يبدو أن المراوغة التي يظهرها الكيان الصهيوني الغاصب في التعامل مع الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي جو بايدن حول تفاصيل العرض الإسرائيلي الخاص بغزة، يجعل هذه الخطة حتى الآن أقرب إلى التمثيلية المقصودة والمتفق عليها بين الطرفين الأمريكي والإسرائيلي. الخميس الماضي ألقى الرئيس بايدن بيانًا يكشف فيه تفاصيل مقترح من ثلاث مراحل قال إن إسرائيل قدمته من أجل إبرام صفقة لتبادل المحتجزين مع «حماس»، والوصول إلى هدنة تتضمن في مرحلتها الثانية «نهاية دائمة للأعمال القتالية»، وإعادة إعمار غزة في المرحلة الثالثة.

بعد هذا البيان ظن كل من استمع إلى بايدن أن هذا العرض هو عرض إسرائيلي كامل، خاصة وأنه نقل الكرة إلى ملعب حركة المقاومة الإسلامية «حماس» وطالبها بقبوله.

أول خيوط التمثيلية كان ما انهى به بايدن بيانه عندما طالب القيادة الصهيونية بدعم هذا الاتفاق رغم أي ضغوط قد تمارس عليها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف تُطالب من قدم الاتفاق بأن يدعمه. وقد فتحت هذه العبارة الباب أمام نتنياهو وعتاة مجرميه في مجلس الحرب ومجلس الوزراء إلى إظهار رفض الخطة واتهام بايدن نفسه بالكذب عندما قال إنها خطة إسرائيلية.

وإمعانًا في المؤامرة وبدلًا من أن تميل الأمور إلى الهدوء، كان رد إسرائيل هو تكثيف هجماتها الوحشية على رفح وغزة، وتكثيف خطاباتها الدعائية العدوانية تجاه غزة وحماس. ورغم أن حماس قالت إنها تنظر «بإيجابية» إلى الخطوط العريضة التي أعلنها بايدن، فقد سارع نتنياهو إلى تأكيد أن إسرائيل سوف تستمر في الحرب على غزة، حتى تحقق جميع أهدافها، بما في ذلك إنهاء «حماس» كقوة عسكرية وسياسية، ووصف الخطة التي عرضها بايدن بأنها «غير مكتملة».

تعلم الولايات المتحدة جيدا أن إسرائيل منيت بالهزيمة في غزة، وتريد أن تخرجها من هذه الحرب بأقل الأضرار، وتسمح لها بالتلاعب بالعالم كله. وبعد أن شاهد العالم كله رفض نتنياهو للخطة، عادت الولايات المتحدة، ومن خلال تصريحات منسوبة لمستشار الأمن القومي الأمريكي، لتؤكد «استعداد إسرائيل للموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذي أعلنه بايدن، وإن الاتفاق سيكون «أفضل شيء» لسكان غزة وإسرائيل والولايات المتحدة. إذا أضفنا إلى ذلك تأكيد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن الولايات المتحدة لم تتلق ردًا بعد من «حماس» بخصوص مقترح وقف إطلاق النار وأنه واثق تمامًا من موافقة إسرائيل على المقترح. فإننا ندرك إلى أي حد يمكن أن تهين الإدارة الأمريكية نفسها من أجل إسرائيل، وحاجتها كما قال بايدن نفسه، إلى تحسين صورتها التي أصيبت بأضرار فادحة في العالم.

كثيرًا ما طُرح السؤال حول السر في العلاقة الأبوية التي تربط الطرفان معا: أمريكا والكيان الصهيوني، والإجابة في تقديري أنه «اللوبي» أو جماعات الضغط الصهيونية التي تعد واحدة من أقوى جماعات الضغط وأكثرها نفوذًا في السياسة الأمريكية. هذه الجماعات الغنية والتي يعود تاريخ تأسيس أقدمها، وهي منظمة الصهيونية الأمريكية، إلى نهايات القرن التاسع عشر تعمل لهدف رئيسي واحد، هو دعم دولة إسرائيل في كل مراكز السلطة الأمريكية سواء كان الكونجرس الأمريكي بغرفتيه أو الإدارة، أو داخل الولايات. ويتصدر هذه المنظمات حاليًا لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية المعروفة باسم «إيباك» التي تأسست في عام 1951، وأصبحت واحدة من أكثر جماعات الضغط نفوذًا في واشنطن.

ويستغل اللوبي الصهيوني الطبيعة السياسية الخاصة لتوزيع السلطات الثلاث في الولايات المتحدة، وكذلك السياسات المالية والإعلامية لحشد الدعم للمصالح الصهيونية والتأثير في تشريعات وقرارات الكونجرس والإدارة الأمريكية بما يخدم هذه المصالح ويعززها. وتشمل جهودها في هذا المجال زرع العملاء داخل الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي)، ودعم المرشحين في الانتخابات الرئاسية وانتخابات الولايات والكونجرس بالأموال والدعاية، والضغط عليهم بعد وصولهم إلى الحكم من أجل إسرائيل، وتسهيل تواصلهم مع نظرائهم الإسرائيليين، لضمان استمرار بيئة تشريعية وإدارية مساندة لإسرائيل في كل الأوقات، وهو ما جعل دعم الولايات المتحدة لإسرائيل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية.

وتتمتع جماعات الضغط الصهيونية بقدرة مالية هائلة، إذ تسهم الجماعات المؤيدة لإسرائيل والمتبرعين من الشركات الكبرى والأفراد بمبالغ كبيرة في الحملات الانتخابية. وتشير بعض التقديرات إلى أن المجموعات المؤيدة لإسرائيل «قدمت أكثر من 22 مليون دولار للمرشحين في الانتخابات التشريعية التي أجريت في 2020». ويمتد التأثير المالي للمنظمات الصهيونية إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ غالبًا ما تمول مراكز الفكر، ومعاهد البحوث السياسية، والجامعات، ووسائل الإعلام التي تشكل الخطاب العام حول القضايا المتعلقة بإسرائيل.

