أفادت وسائل إعلام إسرائيلية اليوم الثلاثاء بأن حرائق التهمت آلاف الدونمات بالجليل الأعلى (شمالي الأراضي المحتلة)، في حين دعا وزيرا الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش إلى "حرق لبنان كله".

ويأتي ذلك في ظل تصاعد متسارع في سير المعارك بين حزب الله وإسرائيل، وأخذ هذا التصاعد أشكالا مختلفة من حيث نوعية الأهداف وعمقها الإستراتيجي، وكذلك حجم الأسلحة وقدرتها التدميرية التي لم تستخدم من قبل.

ويطرح هذا التصعيد جملة من الأسئلة من قبيل: هل يمثل ذلك ردعا لإسرائيل أو ذهابا بالمواجهة إلى مدى بعيد؟ وما علاقة هذا التصعيد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ نحو 8 أشهر؟ وهل يكون هذا التصعيد انعكاسا للنزاعات الإقليمية وتشابكها كما يحدث في البحر الأحمر؟

وحملت الجزيرة نت هذه التساؤلات وغيرها إلى عدد من المحللين والخبراء العسكريين في محاولة لتقريب الصورة والإجابة على هذه الأسئلة.

ترسانة عسكرية

من جانبه، قال الخبير العسكري والإستراتيجي حاتم الفلاحي إن حزب الله يمتلك قدرات بشرية وعسكرية كبيرة جدا، كما أنه راكم ترسانة عسكرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهذه الترسانة تضم ما بين 2000 و2500 طائرة مسيرة -بأنواع مختلفة- ويمكنها الوصول إلى جميع المدن الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

وأضاف أن حزب الله يمتلك أيضا صواريخ مضادة للدبابات، ولديه كذلك أنواع أخرى من الصواريخ الباليستية والمضادة للطائرات، وهي متعددة المديات حيث تبدأ من 5 كيلومترات، وتنتهي بمسافات بعيدة جدا قد تصل إلى آلاف الكيلومترات، بالإضافة إلى أن إيران زوّدت حزب الله بأسلحة نوعية ومتطورة جدا.

ومن أجل ذلك -كما يبين الفلاحي- استطاع حزب الله الوصول إلى قاعدة "ميرون" الجوية المهمة جدا لجيش الاحتلال، واستهداف مقرات القيادة والسيطرة، وضرب أهداف مهمة، وإسقاط طائرات مسيرة، مثل "هيرمز 900″، محققا بذلك تصعيدا كبيرا في سير المواجهة في هذه الجبهة.

اشتعال النيران على الحدود بين لبنان والأراضي المحتلة نتيجة هجمات لحزب الله على إسرائيل (رويترز) أهداف التصعيد

وعن أهداف هذا التصعيد، يقول المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد إن حزب الله يصبو إلى الوصول لجملة من الأهداف، ومنها:

ردع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن التمادي في قصف أهداف تابعة لحزب الله في العمق اللبناني. منع إسرائيل من فرض واقع أمني جديد يقوم على تدمير المناطق الجنوبية في لبنان وتوسيع التهجير السكاني في هذه المناطق. حرمان القوات الإسرائيلية من مبدأ المفاجأة، وإنهاك الجهد العسكري لديها الذي يتركز في ما يعرف بمنطقة القيادة الشمالية والفرق العسكرية التابعة لها، مع استنزاف قدراتها في مناوشات مستمرة ضمن قواعد حرب محسوبة. تشكيل حالة من العمى الاستخباراتي لدى منظومة الأمن الإسرائيلية قبل ارتفاع مستوى المعركة، وتحسبا لاندلاع حرب كبيرة على جبهة لبنان. تقديم حالة إسناد لجبهة غزة في ظل الاستفراد بها طيلة الشهور الماضية في حرب غير مسبوقة على المقاومة في القطاع. تحسين أوراق التفاوض في المعركة السياسية والدبلوماسية في ظل مطالبات إسرائيلية بانسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وهذا ما يرفضه الحزب وحاضنته الشعبية.

