية قناة السويس، وتحطيم خط بارليف، ويومها يذكر في قصائده، أنه ولد يوم عبور القوات القناة ودخول سيناء، وأن تاريخ ميلاده الحقيقي يكتب بداية من هذا اليوم، وفي ظل هذا الانفعال يفاجئ العالم برحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وهنا ينفعل وهو يخاطب العميد قائلا له، "ارم نظارتيك، ما أنت أعمى".
ولا ينقطع نزار عن مصر، حتى إن الفنان عبد الوهاب كان يطالبه بالبقاء في مصر، ويقول له أنت تعودت على مصر، ومصر تعودت عليك يا نزار، ولا يفوته أن يحضر مهرجان افتتاح متحف أحمد شوقي أمير الشعراء، الذي شبه قصائد أمير الشعراء وهي تستقبله بالفساتين البيضاء والحمراء والزرقاء.
ولا يكتفي نزار بوجوده وحده في القاهرة، بل يأتي بولده توفيق ليدرس الطب في القصر العيني، ويشتري بيتا في منطقة غاردن سيتي تمهيدا لإقامته الدائمة هو وتوفيق ويعيش نزار معظم أوقاته في القاهرة بداية من السبعينيات، محتميا بأصدقائه من أي مفاجأة، ولكن يبقى القدر له بالمرصاد عندما يكتشف إصابة ابنه توفيق بمرض نادر في القلب، أخبره الأطباء أنه لا أمل…
ويحمل ولده توفيق لاستكمال العلاج في لندن، ولكنه توفي، ويحمل جثته ومناديله وملابسه ويعود وحده كالسيف المكسور، ويتشاءم نزار ويبيع البيت، شهور قليلة وتموت والدته في دمشق، وتشتعل الحرب الأهلية في بيروت، ويترك بيروت للقاهرة مرة ثانية، وتغتال الصراعات العربية في لبنان زوجته وحلم عمره بلقيس، ويتخذ قرارا نهائيا بالعيش والاستقرار في القاهرة من جديد، ولكن يفاجأ بحملة صحفية من بعض الأقلام، على أثرها يرحل عن عالمنا العربي كله إلى سويسرا ثم لندن…
لكن نزار لا يطيق أن يغيب على مصر يوما، فهو معها في حالة وصل لا تنقطع، يستقبل أصدقاءه من أبنائها كل يوم في منفاه الاختياري، ولا تهدأ اتصالاته بالقاهرة، هو في حالة عشق دائم لمصر التي منحته الحب والشعر، وجعلت من قصائده مواويل تغنى على كل شفاه، ومع رحيل نزار في 1998 فقدت مصر واحدا من أغلى أولادها ن ولهذا كان حزنها عليه عظيما.
إعلان