عودة براود بويز.. هكذا يعيد التنظيم الأميركي المتطرف بناء نفسه
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
نشرت وكالة "رويترز" تقريرا طويلا عن عودة تنظيم "براود بويز-الفتيان الفخورون" اليميني المتطرف إلى النشاط في الولايات المتحدة، قائلة إن حركة التجنيد وسطه تتزايد، وإن بعض أعضائه أفادوها بأنهم مستعدون للخدمة مرة أخرى كقوة حماية غير رسمية للرئيس السابق دونالد ترامب.
وأورد التقرير، الذي كتبه آرام روستون أنه وبعد 4 سنوات من المحاولة الفاشلة لقلب هزيمة ترامب الانتخابية عام 2020، كانت المنظمة "المتطرفة العنيفة" التي قادت اقتحام مبنى الكونغرس (كابيتول هيل) في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، تعيد البناء وتستعيد قوتها، في حين يقوم ترامب بحملات للعودة إلى البيت الأبيض.
وأوضح الكاتب أنه أعد التقرير استنادا إلى مقابلات مع عدد من أعضاء التنظيم ومسؤولي إنفاذ القانون وخبراء يتتبعون نشاط "براود بويز" على الإنترنت.
وأشار إلى أن 4 من قادة التنظيم حُكم على كل منهم بالسجن 15 عاما بتهمة قيادة الهجوم على مبنى الكونغرس (الكابيتول)، كما اُتهم ما لا يقل عن 70 عضوا آخر بالمشاركة في أعمال العنف، وهناك مئات آخرون تحت التحقيق. وقال إن تلك المحاكمات والتحقيقات لم توقف نشاط التنظيم.
لحماية ترامبونقل عن بعض الأعضاء قولهم إنهم يستعدون للظهور مرة أخرى كقوة "جسدية" لحماية ترامب، وإنهم منجذبون إلى أفكاره القومية المتشددة ومقتنعون بأن قادتهم المسجونين سيتم العفو عنهم إذا فاز. ولفت التقرير الانتباه إلى أن ترامب نفسه وعد بالعفو عن مداني الشغب إذا تم انتخابه.
وقالت جولي فارنام، وهي مساعدة سابقة لمدير المخابرات في شرطة الكابيتول وتدير الآن وكالة تحقيق خاصة، إن إمكانية العفو هي حافز قوي للفتيان الفخورين للعودة إلى الظهور كجنود في الشوارع لترامب في الانتخابات المقبلة.
وأورد التقرير أنه، وبعد حكم الإدانة التاريخية ضد ترامب يوم الخميس الماضي، تعهد فرع "براود بويز" بولاية أوهايو بـ"الحرب" ونشر مقطع فيديو لبعض أعماله العنيفة، انتهى برسالة تعلن" القتال يحل كل شيء"، إضافة إلى إعلان من أحد فروع التنظيم بمدينة ميامي "الآن، أكثر من أي وقت مضى، نحن نقوم بالتجنيد!"، كما نقل عن أحد الأعضاء قوله لـرويترز إن "أميركا تمر بفترة هدوء قبل العاصفة".
ماكينز يتحدث على خشبة المسرح مع أعضاء براود بويز في مانهاتن، نيويورك 20 يناير/كانون الثاني 2018 (رويترز) خطر تجدد العنفومع ذلك، قال التقرير إن قناة "تليغرام" الرئيسية للتنظيم بثت رسالة تحث أعضاءها على التزام الهدوء وعدم الانجرار إلى "الفخ والتعرض للاعتقال".
ومع ذلك، ذكر الكاتب أن التنظيم أصبح في الأسابيع الأخيرة أكثر بروزا في الأحداث المؤيدة لترامب، مما يسلط الضوء على خطر تجدد العنف في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني.
وأورد التقرير تفاصيل عن احتفالات للتنظيم بالذكرى السنوية الثالثة لتمرد يناير/كانون الثاني الماضي مع استعراض للقوة في بعض المناطق، واحتشادهم لحملة ترامب الانتخابية.
