لجريدة عمان:
2025-02-08@21:54:18 GMT

غرب وشرق

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

هل تغيّرت النظرة الاستشراقيّة النمطيّة للعرب ولأدبهم؟ هل الاستشراق أو الاستعراب الجديد يعي خصوصيّة التمايز العربيّ؟ هنالك نعوت للمنطقة العربيّة أدخلت الخلل والإرباك في التفاعل مع الحضارة العربيّة، فمن نافل القول اليوم أن نتحدّث عن ثلاث مناطق جغرافيّة، أو ثلاثة أقاليم يُمكن أن تُمثّل المنطقة العربيّة، وهذه الأقاليم هي المغرب العربي والمشرق العربي والخليج العربي، وهي مناطق في حدّ ذاتها غير متماهية، وغير متجانسة، وإنّما تجمعها الجغرافيا أساسا.

لماذا عُدتُ إلى هذا السؤال؟ لأنّي لاحظتُ في السنوات الأخيرة، وأنا أحضر بشكل دائم إلى مؤتمرات علميّة في المنطقة الأوروبية، لاحظتُ تحوّلا في هذه النظرة النمطيّة، صارت الأجيال الجديدة تعرف أنّ عُمان ليست مصر، وليست السعوديّة، وقس على ذلك، من الممكن الخلاف الثقافي والجغرافي المميّز لأجزاء القطر الواحد. فكيف أدركت هذه النظرة الاستشراقيّة ذلك؟ الأدب هو واجهة الشعوب، هو المدخل الأساس للتعريف بالحضارات، الأدبُ هو الصورة التي تبدأ تخييلا وتنتهي واقعا. لقد حمل زهران القاسمي معه عُمان إلى أبعد بقاع الأرض، صار عنوانا في مداخلات حضرتُ عددا منها، صار قِبلةً للمستشرقين، يتّخذون من نصوصه صُوَرا للتعرّف على حضارة «غريبة عنهم» غريبة عن الشرق الذي عرفوه، حمل محمّد اليحيائي في رواية «الحرب» وفي رواية «حوض الشهوات» عُمان بتاريخها وحمولتها القصصيّة، حلّقت جوخة الحارثية إلى حضارات بعيدة، بعيدا عن القُطب الاستشراقي القديم، البريطاني الفرنسي الألماني، الذي حمل صُورًا نَمطيّة عن الحضارة العربيّة، صُورة الناقة والخيمة والمرأة المقهورة والرجل المتعجرف المتعالي، لِتُقْرأ في حضارة المجر، في تفاصيل الهند، في البرتغال، في كوريا، وفي غيرها ممّا يتخطّى العشرين لغة. هذه الصُوَر النمطيّة لحضارة العرب بدأت تتهاوى بوجود استشراق حديثٍ عارف، مطّلع، مُدرك لخصائص الفوارق بين مصر وعُمان، بل بين الكويت والبحرين، بل بين أهل الشمال وأهل الجنوب في كلّ منطقة عربيّة.

