تنصل الأمم المتحدة عن واجب منع الإبادة الجماعية.. سقوط قانوني وأخلاقي وإنساني
تاريخ النشر: 5th, June 2024 GMT
يمانيون – متابعات
تؤكد الوثائق القانونية الدولية إدراك منظمة الأمم المتحدة لخطورة جريمة الإبادة الجماعية، ليس بالنسبة لمن وقعت عليهم فحسب، بل على البشرية بشكل عام.
وقد أعلنت المنظمةُ الدوليةُ في قرارها رقم 96 لسنة 1946أن (الإبادة الجماعية تعد جريمة بمقتضى القانون الدولي تتعارض مع روح الأمم المتحدة، ويدينها العالم المتمدن)، واعترفت المنظمة الدولية في القرار ذاته الصادر عن جمعيتها العامة (أن الإبادة الجماعية قد ألحقت في جميع عصور التاريخ خسائرَ جسيمة بالإنسانية؛ وإيمانًا منها بأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلَّبُ التعاوُنَ الدولي).
ووفقًا لما ورد في القرار السابق، يتأكد أن جريمة الإبادة الجماعية وفقًا لمفهوم الأمم المتحدة، ليست أمرًا غامضًا يحتاجُ إلى إجراء العديد من الدراسات والأبحاث؛ حتى تتضح أسبابه ودوافعه ونتائجه والمخاطر المترتبة عليه، ومن ثم البحث عن وسائل المعالجة لتلك الأسباب والدوافع والنتائج والآثار، بل إن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أقرت وبشكل مفصل في قرارها السابق، وفي غيره من الوثائق القانونية الدولية، بإدراكها العميق لما سببته جريمة الإبادة الجماعية للإنسانية عبر العصور المختلفة من خسائر جسيمة؛ وهو ما دفع المنظمة الدولية إلى وصف تلك الجريمة بأنها آفة بغيضة، وجودها يستعبد البشرية، وحينها أخذت على عاتقها العمل -من خلال التعاون الدولي- على تحرير البشرية من هذه الآفة البغيضة.
والأصلُ وفقاً لإدراك المنظمة الدولية لخطورة جريمة الإبادة الجماعية، ألا تتعرَّضُ أَيَّةُ جماعةٍ بشرية مطلَقاً لأَيِّ فعل يمكنُ أن يندرِجَ ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية، خُصُوصاً أن المنظمة الدولية قد جسَّدت إدراكَها لخطورة هذه الجريمة في وصفها لها بأنها آفةٌ بغيضةٌ، والأصلُ أَيْـضاً أن منظمةَ الأمم المتحدة، التي تجاوز عمرُها ثمانيةَ عقود من الزمن، تمتلكُ من الخبرات المتراكمة والوسائل المادية، ما يمكِّنُها من منع تعرض أية جماعة بشرية لأي فعل من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، وتملك أَيْـضاً وسائلَ لقمع من يتجرَّأُ على اقتراف أفعال إبادة جماعية بحق أية جماعة بشرية، وإن لم يكن ذلك كذلك، فما معنى ما ورد في الوثائق الدولية بشأن إدراك المنظمة لدولة لمخاطر جريمة الإبادة الجماعية على الإنسانية؟!
وإذا ما تتبعنا موقف منظمة الأمم المتحدة الذي جسدته في وثائقها القانونية، لوجدنا أن ذلك الموقف قد ارتبط بالتحضير والإعداد لسن اتّفاقية دولية بشأن (منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) والتي أقرتها سنة 1948، وقد تزامن هذا الإقرار مع أخطر حدث في تاريخ البشرية، وهو ولادة دولة الكيان الصهيوني، بعملية جراحية قيصرية، تولتها منظمة الأمم المتحدة بقرارها رقم 181 لسنة 1947، وشطرت به وحدة أرض فلسطين العربية إلى شطرين، بل شطرت الوحدة الجغرافية الطبيعية للأُمَّـة العربية إلى شطرين، وتولت المنظمة الدولية لاحقاً رعاية المولود المسخ والعناية به، حَيثُ كَــبُــرَ ترعرع في كنفها، وبذلك القرار المشؤوم لمنظمة الأمم المتحدة، الذي ترتب عليه زرع الكيان الصهيوني في قلب جغرافيا الأُمَّــة العربية، ومحق ميزة وحدتها الطبيعة، وتمزيق شعوبها، ومنعها من مُجَـرّد التفكير في تحقيق وحدتها، القائمة على روابط الدين واللغة والجغرافيا والتاريخ والمصير المشترك.
