لجريدة عمان:
2024-11-18@15:44:37 GMT

وجه جيمس جويس المخفي

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

وجه جيمس جويس المخفي

يبدو الكتاب الذي أصدره «محترف أوكسجين»، (يُشرف عليه الكاتب السوري زياد عبد الله)، بتوقيع جيمس جويس (ترجمة شادي خرماشو)، يبدو في الواقع ثلاثة «كتيبات» مضمومة إلى بعضها البعض، لتشكل المجلد الذي بين أيدينا ويحمل عنوان «رسائل العشق والفحش» (مقتطفات من رسائل جويس إلى نورا)، ترافقها «موسيقى الحجرة» (بعض قصائد جويس).

بهذا المعنى، يأتي الكتاب من صنعة المترجم وإعداده، وبهذا العنوان أيضا، نفهم -قبل الدخول إلى المتن- إلى أن ثمة نصين أمامنا. لكن في الحقيقة، يأتي نص ثالث (وهو الافتتاحي) ليُضاف إلى هذه الباقة المزدوجة: فصل من كتاب بريندا مادوكس «نورا... حياة مولي بلوم الواقعية»، صادر العام 1988، ومولي هي زوجة ليوبولد بلوم في رواية جيمس جويس «يوليسيس»، بالإضافة إلى المقدمة التوضيحية للمترجم.

يحفل تاريخ الأدب، بمثل هذه الكتب «المُعدّة»، وهي إن أفضت إلى شيء، فإنها تفضي إلى زيادة المعرفة بالموضوع المعالج، كما إلى زيادة المتعة الأدبية، كما هي الحال مع هذا الكتاب. لكن لنتوقف ونسأل: أي متعة مقصودة؟ يدور الكتاب حول هذا الوجه الآخر، المخفي، للكاتب الإيرلندي، ذاك «الوجه الداعر البذيء» الذي لم يكن معروفا، والذي اكتشفه القراء بعمق، بعد العام 2012، أي حين دخلت أعمال جويس في نطاق الملكية الفكرية العامة، وأصبح بالإمكان نشر أعماله، بعيدا عن قضية «حقوق المؤلف».

لنعد قليلا إلى الوراء: حين أصبحت أعمال جويس ضمن نطاق الملكية الفكرية العامة في ذاك العام، تنفس دارسو أدبه الصعداء. إذ كان حفيده ستيفن جويس يُعدّ من أكثر الورثة إثارة للجدل في التاريخ. يكفي أن نقرأ فصلا من كتاب «أيتها العائلات، أكرهك»! لإيمانويل بييرا، وهو حول «تجاوزات» أصحاب الحقوق، لنفهم القضية. فالحفيد هذا يزدري عالم الأبحاث، ودخل في حرب قانونية ضد مؤسسة جويس في زيوريخ، ولم يكن يتردد في المطالبة بمبلغ 100 ألف دولار مقابل أدنى قراءة عامة لرواية جدّه «يوليسيس»، وعارض كل اقتباس مسرحي لأعماله وفرض أسعارًا باهظة لإدراج بعض المقتطفات في كتب المختارات (الأنطولوجيات).

أشير إلى هذا الأمر لكي أصل إلى التالي: أولى علامات هذا الاسترخاء الذي حدث في 2012، نشر رسائل جويس إلى زوجته المستقبلية نورا، (64 رسالة)، التي كانت تعتبر لفترة طويلة رسائل «كبريتية حارقة» وقد غذّت أوهام محبي جويس وألهمتهم بالعديد من الفانتسمات. لدرجة أنه تمّ شراء رسالة واحدة منها العام 2004 من «ساوثبي» مقابل 445 ألف دولار (رقم قياسي).

تعود هذه الرسائل بشكل رئيسي إلى عاميّ 1904 و1909. السنة الأولى هي سنة الاجتماع في دبلن. لم يلمح جيمس جويس، قصير النظر، إلا الشعر البني والمشية المتموجة التي أسرته. قرر على الفور الاقتراب من هذه النادلة في فندق «فينس». سيجعل من أول لقاء بينهما لقاء حاسما في 16 يونيو 1904، وهو يوم قصة يوليسيس. كانت في التاسعة عشرة من عمرها، وهو في الثانية والعشرين. هو مؤلف شاب متجه إلى المجد ويكره الكنيسة الكاثوليكية والبرجوازية. أما هي فترى نفسها فتاة فقيرة وغير متعلمة، وفي النتيجة، لم تقرأ أيّا من كتبه أبدًا. وتبقى الحقيقة أن هذه الشابة التي نشأت في دير، كانت جريئة، «حرة» جسدًا وروحًا، إذ بعد مرور شهرين ونصف تقريبًا هربت معه وذهبت إلى المنفى في الخارج.

في العام 1909، بينما بقيت نورا في المنزل في مدينة تريست الإيطالية، زار جيمس جويس دبلن ليقيم فيها لفترة. يجعله أحد معارفه يعتقد أنه كان في يوم من الأيام عشيقًا لشريكته. الأمر الذي يثير نوبة عميقة من الغيرة يتبعها، عن بعد، اندلاع الرغبة الجنسية.