لم يُدرك -مع الأسف- لحدّ اليوم القائمون على أمور العباد سياسة وثقافةً في البلاد العربيّة أنّ الآداب والعلوم الإنسانيّة هي واجهة الشعوب، وأنّ العناية بها واجبة، ففصلوا بين كليّات علميّة هي الأفضل والأرغَب وكليّات للآداب في الدرك الأسفل من العناية والاهتمام، وصْلا لها بسوق الشغل. كليّات الآداب والعلوم الإنسانيّة هي الأجدر بالعناية والتطوير؛ لأنّها الرسالة الأصدق والأقوى إلى كلّ العالم، وقديما كان العرب على علمٍ بهذا الدور (رغم غياب المؤسّسات الجامعيّة والتعليميّة) فجعلوا الشاعر إذ نبغ في منزلةٍ رفيعة، ولنا في ذلك أمثلة عديدة، لا فائدة من التوسّع في ذكرها في وجيز هذه المساحة، يقول ابن رشيق القيروان في كتاب «العُمدة»: «كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنّأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمعت النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، لأنّه حماية لأعراضهم، وذبّ عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم. وكانوا لا يهنِّئون إلاّ بغلام يولَد، أو شاعرٍ ينبغ فيهم، أو فرس تنتج». ولكن مع الأسف نحن الآن لا نعتني بسُفراء حضاراتنا، ولا نُولي هؤلاء رفيع المنازل، في حين أنّ شعوبا تقتاتُ وبلدانا تعيش على حَدَثٍ في التاريخ أو آثارِ كاتب نبغ فيها وتنقّل من المحليّة إلى العالميّة، فهل يُخامرنا شكٌّ في أنّ «ألف ليلة وليلة» وجّهت أقواما إلى حضارة العرب، وصاغت متصوَّرا ذهنيّا ومتخيَّلا لشعوب، وهل ننفي أنّ «قنّاص» زهران له أثرٌ مهمٌّ في فكرٍ ناقدٍ يتتبّع آداب العرب، وأنّ قافره أثار وله قُرّاء لمعرفة هذه البلاد، وأنّ «بنت عامر» جوخة الحارثية في رواية «نارنجة» شكّلت صُورة عن عزمِ وحزم وصبْر تُراثٍ لمرأة عربيّة لم يتمثّلها الغربُ سابقا إلاّ في صُورة الحرملك، وقس على ذلك، شخصيّات لها في رواية «سيّدات القمر» فارقن المكتوب ودخلن في المرغوب، خرجن من النصّ إلى الواقع. الأدب هو السفير الأصدق والأكثر أثرا، بل الفنّ عموما هو الصانع للصورة الحقّة بين الأمم، وقد يقول قائل (بل قد يقول أكثر من قائل) ما الذي يهمّنا من تصوّر الآخر لنا، فلنعش في أرضنا وليتصوّروا ما أرادوا، وهذا القول -إضافة إلى ريائه وتساقطه- خارج عن سياق التاريخ، وبلادنا العربيّة تنتعش من السياحة، وتدفع أحيانا لغربيين ضعاف أموالا طائلة لكتابة مقالٍ في صحيفة معلومة عن البلاد، نحن في حاجة إلى صورة حقّة، إلى صورة فنيّة، يصنعها الكُتّاب والفنّانون، حتّى إن أظهروا الظلم والفقر والعجز، فالجمال ليس في مدح المدن والبلدان، بل في التعبير عنها بقصّة جميلة أو بلوحة فنيّة أو بموسيقى تخطّت محلّيتها لتحقّق عالميّة. لا نصنع أديبا عالميّا كلّ يوم، ولذلك فإن نبغ فينا أديب أو رسّام أو مسرحيّ وجب أن نرفعه على الأعناق لا أن نضع كلّ العراقيل أمامه، وأنا شهدتُ في عدد من مدن العالم كيف تحوّل الروائيّ الليبي إبراهيم الكوني إلى أيقونة يُعجَب بها كبار ناقدي الغرب. لقد عاشت مدنٌ في حضارة الغرب على كُتّابها، صنعت «براغ» من كافكا مزارا ومتحفا وأثرا بعد عين، وسياحةً لا تهدأ ليلا ولا نهارا، مدينة «ستراتفورد أبون» التي تقتات من خُطى شكسبير، وتعيش على أنفاسه، إذ تحوّلت إلى مدينةٍ رمزٍ بسببه، وفي كولومبيا تلقّفت مدينة أراكاتاكا مسقط رأس جابريال جارسيا ماركيز، إمكان التشابه بينها وقرية ماكوندو الخياليّة التي دارت فيها أحداث رواية «مائة عام من العزلة» لتتحوّل إلى مزار ولتعيش من أنفاس كتابته، وليكون لها فضل إنشاء وبعث روائي عالمي. هكذا يبعثُ الكُتّابُ والفنّانون والأدباء قُرى نائية، ويحيون مدنا، يُحوّلونها إلى مزارات لا تهدأ. فما نصيبُ أدبائنا العرب، وهم الذين حملوا معهم همومنا وواجهوا صِعابا لعلّ أقساها وأمرّها كان من ذوي القربى وليس من ذوي الغربة؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی روایة العربی ة

إقرأ أيضاً:

السبت القادم ..مناقشة رواية "هزيمة الحلم الاول" لعمرو بدر بنقابة الصحفيين

تنظم اللجنة الثقافية بنقابة الصحفيين ندوة لمناقشة رواية "هزيمة الحلم الأول" للكاتب الصحفي عمرو بدر عضو مجلس النقابة الأسبق وذلك يوم السبت ٨ فبراير بنقابة الصحفيين الساعة ٥ مساء.


يتحدث في الندوة الكاتب الصحفي والأدبب الدكتور عمار علي حسن، والكاتب الصحفي محمود مطر نائب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، والكاتب والناشر حسين عثمان مدير دار ريشة للنشر، ويدير الندوة الكاتب الصحفي تامر هنداوي.

 في سياق متصل، تعرب نقابة الصحفيين المصرية، عن رفضها الشديد وإدانتها المطلقة للتصريحات العنصرية والعدوانية غير المسئولة وغير المنضبطة الأخيرة للرئيس الأمريكي، التي تتحدث عن السيطرة على قطاع غزة وتهجير الشعب الفلسطيني، مشيرة النقابة إلى أن هذه التصريحات تعيدنا إلى عصور الاستعمار البغيض، وتعد امتدادًا للسياسات الإمبريالية للسيطرة على مقدرات الشعوب، وطمس هويتها الوطنية، فضلًا عن كونها تمثل عدوانًا صارخًا ليس على حقوق الفلسطينيين وحدهم، بل على حقوق جميع الشعوب في تقرير مصيرها، مما ينذر بتفجير الأوضاع في المنطقة والعالم.

