محمد بن رضا اللواتي
mohammed@alroya.net
رُغم المؤشرات الإيجابية لحالة الميزانية الفعلية للسنة المالية المنقضية 2023، من حيث زيادة الايرادات الفعلية والفائض المالي في ظل ارتفاع أسعار النفط، وتحسُّن التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان، إلّا أن المراقبين ما يزالون يرون أن الاقتصاد العماني يُعاني حقيقة من كساد؛ ذلك لأنه لا بُد من الفصل بين الميزانية التي ترتكز على ارتفاع سعر برميل النفط وما يُسببه من نمو في الناتج المحلي، وبين القاعدة الاستهلاكية والإنتاجية اللتين باتساعهما أو انكماشهما تكشفان عن حالة الاقتصاد، وبحسب المؤشرات التي يُتابعها أولئك المراقبين، فمن وجهة نظرهم فإن ثمّة كساد جاثم على صدر اقتصادنا الوطني بشكل واضح!
إذا غضضنا النظر عن ملف الباحثين عن العمل، والذي يزداد ضخامة مع كل سنة؛ حيث ترفد الجامعات والكليات الألوف من الشباب إلى سوق العمل الذي لا يستطيع استيعاب ثُلث تلك الأعداد، إذ ترى وظيفة واحدة متاحة قد يتقدم لها أكثر من 5 آلاف شاب!
وإذا غضضنا النظر عن هذا الملف، فإن المؤشر الأبرز المعتمد في تشخيص هذه الحالة هو طبيعة الاقتصاد المحلي، فهو اقتصاد ريعي، مستند بالدرجة الأولى وبشكل كامل على ارتفاع أسعار النفط، والذي يتيح للحكومة الانفاق على المشاريع الكبيرة.
دلالة أخرى تميط اللثام عن جانب من وضع الاقتصاد، تتمثل في ضعف الإنتاجية المجتمعية؛ حيث إن المجتمعات المُنتِجة هي تلك التي تُنعش خزينة الدولة بإنفاقها الناتج عن العمل، ومن خلال الضرائب التي تدفعها، وهذه المجتمعات رغم فقدانها للثروة النفطية إلّا أن اقتصاداتها نشطة وفاعلة، لكن عندما تعيش المجتمعات على إيرادات الحكومة من مواردها الطبيعية التي قد تنضب في أي وقت، يغيبُ طابع الانتاج عنها، وتصبح عالة على الإنفاق الحكومي، وعلى الرواتب التي تقصم ظهر الحكومة لأجل توفيرها.
مؤشر آخر يأتي بعده هو حجم استفادة الشركات الصغيرة والمتوسطة مما تصرفه الحكومة على المشاريع الكبيرة، فحاليًا، مجموعة قليلة من الشركات الكبرى تتداول هذا الإنفاق، أما الشركات المتوسطة أو الصغيرة فليست على مستوى المنافسة لأخذ حصة من الاقتصاد، ما يعني محدودية تداول الثروات وفقدان الفرص.
من المؤشرات التي يعتمدها خبراء الاقتصاد، متابعة حالة القطاع السياحي، الذي ما يزال غير جاذب بالدرجة الكافية كي يعمل فيه المواطنون في ظل الأجور المنخفضة، كما إن هذا القطاع إلى اليوم لم يتمكن من المنافسة المأمولة على مستوى السياحة الداخلية نظرًا لتباين عوامل الجذب المحلي.
وتُعد حالات انخفاض ايجارات العقارات، وبطء زيادة أعداد الكوادر العمانية في القطاع الخاص، وتأثر حركة البيع والشراء في الأسواق، وإقبال الكثير من المشترين على المنتجات الرخيصة، كلها مؤشرات مُقلقة تدل على تراجع الأنشطة الاقتصادية.
