يوم الغدير.. عندما تتحول الاساطير والبدع الى حقائق دامغة/2ـ 3
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
آخر تحديث: 4 يونيو 2024 - 3:49 م بقلم:علي الكاش قال الشاعر الرصافي ” ان العمائم والجبب في هذا العصر تضم جمهور كبير من الأنذال والسفلة عديمي المروءة والوجدان”. (الرصافي يروي سيرة حياه/ 101)، الغدير في أحاديث أهل السنة، اخرج مسلم” عن زيد بن أرقم (رض) أنه قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي”.
(اخرجه مسلم/2408). (مسند أحمد/19285). وقال الحافظ ابن كثير” فصل في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة – يقال له: غدير خُمّ-، فبيَّن فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عِرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورًا وتضييقًا وبخلًا، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ (ع) من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ، وكان يوم الأحد بغدير خُمّ تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل عليٍّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه”. (البداية والنهاية5/227). وعن بريدة (رض) قال: غزوت مع عليٍّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذكرت عليًّا فتنقَّصته، فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتغيَّر، فقال يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعَليٌّ مولاه”. (مسند أحمد/22995). (مستدرك الحاكم/4578). ـ ذكر البيهقي” أما حديث الموالاة فليس فيه – إن صح إسناده- نص على ولاية عليٍّ بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دل على مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، وهو أنه لما بعثه إلى اليمن كثُرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته”. (الاعتقاد/354). ـ أخرج أحمد بن حنبل عن زيد بن أرقم قال” نزلنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطبنا، وظلل لرسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) بثوب علي شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول اللّه: ألستم تعلمون؟ ألستم تشهدون أني أولي بكل مؤمن من نفسه قالوا: بلي، قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللّهم عاد من عاداه ووال من والاه”. (مسند أحمد5/501). أخرج النسائي عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن – أي فكنسن – ثمّ قال: كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض ثمّ قال: إنّ اللّه مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن، ثمّ إنّه أخذ بيد علي وقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه”. (فضائل الصحابة15/45). ـ قال ابن الجوزي” اتفق علماء السير أن قصة الغدير كانت بعد رجوع رسول (صلى الله عليه وسلم) من حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، وكان معه من الصحابة والاعراب وممن يسكن حول مكّة والمدينة مائة وعشرون ألفاً، وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع، وسمعوا منه ( من كنت مولاه فعلي مولاه)”. (تذكرة الخواص/18). وقال محب الدين الطبري” عن أبي محمد بن صالح أخي الحسن عن صالح عن عبد الله بن الحسن أنه قال له: يا ابن صالح ورب هذه البنية (يعني الكعبة)، إن ما يقولون في الإمامة لباطل”. (الرياض النظرة1/70). ـ أخرج البخاري” حدثني إبراهيم بن المنذر، قال عن محمد بن فليح ، قال حدثنا أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال ( ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة. اقرءوا ان شئتم( النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)، فأيّما مسلم ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتين وأنا مولاه”.