د. حرزالله محمد لخضر: تحديات جودة التعليم الجامعي في زمن الحضارة الرقمية
تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT
د. حرزالله محمد لخضر لقد تمخض العصر التكنولوجي الحديث عن جملة من التحولات غير المسبوقة التي طالت مناخ الأعمال في كافة المجالات، بفعل تسارع عملية التحديث وحركية المثاقفة والعولمة المعرفية والتواصل الرقمي، فنتجت قيمٌ وأفكارٌ ومعاملاتٌ جديدة دفعت باتجاه تغيير العديد من المفاهيم والممارسات الكلاسيكية، فأصبح التعامل رقميا والاتصال عبر الوسائط مرئيا وآنيا، والتفاعل شبكيا، والتواصل عالميا، والبيع إلكترونيا، واضمحلت صناعاتٌ ووظائفُ لتظهر أخرى في عالم الذكاء الاصطناعي ومجتمع المعلومات الرقمي.
وقد امتدت رياح التغيير لتلقي بظلالها على التعليم منهاجا ومضمونا، فتغيرت أدواره وأهدافه وبيداغوجياته، وكثيرٌ من أبجدياته التي مثّلت على مدار أزمنة مديدة بديهياتٍ تربويةٍ وركائزَ ثابتةٍ للعملية التعليمية والتَّعَلُّمِيَّةِ، وحلت محلها نظرياتٌ ونماذجُ أكثر فاعلية وحيوية على مستوى الأداء التعليمي للأستاذ أو البيئة التعليمية ومقوماتها التنظيمية والبيداغوجية، لتصبح أكثر تكيفا مع تحديات العولمة ومتطلبات العصرنة. لقد أصبح التعليم في زمن العولمة يتسم بطابع حيوي ومتجدد باستمرار، نظرا لتسارع حركية الإنتاج المعرفي والتواصل الإنساني الذي أدى إلى تزايد مستوى الوعي وانفتاح الطلاب على تجارب وعوالم متغيرة، فظهر التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد والتطبيقات الرقمية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي تشكل الأدوات الجديدة للتعليم، وأثَّر كل ذلك بشكل واسع على طبيعة عملية التدريس، فأعاد هندسة الأدوار التقليدية لأطراف العملية التعليمية الثلاثة وهم: الأستاذ، الطالب، المعرفة، الأمر الذي يدفع بصفة ملحة إلى تحديث البيئة التنظيمية والتعليمية للجامعات والمؤسسات التعليمية وتطوير مقارباتها البيداغوجية، بما يتماشى مع المتطلبات العصرية لسوق الشغل واقتصاد المعرفة وآفاق التنمية المستدامة. إن مواكبة هذه التغيرات يتطلب كفاءات ومهارات عالية المستوى، ونوعية تعليمية متميزة ودراية تامة بمختلف نظم المعلومات والتكنولوجيات المتطورة، ولن يتأتى ذلك إلا بتطبيق استراتيجيات فعالة لتنمية “المهارة البيداغوجية” لهيئة التدريس والارتقاء بمستوى أدائها التعليمي والأكاديمي، وتكوين مزايا تعليمية تنافسية ترتكز أساسا على الاستثمار في المورد البشري، لتجعل منه قاعدة لبناء نظام الجودة التعليمية والأكاديمية. ويعتبر الأستاذ في أي نظام تعليمي المحرك الرئيس للعملية التعليمية، ولأجل النهوض بجودة التعليم وجب توجيه الجهود نحو تحسين أدائه ورفع طاقاته الإنتاجية في التعليم والبحث العلمي كمًّا ونوعا، من خلال التركيز على تطوير مهاراته بصفة مستمرة، عملا بأهم مبدأ للجودة الشاملة وهو”التحسين المستمر Kaizen”، لتحويله من قوة عمل كامنة إلى كفاءة تعليمية تمثل “رأس مال تعليمي استراتيجي” للمؤسسة التعليمية. ويرتكز البرنامج المتكامل للتحسين المستمر على التكوين في المجالات الرئيسية التالية: المهارات التعليمية (تعليمية المادة) وطرائق التدريس، التشريع وتنمية الفكر التنظيمي والقانوني، التكنولوجيات التعليمية الحديثة وتطبيقاتها على المجال التعليمي، علم النفس البيداغوجي وأساليب التعامل التربوي، التكوين في علوم التربية وتطبيقاتها ونظرياتها لأنها من أهم العلوم الرافدة للتكوين التعليمي والتحصيل البيداغوجي للأستاذ، أساليب القياس والتقييم والتقويم باعتبارها عوامل سلامة مخرجات العملية التعليمية