وإذا كانت منظمة الأمم المتحدة ومن خلال وثائقها القانونية، تدرك يقينًا خطورة جريمة الإبادة الجماعية على الإنسانية، وَإذَا كانت منظمة الأمم المتحدة هي من أوجد دولةَ الكيان الصهيوني ومنحها دون وجه حق أرضَ فلسطين العربية، وَإذَا كانت منظَّمةُ الأمم المتحدة قد جسَّدت قناعتَها بخطورة جريمة الإبادة الجماعية، وإيمانها بضرورة تحرير البشرية منها، بوصفها آفةً بغيضةً فصاغت لتحقيق ذلك الهدفَ الإنساني النبيل (اتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية) لتوفر الحماية القانونية للبشرية في مواجهة من يحمل نوازعَ إجرامية، وَإذَا كانت هذه الاتّفاقية قد وُجدت بالتزامن مع ولادة دولة الكيان الصهيوني المسخ؛ فالأمر لا يخرج عن احتمالين لا ثالث لهما:-
الاحتمال الأول: أن منظمة الأمم المتحدة كانت تدرك مسبقًا خطورة المولود الجديد المسخ (دولة الكيان الصهيوني) وما يحمله من نوازعَ إجرامية على البشرية عُمُـومًا، وعلى النطاق الجغرافي الذي تمت عمليةُ زراعته فيه خُصُوصاً؛ ولذلك فقد أوجدت المنظمة الدولية بالتزامن مع ولادة ذلك الكيان المسخ اتّفاقية (منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها) لتمثل رادعاً قانونياً له عن التفكير في اقتراف أي فعل من أفعال جريمة الإبادة الجماعية، بحق السكان الأصليين لأرض فلسطين، أَو أية أفعال إبادة جماعية بحق آخرين؛ انتقامًا لمزاعم المحرقة النازية!
الاحتمال الثاني: أن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة يبدو أنها كانت تتوقع أن يتعرض سكان الكيان الصهيوني، لإبادة جماعية أُخرى في النطاق الجغرافي المسلوب من أصحابه الأصليين، والممنوح لهذا الكيان المسخ، وخشية المنظمة الدولية أن تكون الإبادة المتوقعة على غرار تلك الإبادة المزعومة المسماة بالمحرقة النازية، ولمنع تحقّق هذا الاحتمال أوجدت منظمة الأمم المتحدة (اتّفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها)؛ لتوفر الحماية القانونية لليهود في مواجهة العرب عُمُـومًا والفلسطينيين خُصُوصاً؛ وهو ما يعني أن منظمة الأمم المتحدة إنما صاغت الاتّفاقية الدولية وفقاً لهذا الاحتمال، لمنع تعرض سكان دولة الكيان الصهيوني دون غيرهم للإبادة الجماعية؛ وهو ما يفسر اليوم تنصل المنظمة الدولية عن القيام بواجباتها، التي ألزمت نفسها بها في وثائقها القانونية حين يتعلق الأمر باقتراف جيش الكيان الصهيوني لجريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، التي تستمرُّ أفعالها وتَتَابَعُ منذ ثمانية أشهر، وتكتفي الأممُ المتحدةُ بوصف تلك الأفعال بأنها مروِّعةٌ!، في حين سبق لها قبلَ أكثرَ من ثمانين عاماً وصفُ الإبادة الجماعية بأنها آفةٌ بغيضة، تتطلَّبُ تعاونًا دوليًّا لتحرير البشرية منها، ومن ذلك الحين وإلى اليوم لا تزالُ منظمةُ الأمم المتحدة في مربع الوصف الذي انخفض سقفُه بشكل كبير عما كان عليه سابقاً!