(صحيح البخاري). وقال الهروي” غدير خم: موضع آخى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلى بن أبى طالب”. (الإشارات للهروي/78). ـ قال ابن حجر المكي في الجواب عن حديث الغدير” سلمنا أنه أولى ، لكن لا نسلّم أن المراد أنه أولى بالإمامة ، بل بالاتّباع والقرب منه ، فهو كقوله تعالى ((إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ))، ولا قاطع بل ولا ظاهر على نفي هذا الاحتمال، بل هو الواقع ، إذ هو الذي فهمه أبو بكر وعمر، وناهيك بهما من الحديث ، فإنهما لما سمعاه قالا له: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني”. (الصواعق المحرقة/22). في الثامن عشر من ذي الحجة بعد حجة الوداع وعودة النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين من مكة الى المدينة خطب النبي (صلى الله عليه وسلم) في المسلمين وطلب منهم بالالتزام بكتاب الله تعالى وتذكيرهم بأهل بيتيه اي زوجاته، كما أوصاهم بالأنصار. وفي هذا التأريخ بعد وقفة عرفة بتسعة أيام نزلت الآية الكريمة (( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته)). واستدل الشيعة ان المقصود من الآية هو خلافة علي او إمامته، في حين أن هذه الآية نزلت قبل فتح مكة، أي قبل غزوة خيبر. بمعنى بعد أكثر من أربع سنوات من يوم عرفة. قال الزمخشري” إذا وافق يوم عرفة يوم جمعة غفر لكل أهل عرفة، وهو من أفضل يوم في الدنيا، وفيه حج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حجة الوداع، وكان واقفا إذا نزل قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً))، قال أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلناها يوم عيد، فقال عمر (رض): أشهد لقد نزلت في عيد يومين اثنين يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو واقف بعرفة”. (ربيع الأبرار2/293). قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً عند ذكره حديث غدير خم مرجعه (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع، فإنه (صلى الله عليه وسلم) خطب فيه خطبة وصَّى فيها بإتباع كتاب الله، ووصَّى فيها بأهل بيته، كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم، فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك، حتى زعموا أنه عهد إلى علي بالخلافة بالنص الجلي، بعد أن فرش له، وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالؤا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه، وفسَّقوا وكفَّرُوا إلا نفراً قليلاً”. (اقتضاء الصراط المستقيم1/293). لاحظ ان جميع روايات أهل السنة تجنبت ذكر أسباب امتعاض النبي (صلى الله عليه وسلم) من شكوى المسلمين من سلوك علي، بعد عودته من اليمن. فقد ابتعدوا عن الإشارة اي أي مثلبة او جنبة تتعلق بعلي احتراما لمكانته وقرابته من النبي (صلى الله عليه وسلم) على العكس من أئمة ورواة الشيعة الذين يصطادون بالماء العكر. نقد للروايات من العجب تمسك الشيعة بحديث غدير خم رغم ضعفه، فمراجعهم القديمة مليئة بتأويل عشرات الآيات بشأن ولاية علي بن أبي طالب، علاوة على اعترافهم بأن القرآن الكريم محرف، لذا فهم في غنى عن حديث خم لإثبات ولاية إمامهم. ان تأويلهم الآيات لإثبات إمامة علي يعنى ان ولايته تمت قبل حديث خم، علاوة على النص الإلهي المزعوم، فتنتفي أهمية غدير خم. ان نزول الآية الكريمة حول إكمال الدين تتعلق بفريضة الحج، ولا علاقة لها بالولاية، فالمسلمون لم يكونوا يعرفون دقائق مراسم الحج، ولم يحج النبي (صلى الله عليه وسلم) قبل هذه المرة، وكانت المرة الأخيرة، ذكر ابو الفداء” خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الناس خطبة في الحج، بين فيها الأحكام، منها: يا أيها الناس إِنما النسيء زيادة في الكفر، فإِن الزمان استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً “، وتمم حجته وسميت حجة الوداع، لأنه لم يحج بعدها، ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة؛ وأقام بها حتى خرجت السنة. ثم دخلت سنة إِحدى عشَرة”. (المختصر في أخبار البشر1/150). قال ابن الجوزي” عَن أبي زرْعَة أَن رجلا قَالَ يَا أَبَا زرْعَة أَلَيْسَ يُقَال حَدِيث رَسُول الله أَرْبَعَة آلَاف حَدِيث قَالَ وَمن قَالَ ذَا قلقل الله أنيابه هَذَا قَول الزَّنَادِقَة وَمن يُحْصى حَدِيث رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم) قبض رَسُول الله عَن مائَة ألف وَأَرْبَعَة عشر ألفا من الصَّحَابَة مِمَّن روى عَنهُ وَسمع مِنْهُ قيل لَهُ يَا أَبَا زرْعَة هَؤُلَاءِ أَيْن كَانُوا وسمعوا مِنْهُ قَالَ أهل الْمَدِينَة وَأهل مَكَّة وَمن بَينهمَا والأعراب وَمن شهد مَعَه حجَّة الْوَدَاع”. (تلقيح فهوم أهل الأثر1/73). لذا فإن افتقار المسلمين معرفة مناسك الحج هي التي تقف وراء عبارة اكمال الدين. وهذا يفسر قول النبي (صلى الله عليه وسلم) للمسلمين” خذوا مناسككم عني”. ذكر ابن كثير” عن ابن جرير: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن فضيل، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: لما نزلت (اليوم أكملت لكم دينكم) وذلك يوم الحج الأكبر، بكى عمر فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ما يبكيك؟ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذ أكمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص. فقال: صدقت”. (تفسير ابن كثير/107). وقال القرطبي” قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وذلك أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها ، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حج ; فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم الآية.ان معنى قول الله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم يخرج على وجهين: أحدهما أن يكون المراد بلغته أقصى الحد الذي كان له عندي فيما قضيته وقدرته، وذلك لا يوجب أن يكون ما قبل ذلك ناقصا نقصان عيب ، لكنه يوصف بنقصان مقيد فيقال له: إنه كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه ملحقه به وضامه إليه كالرجل يبلغه الله مائة سنة فيقال: أكمل الله عمره ; ولا يجب عن ذلك أن يكون عمره حين كان ابن ستين كان ناقصا نقص قصور وخلل ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: من عمره الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر ولكنه يجوز أن يوصف بنقصان مقيد فيقال: كان ناقصا عما كان عند الله تعالى أنه مبلغه إياه ومعمره إليه. وقد بلغ الله بالظهر والعصر والعشاء أربع ركعات; فلو قيل عند ذلك أكملها لكان الكلام صحيحا ، ولا يجب عن ذلك أنها كانت حين كانت ركعتين ناقصة نقص قصور وخلل; ولو قيل : كانت ناقصة عما عند الله أنه ضامه إليها وزائده عليها لكان ذلك صحيحا فهكذا، هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئا فشيئا إلى أن أنهى الله الدين منتهاه الذي كان له عنده ، والله أعلم . الوجه الآخر: أنه أراد بقوله: اليوم أكملت لكم دينكم أنه وفقهم للحج الذي لم يكن بقي عليهم من أركان الدين غيره ، فحجوا; فاستجمع لهم الدين أداء لأركانه وقياما بفرائضه ; فإنه يقول عليه السلام : بني الإسلام على خمس. الحديث، وقد كانوا تشهدوا وصلوا وزكوا وصاموا وجاهدوا واعتمروا ولم يكونوا حجوا; فلما حجوا ذلك اليوم مع النبي (ص) أنزل الله تعالى وهم بالموقف عشية عرفة اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي فإنما أراد أكمل وضعه لهم ; وفي ذلك دلالة على أن الطاعات كلها دين وإيمان وإسلام”. (تفسير القرطبي/107). لو رجعنا الى نفس الآية من بدايتها سنجد من السياق انها تتعلق بالتحريم، فما علاقة إمامة علي بالموضوع؟ وما الذي اوردها مع الكلام عن الميتة والدم ولحم الخنزير والمنخنقة والمتردية والنطيحة، هذا لا يليق حتى بالإمامة. قال تعالى في سورة المائدة/3((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)). لاحظ انها تتعلق بالتحريم ولا علاقة لها بالولاية، ولو رجعت الى التفاسير لتأكدت من ذلك! زعم الشيعة ان الموالاة تعني الخلافة والحكم، وهذا يتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة حول الموالاة، فالله تعالى هو المولى، وكذلك الملائكة، والرسول (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنين، قال تعالى في سورة المائدة/55((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا))، وقوله تعالى في سورة التحريم/4((وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير))، وقوله تعالى في سورة الممتحنة/1((لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء)). والمولاة تعني الولاء والأخاء والود والمحبة والقرابة. قال ابن الأثير” المولى يقع على الرب والمالك والمنعم والناصر والمحب والحليف والعبد والمعتق وابن العم والصهر”. (النهاية في غريب الحديث5/228). اورد البخاري ومسلم” أن حديث الغدير كان في الثامن عشر من ذي الحجة، أي بعد نزول سورة المائدة/3 ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)). (صحيح البخاري/7268). (صحيح مسلم/3017). ونزلت الآية باتفاق المفسرين في عرفة، لذا لا يمكن ان يعقل المرء ان النبي (ص) لم يبلغ المسلمين بولاية علي الا بعد نزول الآية على اعتبار ان الدين قد كمل، واتم الله تعالى نعمته على المسلمين؟ وقد فصل ابن تيمية هذه المسألة بقوله “مما يبيّن أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه، كالذي بلّغه في حجة الوداع، فإن كثيرًا من الذين حجّوا معه -أو أكثرهم- لم يرجعوا معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم، وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبًا منها. فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلّغه في الحج، لبلّغه في حجة الوداع كما بلّغ غيره، فلما لم يذكر في حجة الوداع إمامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلًا، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر إمامة عليٍّ، بل ولا ذكر عليًّا في شيء من خطبته، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، عُلِم أن إمامة عليٍّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه”. (منهاج السنة النبوية7/ 227). المراد من زعم الشيعة حول ولاية علي هو التشكيك بالصحابة جميعا لأنهم لم يلتزموا بحديث خم ويبايعوا علي بن ابي طالب، لذلك اعتبرهم الشيعة مرتدين الا ثلاثة من جماعة علي، وهو يزعمون ان الحاضرين كانوا (120) الف مسلم. قال الشهرستاني” من المحال من حيث العادة أن يسمح الجم الغفير كلاماً من رسول الله (ص) ثم لا ينقلونه في مظنة الحاجة وعصيان الأمة بمخالفته والدواعي بالضرورة تتوفر على النقل خصوصاً وهم في بداية (نأنأة) الإسلام وطراوة الدين وصفوة القلوب وخلوص العقائد عن الضغائن والأحقاد والتآلف المذكور في الكتاب العزيز سورة الأنفال/63 (( وألف بين قلوبهم)) وفي سورة آل عمران/103((فأصبحتم بنعمته إخوانا)). وقال الشيخ ابن كثير” أما ما يفتريه كثير من جهلة الشيعة والقصاص الأغبياء من أن النبي (ص) أوصى إلى علي بالخلافة فكذب وبهت وافتراء عظيم، يلزم منه خطأ كبير من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك تنفيذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه وصرفهم إياها إلى غيره لا لمعنى ولا لسبب”. ( البداية والنهاية 77/225). بين حديث غدير خم ووفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) أقل من ثلاثة شهور، ذكر ابن كثير” قال ابن جريج وغير واحد: مات رسول الله (ص) بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما”. (تفسير ابن كثير/107). وبإجماع الشيعة لأنهم يقولون إن حادثة الغدير حصلت في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة في طريق عودة النبي من حجة الوداع، وتوفي النبي ((صلى الله عليه وسلم) في 28 صفر سنة هجرية. لذا ليس من المنطق ان ينسى (120) الف صحابي وصية النبي بخلافة علي بعده خلال تلك الفترة القصية، سيما ان اسم علي لم يطرح في اجتماع السقيفة، ولم يتطرق أحد من المهاجرين والأنصار الى حديث الغدير، لأنه اعتبروه يتعلق بالمودة والقربة والأخاء لا أكثر. بل ان عليا نفسه لم يفسر الحديث بأنه يعني إمامته، أخرج الإمام أحمد في مسنده عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا. فقال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سـمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم (من كنت مولاه فهذا مولاه)، قال رياح: فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار، فيهم أبو أيوب الأنصاري”. (مسند أحمد5/419). وهذا ما صرح به واحد من ابرز مراجع الشيعة، قال النوري الطبرسي” لم يصرح النبي لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم الغدير وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معان يحتاج في تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن”. (فصل الخطاب في تحريف كلام رب الأرباب/205). قال شيخ الإسلام ابن تيمية ان القول” هو ولي كل مؤمن بعدي” كذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن وكل مؤمنة وليه في المحيا والممات، فالولاية التي ضد