عربي21:
2025-04-28@04:53:52 GMT

احتواء حماس: كيف تدرس حركة عقائدية؟

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

* عام 2018، صدر كتاب رصين وجدير بالقراءة للباحث طارق بقعوني تحت عنوان "احتواء حماس: صعود وإخضاع المقاومة الفلسطينية". هذا اجتهادي على الأقل في ترجمة العنوان، فالعمل صدر بالإنكليزية لا العربية. "احتواء حماس" يحكي القصة الطويلة لحركة المقاومة الإسلامية منذ بدايتها، وصولا لما يسميه المؤلف "احتواءَها": أي محاصرتها في قطاع ضيق وتوريطها في مستلزمات الحكم المدني، واضطرارها للتراجع عن صلابتها العقائدية ورؤيتها الجهادية المؤسِّسة.

استغرق الأمر خمس سنوات حتى تُصدِر حركة حماس ردها على استنتاجات هذا العمل، لا بهيئة بيان ولا منشور، وإنما بهيئة اجتياح عسكري من خارج مألوف التاريخ؛ اجتياحٍ لم يتخيله كثيرون -قبل حصوله- ممكنا حتى على مستوى فيزيائي.

* أشياء كثيرة غمرها "الطوفان" منذ ذلك الوقت، حتى رفوف المكتبات بلغها الماء، ومئات الأبحاث والمنشورات لم تسلم هي الأخرى. تنظر في بعض ما كان مكتوبا قبل ذلك التاريخ (من كتابات بحثية في الوضع الفلسطيني) فلا يبدو للمكتوب صلة مفهومة بالواقع اليوم؛ ليس هذا انتقاصا من الكِتاب المذكور، على العكس، فهو مدخل مفيد للتفكير بالدور العقائدي في هوية حماس وكيف يمكن لبُعدٍ كهذا أن يصعّب على دارسيها دراستهم.

الذي ثبت لاحقا -كما ثبت سابقا بصورة أو أخرى- أن حماس لا تنتمي لعقلانية أكاديمية في تفكيرها وسلوكها، وأن بنيتها العقائدية كانت أشد تعقيدا (أو لربما حتى أشد بساطة) مما يستطيع المجهر البحثي الشائع والحساب العقلاني المباشر أن يدركه
* من المفارقات أن "احتواء حماس" كان قيد الترجمة عندما بدأت هذه الحرب، وقد أعلن مركز الدراسات الفلسطينية قرب صدور الترجمة قبل اندلاع المعارك ببضعة أسابيع. لليوم، لا يبدو أن هذه الترجمة قد صدرت، ولا أدري إن كان الناشر ماضيا بنيّته في نشرها، أو إن كان مستعدا أن يطبعها بذات عنوانها الأول. كيف لك أن تطوي السابع من تشرين الأول/ أكتوبر (أهم حدث عسكري لربما في تاريخ الثورة الفلسطينية منذ النكبة) في رؤية تحليلية عنوانها "احتواء حماس"؟

* لم يكن استنتاج الكتاب المذكور منافيا للمعطيات التي جمعها الباحث (بجهد مقدّر وكبير). التفكير العقلاني سيشير بالحد الأدنى إلى ذات النتيجة التي قدّمها المؤلف، بل أكثر من ذلك. إن تقييم الكيان العبري، بكامل منظومته الأمنية -التي هي مضرب المثل في جمع المعلومات ودراسة المخاطر- خلُصَ تماما لذات الأمر: أن حماس باتت أسيرة ظرفها، وأن حسابات الأرقام والمعطيات تعني أنها ليست في وارد الفعل والمبادرة. لكنّ الذي ثبت لاحقا -كما ثبت سابقا بصورة أو أخرى- أن حماس لا تنتمي لعقلانية أكاديمية في تفكيرها وسلوكها، وأن بنيتها العقائدية كانت أشد تعقيدا (أو لربما حتى أشد بساطة) مما يستطيع المجهر البحثي الشائع والحساب العقلاني المباشر أن يدركه. ويَصعب أمام وضعٍ كهذا أن تغالب سؤالا ملغوما يعِنّ بالذهن: أي نفعٍ للعمل البحثي -بمسطرته الأكاديمية المستقرة وصندوق عدّته التحليلي- مع حركات عقائدية كهذه؟ وهل في خامة هذه الحركات وجِبلّتها الفكرية ما يجعل دراستها أمرا مستعصيا على الأدوات التحليلية المعتادة؟