والأصلُ عقبَ مرورِ أكثرَ من ثمانية عقود من الزمن، أن يرتقيَ وعيُ إدراك منظمة الأمم المتحدة ويرتفعَ بمستوى استشعارها للمخاطر المحدِقة بالإنسانية، خُصُوصاً مع التطورات التكنلوجية الهائلة في مختلف جوانب الحياة، لكن! مؤسف القول إن العقليةَ الجمعية لمنظمة الأمم المتحدة، لم يصبها شيءٌ من ذلك التطور والرقي، بل على العكس من ذلك يبدو اليوم واقع منظمة الأمم المتحدة منحطاً تماماً، مقارنة بما كان عليه حالها عند تأسيسها قبل أكثر من ثمانية عقود من الزمن، عندما كانت تستحضر فقط مخاطر الإبادة الجماعية، وتضع القواعد القانونية اللازمة لتوفير الحماية للإنسانية في مواجهتها، بوصفها آفة بغيضة يتوجب الاتّحاد والتعاون لتحرير الإنسانية من خطرها وشرها.
أما اليوم والآفة التي سبق لمنظمة الأمم المتحدة وصفها بالبغيضة، وحثها على التعاون الدولي لتحرير الإنسانية منها، اليوم هذه الآفة تبدو سافرة، يرتكب أفعالها الكيان الصهيوني جهاراً نهاراً على مدار الساعة، وبشكل مُستمرّ ومتتابع منذ ثمانية أشهر بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أصحاب الأرض الذين سبق لمنظمة الأمم المتحدة سلبُها منهم دون وجه حق، ومنحُها للكيان الصهيوني، الذي تتفرج عليه اليوم هذه المنظمة مباشَرَةً وعلى الهواء، وهو يؤدِّي بكل احترافية وحشية إجرامية فُصُولَ جريمة الإبادة الجماعية، مسنوداً بقوى استعمارية كان لها دورٌ كبيرٌ في تأسيس هذه المنظمة الأممية، وتحظى بعضوية دائمة في مجلس أمنها.
إن جريمة اليوم التي سقطت أمامها منظمة الأمم المتحدة، سقوطاً قانونياً وأخلاقياً وإنسانياً مدوياً، وسقطت معها كُـلّ القيم والمبادئ الإنسانية الفلسفية، التي ظلت على مدى العقود الماضية تتفاخر بها وتزيِّنُ بها ميثاقها، وأصبحت هذه المنظمةُ اليوم، ومجلسُ أمنها عُرْضةً للتوبيخ والتقريع ولاشمئزاز من جانب ممثِّل دولة الكيان الصهيوني، مقترفِ أفعال جريمة القرن، كلما حاولت هذه المنظمةُ على استحياء، استصدارَ قرارٍ يُخَفِّفُ من حِـــدَّةِ الوحشية التي ينتهجُها الكيانُ الصهيوني وشركاؤه من القوى الاستعمارية الغربية، بحق الأطفال والنساء والشيوخ من سكان أرض فلسطين في قطاع غزة؛ فهل سيكونُ الانهيارُ المادي لهذه المنظمة قريبًا؟ خُصُوصاً بعد انهيارها وسقوطِها قيمياً وأخلاقياً وإنسانياً، بتنصُّلِها عن واجبِ منعِ أفعال جريمة الإبادة الجماعية وقمع مقترفِها وشركائه منذُ ثمانية أشهر بحق سكان قطاع غزة؟
د/ عبد الرحمن المختار
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: دولة الکیان الصهیونی لمنظمة الأمم المتحدة منظمة الأمم المتحدة المنظمة الدولیة هذه المنظمة البشریة من قطاع غزة ا کانت
إقرأ أيضاً:
صحيفة إسرائيلي: الإخلاء إلى “غيتو رفح”… المرحلة الأخيرة قبل الإبادة الجماعية
#سواليف
لو كان مردخاي اينلفيتش على قيد #الحياة الآن، لمات. قائد التنظيم اليهودي المحارب في #غيتو وارسو لمات خجلاً وعاراً مما يسمع عن خطة وزير الدفاع، بدعم رئيس #الحكومة، إقامة “مدينة إنسانية” جنوبي قطاع #غزة. اينلفيتش لم يكن ليصدق أن أحداً سيتجرأ بعد ثمانين سنة من #الكارثة على طرح هذه الفكرة الشيطانية. لو سمع بأن الأمر يتعلق بحكومة الدولة اليهودية التي قامت على أنقاض الغيتو خاصته، لأصيب بالدهشة.
