د. حرزالله محمد لخضر لقد تمخض العصر التكنولوجي الحديث عن جملة من التحولات غير المسبوقة التي طالت مناخ الأعمال في كافة المجالات، بفعل تسارع عملية التحديث وحركية المثاقفة والعولمة المعرفية والتواصل الرقمي، فنتجت قيمٌ وأفكارٌ ومعاملاتٌ جديدة دفعت باتجاه تغيير العديد من المفاهيم والممارسات الكلاسيكية، فأصبح التعامل رقميا والاتصال عبر الوسائط مرئيا وآنيا، والتفاعل شبكيا، والتواصل عالميا، والبيع إلكترونيا، واضمحلت صناعاتٌ ووظائفُ لتظهر أخرى في عالم الذكاء الاصطناعي ومجتمع المعلومات الرقمي.

وقد امتدت رياح التغيير لتلقي بظلالها على التعليم منهاجا ومضمونا، فتغيرت أدواره وأهدافه وبيداغوجياته، وكثيرٌ من أبجدياته التي مثّلت على مدار أزمنة مديدة بديهياتٍ تربويةٍ وركائزَ ثابتةٍ للعملية التعليمية والتَّعَلُّمِيَّةِ، وحلت محلها نظرياتٌ ونماذجُ أكثر فاعلية وحيوية على مستوى الأداء التعليمي للأستاذ أو البيئة التعليمية ومقوماتها التنظيمية والبيداغوجية، لتصبح أكثر تكيفا مع تحديات العولمة ومتطلبات العصرنة. لقد أصبح التعليم في زمن العولمة يتسم بطابع حيوي ومتجدد باستمرار، نظرا لتسارع حركية الإنتاج المعرفي والتواصل الإنساني الذي أدى إلى تزايد مستوى الوعي وانفتاح الطلاب على تجارب وعوالم متغيرة، فظهر التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد والتطبيقات الرقمية والوسائل التكنولوجية الحديثة التي تشكل الأدوات الجديدة للتعليم، وأثَّر كل ذلك بشكل واسع على طبيعة عملية التدريس، فأعاد هندسة الأدوار التقليدية لأطراف العملية التعليمية الثلاثة وهم: الأستاذ، الطالب، المعرفة، الأمر الذي يدفع بصفة ملحة إلى تحديث البيئة التنظيمية والتعليمية للجامعات والمؤسسات التعليمية وتطوير مقارباتها البيداغوجية، بما يتماشى مع المتطلبات العصرية لسوق الشغل واقتصاد المعرفة وآفاق التنمية المستدامة. إن مواكبة هذه التغيرات يتطلب كفاءات ومهارات عالية المستوى، ونوعية تعليمية متميزة ودراية تامة بمختلف نظم المعلومات والتكنولوجيات المتطورة، ولن يتأتى ذلك إلا بتطبيق استراتيجيات فعالة لتنمية “المهارة البيداغوجية” لهيئة التدريس والارتقاء بمستوى أدائها التعليمي والأكاديمي، وتكوين مزايا تعليمية تنافسية ترتكز أساسا على الاستثمار في المورد البشري، لتجعل منه قاعدة لبناء نظام الجودة التعليمية والأكاديمية. ويعتبر الأستاذ في أي نظام تعليمي المحرك الرئيس للعملية التعليمية، ولأجل النهوض بجودة التعليم وجب توجيه الجهود نحو تحسين أدائه ورفع طاقاته الإنتاجية في التعليم والبحث العلمي كمًّا ونوعا، من خلال التركيز على تطوير مهاراته بصفة مستمرة، عملا بأهم مبدأ للجودة الشاملة وهو”التحسين المستمر Kaizen”، لتحويله من قوة عمل كامنة إلى كفاءة تعليمية تمثل “رأس مال تعليمي استراتيجي” للمؤسسة التعليمية.  ويرتكز البرنامج المتكامل للتحسين المستمر على التكوين في المجالات الرئيسية التالية: المهارات التعليمية (تعليمية المادة) وطرائق التدريس، التشريع وتنمية الفكر التنظيمي والقانوني، التكنولوجيات التعليمية الحديثة وتطبيقاتها على المجال التعليمي، علم النفس البيداغوجي وأساليب التعامل التربوي، التكوين في علوم التربية وتطبيقاتها ونظرياتها لأنها من أهم العلوم الرافدة للتكوين التعليمي والتحصيل البيداغوجي للأستاذ، أساليب القياس والتقييم والتقويم باعتبارها عوامل سلامة مخرجات العملية التعليمية وجودتها، التحفيز على التنوع اللغوي (التكوين في اللغات الحية)، الإعلام الآلي والبرمجيات الإلكترونية والتطبيقات الرقمية وصناعة المحتوى التعليمي. وفي سياق ذي صلة لابد من اعتبار التدريب المستمر جزءا هاما من وظيفة الأستاذ خلال مساره الوظيفي، وفي هذا الإطار لا ينبغي الاقتصار على التدريب المخصص من طرف الإدارة، أو التدريب التأهيلي الذي يكون في بداية المسار الوظيفي، ففي ظل عالم منفتح ومتفاعل، يجب فتح المجال واسعا لأسلوب “التكوين الذاتي” إضافة إلى البرامج التدريبية الرسمية، لتحفيز الأساتذة على النشاط المعرفي وإثراء مهاراتهم ومعارفهم، ففي ذلك أثر مباشر على فاعليتهم وجودة أدائهم، مع تثمين هذه التداريب الذاتية ضمن الاستراتيجية العامة للتقييم والتحفيز الوظيفي وتنمية الأداء، وربطها بالمكافآت المستحقة والترقيات المناسبة. أستاذ وباحث أكاديمي متخصص في إدارة الموارد البشرية. (الجزائر)