ولا يتوقف الأمر على جهود التأثير السياسي والمالي التي تقوم بها المنظمات الصهيونية على الإدارة الأمريكية، وتتجاوزها إلى الجهود الاتصالية المباشرة التي تستهدف بناء دعم جماهيري واسع لإسرائيل بين المواطنين الأمريكيين. ويكفي أن نعلم أن منظمة مثل: «مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل» تقول: إن عضويتها تضم عشرة ملايين أمريكي معظمهم من المسيحيين الإنجيليين يدافعون عن السياسات المؤيدة لإسرائيل من خلال التجمعات والمؤتمرات وجهود الضغط السياسي، بالإضافة إلى وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وتلعب هذه المنظمات دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام، وضمان استجابة المسؤولين المنتخبين المؤيدين لإسرائيل لأجندتها الخاصة.

إن ما يهمنا من الحديث عن اللوبي الصهيوني داخل أروقة السياسة الأمريكية، هو أن ندرك استحالة أن تتعارض مصالح الأم «الولايات المتحدة» مع مصالح الابنة المدللة، حتى وإن بدا لنا في بعض الأحيان أنهما مختلفان حول بعض القضايا، طالما بقي هذا الثقب الأسود المسمى بـ«جماعات الضغط الصهيونية» في السياسة الأمريكية. ويكفي أن نعرف أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح عسكري لإسرائيل، وأنها منذ سبعينيات القرن الماضي تلقت أكثر من 146 مليار دولار من المساعدات الأمريكية العسكرية فقط، دون حساب ما تلقته خلال الحرب الحالية، وأن كل الأسلحة التي قتلت نحو 40 ألف فلسطيني منه 15 ألف طفل أمريكية الصنع.

يجب أن ننظر بعين الشك إلى «الأعمال الصالحة» التي تقوم بها الولايات المتحدة في حرب غزة مثل إنشاء الميناء العائم والإعلان عن الاتفاق الإسرائيلي، ففي مقابلها لم تتوقف يومًا عن دعم ربيبتها بكل أنواع الأسلحة حتى الممنوع منها دوليًا، كما لم تتوقف عن دعمها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن ووصل الأمر بتهديدها للمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية لمنعهما من معاقبة إسرائيل لجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسة الأمریکیة الولایات المتحدة جماعات الضغط فی السیاسة الضغط ا من أجل

إقرأ أيضاً:

ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية

يمانيون – متابعات
في إطار معركة “أولي البأس” نفذ مجاهدو حزب الله اليوم الأحد عملية نوعية استهدفت قاعدة حتسور الجوية الصهيونية في عمق الكيان جنوب يافا المحتلة التي يطلق عليها العدو تسمية “تل أبيب”.

وتعد هذه هي العملية الثانية التي يتم استهداف القاعدة بصواريخ مجنحة لأول مرة يتم الكشف عنها.

فما هي قاعدة حتسور الجوية؟

قاعدة حتسور الجوية، هي مطار عسكري وقاعدة عسكرية جوية رئيسية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، تقع في بئر السبع، بالقرب من “كيبوتس حتسريم” جنوب “تل أبيب” وشرقي مدينة أسدود، وتبعد عن الحدود اللبنانيّة الفلسطينيّة 150 كلم.

تم إنشاء القاعدة في أوائل الستينيات، وأعلن تشغيلها في 3 أكتوبر 1966، كما يوجد في “حتسيريم” متحف القوات الجوية الإسرائيلية، وبها أكاديمية الطيران التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي منذ ابريل 1966.

تم بناء القاعدة بأمر من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، عيزر وايزمان، وصممها المهندس المعماري يتسحاق مور، وكان القائد الأول للقاعدة يوسف الون.

وتضم قاعدة “حتسور” جناحاً جوياً رئيساً، يحوي على تشكيل استطلاع مؤهل وأسراب من الطائرات الحربية، وتعد مقراً لأسراب 101 أو ما يعرف باسم “المقاتل الأول” الذي يمثل نخبة سلاح الطيران للعدو، وسُمي “105” العقرب لأنه يحمل العقرب كشعار.

واستهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان -حزب الله- القاعدة للمرة الأولى في21 – 11 – 2024م بصلية من الصواريخ النوعية المجنحة.

وكشف حزب الله عن إدخال سلاح الصواريخ المجنحة للحرب المتواصلة مع جيش العدو الصهيوني خلال هذه العملية.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: حددنا الأهداف التي يمكن لأوكرانيا ضربها بصواريخ أتاكمز
  • أمير منطقة حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة
  • ميقاتي تلقى برقيات بمناسبة عيد الإستقلال.. بايدن: الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب اللبناني
  • سفيرة الولايات المتحدة بالقاهرة: الاستثمار في النساء ومساعدتهن أولوية قصوى للحكومة الأمريكية
  • سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة: إسرائيل وحزب الله على وشك التوصل إلى اتفاق
  • ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية
  • وزارة الخارجية والمغتربين: تواصل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الجماعي انتهاج سياسات تقوض الأمن والاستقرار حول العالم وذلك من خلال استمرار دعمها اللامحدود لكل من نظام زيلنيسكي في أوروبا والكيان الصهيوني في منطقتنا
  • أستاذ علاقات دولية: الولايات المتحدة الأمريكية راضية عن مسار نتنياهو
  • إسرائيل.. المصادقة على تعيين سفير جديد إلى الولايات المتحدة
  • تركيا تتحدى اللوبي الصهيوني