وقال إن عودة ظهور "الفتيان الفخورين" في التجمعات والأحداث السياسية لترامب تتزامن مع استطلاعات الرأي التي تظهر أن غالبية الأميركيين يخشون العنف السياسي الذي سيشتعل في الانتخابات الرئاسية القادمة، مضيفا أن ذلك يتم وسط خطب ترامب الحارقة، والتي تحث أنصاره على استهداف خصومه -بمن فيهم القضاة والمدعون العامون والمنافسون السياسيون- في موجة من التهديدات غير المسبوقة في السياسة الأميركية الحديثة.
إذا خسر ترامبوذكر أن ترامب لم يستبعد احتمال وقوع عنف سياسي إذا خسر ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي السابق قال لمجلة "تايم" في أبريل/نيسان الماضي "إذا لم نفز، كما تعلمون، فهذا يعتمد"، وإذا تم سجنه أو وضعه قيد الإقامة الجبرية، قال "لست متأكدا من أن الجمهور سيدافع عن ذلك"، وقال في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" بثت يوم الأحد الماضي، "عند نقطة معينة يحدث الانهيار".
وقال التقرير إن "الفتيان الفخورين" يجمعون صفوفهم، وأجروا تغييرات مصممة لجعلهم أقل عرضة لتدقيق سلطات إنفاذ القانون، منها التخلص من القيادات العليا، موضحا أنهم يعملون الآن في فروع تتمتع بالحكم الذاتي في أكثر من 40 ولاية مع القليل من التنسيق المركزي.
وبينما تغير هيكل التنظيم، يظل مؤسسه الكندي، غافين ماكينز، شخصية ملهمة له. ففي الماضي، تحدث ماكينز وخليفته هنري إنريكو تاريو ومجموعة من القادة يطلق عليهم اسم "الحكماء" علنا نيابة عن التنظيم، ووضعوا جدول الأعمال، وقادوا مواجهاته مع الجماعات اليسارية في جميع أنحاء البلاد. وتسنموا قيادة هيكل رسمي، وكان بإمكانهم حل فروع التنظيم أو طرد الأعضاء. والآن، أصبحت الفروع مستقلة إلى حد كبير عن بعضها بعضا، وتحظر الاتصالات مع وسائل الإعلام، ومن تحدثوا إلى "رويترز" لإعداد هذا التقرير، اشترطوا عدم الكشف عن هويتهم.
أعضاء من براود بويز يشتبكون مع متظاهرين آخرين خلال مسيرات سابقة بولاية أوريغون (رويترز) فاجأت الخبراءوقال الكاتب إن المرونة التي أصبح التنظيم يتمتع بها حاليا فاجأت بعض خبراء "التطرف". وقالت هايدي بيريش، المؤسس المشارك للمشروع العالمي غير الربحي لمكافحة الكراهية والتطرف "الشيء المدهش هو أن كثيرا من أعضاء براود بويز يمكن أن يكونوا في السجن، ومع ذلك لديك هذه الفروع النشطة. تقليديا عندما يذهب رئيس مجموعة من النازيين الجدد أو العنصريين البيض إلى السجن أو يموت، تنهار المنظمة، لكن يبدو أن هذا لا يحدث مع الفتيان الفخورين".
ورفض مكتب التحقيقات الاتحادي ووزارة الأمن الداخلي التعليق على أنشطة التنظيم وما إذا كانت السلطات تراقبه.
يشبه المنظمات النازيةيقول بعض المؤرخين إن براود بويز يشبه المليشيات الأوروبية الفاشية في 1920 و1930 مثل "براون شيرتس -القمصان البنية"، وهي مجموعة نازية شبه عسكرية ساعدت في جلب أدولف هتلر إلى السلطة في ألمانيا، ورغم زعم أعضاء التنظيم أنهم لا يشبهون القمصان البنية ولا يشبهون الفاشيين، لكن عنف الشوارع والقومية المتطرفة هي سمات كلتا المجموعتين.