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم يزور ألمانيا لبحث تعزيز التعاون في مجال التعليم قبل الجامعي

توجه وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبد اللطيف اليوم الثلاثاء إلى برلين عاصمة دولة ألمانيا الاتحادية، حيث من المقرر أن يجري خلال الزيارة لقاءات مكثفة مع عدد من المسئولين لبحث تعزيز التعاون في مجال التعليم قبل الجامعي.

ويجري الوزير خلال الزيارة عدة لقاءات تستهدف بحث آليات التعاون المشترك لتعزيز الاستفادة من سياسات التعليم الألمانية ومبادرات التنمية المستدامة، وبحث سبل تحسين جودة التعليم.

كما تستهدف اللقاءات المقرر أن يجريها الوزير بحث سبل دعم التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة، وتعزيز تدريب معلمي اللغة الألمانية، واستعراض نماذج التجارب الناجحة في ألمانيا للاستفادة منها، ومناقشة تعزيز التبادل الثقافي بين الطلاب من كلا البلدين.

اقرأ أيضاًوزير التربية والتعليم يشارك في فعاليات افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 56

وزير التربية والتعليم يكرم الطلاب الفائزين في المعرض الدولي للعلوم والهندسة «ISEF»

وزير التربية والتعليم يجري زيارة لـ «مدارس» بني سويف

مقالات مشابهة

  • وزير التعليم يزور مدرسة كومينيوس ببرلين للتعرف على أفضل ممارسات الدمج التعليمي
  • وزير التعليم يزور مدرسة «كومينيوس» في برلين للتعرف على أحدث الأساليب التعليمية
  • وزير التعليم يزور مدرسة "كومينيوس" للتعرف على أحدث الأساليب والممارسات التعليمية بألمانيا
  • لجنة بـ"الوطني" تناقش سياسة الحكومة بشأن جودة حياة الكادر التعليمي
  • عبد اللطيف يبحث مع الأمين العام لمؤتمر وزراء الثقافة بألمانيا سبل التعاون فى تطوير التعليم قبل الجامعي
  • «عبد اللطيف» وأمين عام مؤتمر وزراء الثقافة في ألمانيا يبحثان تطوير التعليم قبل الجامعي
  • وزير التربية والتعليم يبحث مع مسئول ألماني سبل تطوير التعليم قبل الجامعي
  • المغرب..هيئة حقوقية تدعو إلى إصلاح عاجل للمنظومة التعليمية لضمان حق التعليم للجميع
  • لقاءات مكثفة لـ "عبد اللطيف" مع عدد من المسئولين الألمان لبحث تعزيز التعاون فى مجال التعليم قبل الجامعي
  • وزير التعليم يزور ألمانيا لبحث تعزيز التعاون في مجال التعليم قبل الجامعي