كتاب عن إشكالات الموروث ومضامين الفكر الفلسفي المعاصر
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
الجزائر ـ «العُمانية»: تُعالج الدكتورة فريدة حيرش غيوة في دراستها العلميّة الصّادرة عن دار ميم للنشر بالجزائر، بعنوان «إشكاليات الموروث ومضامين الفكر الفلسفي المعاصر»، ملابسات المركزيات الفكرية المتعلّقة بالمعرفة.
وتقول الباحثة في تقديم الكتاب: «تكشفُ النظريات الفلسفية المعاصرة والراهنة على السواء عن ميلاد أزمة خانقة لمشكلة المعرفة، حيث تباينت الآراء حول فلسفات المعنى والدلالة، وفلسفات الوجود، وفلسفات الماهية، والفلسفات السياسية وغيرها من المشكلات الإنسانية التي لا زالت إلى يومنا هذا تحتاج إلى حلول جدرية وقراءات تسهم في تجاوز صراعات هذه النظريات التي رافقت تاريخ الفلسفة، إذ نجد بعضها يضفي على مشكلات المعرفة الصبغة الدينية أو النفسية أو الأخلاقية أو المثالية أو المادية، والبعض الآخر يضفي عليها الصبغة التماثلية أو الرمزية الرياضية والمنطقية، وهذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدلُّ على أنّ تاريخ الفلسفة، منذ أفلاطون، لم يعط أهمية لعملية النقد المتعلّق بالمعارف أو بالمشكلات الفلسفية.
وتضيف الباحثة بالقول: «لقد ظلّ هذا التحليل يفرض نفسه في معظم الممارسات الفكرية والأدبية والسياسية والاقتصادية، كما نجح في خلق مسارات فرضت نفسها في البحث المعرفي، ممّا أنتج كتلة ضخمة أو موروثا معرفيا تجلّى في السلوكات والرؤى والتصوُّرات والمعاني، التي ارتبطت ببعضها البعض ممّا حدا إلى إعادة تفسيرها، وذلك بالرجوع إلى أصلها الغربي».
وتؤكّد المؤلّفة بأنّها خُصّصت هذه الدراسة لمعالجة هذه القضايا، وهي معالجة تمدّدت على مجموعة من البحوث التخصُّصيّة التي تمّ نشر بعضها من قَبْل في عديد من الدوريات العلمية الأكاديمية، وبعضُها الآخر لم يسبق نشره ليكون مادة علميّة لهذه الدراسة الشاملة.
وفي هذا السياق، تضيف الباحثة بالقول: «يكشف هذا الكتاب عن تمسُّك المعرفة الغربية «بالمركزية» Centralismeالمتعالية حتى تفرض سلطتها على العقل، ويتّضح ذلك في المفهوم المسيحي للحياة، مثلا، حيث تجلت أوّل محاولة لكتابة تاريخ عالمي كانت مسيحية صرفة، وعلى الرغم من إسهام المفكرين اليونانيين والرومانيين في تقديم معارف جديدة تتعلَق بتاريخ العالم إلا أنّ هذه العملية باءت بالفشل».
وتخلص الباحثة إلى أنّ «النظرة الغربية الدوغمائية Dogmatique التي تجلّت بوضوح في القرون السابقة أساءت إلى الفهم الحقيقي للمعارف، حسب الفلاسفة الغربيين المعاصرين والراهنين؛ لأنّها أكدت على منهج الوحدة والاستمرارية التي تبنّاها فلاسفة، أمثال هيجل وماركس وكوندورسيه وغيرهم، فهيجل -مثلا- أوضح أنّ المعرفة تتجلّى في العقل المطلق، وماركس الذي أعلن عن موت النظام الرأسمالي وحلول النظام الاشتراكي الذي يمهّد للوحدة البشرية التي تجمع الناس في نظام إنساني جديد هو النظام الشيوعي، وكوندورسيه الذي أكَد على حالة التنوُّع في المعارف التي يعتقد أنّها ستزول مهما طال الزمن، وستختفي كلُّ التباينات المعرفية لتحُلّ محلّها حقائق علمية يفرضها البرهان العلمي.
من هذا المنطلق، نلحظ أنّ المعارف السابقة ظلَت كلُّها حبيسة «منطق الهوية» Logique de l’identité الذي يوحّد بين مقدمتين في وحدة متكاملة تفرض ممارسة سلطوية على الفكر، فهي لا تولي اهتمامها بفعل التجديد والتغيير الذي يفرضه كلُّ عصر.
يُشار إلى أنّ الدكتورة فريدة حيرش غيوة باحثة جزائرية حاصلةٌ على شهادة دكتوراة في الفلسفة، وتعمل أستاذة بجامعة بشير منتوري بقسنطينة (شرق الجزائر).
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أصوات فكرية تطرح أسئلة الموازنة بين الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي
احتضنت جامعة نزوى في قاعة الفراهيدي ضمن فعالياتها في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025، جلسةً حوارية فكرية بعنوان "التجديد في الفكر العربي.. سؤال الموازنة"، ناقشت فيها قضايا التجديد، والتراث، والتبعية، والإبداع، والمقدّس في السياق العربي الإسلامي.
وشارك في الجلسة كل من أمينة البلوشية، وسالم الصريدي، وعبدالله الدرعي، وبدر الشعيلي، وأدارتها الدكتورة شفيقة وعيل.