أخبار وتقارير

 

"الصحفيين" ترفض وتدين تصريحات ترامب بالسيطرة على غزة وتهجير الفلسطينيين

الأربعاء 05/فبراير/2025 - 02:03 م

إسلام حسوب

نقابة الصحفيين

 

 

 

تعرب نقابة الصحفيين المصرية، عن رفضها الشديد وإدانتها المطلقة للتصريحات العنصرية والعدوانية غير المسئولة وغير المنضبطة الأخيرة للرئيس الأمريكي، التي تتحدث عن السيطرة على قطاع غزة وتهجير الشعب الفلسطيني، مشيرة النقابة إلى أن هذه التصريحات تعيدنا إلى عصور الاستعمار البغيض، وتعد امتدادًا للسياسات الإمبريالية للسيطرة على مقدرات الشعوب، وطمس هويتها الوطنية، فضلًا عن كونها تمثل عدوانًا صارخًا ليس على حقوق الفلسطينيين وحدهم، بل على حقوق جميع الشعوب في تقرير مصيرها، مما ينذر بتفجير الأوضاع في المنطقة والعالم.

وترى النقابة، أن تصريحات ترامب لا تقف فقط عند كونها دعوة واضحة لتصفية القضية الفلسطينية، واعتداءً على حقوق الفلسطينيين المشروعة، بل هي امتداد لرؤية استعمارية للإدارة الأمريكية الجديدة تمهد لحقبة من عدم الاستقرار العالمي، وترسم سيناريو استعماريًا جديدًا تحدد من خلاله أمريكا منفردة شكل المنطقة والعالم مما يشكل خطرًا حقيقيًا على الأمن والسلم الدوليين، وهو ما لا يمكن السكوت عنه، أو قبوله، وتؤكد أن هذه التصريحات لا تنفصل عن سلسلة من التصريحات السابقة، التي عكست نزعة ترامب التوسعية والعنصرية ونزوعه نحو السيطرة، مثل الحديث عن استيلاء الولايات المتحدة على غرينلاند، والتهديدات بشأن قناة بنما، وإعلانه المتكرر  أن كندا يجب أن تكون الولاية الأمريكية الحادية والخمسين.

وتابعت: “ أن هذا النهج الاستعماري والتصريحات العدوانية يعيد للأذهان المواقف العنصرية للقادة النازيين والفاشيين قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، مما يستدعي تحركًا دوليًا مشتركًا، وردًا حاسمًا قبل أن تشعل حربًا عالمية جديدة يدفع ثمنها العالم وشعوبه”.

وأكدت النقابة، أن تمسك ترامب بتصريحات تهجير الفلسطينيين، وإمكانية تحقيقها يؤكد أنها ليست مجرد تصريحات عبثية، بل هي خطة صهيو أمريكية ممنهجة، ودعوة واضحة لتصفية القضية الفلسطينية، وشرعنة لجرائم الحرب، وهو ما يمثل أيضًا انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، التي تعتبر تهجير أي شعب قسرًا جريمة حرب بحد ذاتها. وهو ما لا يمكن مواجهته ببيانات الشجب والإدانة، بل يتطلب تحركًا عمليًا على مختلف المستويات لمواجهته، والتصدي له بكل الطرق المشروعة.

نقابة الصحفيين تؤكد دعمها الكامل للدولة المصرية في رفضها تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين

وتشدد النقابة، على دعمها الكامل للدولة المصرية في رفضها لمثل هذه التصريحات، وكذلك دعمها لكل المواقف العربية والدولية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، وترى أن أي محاولة لتهجير الفلسطينيين تمثل جريمة ضد الإنسانية لن نقبل بها، أو نصمت إزاء أي تحركات تؤدي إلى تقويض السيادة الفلسطينية، وحقوق الشعب في إقامة دولته المستقلة.

 

1000249014 1000249016

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية: لا يغيب عن أذهاننا أن هدف الحضارة الإنسان قبل أي شيء
  • حفل توقيع رواية "هزيمة الحلم الأول" لعمرو بدر بنقابة الصحفيين
  • مأخوذ عن رواية The Whisper Man.. تفاصيل فليم روبرت دي نيرو الجديد
  • خطبة الجمعة اليوم.. الشيخ أحمد شرف: مهمتنا أن نبني إنسانا وسطيا يصنع حضارة.. وعلى المسلم ألا يتكبر بعبادته على الناس.. فيديو
  • فيديو.. غارات إسرائيلية على جنوب وشرق لبنان
  • غارات إسرائيلية على جنوب وشرق لبنان
  • سوريا بعد الأسد.. كيف تزور دمشق القديمة وكأنك تقرأ رواية ملحمية؟
  • «فتاة وبحيرتان».. رواية تُبحر فى أعماق النفس والقدر
  • المسيحيون في سوريا.. ما وراء رواية نظام الأسد
  • السبت القادم ..مناقشة رواية "هزيمة الحلم الاول" لعمرو بدر بنقابة الصحفيين