* في إحدى المراجعات التي نشرتها مجلة "سياسات عربية" عن كتاب "احتواء حماس"، يقول كُتّاب المراجعة: "تمتاز مساهمة المؤلف بتحررها من الحمولات الأيديولوجية، بل إنه كان محايدا إلى حدٍّ بعيد". وبالمعاني الشائعة للمفردات المذكورة، فالتوصيف في مكانه تماما. لكنّ التوصيف -من حيث كان يقصد الإشادة- يدلّنا على واحدة من إشكاليات البحث "العلمي" عندما يتعلق الأمر بظاهرة كظاهرة حماس:ما أكثر ما كُتب في الماضي عن حركة حماس بوصفها أسيرة أيديولوجيا ضيقة بزمن لم يعد يحتمل العقائدية الصلبة. وبمعنى من المعاني، فالسابع من أكتوبر كان ثأرَ هذه الأيديولوجيا لفكرتها وإدارة لأصبع الاتهام على أصحابه. لقد نجح العبور المفاجئ في السابع من أكتوبر لأن مسطرة الحساب والتحليل المباشر لم تكن قادرة أن تفشي سرّه أن التنزّه عن "الحمولة الأيديولوجية" يمكن أن يُعمي الناظر عمّا ينظر إليه، وأن محاولة تثبيت "الحياد" بشكله المدرسي الشائع (أي التمترس الدائم في المنتصف) لا يقودك لمكان باهتٍ معرفيا وحسب، بل وقاصرٍ أحيانا في إدراك الواقع واستشراف ما هو آت.

* ما سبق ليس مراجعة لكتاب ولا تربصا باستنتاجٍ بحثي كسَرَه الواقع أو تجاوزته الأحداث. ما مِن باحث عن حقيقةٍ لم يعش كسرا كهذا في حياته، هذا من جوهر الفعل البحثي وضريبةٌ حتمية فيه، لكنّ اصطداما مثل هذا الذي نتحدث عنه بين جهد نظري (في هيئة كتاب) وواقع عملي (في هيئة حدث عسكري/سياسي) هو فرصة للتأمل في تفكيرنا نفسه. لقد تحولت كلمة "أيديولوجيا" -منذ زمن طويل- لما يشبه الشتيمة، وصار أغلب استخدامها مقصودا للدلالة على التخشب في الرؤية وانقطاع الصلة بالواقع والغرق بالأوهام. وما أكثر ما كُتب في الماضي عن حركة حماس بوصفها أسيرة أيديولوجيا ضيقة بزمن لم يعد يحتمل العقائدية الصلبة. وبمعنى من المعاني، فالسابع من أكتوبر كان ثأرَ هذه الأيديولوجيا لفكرتها وإدارة لأصبع الاتهام على أصحابه. لقد نجح العبور المفاجئ في السابع من أكتوبر لأن مسطرة الحساب والتحليل المباشر لم تكن قادرة أن تفشي سرّه، وما حصل يومها لم يكن اقتحاما لأسوار "إسرائيل" وحسب، بل اقتحاما لأسوار أكاديمية ظن أصحابُها رؤيتَهم أوسع من رؤية المؤدلَجين وأهل العقائد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس أيديولوجيا حماس كتب أيديولوجيا طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة رياضة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة احتواء حماس من أکتوبر

إقرأ أيضاً:

الأب جون جبرائيل لـ«البوابة نيوز»: ليس هناك مشاكل عقائدية كبيرة بين الكنيسة القبطية والكاثوليكية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الأب جون جبرائيل الراهب الدومنيكاني، المتخصص في اللاهوت العقيدي أن الكنيسة الكاثوليكية ترى أنه ليست هناك مشاكل عقائدية ولاهوتية كبيرة مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وجاء ذلك ضمن تصريحات خاصة أدلى بها لـ«البوابة».
 

كنيسة مؤسسات 
 
وقال الأب جون جبرائيل:  نوضح أن الكنيسة الكاثوليكية هى كنيسة مؤسسات، فهي تعمل بدساتير ووثائق فليس هناك بابا يستطيع أن يلغي أو يخفي الوثائق التي تسبقه؛ فالبابا فرانسيس في علاقته مع الكنائس الأرثوذكسية «اللا خلقدونية»، فقد صار في مسار الكنيسة الكاثوليكية التي بدأت في الخمسينيات، حيث بدأ الحوار مع كنائس الروم الأرثوذكس، وتسمى هذه الحركة باسم «الآباء الجدد»، فقد اجتمعوا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها خصوصاً في باريس.

