﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾.. نعمة الحديد بين المنافع والبأس الشديد
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
إن الحديد من نعم الله تعالى التي سخرها لخدمة الإنسان، وهي نعمة عظيمة وآية بديعة من الآيات الكونية التي حملت كثيراً من المنافع للبشرية عبر تاريخها الطويل، ولأهمية هذا العنصر الذي خلقه الله تعالى نجد أن سورة من سور القرآن سميت باسمه، سورة الحديد، وهي السورة الوحيدة التي تحمل اسم عنصر من جميع العناصر المعروفة للبشر، وهي السورة التي جاء فيها ذكر الحديد في سياق تذكير الله تعالى بفضله ونعمه على الناس، فذكر إنزال الحديد من السماء، وما فيه من المنافع والبأس الشديد، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: 25].
ولم يمتنّ الله بنعمة الحديد على عموم عباده فقط، بل امتنّ بها على خاصتهم من الأنبياء والمرسلين، وخصّ بذلك الامتنان ما أنعمه على داوود عليه السلام، فقال تعالى: قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾:
أي: لقد أعطينا داوود فضلاً عظيماً ونعماً جليلة، لم يعطها لكثير من الأنبياء، وهي فضل النبوة، وفضل الملك، وفضل العناية بإصلاح الأمة؛ وفضل القضاء بالعدل، وفضل الشجاعة في الحرب، وفضل سعة النعمة عليه، وفضل إغنائه عن الناس بما ألهمه من صنع الدروع الحديد، وفضل إيتائه الزبور، وإيتائه حسن الصوت وطول العمر، والعلم النافع، والعمل الصالح، والنعم الدينية والدنيوية، وغير ذلك.
ومن جملة ما امتنّ الله به على عبده داوود عليه السلام هو قوله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾، وإلانة الحديد في وقتنا الحاضر تتطلب صناعة معقدة وآلات ضخمة، ويداً عاملة بمهارات غالية، وقوة لتوليد الطاقة، فأمرها ليس هيّناً، أما في وقت داوود (عليه السلام) فكان الأمر أشد صعوبة؛ وكانت إلانة الحديد معجزة عظيمة بين يديه بأمر من الله تعالى، كما يفهم من الآية أنه فضل من الله على داوود، كما جاء فضله عليه من قبل، من تأويب الجبال والطير المسخرات له بأمر من الله.
وقد تحدث المفسرون أن الله جعل الحديد بين يديه كالعجين أو كالشمع يثبّته كيفما يشاء، ثم يصبح الحديد حديداً صلباً كما تعرفونه، ولا يحتاج إلى أن نحمّي الحديد حتى يصبح كالعجين، ثم يطرق بالمطارق. وهذا من قدرة الله العظيمة.
إن الله سبحانه وتعالى منح الحديد لداوود (عليه السلام) وعلّمه كيف يُلينه؛ لأن الفائدة تتحقق بوجود الخام والقدرة على تشكيله، ولا شك أن ذلك ساعد على بناء حضارة عظيمة جمعت بين المنهج الرباني، والتطور العمراني والصناعي.
إن المسلم الرباني لن تحميه بعد قدرة الله إلا يده المؤمنة التي تعرف كيف تبحث عن الحديد وتشكله، وتستخدمه من أجل حماية العقيدة والتقدم بهذا الدين، وتحقيق النصر للمؤمنين، وإقامة دولة تحكمها شريعة رب العالمين. وإن قول الله تعالى: ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ فيه إشارة إلى أهمية هذا الخام، وتوظيفه في عمارة الأرض، وخدمة الإنسانية، والدفاع عن المقدسات.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: علیه السلام الله تعالى ال ح د ید
إقرأ أيضاً:
في ذكرى تحرير سيناء .. «أرض الفيروز» تجلى فيها نور المولى وعبر منها الأنبياء
تحل اليوم، الجمعة، الذكرى الـ43 على تحرير سيناء، ولأرض الفيروز مكانة خاصة تاريخية ودينية، فهي أرض ذكرت فى القرآن الكريم، وترابها يحمل آثار أقدام أنبياء الله ورسله، وبين كثبانها أماكن مقدسة تحمل لنا حكايات مباركة.
هنأ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورجال القوات المسلحة البواسل، قيادةً وضباطًا وجنودًا، وكافة أبناء الشعب المصري، بمناسبة الذكرى السنوية لتحرير سيناء.
