الإبادة الجماعية تلوح في الأفق مرة أخرى في دارفور
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
مع انشغال العالم بمكان آخر، فإن شبح الإبادة الجماعية يلوح في الأفق من جديد فوق منطقة دارفور في غرب السودان.
تقع مدينة الفاشر وسكانها البالغ عددهم أكثر من 2.5 مليون نسمة في مرمى الفصيل العسكري المعروف باسم قوات الدعم السريع، الذي يسيطر على ثلاثة من الطرق الأربعة الرئيسية المؤدية إلى المدينة، بينما القوات الحكومية السودانية والعديد من الميليشيات المحلية بالكاد تكون صامدة.
تحاصر قوات الدعم السريع مدينة الفاشر منذ أكثر من شهر. ويتزايد عدد سكان المدينة مع وجود لاجئين من مدن وبلدات أخرى في جميع أنحاء دارفور يحاولون الهروب من الحرب الأهلية المستمرة منذ 13 شهراً. وبسبب انتشار العنف على نطاق واسع، يبحث العديد من المقيمين الدائمين في الفاشر الآن عن ملجأ في مخيمات مزدحمة بالمنطقة.
على الرغم من أن حصار الفاشر بدأ بشكل جدي منذ فترة قصيرة فقط، إلا أن الظروف ظلت صعبة لفترة أطول بكثير. في فبراير، قدر مراقبون دوليون أن الأطفال يموتون بمعدل طفل واحد كل ساعتين في مخيم زمزم للنازحين خارج الفاشر. واليوم، لم تعد المساعدات تصل، ويبدو أن المجاعة الحادة أصبحت وشيكة.
إن سقوط الفاشر سيمنح قوات الدعم السريع سيطرة شبه كاملة على غرب السودان، ويدًا عليا في معركتها من أجل السيطرة على البلاد. ونتيجة لذلك فمن المرجح أن تعود أعمال العنف والإبادة الجماعية على نطاق واسع إلى دارفور.
وتضم قيادة قوات الدعم السريع العديد من مقاتلي الجنجويد الذين حاولوا، عندما كانوا متحالفين مع الحكومة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شن حملة الأرض المحروقة لتخليص غرب السودان من الجماعات العرقية غير العربية.
في ذلك الوقت، اجتمع تحالف مخصص من الصحفيين والعلماء والطلاب والناشطين المشاهير للضغط على السودان ورعاته الدوليين والشركات المتعددة الجنسيات التي تتعامل معهم.
وعلى الرغم من أن اضطهاد غير العرب في دارفور لم يهدأ أبدًا، إلا أن التحالف حقق بعض النجاحات المتواضعة. وفي عام 2004، أرسل الاتحاد الأفريقي قوات حفظ السلام، التي أعيدت تسميتها لاحقاً كقوة تابعة للأمم المتحدة بتفويض من مجلس الأمن. وفي عام 2005، أحال مجلس الأمن القضية أيضًا إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت لاحقًا أوامر بالقبض على قادة الجنجويد ومسؤولي الحكومة السودانية الذين حرضوا على المذبحة، بما في ذلك رئيس الدولة عمر البشير. وفي عام 2006، وقع الرئيس جورج دبليو بوش، الذي استخدم علناً كلمة «إبادة جماعية» لوصف الوضع، على مشروع قانون يفرض عقوبات على الجنجويد ونظام البشير.
وأعقب ذلك سلام هش بدا حتى العام الماضي وكأنه يحمي السكان غير العرب في دارفور من الاضطهاد والإبادة الجماعية.
ولكن اليوم، يبدو أن الجنجويد على وشك تحقيق النجاح. وإذا ما سقطت الفاشر فقد تتاح لهم الفرصة لاستكمال مشروع الإبادة الجماعية، إذ وصف تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الشهر الماضي تفاصيل مروعة كيف شنت قوات الدعم السريع، عندما اجتاحت مدينة الجنينة العام الماضي، حملة من التعذيب والاغتصاب والاغتيالات والمذابح ضد المدنيين. وفي أكتوبر، توصل مراسلو بي بي سي إلى استنتاجات مماثلة فيما يتعلق بغزو قوات الدعم السريع لنيالا. بالنسبة للعديد من المواطنين غير العرب في دارفور، فإن الفاشر هي الملاذ الأخير. وعندما تسقط، فمن المرجح أن تتعرض لمعاملة وحشية بسبب مقاومتها للغزو لأكثر من 20 عامًا.