آثار الهجمات الصاروخية التي أطلقها حـ.ـزب الله من #لبنان على مستوطنة كريات شمونة، ما تسبب في نشوب حرائق وإصابة 16 إسرائيليا بينهم 7 جنود pic.twitter.com/DaOLLffWcc

— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) June 4, 2024

ضبط إيقاع المعركة

ورغم هذا التصعيد الواضح، يقول حاتم الفلاحي إن الصراع ما زال مقيدا ضمن حدود معينة، لأن استخدام هذه الترسانة الصاروخية خضع لعمليات متعددة، أخذت مستويات وأبعادا مختلفة، بما فيها تطور المعركة، وصولا إلى مواجهة نوعية بين الطرفين.

وأضاف أن هذا التصعيد كان مؤثرا بشكل كبير جدا على إسرائيل خلال الفترة الماضية، وهو ما دفعها إلى إجراء مناورات والتهديد باجتياح جنوب لبنان من أجل دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني.

ويشاركه هذا الرأي أسامة خالد الذي يرى أن أطراف القتال لا زالت حريصة حتى اللحظة على ضبط إيقاع المعركة حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة نحو حرب إقليمية، ولكن التطورات المتسارعة على الجبهة اللبنانية ذاهبة نحو مسار إجباري من التصعيد العسكري في المنطقة، خاصة مع الأعمال العسكرية التي تقوم بها جماعة الحوثي في البحر الأحمر.

لكن مدير مشروع لبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمن ذهب إلى أن تصعيد حزب الله خلال الأسابيع الأخيرة ذو طابع تكتيكي في الأساس، فهو تصعيد مضاد لهجمات إسرائيلية أكثر عمقًا وشدة، ويأتي كذلك ضمن نظرية دفاع حزب الله عن نفسه أمام الرواية الإسرائيلية التي تقول إنها أحدثت ضررا كبيرا في صفوف الحزب.

وأضاف ويمن أن حزب الله الآن في مرحلة الرد لمنع إسرائيل من تحقيق هذا "التحسن". وأشار إلى أنه قد تكون هناك أيضا رسالة للأطراف الخارجية والوسطاء الذين يعتقدون أن حزب الله يائس من وقف إطلاق النار، وهو في الوقت نفسه جاهز لدفع الثمن من أجل ذلك.

ويرى أيضا أن حزب الله يعتقد أن التصعيد الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية يهدف إلى تحسين موقفه التفاوضي من أجل وقف إطلاق النار في لبنان بمجرد الوصول إلى الأمر نفسه في غزة.

إسرائيل تقصف جنوب لبنان ردا على اشتعال حرائق في الجليل الأعلى نتيجة قصف لحزب الله (الفرنسية) مستقبل الصراع

أما عن تأثير اشتعال الجبهة في جنوب لبنان على المنطقة، فيرى مدير مشروع لبنان في مجموعة الأزمات الدولية أن حزب الله وإسرائيل -بالإضافة إلى حلفائهما الخارجيين إيران والولايات المتحدة- غير مهتمين بالفعل ببدء حرب شاملة بينهما.

ويضيف ويمن أنه ما دامت الحرب في غزة لم تنته، فإن إمكانية وجود أزمة إقليمية لا تزال قائمة، وأشار إلى أن الزيادة في نطاق الأراضي وشدة الحرب الحالية مع وجود أي خطأ تكتيكي أو تقديرات خاطئة قد تخلق ديناميكية قوية نحو تصعيد متسارع يكون من الصعب جدا الحفاظ عليه.

في حين يرى المختص في الشؤون العسكرية والأمنية أسامة خالد أن المؤسسة الأمنية والعسكرية في إسرائيل لديها توجه جدي في الذهاب نحو قرارات حاسمة تتعلق بمصير قواعد اللعبة مع حزب الله، والسعي نحو إمكانية تحقيق المفاجأة الإستراتيجية.