تحرير سيناء ذكرى محفورة في وجدان المصريينوأكد شيخ الأزهر في تهنئته، أن هذه الذكرى ستظل محفورة في وجدان المصريين، باعتبارها واحدة من المحطات المضيئة في تاريخ الوطن، والتي تجسد أروع معاني البطولة والتضحية والإصرار على صون تراب مصر وعدم التفريط في شبر من أرضها، مشيدًا بما قدمه جنود مصر الأوفياء من تضحيات عظيمة في سبيل استعادة الأرض وتحقيق الأمن والاستقرار.
وشدد على أهمية أن تمثل هذه المناسبة العزيزة مصدر إلهام للمصريين جميعًا، ودافعًا للاستمرار في مسيرة البناء والتنمية، واستحضار روح النضال والعزيمة في كل ما يخص رفعة الوطن ومستقبله.
واختتم شيخ الأزهر كلمته بالدعاء بأن يحفظ الله مصر من كل شر وسوء، وأن يديم عليها نعم الأمن والأمان والسلام والاستقرار، وأن يكلل جهود أبنائها بالنجاح في كل ما فيه خير الوطن وعزته.
تحرير سيناء شاهدً خالد على عزيمة المصريينوجّه الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف، التهنئة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء، مؤكدًا أن هذه المناسبة تظل شاهدًا خالدًا على عزيمة المصريين، وتضحيات أبطال القوات المسلحة الذين أعادوا للأرض كرامتها وللوطن مجده.
محطة مضيئة في الذاكرة الوطنيةوأشار وزير الأوقاف إلى أن يوم 25 أبريل سيبقى محطة مضيئة في الذاكرة الوطنية، نستدعي فيها مشاعر الفداء والانتماء، حين سطّر أبناء الوطن ملحمة لا تُنسى، جسّدت أن الحقوق لا تُستعاد إلا بالتضحيات، وأن قوة الإرادة قادرة على تجاوز كل التحديات.
ونوّه الدكتور أسامة الأزهري، بأن القوات المسلحة المصرية ستظل الحصن المنيع لهذا الوطن، بسواعد رجال أوفياء صدقوا عهدهم مع الله، وواصلوا الليل بالنهار دفاعًا عن تراب مصر وحدودها، مشيرًا إلى أن انتصارات أكتوبر وروح تحرير سيناء ما زالت حيّة في وجدان كل مصري، تلهمه بالإصرار في مواجهة التحديات.
واختتم وزير الأوقاف بالدعاء أن يحفظ الله مصر وشعبها وجيشها وقيادتها، مشيدًا بوعي الشعب المصري وتماسكه مع مؤسسات الدولة من أجل استكمال مسيرة البناء والتنمية، والوصول إلى مستقبل يليق بمصر وتاريخها.
منزلة سيناء الخاصة
قال الدكتور الراحل محمد وهدان، العالم الأزهري، إن أرض سيناء الوحيدة التي تجلى الله عليها، حينما نزل الله تعالى على جبل الطور، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» الأعراف 143.
وأكد العالم الأزهري، في تصريح سابق له، أن لسيناء منزلة خاصة، فقد ذكرت بالقرآن في سورة التين حين قال تعالى: «وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ».
وأوضح «وهدان» أن الله تعالى يقسم في بداية السورة بالتين والزيتون وهما من منتجات سيناء، ثم يقسم بجبل الطور وبنسبه إلى سيناء "وطور سينين" ثم يقسم بمكة البلد الأمين، ونرى هنا أن سيناء جاءت في الترتيب قبل مكة - بالرغم من مكانة مكة العظيمة.
وأضاف أن أرض سيناء كانت مسرحًا لقصة موسى عليه السلام حين كلمه الله تعالى، مشيرًا إلى أنه توجد أربعة مشاهد في قصة موسى، كلها عند جبل الطور في سيناء وهى: الوحي الأول حين ناداه ربه لأول مرة، ثم تلقى الألواح، ومجىء موسى بسبعين رجلًا من قومه للتوبة عند الطور، فأخذتهم الرجفة، وأخيرًا أخذ الميثاق عليهم حين رفع جبل الطور فوقهم، مستشهدًا بقول الله تعالى: «وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا».
وألمح إلى أنه لا يعرف الكثيرون أن سيدنا محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- حط قدميه الشريفتين على أرض مصر خلال رحلة الإسراء والمعراج، التي أسرى الله بها بحبيبه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم-، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- في 5 أماكن، طلب منه جبريل أن يصلي فيها، ومنها طور سيناء.