ومنذ تأمين الطرق المحيطة بالفاشر في أبريل، تحركت قوات الدعم السريع بشيء من الحذر. وسواء كان ذلك بسبب المقاومة الأكثر شراسة مما كان متوقعا أو بسبب شعورهم بالثقة الكافية في سيطرتهم فيأخذوا وقتهم في التحرك. وتتلقى قوات الدعم السريع المزيد من الأسلحة والتعزيزات، في حين أن خصومها محاصرون ولا سبيل لهم للخروج.
وقد حسبت قوات الدعم السريع، حتى هذه اللحظة، أنها تستطيع الانتظار لأن استجابة العالم كان ضعيفا، وهذا في حد ذاته مأساة لأنه يمثل تنازلاً عن مسؤولية المجتمع الدولي في حماية السكان المعرضين للتهديد. ويتعين على العالم أن يستجيب بشكل عاجل، على الرغم من أن خياراته تتضاءل يوما بعد يوم. وأفضل مسار الآن هو التفاوض على وقف إطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات إلى المدينة. ولسوء الحظ، لم يسفر الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 24 مايو عن أي تقدم ملموس بشأن التوصل إلى اتفاق.
والخيار الآخر الوحيد هو نشر عملية حفظ سلام مرخصة من الأمم المتحدة لحماية السكان المدنيين. وفي هذه الحالة، قد يتعين على الأمم المتحدة أن تلجأ إلى الاتحاد الأفريقي في تحديد مصادر القوات وتنظيمها، على الرغم من أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية يجب أن تكون مستعدة لتوفير العتاد.
وستكون مهمة العملية، أولاً، منع الهجمات المباشرة على السكان المدنيين في الفاشر، كما أن الحل الدائم للأزمة سيتطلب من الشعب السوداني التوصل إلى تسوية سياسية دائمة. ومن المرجح أن يكون ذلك بمثابة حل وسط بين النخب العسكرية التي تقاتل بعضها البعض في المعركة، ومجموعات المجتمع المدني في الخرطوم التي تمثل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً التي أطيح بها في عام 2021، والزعماء العرقيين المحليين، ربما لتقاسم السلطة، على الأقل في البداية. ولكن الأهم من ذلك هو الاعتراف بحقوق المواطنة وحقوق الإنسان لجميع أفراد الشعب السوداني. ويجب أن تكون هناك أيضًا استراتيجية لمتابعة المساءلة عن الجرائم المروعة التي ارتكبت في هذا الصراع. لكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بعد إحباط نوايا قوات الدعم السريع للإبادة الجماعية.
إن نشر قوة حفظ سلام دولية يعد الإجراء الأكثر تطرفاً من بين مجموعة الأدوات المقترحة لمنع الأعمال الوحشية. ولن يكون توحيد الجهود معاً بالمهمة السهلة، خاصة في ظل كل الأزمات الأخرى التي تعصف بالعالم في الوقت الحالي. لكن تردد العالم طوال هذه الفترة يجعل السودان يواجه الإبادة الجماعية مرة أخرى، مع عدم وجود خيارات أخرى لمنعها.
ديفيد سايمون هو مدير برنامج دراسات الإبادة الجماعية بجامعة ييل ومحاضر في كلية جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الإبادة الجماعیة فی دارفور فی عام
إقرأ أيضاً:
ماذا تعني سيطرة الجيش على أكبر قواعد الدعم السريع بدارفور؟
الخرطوم- تضاربت التصريحات بين القوة المشتركة للحركات المسلحة وقوات الدعم السريع اليوم الأحد بشأن السيطرة على قاعدة "الزرق" الإستراتيجية في ولاية شمال دارفور غربي السودان، في حين يرى خبراء عسكريون أن دخول القوة المشتركة إلى المنطقة واستيلاءها على عتاد عسكري ضخم يعدان انتصارا عسكريا ومعنويا.
وتقع منطقة "الزرق" قرب مثلث الحدود السودانية التشادية الليبية، مما جعل موقعها إستراتيجيا، خاصة فيما يتعلق بالإمداد العسكري لولاية شمال دارفور التي تشهد عاصمتها الفاشر قتالا شرسا بين الجيش والقوة المشتركة للحركات المسلحة من جهة وقوات الدعم السريع من جهة أخرى منذ 10 مايو/أيار الماضي.