وأضاف أن إسرائيل تعتقد أنه يمكنها شلّ الجزء الأكبر من قوة حزب الله وقدراته استعدادا لحرب كبيرة على لبنان، لكن هذا رهن بالوضع الداخلي في إسرائيل، ومدى قناعة المستوى السياسي بالتصعيد إلى حرب طاحنة مع حزب الله كما يحدث في قطاع غزة، وكذلك مدى تقبل الوضع الإقليمي الحالي لهذا التوجه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات هذا التصعید أن حزب الله من أجل إلى أن

إقرأ أيضاً:

هدنة إسرائيل وحزب الله تترنح... من المستفيد؟!

يوماً تلو الآخر تزداد الأوضاع سخونة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وسط شكوك بشأن إمكانية صمود هدنة هشة أنهت حرباً استمرت أكثر من 14 شهرا بين إسرائيل وحزب الله.

وللمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، تطلق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، التي لم تتأخر هي الأخرى في الرد بقصف استهدف عدة مناطق في جنوب لبنان في المرة الأولى، ووصل إلى العاصمة بيروت في المرة الثانية.

Israel Orders Residents in Neighborhood Near Beirut to Evacuate - The command for people to leave parts of the suburbs south of the Lebanese capital where Hezbollah holds sway is the first since a cease-fire went into effect in November. via @nytimes:https://t.co/hKesWCETRZ

— ???????? Viking Resistance HQ ???????? (@VikingFBR) March 28, 2025 اتفاق هش

وهذه هي المرة الأولى منذ دخول وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة حيز التنفيذ في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي، التي يشن فيها الجيش الإسرائيلي غارات جوية على الضواحي الجنوبية لبيروت، فيما اعتبرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية "نهاية لأشهر من الهدوء المتوتر في العاصمة اللبنانية" تثير مخاوف من تصعيد جديد.

وكما هو الحال مع واقعة السبت الماضي، نفى حزب الله اللبناني مسؤوليته عن إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، واعتبرها "جزءً من محاولة مشبوهة لاختلاق الذرائع لاستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان"، قائلاً إنه "يحترم" اتفاق وقف إطلاق النار.

ومن جهته، قال الجيش اللبناني إنه يحقق فيما جرى لمعرفة الجهة التي تقف وراء ذلك، لتثار العديد من التساؤلات بشأن المستفيد من وراء إعادة التوتر إلى هذه الجبهة وما إذا كان هناك من يسعى إلى توريط الدولة اللبنانية.

ووفقاً لخبراء، فإن حزب الله، الذي يكافح للتعافي من الصراع المدمر مع إسرائيل، ليست لديه رغبة كبيرة في المخاطرة بإشعال الصراع من جديد، حسبما نقلت "نيويورك تايمز"، التي ألقت الضوء على احتفاظ جماعات فلسطينية مسلحة، مثل حماس، بوجود كبير في لبنان، وعملها في الغالب من مخيمات اللاجئين هناك منذ عقود.

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه خلال الحرب على غزة، أطلقت هذه الجماعات صواريخ من لبنان على شمال إسرائيل بشكل متقطع من لبنان.

واستدعت الصحيفة مشهد انخراط حزب الله في الحرب تضامناً مع غزة بعد الهجوم الذي قادته حماس في 7 أكتوبر(تشرين الأول) 2023 والذي بدأ بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على المواقع الإسرائيلية وتصاعد إلى حرب شاملة واجتياح بري إسرائيلي قبل أن يتفق الطرفان على وقف إطلاق النار.

ووصفت "الصحيفة" هذا الصراع بأنه الأعنف والأكثر دموية في لبنان منذ الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً في البلاد والتي انتهت عام 1990.