وبعد أن غادر ترامب البيت الأبيض، تحول التنظيم إلى حرب الثقافة الأميركية، حيث اشتبكوا مع مؤيدي حقوق الإجهاض والمروجين للقاح. ومنذ هجوم الكابيتول عام 2021، قالت "رويترز" إنها رصدت 29 حادثة عنف تورط فيها "براود بويز"، وتركزت جميعها تقريبا حول القضايا الاجتماعية ضد مظاهرات النشطاء اليساريين الذين يدعمون حقوق مجتمع الميم.
وفي هذا العام، عاد "براود بويز" إلى السياسة. ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، كان هناك عدد أقل بكثير من الأحداث العامة للتنظيم مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
أعضاء من براود بويز يتجمعون في واشنطن لدعم ترامب للاحتجاج على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020 (رويترز) تباين الأرقاموعن حجم "براود بويز"، لا توجد إحصاءات موثوقة أو تقديرات يُعتد بها، لكن ماكينز يدعي أن هناك حوالي 5 آلاف، بانخفاض عن 8 آلاف خلال رئاسة ترامب، لكنه ارتفع من أدنى مستوياته التي بلغها بعد اعتقالات أعمال الشغب في (الكابيتول). وقال مصدر من سلطات إنفاذ القانون الذي يعمل على مراقبة التنظيم إن التقديرات الرسمية لقوته تتباين كثيرا، من 300 إلى 3 آلاف عضو.
وقال أحد فتيان التنظيم إن بعض الأعضاء السابقين تخلوا عنه لجماعات أخرى أكثر عنصرية وعنفا مثل "قبيلة الدم -بلد ترايب" النازية الجديدة وجماعة "النادي النشط" السرية.
وهناك 154 فرعا لتنظيم "براود بويز" في 48 ولاية أميركية، ويشهد نموا في الخارج ولديه 18 فرعا دوليا في تسع دول، "لقد نما ولا أرى أي دليل على أنه يتباطأ". وقد صنفت كندا ونيوزيلندا "براود بويز" جماعة "إرهابية".
أشياء سيئة ستحدثوقالت فارنام، المساعدة السابقة لمدير شرطة الكابيتول، اليوم يريد العديد من الفتيان الفخورين عودة ترامب إلى السلطة، ليس فقط بسبب احتمال العفو. بالنسبة لبعضهم، تعكس جاذبيته تحولا ثقافيا أعمق في أميركا- من عدم الارتياح من تغيير التركيبة السكانية العرقية إلى الغضب من الهجرة، وتصور اليمين بأن الليبراليين يدمرون البلاد. وكثيرا ما يستغل ترامب تلك المظالم في الحملة الانتخابية بلغة مروعة يرددها بعض الـ"براود بويز".
ويقول ميشيل غريفس الصبي الفخور والمغني الرئيسي السابق لإحدى الفرق الغنائية "إذا خسر ترامب، فإن البلاد ستذهب بعيدا، ستحدث أشياء سيئة". ويتوقع العديد من الفتيان الفخورين الذين يظهرون في حفلاته، حدوث انتفاضات جماهيرية في الانتخابات المقبلة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات فی الانتخابات براود بویز
إقرأ أيضاً:
كيف ستكون "قواعد المواجهة" بعد عودة ترامب وتقليم أذرع إيران؟
تتجه أنظار العالم حالياً صوب العاصمة الأمريكية واشنطن، مع اقتراب بدء الولاية الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في يناير (كانون الثاني) من العام المقبل، وسط تكهنات بأن يعاود ترامب ممارسة "سياسة الضغط الأقصى على النظام الإيراني" التي ميّزت ولايته الأولى، لا سيما وأنه أفصح عن شخصيات من "الصقور" المعروفة بمواقفها الصارمة، وبعدها عن سياسة المهادنة، لتكون على رأس هرم إدارته القادمة، مثل ريتشارد غرينيل وماركو روبيو ومايك والتز، وغيرهم.