هذه الرغبة هي التي يلتقطها الكتاب الذي بين أيدينا، إذ يركز في أقسامه الثلاثة، على هذه العلاقة «الداعرة» (إن جاز القول) التي جمعت بين الاثنين، على هذه الشهوة والرغبة، التي نجدها حاضرة في كلّ النصوص. حتى إن الرسائل التي يترجمها خرماشو هي فقط الرسائل التي تعود إلى شهر ديسمبر من عام 1909 (أي 10 رسائل من مجموع الـــ 64 رسالة)، كذلك لسنا أمام أعمال جويس الشعرية، بل هي أيضا نصوص تدور في فلك هذه الرغبة الشهوانية.

من سبق له أن قرأ عن حياة جويس، يعرف جيدا أن نورا (لم يتزوجها إلا عام 1931، أي قبل وفاته بعشر سنوات) أدت دورًا أساسيًا في تكوين الشخصيات النسائية العظيمة في أعمال جويس: غريتا، بيرثا، مولي، آنا ليفيا، وهي شخصيات تحيلنا باستمرار إلى لغز الأنوثة، الذي لم يتوقف الكاتب عن استكشافه والذي تمثل نورا نموذجه الحيّ من خلال صورها الرمزية اللانهائية. لو عدنا إلى الرسائل الكاملة، لوجدنا أن رسائل جويس ترتكز على فترتين عريضتين. تلك العائدة لعام 1904، أولا؛ سنة لقائهما: من يونيو إلى ديسمبر 1904، (وهذا ما لا نقرأه هنا) وهي رسائل وقائع عاطفية ومؤثرة لميلاد علاقة رومانسية، برحلاتها الرومانسية، ولحظات الشك ولدغات الغيرة. أما اللحظة الثانية في هذه المراسلات فتمتد من أغسطس إلى ديسمبر 1909. جويس في دبلن وبقيت نورا في تريست؛ لتولد هذه الغيرة، كما أشرت قبل قليل، لكن مهما يكن من أمر، لا بدّ أن تأسرنا هذه الرسائل التي في مزيجها من العاطفة الرومانسية والغيرة والصراحة الجنسية والفحش أحيانًا، تعدّ وثيقة غير عادية (نكتشف منها بالعربية تلك العائدة إلى شهر ديسمبر كما أسلفنا).

ربما قد يتفاجأ القارئ بهذا الجانب المجهول من جويس. فمن قرأ رواياته، وعلى الرغم من عمله الدقيق على سبر أغوار المرأة بأشكالها النفسية المتعددة، قد لا يطرأ على باله، هذا الجانب من شخصية الكاتب كما تظهر في رسائله «البذيئة» (كما «يصفها» المترجم في مقدمته، ص 8). ربما كانت كذلك، فيما لو اعتبرنا التعبير عن الشهوة والرغبة الإنسانيتين ينتميان إلى «البذاءة».

لكن ثمة سؤالين: كل رسالة تفترض إجابة، من هنا، أين رسائل نورا إلى جويس؟ كل الدراسات تشير إلى أنها اختفت ولم يتبق منها أي شيء. ربما كان من المفيد أن نسمع صوت هذه المرأة التي ألهمت الكاتب. أما الثاني: هل يمكن لنا فعلا، اليوم، أن نحاكم جويس على رسائله؟ لا أعتقد. لقد دخل هذا الكاتب تاريخ الأدب، كواحد من عظام القرن العشرين. وربما أصبح أكثر من ذلك، إنه فعلا واحد من ميراث الإنسانية، لذلك تبدو قراءة حالاته المتعددة، ضرورية مهما كان رأينا؛ لأننا لا نجد سوى أمثلة «تراسلية» قليلة تمتلك «روحانية» هذه الأجساد التي يجتمع فيها شعور العشق التصوفي والإباحية كما رسائل فلوبير إلى لويز كوليه ورسائل أبولينير إلى لو.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

حزب المصريين: مشاركة مصر في قمة العشرين تبعث رسائل مهمة للمجتمع الدولي

أكد المستشار حسين أبو العطا، رئيس حزب المصريين، عضو المكتب التنفيذي لتحالف الأحزاب المصرية، أن مشاركة مصر في قمة مجموعة العشرين في البرازيل غاية في الأهمية، لا سيما في ظل ما تشهده الساحة الدولية من أحداث وصراعات واضطرابات تشكل تهديدًا مباشرًا لمصير الشعوب وأمنهم واستقرارهم.

وأضاف أبو العطا، في بيان اليوم الإثنين، أن لمشاركة الرئيس السيسي في قمة مجموعة العشرين دلالات كثيرة لعل أبرزها الثقل الاقتصادي الكبير الذي تتمتع به الدولة المصرية في عهد الرئيس السيسي كأحد الاقتصادات الواعدة التي حققت معدلات نمو رغم التحديات الكثيرة العالمية والإقليمية، ما جعل العديد من دول العالم تعزز الشراكات الاقتصادية مع مصر، باعتبارها قوة اقتصادية مهمة في المنطقة وبوابة للدول الإفريقية.