وجودتها، التحفيز على التنوع اللغوي (التكوين في اللغات الحية)، الإعلام الآلي والبرمجيات الإلكترونية والتطبيقات الرقمية وصناعة المحتوى التعليمي. وفي سياق ذي صلة لابد من اعتبار التدريب المستمر جزءا هاما من وظيفة الأستاذ خلال مساره الوظيفي، وفي هذا الإطار لا ينبغي الاقتصار على التدريب المخصص من طرف الإدارة، أو التدريب التأهيلي الذي يكون في بداية المسار الوظيفي، ففي ظل عالم منفتح ومتفاعل، يجب فتح المجال واسعا لأسلوب “التكوين الذاتي” إضافة إلى البرامج التدريبية الرسمية، لتحفيز الأساتذة على النشاط المعرفي وإثراء مهاراتهم ومعارفهم، ففي ذلك أثر مباشر على فاعليتهم وجودة أدائهم، مع تثمين هذه التداريب الذاتية ضمن الاستراتيجية العامة للتقييم والتحفيز الوظيفي وتنمية الأداء، وربطها بالمكافآت المستحقة والترقيات المناسبة. أستاذ وباحث أكاديمي متخصص في إدارة الموارد البشرية. (الجزائر)
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
باحثون وكُتّاب يناقشون دور الجامعات العربية الأولى في بناء الحضارة
الشارقة (الاتحاد)
ناقش عدد من الكتّاب والباحثين خلال جلسة بعنوان «سلسلة الثمانية» في قاعة الفكر بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، الدور التاريخي للجامعات العربية الأولى في إنتاج المعارف ونشر العلوم، وأهمية تبسيط هذا الإرث المعرفي وتقديمه للأجيال الجديدة بلغة قريبة ورسومات جذابة.
شارك في الجلسة كل من الدكتور حمد بن صراي، والروائية نادية النجار، والدكتور محمد عبدالرزاق، وأدارتها ذكرى والي، التي استعرضت في تقديمها مشروع «سلسلة الثمانية» الصادر عن «دار الهدهد» ضمن مبادرة معرفية إماراتية، تهدف إلى إحياء التراث العلمي للحضارة العربية والإسلامية وتقديمه للأطفال واليافعين بأسلوب قصصي تفاعلي.
وأوضحت الكاتبة نادية النجار أن السلسلة تُعرّف القارئ الصغير بتاريخ الجامعات العربية العريقة مثل الزيتونة، القرويين، قرطبة، الأزهر، طليطلة للمترجمين، المستنصرية، سنكري، واليوسفية، من خلال قصص تحكي سِيَر شخصياتٍ تركت بصمات خالدة في تاريخ العلم.
تبسيط التراث
من جانبه، تناول الدكتور حمد بن صراي، التحدي المتمثل في إيصال المعرفة التراثية إلى الأجيال الجديدة في عصر سريع الإيقاع، مؤكداً ضرورة وجود باحثين متخصّصين في التراث لتوجيه وتدقيق المحتوى الموجّه لليافعين. وأشار إلى تجارب إماراتية ناجحة في هذا المجال، مثل الكتب التي تناولت فنون السنع وعادات الضيافة وصب القهوة، بأسلوب يجمع بين التوضيح البصري والشرح السلس، مثمناً الدور الذي تقوم به المؤسسات الثقافية في الدولة في صون التراث وتقديمه بوسائل معاصرة تحافظ على أصالته ودقته العلمية.
نماذج مضيئة
أما الدكتور محمد عبدالرزاق، فأكد أن «سلسلة الثمانية» تسعى إلى إبراز النماذج المضيئة في تاريخ الحضارة الإسلامية، مثل فاطمة الفهرية التي أسّست أول جامعة في العالم –جامعة القرويين في فاس– ودور الأزهر والزيتونة وغيرهما من مراكز الإشعاع الحضاري في المغرب والمشرق. وأضاف أن السلسلة تقدم التراث العربي بصيغة تجمع بين الكتاب الورقي والمنصات الرقمية، بما يعزّز الحوار الفكري ويغرس في الأطفال الشعور بالفخر بتاريخهم، مشيراً إلى أن العرب نقلوا إلى أوروبا أنظمة التعليم الجامعي وتنظيم المخطوطات والمكتبات، وهي حقائق تستحق أن تُروى بلغة قريبة من عقول الجيل الجديد.
وفي ختام الجلسة، أكد المتحدثون أن «سلسلة الثمانية» تمثل جسراً بين الماضي والحاضر، يعيد إلى الذاكرة إسهامات العرب والمسلمين في بناء الحضارة الإنسانية، ويقدّمها للأجيال الجديدة بروح الإبداع والمعرفة.