Israel carried out its first major airstrike on Beirut's southern suburbs in months, retaliating for an earlier rocket launch from Lebanon in the most serious test of a shaky-ceasefire deal agreed in November https://t.co/wFUrfcRJKb pic.twitter.com/AHa7QEcF4c

— Reuters (@Reuters) March 28, 2025 انتهاك الاتفاق

وركز موقع "المونتيور" الإخباري على كون استهداف إسرائيل الضاحية الجنوبية لبيروت الجمعة هو الأول من نوعه منذ إبرام الهدنة، مشيراً إلى مواصلة إسرائيل شن الغارات الجوية المميتة في كثير من الأحيان على جنوب وشرق لبنان منذ وقف إطلاق النار، بدعوى استهداف مواقع عسكرية لحزب الله تنتهك الاتفاق.

ولم تختلف مبررات إسرائيل هذه المرة، فقالت إن هجومها استهدف "موقعاً تستخدمه الوحدة الجوية (127) التابعة لحزب الله لتخزين الطائرات بدون طيار في منطقة الضاحية" التي تعتبر معقلاً رئيسياً لحزب الله في جنوب بيروت، والتي قصفتها إسرائيل بكثافة خلال حربها مع الحزب العام الماضي، بحسب الموقع.

وبعد توجيه إسرائيل إنذار شديد اللهجة للحكومة اللبنانية، محملة إياها مسؤولية ضبط الأمن وفرض تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار "وإلا سنفرضه نحن"، أمر رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، قوات الأمن في بلاده بسرعة ضبط المسؤولين عن إطلاق الصواريخ، واصفاً ذلك بأنه أمر "غير مسؤول" ويشكل تهديداً "لاستقرار لبنان وأمنه".

ويرى مراقبون أن تطورات الساعات الأخيرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية تعيد إلى الواجهة قضية شائكة بالنسبة للحكومة اللبنانية، وهي السلاح الخارج عن القانون وكيفية معالجة هذه المعضلة التي لطالما شددت حكومة بيروت على موقفها منها، وهو حصر السلاح بيد الدولة، حتى لا تكون رهينة افتعال أي إشكالات، تعرض أمن الدولة للخطر والتهديدات.

كما تحمل تلك التطورات في طياتها الكثير من المخاطر التي تحدق بالمنطقة في ظل تشابك المواقف واستئناف إسرائيل حربها على قطاع غزة، والغموض الذي يكتنف مصير الرهائن الذين تحتجزهم الحركات المسلحة الفلسطينية في القطاع.

وتتزامن هذه المستجدات والتساؤلات بشأن الجهة التي تقف وراء إطلاق الصواريخ على إسرائيل من لبنان، مع تطورات لافتة تمثلت في تزايد الضغوط على حركة حماس للخروج من المشهد، والتي لم تقف عند حد كونها مواقف دولية بهدف التوصل إلى وقف دائم للحرب في غزة، بل تعدت ذلك إلى موقف شعبي نادر تجسد في خروج مظاهرات في القطاع تطالب بذلك كسبيل لإنهاء الحرب التي راح ضحيتها أكثر من 50 ألف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين.

مقالات مشابهة

  • بعد إستهدافها الضاحية... ما هو مُخطّط إسرائيل في لبنان؟
  • حزب الله: لن نقبل أن تواصل إسرائيل استباحة لبنان
  • حزب الله: إسرائيل تقوم بعدوان على لبنان تجاوز كل حد
  • قصف جسور وكهرباء لبنان.. هذا ما قد تفعله إسرائيل
  • هدنة إسرائيل وحزب الله تترنح... من المستفيد؟!
  • قصف الضاحية يحاصر قمة عون وماكرون وإسرائيل تسعى لتوسيع دائرة النار
  • لماذا قصفت إسرائيل ضاحية بيروت الجنوبية؟ محللون يجيبون
  • قيادي كبير بحزب الله يعلق للجزيرة على صواريخ كريات شمونة
  • لماذا لم يتحرّك الشعب المصري لإيقاف المذبحة في غزّة إلى الآن؟!
  • عون يتابع التصعيد الإسرائيلي في لبنان من باريس