عندما يتبين له أن صاحب الفكرة، إسرائيل كاتس، هو ابن لعائلة ناجية من #الكارثة، مئير كاتس وملكا (نيرا) دويتش من مارمورش، اللذين فقدا معظم أبناء عائلتيهما في معسكرات الإبادة، لم يكن ليصدق ذلك. ما الذي كانا سيقولانه عما أصبح عليه ابنهما؟
عندما يعرف اينلفيتش عن العجز واللامبالاة التي أثارتها هذه الفكرة في إسرائيل، وبدرجة ما في العالم، بما في ذلك أوروبا وألمانيا، لمات مرة أخرى. ولكن بقلب محطم في هذه المرة. دولة اليهود تقيم غيتو. هذه عبارة تثير القشعريرة. يكفي طرح الفكرة وكأنها شرعية، من مع معسكر التجميع ومن ضده؟ المسافة ستكون قصيرة لطرح فكرة مخيفة أكثر: معسكر إبادة لمن لا يجتازون التصنيف في الدخول إلى الغيتو. في الأصل، #إسرائيل تمارس #الإبادة ضد #سكان_غزة بجموعهم، لماذا لا يتم زيادة نجاعة العملية وتوفير حياة الجنود الغالية؟
مقالات ذات صلةأحد ما قد يقترح إقامة محرقة جثث صغيرة على أنقاض #خان_يونس، يكون الدخول إليها بشكل طوعي كلياً مثلما هي الحال في غيتو رفح القريب، بالتأكيد بشكل طوعي، مثلما هي الحال في المدينة الإنسانية. وحده الخروج من المخيمين لن يكون طوعياً، هذا ما اقترحه الوزير.
مميزات إبادة الشعوب أنها لا تولد بين عشية وضحاها. لا يستيقظون صباحاً وينتقلون من الدولة الديمقراطية إلى أوشفيتس، من الإدارة المدنية إلى الغستابو. العملية بالتدريج. بعد مرحلة نزع الإنسانية التي مرت على اليهود في ألمانيا، والتي مرت على الفلسطينيين في قطاع غزة وفي الضفة الغربية منذ زمن، ومرحلة الشيطنة التي مرت أيضاً على الشعبين، تأتي مرحلة التخويف: قطاع غزة الذي لا يوجد فيه أبرياء، وتهديد 7 أكتوبر للدولة تهديداً وجودياً والذي قد يتكرر في أي لحظة. عندها تأتي مرحلة إخلاء السكان، قبل أن تخطر عملية الإبادة ببال أحد.
نحن في ذروة هذه المرحلة، المرحلة الأخيرة قبل الإبادة الجماعية. ألمانيا أخلت اليهود إلى الشرق، وكارثة الأرمن بدأت بالطرد. في حينه سميت “إخلاء”. الآن يتحدثون عن الإخلاء إلى جنوب القطاع. أنا ابتعدت لسنوات عن أي مقارنة مع الكارثة. كل مقارنة كهذه لم تصب الحقيقة بل أضرت بالعدالة. لم تكن إسرائيل في أي وقت دولة نازية. وبعد إثبات ذلك، بسهولة كبيرة، كان يبدو أنها إذا لم تكن نازية فهي بالتأكيد دولة أخلاقية. وحتى تصاب بالصدمة، لا تحتاج إلى كارثة. هذا محتمل حتى بسبب شيء قليل – من إسرائيل في قطاع غزة. ولكن لا شيء أعدنا لفكرة “المدينة الإنسانية”.
لم يعد لإسرائيل حق أخلاقي لتطرح على لسانها كلمة “إنسانية”. من جعل قطاع غزة ما هو عليه الآن، مقبرة جماعية وأنقاض، ويتطرق إلى ذلك بهدوء، يفقد أي صلة بالإنسانية. من لا يرى سوى المخطوفين في قطاع غزة، ولا يرى الجيش الإسرائيلي يقتل فلسطينيين بعدد المخطوفين الأحياء في كل ست ساعات، إنما يفقد إنسانيته.
إذا لم تكن الـ 21 شهراً الأخيرة، الأطفال والرضع والنساء والصحافيين والأطباء وكل الأبرياء الآخرين، ها هو يرى فكرة الغيتو تشعلت ضوء التحذير. إسرائيل تتصرف كمن تعد لإبادة جماعية وترانسفير. اسألوا انيلفيتش، وبالتأكيد نائبه مارك ادلمان.