منطقة إستراتيجيةبدأ قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي" منذ عام 2017 بإنشاء مشاريع بنى تحتية في المنطقة شملت مدارس ومستشفيات ومحطات وقود ومعسكرات ضخمة لقواته ومستودعات للأسلحة والذخائر، كما شرع في إنشاء مطار بالبلدة التي صارت مقرا لعوائل من عشيرته، وعيّن عمه جمعة دقلو زعيما قبليا في المنطقة.
وفي عام 2017 أيضا نفذ نظام الرئيس المعزول عمر البشير حملة لجمع السلاح في دارفور بقيادة حسبو محمد عبد الرحمن نائب الرئيس السابق، إذ دفع الجيش حينها بدبابات ومصفحات إلى الزرق للمشاركة في الحملة، وهي التي نقلها حميدتي إلى الخرطوم قبل أسابيع من اندلاع الحرب الأخيرة في 15 أبريل/نيسان 2023.
إعلانوبعد تفجر الأزمة كانت الزرق من القواعد الرئيسية التي تستقبل إمدادات الدعم السريع الآتية عبر تشاد وليبيا، وباتت مستودعا للأجهزة والمعدات العسكرية ومركزا لوجستيا للقوات، ونقل إليها المقربون من حميدتي عوائلهم باعتبارها من المناطق الآمنة، لكن الجيش السوداني قصفها بالطيران مرات عدة لتدمير العتاد العسكري.
وتقع الزرق في محلية "أمبرو" التي تشكل مع محليتي الطينة وكرنوي "دار زغاوة" في دارفور، ويقول رموز القبيلة التي ينحدر منها أغلب قيادات وعناصر القوة المشتركة إن قيادة الدعم السريع استولت على المنطقة التابعة لهم تاريخيا، واستبدلوا اسمها من "هاء مي" إلى الزرق بعد طرد سكانها الأصليين وتوطين رحّل يدينون لهم بالولاء.
إستهداف أطفال في الفاشر وزمزم ومجازر بشرية في ابوزريقة ، تردها القوة المشتركة بالردود القوية طُهرت بها المناطق المغتصبة منذ ٢٠١٧، القوة المشتركة لا ترد إلا علي صدور المقاتلين مغتصبي النساء وقتلة الأطفال ، فالحق ينتصر .
— Mini Minawi | مني اركو مناوي (@ArkoMinawi) December 21, 2024
"نصر كبير"أعلن الجيش السوداني في بيان له مساء أمس السبت أن القوة المشتركة التي تقاتل إلى جانبه سيطرت على قاعدة "الزرق" العسكرية وانتزعتها من أيدي قوات الدعم السريع بعد أن قتلت العشرات منها واستولت على عدد من المركبات القتالية.
وفي بيان آخر، قال المتحدث باسم القوة المشتركة أحمد حسين مصطفى اليوم الأحد إن القوة المشتركة والجيش والمقاومة الشعبية "تمكنت من تحقيق نصر إستراتيجي كبير بتحرير منطقة وادي هور بالكامل، بما في ذلك قاعدة الزرق العسكرية ومطارها الحربي".
وأفاد مصطفى بأنهم سيطروا على مطارين و5 مواقع عسكرية هي بئر مرقي، وبئر شلة، ودونكي مجور، وبئر جبريل، ودونكي وخائم.
كما ذكر المتحدث أن قوات الدعم السريع هربت تاركة 700 عنصر بين قتيل وجريح، وجرى أسر عناصر آخرين، علاوة على تدمير أكثر من 122 آلية عسكرية والسيطرة على عدد كبير من الآليات السليمة والمتنوعة بالتسليح والإنتاج.
إعلانولاحقا، نفى المكتب الإعلامي للقوة المشتركة في بيان جديد ما جاء في إعلان قوات الدعم السريع استعادة قاعدة الزرق، ووصفها بأنها "مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة، وهي محاولات فاشلة افتعلتها المليشيات بغرض التغطية على هزيمتها النكراء"، كما نفى استهداف قواتهم المدنيين في المنطقة.
من جانبه، قال مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور المشرف على القوة المشتركة إن قوات الدعم السريع فقدت خط إمداد رئيسي يربطها بدولة ليبيا.