لذلك نرى أهمية طرح حلول تتمثل بالدرجة الأولى في إعادة هيكلة الاقتصاد، وهذا يحتاج ما بين 3 إلى 10 سنوات لإطلاق نموذج اقتصادي مُغاير ومتطور ومُستدام، لكن هناك حلول سريعة تعمل على انعاش الاقتصاد تتمثل في:
تقديم حزمة حوافز حقيقية للشركات لتوظيف العمانيين. تقديم حوافز ضريبية للشركات الأجنبية لزيادة مستوى التعمين فيها. تدريب الخريجين على العمل بكفاءة في محلات البيع بالتجزئة. تسهيل عمليات البيع والشراء في قطاع العقارات.لله الحمد إننا نملك بُنى أساسية مُمتازة، ومُدننا ومناطقنا الاقتصادية جاهزة، كما إن برامج استقطاب الاستثمارات فاعلة، ومع هذا نجد أن الإجابة عن التساؤل حول "أين الخلل إذن؟" ربما حائرة ولا نستطيع الإمساك بها.
يقولون إن الاقتصادات الريعية تُرجئ حل المشكلات، فطالما أن الانفاق الحكومي متاح، عادة لا يتم البحث الجاد عن أسباب الأزمات، تطبيقًا لمبدأ البعض بأن "الأمور طيبة"؛ بل لا يحب أحد أن يُشار إلى وجود مشكلة ما!
وأخيرًا.. إنَّ إعادة هيكلة الاقتصاد العماني مطلبٌ ضروريٌ لتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040"، بهدف خلق بيئة مُحفِّزة للقطاع الخاص وتعزيز ريادة الأعمال في مسار التنويع الاقتصادي، وتحفيز القطاعات غير النفطية مثل السياحية واللوجستيات والخدمية، مع نظام حوكمة مستمر يمتلك الأجوبة ويمكنه تمريرها، لأن الأيادي المرتعشة لن تصنع الفارق، كما إن الخمول على مستوى التفكير وتوقُّف البحث عن الحلول لن يصنع النجاح.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تطلق تقريرا يتناول فرص العمل والتنمية الإقتصادية المحلية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تطلق منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية تقريرا بعنوان "خلق فرص العمل والتنمية الإقتصادية المحلية 2024: جغرافية الذكاء الإصطناعي التوليدي"، الخميس المقبل، ليقدم أول تحليل إقليمي لتأثير الذكاء الإصطناعي التوليدي على أسواق العمل المحلية.
وأوضحت المنظمة ـ التي تتخذ من العاصمة الفرنسية باريس مقرا لها، في بيان ـ أن التقرير يسلط الضوء على أن الذكاء الإصطناعي سوف يؤدي إلى تفاقم الإنقسامات الإقليمية في بلدان منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، كما يقدم أدلة جديدة حول المناطق وفئات العمال الذين يشغلون وظائف تتطلب مهام يمكن للذكاء الإصطناعي القيام بها أو دعمها، ويقارن ذلك بتأثيرات سوق العمل لموجات التقنيات السابقة التي أدت إلى ظهور الأتمتة، كما يفحص التقرير صحة أسواق العمل الإقليمية والمحلية، مع وضع تقديرات جديدة لمشكلة نقص العمالة الإقليمية ودوافعها.
ومن المقرر أن يقام حدث لتقديم نتائج التقرير مع كلمة افتتاحية افتراضية من الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ماتياس كورمان، تليها كلمة من لمياء كمال الشاوي مديرة مركز ريادة الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة والمناطق والمدن في منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية، على أن يتبع الكلمات الإفتتاحية عرض لنتائج التقرير، وعقد مناقشة جماعية مع أصحاب المصلحة وصناع السياسات.
تجدرالإشارة إلى أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تعمل مع أكثر من 100 دولة، وتعتبر منتدى سياسيا عالميا يعمل على تعزيز السياسات الرامية إلى الحفاظ على الحريات الفردية وتحسين الرفاهة الإقتصادية والإجتماعية للأشخاص في جميع أنحاء العالم.