وفي ورقتها، أشارت أمينة البلوشية إلى أن الحديث عن التجديد يستلزم بالضرورة الحديث عن المقدّس، إذ لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. وبيّنت أن التجديد لا ينبغي أن يكون مجرّد تقليد للغرب أو تفكّكٍ من كل القيم، بل هو مشروع يبدأ من الداخل، من مساءلة الذات وقراءة الواقع بوعي نقدي. وأوضحت، أن حالة التبعية، سواء في الفلسفة أو الأدب أو الفكر، هي نتيجة غياب مشروع فكري جماعي يعيد تشكيل علاقتنا بالتراث والحداثة على حدّ سواء.
وأضافت "البلوشية": إن المجتمعات العربية تحتاج إلى "أنسنة الفكر"، أي تحريره من التصورات الجامدة التي تعيق حركته، مشددةً على ضرورة أن يُبنى هذا المشروع من خلال تكامل جماعي لا جهد فردي.
وتابعت أن الخوف من الاقتراب من المقدّسات يمنع التطور، مؤكدةً على ضرورة احترام المقدس دون منعه من أن يكون موضوعًا للنقد والفهم والتفكيك. ودعت إلى تجاوز التبعية والانطلاق من حيث توقف الآخرون لصياغة مشروع نهضوي حقيقي.
أما بدر الشعيلي فقد ناقش في ورقته العلاقة بين السلطة والنصّ، معتبرًا أن كثيرًا من إشكالات الفكر العربي نشأت من تداخل النصوص المقدّسة مع النصوص السلطوية التي أُسبغ عليها قداسة زائفة. وأشار إلى أن السلطة الدينية والسياسية كثيرًا ما وُظفت لحماية مواقف أيديولوجية معينة على حساب حرية التفكير.
وأوضح "الشعيلي" أن الخروج من مأزق الجمود يتطلب قراءة جديدة للنصوص، لا تقتصر على التفسير التقليدي، بل تنفتح على الواقع واحتياجات العصر. وأضاف: إن الفجوة بين الإبداع والفكر لا تزال قائمة، إذ يُنظر إلى المبدعين أحيانًا بريبة إذا ما اقتربوا من قضايا تمسّ التراث أو العقيدة.
وتابع أن المشروع الفكري العربي بحاجة إلى مصالحة بين الفكر والإبداع، حيث لا يمكن لأي نهضة أن تقوم دون احتضان متبادل بينهما. وختم بتأكيده على أن التجديد لا يكون بتبديل العبارات، بل بتفكيك الأسئلة العميقة وطرح أسئلة جديدة تعيد التفكير في مصادر المعرفة وسُبل تلقيها.
وفي ورقته، تناول سالم الصريدي قضية التجديد من زاوية تكامل العلوم، لافتًا إلى أن المفكر العربي في العصور الأولى كان موسوعيًا يجمع بين الفلسفة واللغة والرياضيات وغيرها.
وأشار إلى أن الانفصال بين العلوم أدى إلى تخمة في التفاصيل، بينما التجديد اليوم يقتضي العودة إلى رؤية شاملة تجمع بين العلوم الطبيعية والإنسانية.
وأوضح أن الفكر التجديدي لا يكتمل دون مقاربة الإنسان في أبعاده المختلفة، النفسية والاجتماعية والمكانية، مضيفًا أن المعرفة لا يمكن أن تنمو داخل المختبرات فقط، بل في التفاعل مع الإنسان ومحيطه. وتابع أن المطلوب هو بناء "هارمونية معرفية" تمكّننا من تجاوز التشتت واستعادة المعنى الشامل للمعرفة. مؤكدا على أن النهضة تتطلب عقلًا جامعًا، لا عقلاً مُجزّأً، وأن هذا يستدعي إعادة النظر في طرائق التعليم والتفكير والبحث.
من جانبه، تطرق عبدالله الدرعي في ورقته إلى مفهوم الحرية الفكرية وأهميتها في مسار النهضة والتجديد، مبينًا أن الحرية لا تعني الانفلات من القيم، بل تنطلق من وعي نقدي مسؤول يعيد قراءة التراث والواقع بروح عقلانية. وأشار إلى أن الفكر العربي كثيرًا ما وقع أسير الثنائيات المتضادة، مثل الأصالة والمعاصرة، والمقدس والمدنس، مما أعاق قدرته على إنتاج معرفة متحررة من التبعية الثقافية.
وأوضح أن الحاجة اليوم ليست إلى إعادة إنتاج النصوص، بل إلى تجديد أدوات الفهم والتأويل، معتبرًا أن الخوف من المساس بالموروث يمنع تحرك العقل نحو تأسيس رؤى جديدة أكثر ملاءمة لعصرنا. وأضاف أن تجاوز هذا الخوف يبدأ بإعادة النظر في ما نعدّه "ثوابت"، وتحرير المقدس من التوظيفات الأيديولوجية التي تُعطل التفكير بدعوى الحماية أو التقديس.
وتابع أن كثيرًا من التجارب الفكرية العالمية انطلقت من مساءلة الذات أولًا، مشيرًا إلى أهمية أن ننطلق نحن أيضًا من موقع الوعي الذاتي النقدي، لا من استيراد نماذج جاهزة من الغرب أو غيره. ودعا الدرعي إلى إحياء مشروع فكري عربي إسلامي، يتأسس على الحوار والتكامل، لا على الإقصاء والانغلاق، مشددًا على أن التجديد لا يكون بجهد فردي معزول، بل بمبادرات جماعية تعيد وصل الحاضر بالماضي دون أن تكون رهينة له.