وأشار مناوي إلى أن منطقة الزرق "اغتصبتها" قوات الدعم السريع عام 2017 بدعم من نظام الرئيس السابق عمر البشير، وقال في تغريدة على منصة "إكس" إن "القوة المشتركة ردت بقوة على هؤلاء المغتصبين ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية".
هجوم الحركات المرتزقة(حركة مناوي وجبريل ابراهيم ) الغرض منه التطهير العرقي والدوافع العنصرية وتنفيذا" لأجندة جلاديهم والدولة القديمة لضرب النسيج الإجتماعي بدارفور والإنتهاكات التي إرتكبتها هذه الحركات المرتزقة الإرهابية من قتل للأطفال والنساء وكبار السن وحرق السوق والمستشفى… pic.twitter.com/mi7PdtTDpC
— الباشا طبيق (@Elbashatbaeq) December 22, 2024
تهديد بالانتقامفي المقابل، قال الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع إن "الزرق ليست قاعدة عسكرية كما يزعم مناوي، بل مدينة يسكنها مدنيون".
واعتبر طبيق هجوم القوة المشتركة على المنطقة "عملية انتحارية"، واتهمها بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين.
وتوعد طبيق عبر حسابه على منصة "إكس" القوة المشتركة، وقال "سوف تدفع ثمنا غاليا، وستكون بداية النهاية لها، وحينها لا ينفع صراخ مناوي ومناجاته الأمم المتحدة"، حسب تعبيره.
كما أعلنت قوات الدعم السريع أنها تمكنت من استعادة السيطرة على منطقة الزرق في ولاية شمال دارفور، وذلك بعد فترة قصيرة من إعلان القوة المشتركة لحركات دارفور سيطرتها على المنطقة.
إعلانوفي بيان رسمي، اتهم الناطق باسم قوات الدعم السريع الفاتح قرشي عناصر القوة المشتركة بارتكاب "انتهاكات جسيمة ضد المدنيين العزل" في منطقة الزرق شملت قتل عدد من الأطفال والنساء وكبار السن، بالإضافة إلى حرق وتدمير آبار المياه والأسواق ومنازل المدنيين، فضلا عن تدمير المركز الصحي والمدارس والمرافق العامة والخاصة.
وفي موقف آخر، ذكر بيان باسم أعيان ومواطني منطقة الزرق أن القوة التي هاجمت المنطقة كانت بقيادة عبد الله بندة المطلوب دوليا بتهمتي إبادة جماعية وتطهير عرقي في دارفور.
واتهم البيان القوة المهاجمة بارتكاب "مذبحة راح ضحيتها 39 شهيدا، معظمهم من النساء والأطفال"، وأنها نهبت ممتلكات الأهالي وذبحت المئات من الإبل والمواشي.
عملية استخباريةوفي تعليقه على ما حدث، يرى الخبير الأمني والعسكري أبو بكر عبد الرحيم أن هجوم القوة المشتركة على القاعدة يعد "نصرا عسكريا ومعنويا في عملية خاطفة ومباغتة، مما يشير إلى أنها عملية تكتيكية لعب فيها الجانب الاستخباري والأمني دورا كبيرا لتوجيه رسائل عدة"، ويرجح أن الهدف الأساسي منها لم يكن الاستحواذ على الأرض.
وأوضح عبد الرحيم في حديثه للجزيرة نت أن الزرق من أكبر المراكز اللوجستية لقوات الدعم السريع، إذ تضم معدات متقدمة تشمل أجهزة التشويش التي تستخدم لتعطيل الطيران والاتصالات وتمنح المليشيات تفوقا تكتيكيا في العمليات العسكرية، لأن هذه الأجهزة تعطل التنسيق بين القوات النظامية وتعيق عمليات الاستطلاع الجوي والهجمات الدقيقة.
كما تضم القاعدة مخازن للطائرات المسيّرة ومهبطا للطائرات يستخدم لاستقبال عناصر أجنبية تشرف على تشغيل أجهزة التشويش والمسيّرات.
ويعكس استيلاء القوة المشتركة على عشرات المركبات -منها نحو 30 سيارة مصفحة- وجود عدد كبير من القادة الكبار والشخصيات المهمة في المنطقة، وفقا للخبير الأمني.
إعلان