وتابع، ومن ناحية الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، أبرزهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومن المعتاد أن يولي بابا الفاتيكان اهتماماً بالكنائس الضخمة مثل الأنجليكانية أو الروم الأرثوذكس؛ ولكن أولى البابا فرنسيس اهتماماً كبيراً بالكنيسة القبطية ونشأت صداقة بينه وبين البابا تواضروس الثاني، وبدأ هذا الاهتمام منذ لقاء البابا بولس السادس مع الأنبا شنودة الثالث قبل أن يرسم كبطريرك للكنيسة القبطية، ونوصف هذا العلاقة بأنها علاقة محبة، واستمرارية وذلك في ظل وجود بطريرك محب ووديع ويملك عقلية منفتحة مثل البابا تواضروس الثاني.
وأكمل، هناك تطور في العلاقة ولكن فقط من ناحية الكنيسة القبطية وصراعاتها الداخلية، فالكنيسة الكاثوليكية ترى أنه ليست هناك مشاكل عقائدية ولاهوتية كبيرة، بينما على جانب الكنيسة القبطية، نرى خلافات أكثر وخصوصاً في وجود البابا تواضروس الثاني، مع وجود تيار موال للبابا الذي يسبقه، فهناك صراعات داخلية وتصفية حسابات؛ فيضغط هذا التيار على البابا تواضروس، فمثلاً كان هناك حديث عن إعادة إيقاف المعمودية وهو شيء لم يتم أبداً في تاريخ الكنيسة القبطية غير بعد وصول البابا شنودة بسنوات؛ فإذن هو شيء فرضه البابا شنودة على الكنيسة؛ وذلك بسبب ضغط بعض الأساقفة الملقبين بالحرس القديم وهذا الذي يوقف التطور، في النهاية الكنيسة الكاثوليكية ثابتة على موقفها والكنيسة الكاثوليكية لا تستطيع أن تدخل في صراعات الكنيسة القبطية الداخلية، ولكنها تُبقي القنوات مفتوحة وخصوصاً أنه ليست هناك خلافات لاهوتية كبيرة بين الكنيستين، فالكنيستان رسوليتان وعريقتان.

واختتم الأب جون معلقاً على زيارة البابا فرنسيس لمصر، كان من المفترض أن يكون في هذه الزيارة إمضاء على إلغاء إعادة معمودية الكاثوليك، وهذا في الكنائس التقليدية ترفضه، فكيف لكنيسة رسولية أن تعمد شخص من كنيسة رسولية أخرى؛ فهذا شيء مريب، ولاهوتي، ولكن لظروف داخلية وتدخل بعض أساقفة الكنيسة القبطية أوقفت هذا الموضوع، ودائماً تكون هذه الاتفاقيات في التعاون، ولكن أكبر اتفاق قد حدث كان مع البابا شنودة الثالث وكان يتعلق بالمسيح وناسوته، وكان ذلك أساس الانشقاق القديم؛ فإذن العقبة الكبيرة قد تم إزالتها فإذن لم يتبق الكثير. 

لقراءة المواضوع كاملاً:

بابا المحبة والسلام... كيف وطد البابا فرنسيس علاقته مع كنائس العالم؟


 

مقالات مشابهة

  • العباءة الزينبية.. أسرار عقائدية وتراث عراقي أصيل (صور)
  • أول تعليق من حركة حماس على تعيين الشيخ نائبًا للرئيس عباس
  • واشنطن تدرس نشر مقاتلات إف-35 في دولة اسيوية
  • بيان عاجل من حركة حماس بشأن مفاوضات إطلاق النار في غزة
  • حركة حماس تبدي انفتاحها على هدنة طويلة الأمد دون إلقاء سلاحها
  • عاجل - وفد من حركة حماس يصل القاهرة لبحث إنهاء الحرب وتبادل الأسرى
  • الأب جون جبرائيل لـ«البوابة نيوز»: ليس هناك مشاكل عقائدية كبيرة بين الكنيسة القبطية والكاثوليكية
  • وثائق مزعومة: حماس رأت في أزمة الإصلاح القانوني فرصة لهجوم أكتوبر
  • جيش الاحتلال يزعم نجاح حركة حماس بإدخال أموال إلى غزة
  • تفاصيل مثيرة يكشفها جيش الإحتلال بشأن يوم 7 أكتوبر