وعلى الجانب الآخر من المشهد، لا يعيش النظام الإيراني في الوقت الراهن أفضل أيامه بعد أن تعرضت أذرعه وميليشياته في المنطقة لضربات إسرائيلية أمريكية قصمت ظهرها، وشلَّت حركتها جرّاء تصفية قادة صفوفها الأمامية بشكل شبه كامل، فضلاً عن تدمير جزء كبير من ترساناتها العسكرية، لا سيما "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" الفلسطينية، فيما يتوقع مراقبون أن تكون الميليشيات الأخرى المدعومة إيرانياً في كلٍّ من سوريا والعراق، هدفاً عسكرياً أمريكياً إسرائيلياً في المرحلة القادمة، الأمر الذي يضع "حروب الوكالة" التي تديرها إيران في المنطقة أمام مخاض عسير.
إيران تواجه مأزقاً بعد عودة ترامب - موقع 24رأي الكاتب الإسرائيلي، زلمان شوفال، أن القيادة الإيرانية تواجه الآن معضلة، بين تخفيف التوترات مع الغرب، أو الاستمرار في خطها المتشدد الذي ينتهجه الحرس الثوري، وآنذاك سيكون على الولايات المتحدة أن ترد، وفقاً لهذا النهج. تناقضات المرحلةيرى الدكتور سربست نبي، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة "كويه" في إقليم كردستان العراق، أن "ترامب في ولايته الرئاسية الثانية يختلف عمَّا كان عليه في ولايته الأولى، حين كان قادماً من أسواق المال والأعمال ويحمل منطق تلك الأسواق ويفتقر للخبرة السياسية اللازمة حينها، كما كان ذرائعياً بصورة فجَّة، أما اليوم، فيعود متكئاً على خبرة في إدارة الحكم وإدارة الصراعات، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو على مستوى العالم، وبالتالي لن تكون أساليب ومناهج تعامل إدارته الجديدة شبيهة بالسابقة".
وأضاف: "ستكون الفترة الرئاسية الثانية لترامب أكثر نضجاً ودراية بتناقضات المرحلة، ومنها بصورة أساسية ما يبدو نزاعاً حول الدور الإيراني في المنطقة. بالطبع الإيرانيون كانوا سبَّاقين بالمقابل أكثر من غيرهم وتوقعوا عودة ترامب، ولهذا هيأوا أنفسهم لاستقبال هذا الوضع، وراحوا يتعاملون بمرونة مع المتغيرات، ومن هذا القبيل جاء انتخاب الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان، الذي راح يتودد إلى الجانب الأمريكي".
ويمضي أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة "كويه"، بالقول: "نتوقع مساومات كبرى في هذه المرحلة، وصفقات كبيرة بين الطرفين على جميع الملفات، لا سيما الفلسطيني واللبناني والسوري والعراقي، وهذه ستكون سمة بارزة في هذه المرحلة، ولكن هذا لا يتنافى مع القول إن ترامب كعادته لن يلجأ إلى حروب شاملة، وإنما سيتبع نهج العمليات الخاصة، إذا اقتضت الحاجة، كما فعل في عملية اغتيال قاسم سليماني القائد السابق لقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، في غارة على موكبه قرب مطار بغداد مطلع 2020، كما أنه لن يكون ودوداً أو مرناً إزاء طيش أو تمرد ميليشيات موالية لإيران في أي مكان، بل سيكون حاسماً معها".
وتابع: "جميع الإدارات الأمريكية، الديمقراطية منها والجمهورية، حريصة على بقاء النظام الإيراني هشاً وهزيلاً، وليس مندحراً. هي لا ترغب في إسقاط النظام لأسباب جيوسياسية تتعلق بمكانة إيران وتناقضات الوضع الإيراني، الذي ما أن يخرج عن السيطرة حتى يرتد ذلك بصورة سلبية على النفوذ الأمريكي في المنطقة. الأمريكان يخشون من أن أي ضعف أو سقوط للنظام في إيران سيكون له عواقب تتمثل في تدخل كلٍّ من روسيا والصين وتمدد نفوذهما في المنطقة، وهذا سيكون حتماً على حساب النفوذ الأمريكي، ولهذا السبب الأمريكيون أحرص على بقاء النظام الإيراني، ولكن بصورة هزيلة ووفق ضوابط ومعايير أمريكية، وبالتالي يمكن القول إن النظام الإيراني مستمر في البقاء بسبب ضعفه، وليس بفضل قوته".