وأوضح رئيس حزب المصريين، أن هذه المشاركة تأتي في إطار انفتاح مصر على كل التجارب والتكتلات الاقتصادية العالمية، كأحد مسارات السياسة الخارجية المصرية، إلى جانب مسار التنمية، وأهمها مسار مواجهة الأزمات والتحديات بالمنطقة، ومسار الدفاع عن القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هناك مسار تعزيز المصالح المصرية، ودعم علاقات مصر الثنائية مع دول العالم كافة.

وأشار إلى أنه مما يدعو للفخر والاعتزاز أن الدولة المصرية شهدت خلال السنوات الأخيرة طفرة حقيقية في المنظومة الاقتصادية العالمية، سواء فيما يتعلق ببناء شراكات مع كل دول العالم، أو الانضمام للتكتلات الاقتصادية الكبرى مثل قمة البريكس ومجموعة العشرين، باعتباره تجمعًا عالميًا يستحوذ على 90% من التجارة العالمية، و80% من حجم الناتج العالمي، مؤكدًا أن قمة العشرين معنية بتجمع الحكومات ومحافظي البنوك المركزية من 20 دولة والاتحاد الأوروبي، لمناقشة السياسات المتعلقة بتعزيز الاستقرار المالي الدولي، بخاصة في ظل الصراعات الدولية والإقليمية القائمة وكذلك الحروب الأهلية والصراع الذي يتسع رقعته في ظل غياب المسؤولية الدولية، ما يهدد الاستقرار في بعض الدول وتهديد الأمن، الأمر الذي يتطلب وبشكل عاجل التعاون المشترك لمواجهة هذه التحديات والأزمات، بما يضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الدولي.

ولفت إلى أن قمة مجموعة العشرين خطوة مهمة ومطلوبة لمواجهة التحديات العالمية، ومشاركة مصر في هذه القمة سيكون لها نتائج مهمة، خاصة وأنها المشاركة الرابعة من نوعها لمصر في قمم المجموعة منذ نشأتها، والثانية على التوالي بعد المشاركة في اجتماعات قمة العشرين الدورة الماضية، موضحًا أن الجميع يترقب ويعقد آمالا كبيرة على هذه القمة، لبحث عدد من الموضوعات الرئيسية من بينها التوتر الدبلوماسي بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية، وكذلك الأزمات العالمية، وأبرزها الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

ونوه بأن مشاركة الرئيس السيسي في هذه القمة تبعث بعدة رسائل للمجتمع الدولي لمواجهة الأزمات الاقتصادية، فضلا عن تعزيز مكانة مصر الدولية، والتزامها التام بالمساهمة في إرساء نظام عالمي أكثر عدلاً واستدامة، بما يحقق السلام والاستقرار والتنمية للجميع، موضحا أن القيادة السياسية المصرية تسعى لعرض أولوياتها في حشد الإرادة السياسية اللازمة من جانب دول المجموعة لاتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف معاناة الدول النامية من تداعيات الأزمات الاقتصادية الدولية المتعاقبة، علاوة على تعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة أزمات مستقبلية، وهو ما لن يتحقق سوى بإصلاح جذري في نظام الاقتصاد العالمي.

وثمن توجيه الشكر من قبل رئيس البرازيل للرئيس السيسي على دور مصر التاريخي في مساندة شعب فلسطين، مؤكدًا أنه لا يستطيع أحد أن ينكر دور الدولة المصرية في دعم ومساندة القضية الفلسطينية، حيث يعود هذا الدعم لعقود طويلة بحكم التاريخ والجغرافيا وعلاقات الدم والقومية واشتراك الحدود واستمراره بقوة وترابط للوقت الحاضر، وقد دافعت مصر بقوة وباستمرار، وجعلت القضية بؤرة اهتمامها.

مقالات مشابهة

  • حزب المصريين: مشاركة مصر في قمة العشرين تبعث رسائل مهمة للمجتمع الدولي
  • صور لـ”جيمس ويب” تثير الشكوك حول نظرية نشوء المجرات
  • نورا أشهبار.. وزيرة هولندية من أصل مغربي استقالت بسبب العنصرية
  • كتاب: سليم أغا: ملحمة أحد ضحايا الاسترقاق، تأليف جيمس مكارثي، ترجمة ياسر عَـبِـيدِى بَرْدَويل، 2024..(2-1)
  • النواب يستمع إلى رسائل الحكومة بشأن مستوى تنفيذ توصيات المجلس
  • تفسير حلم رؤية الدم في المنام.. رسائل خير أم شر؟
  • السفير حسام زكي: المسار القانوني والقضائي في مواجهة إسرائيل لا غنى عنه
  • إجمالي إيرادات فيلم المخفي في آخر ليلة عرض
  • تفسير حلم قص الشعر للرجل والمرأة.. رسائل تحمل الخير أم مشكلات محتملة؟
  • رسائل مسرّبة تكشف رعب وزيرة سويدية من "الموز"