واستطرد قائلاً: "اختيار ترامب لشخصيات معروفة بمواقفها الصارمة تجاه إيران في إدارته القادمة ينم عن تصور معد سلفاً حول آليات التعاطي مع النظام الإيراني، وهذه الشخصيات لن تقدم أي تنازلات لطهران كما فعل الديمقراطيون، ولن يهادنوا، ولكنهم سيتعاملون بمرونة في الوقت نفسه، أي إنهم سيتبعون الصرامة في الموقف، والمرونة في الأسلوب، وهذا الشكل سيطغى على سياسة الإدارة الأمريكية القادمة بالنسبة لإيران، فالأمريكيون مستعدون لإظهار مرونة كبيرة وتجاوباً مع كل تنازل للنظام الإيراني، ولكن شريطة أن لا يفضي ذلك إلى تقويته، وأن لا تتحول إيران إلى قوة إقليمية نووية نافذة".
وزادَ قائلاً: "في الغالب ستتلقى الأذرع الإيرانية في العراق وسوريا ضربات موجعة، فملفات إيران في المنطقة مرتبطة ببعضها البعض، وعلينا ألا نتوقع أن يحدث تغيير في أي ملف منها دون حدوث تغيير في الملف الآخر، فإضعاف "حزب الله" يعني إضعاف الميليشيات المرتبطة به في سوريا، وأعتقد أن بؤرة الخلاف أو النزاع بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني ستكون حول أذرع الأخير في العراق، وقد يتحول العراق إلى ساحة النزاع القادمة بين أذرع إيران من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى". صقور الجمهوريين
من جانبه، قال رعد الهاشم، الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العراقية، إن الطرفين الأمريكي والإيراني في مرحلة جس النبض حالياً تمهيداً لاستلام ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض، وكلا الطرفين يراقب سلوكيات الآخر، ومن المعلوم أن منهج الرئيس الأمريكي محكوم بسياقات المؤسسات الأمريكية، ولكن المؤكد هو أن الجمهوريون دائماً ما يوصفون بالصقور، وبالتالي يُتوقع أن تكون سياستهم تجاه إيران حاسمة في المرحلة المقبلة.
وأضاف: "قد تعود سياسة فرض العقوبات، وهذا الأمر شبه مؤكد، وإن كان مرهوناً بمدى استجابة طهران للمخاوف الدولية التي كانت في الماضي، وتحديداً في فترة ولاية ترامب الأولى، تقتصر على مسألة عناد إيران فيما يخص مفاوضات برنامج الملف النووي، ورأينا كيف نسف ترامب المفاوضات وعاقب إيران بحصار شديد وتضييق اقتصادي، خصوصاً فيما يخص بتصدير النفط، فكيف بنا الآن، وفي ظل استمرار المشكلة ذاتها، أي الملف النووي، ويضاف إليها التحشيد الميليشياوي والدعم الإيراني اللامتناهي للميليشيات وتوظيفها وتسخيرها لاستهداف المناطق الحيوية والمصالح الأمريكية، فضلاً عن الاستهدافات تجاه إسرائيل".
وتابع: "أرى أن الوضع سيستمر على حاله من التشنج بين إيران وإدارة ترامب الذي تفاقمت الأزمات منذ انتهاء فترة رئاسته الأولى في ظل إدارة جو بايدن الهزيلة المتماهية مع الجانب الإيراني. صحيح أن ترامب لا يجامل، ولكن علينا ألا نبالغ في الآمال والتوقعات، إلا أنني أعتقد أن ترامب لن يغفر لإيران التهم التي وجهت إليها بتدبير أكثر من محاولة لاغتياله، وقد يكون ذلك سبباً لاختياره شخصيات في إدارته القادمة معروفة بمواقفها المتشددة تجاه حكم الملالي في إيران".
ومضى يقول: "أتوقع أن يتكرر ما حصل مع "حزب الله" اللبناني وحركة "حماس" مع ميليشيات إيران في سوريا والعراق، مثل "فاطميون" وحركة "النجباء" و"حزب الله العراقي" وغيرها، وأن تكون هدفاً قادماً لـ إسرائيل والولايات المتحدة". عودة قوية بدوره، يرى مثال الآلوسي، السياسي المستقل والبرلماني السابق ومؤسس حزب "الأمة العراقية"، أن "عودة ترامب إلى البيت الأبيض تعكس قوة الرئيس المنتخب وفريق عمله، والأفكار التي طرحوها، وحاجة أمريكا لهذه الأفكار داخلياً وخارجياً، وفي الوقت ذاته تمثل رفضاً أمريكياً سياسياً وشعبياً واضحاً لإدارة الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن للملفات الداخلية والخارجية، ولكن رغم ذلك لا أعتقد أن يقدم ترامب على توجيه ضربة عسكرية لإيران في المرحلة الراهنة، لأنه، إلى جانب فريق عمله، براغماتيون في طريقة التعاطي مع مختلف الملفات العالقة".
وأوضح أنه "على الرغم من اختيار ترامب لصقور السياسة الأمريكية في إدارته القادمة، إلا أن الولايات المتحدة لا تتبع الذهنية الاستعمارية الكلاسيكية كما هو الحال في بعض دول أوروبا، وإنما تبحث عن مصادر ومواقع استراتيجية عميقة، وتحديداً في مواجهة خصومها الرئيسيين، الاتحاد السوفييتي سابقاً – روسيا حالياً، والصين، إلى جانب الهند التي تظهر في المشهد بهدوء، وبزخم اقتصادي كبير، بعبارة أخرى، الولايات المتحدة لا تريد من إيران أن تكون دولة خاضعة لها، وإنما تريد علاقات طبيعية معها، وهنا يكمن الفرق بين ترامب، وبين أوباما وبايدن، فالأخيرَين كانا يريدان إيران بأي ثمن على حساب شعوب العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى في أجزاء من أفريقيا، فضلاً عن أفغانستان وباكستان وغيرها الكثير من المناطق التي تتدخل فيها إيران تدخلات سافرة، وبسبب إيران تفككت مجتمعات ودول وأنظمة، وهو ما نجم عنه ظهور إرهابيين ومتطرفين وقتلة أمثال "القاعدة" و"داعش" و"الحرس الثوري" وحزب الله" و"الحوثيون" والميليشيات العراقية وغيرها من التنظيمات الإرهابية". جنون الهيمنة وأشار الآلوسي إلى أن "إيران مطالبة بالالتفاف إلى شأنها الداخلي وشعبها الذي يقاسي معاناةً كبيرة بكافة شرائحه نتيجة جنون الهيمنة والسيطرة الذي تعاني منه السلطة، وهذا الجنون انعكس سلباً على المنطقة بأسرها من خلال استعانة إيران بحثالات مجتمعات العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، لأن الميليشيات لا تمثل النخبة الاجتماعية ولا الثقافية، ولا تمثل حتى الرجولة والفروسية بالمفهوم الشرقي للمواجهة أو المبارزة النبيلة والشريفة".
لافتاً إلى أن "إيران زرعت ميليشياتها في المنطقة، وعلى رأسها "حزب الله" في لبنان، وهذا الحزب منظمة إرهابية دموية ضالعة في صناعة وتجارة وتسويق المخدرات والأسلحة، وتنفيذ العمليات والشراكات الإرهابية في آسيا مروراً بأوروبا وصولاً إلى شمال أمريكا وجنوبها، وهذه المنظمة الإرهابية جاءت نتيجة ضعف لبنان وانتهازية أوروبا التي قبلت بإيران مقابل عقود استراتيجية كبيرة، ومن هنا يمكن اعتبار ترامب وصقوره عنصر حماية لما تبقى مما يمكن قبلوله في الشرق الأوسط، وكذلك عنصر أمل لشعوب المنطقة، ومن ضمنها الشعب الإيراني".