العداوة لا تختص بزمان، وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر وقيل يقدم الولي وقول القائل” علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال كل مؤمن”. (منهاج السنة النبوية7/391). الحقيقة ان مصدر هذه الزيادة هما جعفر بن سليمان وأجلح الكندي، قال أحمد” قد روى الأجلح غير حديث منكر” وقال أبو حاتم” ليس بالقوي يكتب حديثه ولا يحتج به”، وقال النسائي” ضعيف ليس بذاك جدا”، وقال ابن حبان” كان لا يدري ما يقول”. (تهذيب التهذيب1/183). وقال المباركفوري” والظاهر أن زيادة (بعدي) في هذا الحديث من وهم هذين الشيعيين جعفر بن سليمان والأجلح ويؤيده أن الإمام أحمد روى في مسنده هذا الحديث من عدة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة”. (تحفة الأحوذي10/147). للحديث بقية في الجزء الأخير.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم تعالى فی سورة یوم الغدیر الله تعالى رسول الل ه رسول الله ولایة علی کتاب الله یوم عرفة عند الله کتاب الل ة الوداع ابن کثیر د ین ک م قال ابن ول الله الله فی کل مؤمن ال ی و م ما کان بن أبی فی هذا أهل ال قال له الله أ غدیر خ
إقرأ أيضاً:
6 مواقف بكى فيها النبي محمد .. وسبب بكائه على أُمَّتِهِ
سجلت السُنة النبوية والسيرة الشريفة، مواقف بكى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحزن ويفرح ويبكي، وبكى -صلى الله عليه وسلم- في حياته في أكثر من مناسبة، فقد بكى رحمة لأمته، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وقول عيسى عليه السلام: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ».
فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
بكى النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موت عثمان بن مظعون، فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل عثمان بن مظعون وهو ميِّتٌ حتى رأيت الدموع تسيل. ولفظ الترمذي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبّل عثمانَ بن مظعون، وهو ميِّتٌ وهو يبكي، أو قال: عيناه تذرفان»
مواقف بكى فيها النبيبكاؤه في الصلاة: عن عبدالله بن الشخير قال: «رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء»، وفي رواية: «وفي صدره أزيز كأزيز المرجل»، وعن علي -رضي الله عنه- قال: «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح».
عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله قال: «دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزور، فقال: أقول يا أمَّه كما قال الأول: زُرْ غِبًّا تزددْ حبًّا، قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي، قال: «يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي»، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرُّك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: وكان جالسًا، فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذِنُه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» (آل عمران: 190).
دعاء المطر والرعد المستجاب.. «اللهم صيبا نافعا»أمين الفتوى: دعاء المظلوم لا يرد والأفضل يدعو للظالم بالهداية
بكاء النبي عند سماع القرآن:عن عبدالله بن مسعود قال: «قال لي رسول الله: اقرأ عليَّ القرآن، قال: فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أُنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا» [النساء: 41]، رفعتُ رأسي - أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي - فرأيتُ دموعه تسيل»، وفي رواية البخاري: حتى أتيتُ إلى هذه الآية: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا» [النساء: 41]، قال: حسبك الآن، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان».
وعن عمرو بن حريث قال: «قال النبي لعبدالله بن مسعود: اقرأ، قال: أقرأ وعليك أُنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، فاستعبر رسول الله، وكفَّ عبدالله، فقال له رسول الله: تكلم، فحمِد الله في أول كلامه، وأثنى على الله وصلى على النبي، وشهد شهادة الحق، وقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله، فقال رسول الله: رضيتُ لكم ما رضي لكم ابن أم عبد».
قال ابن بطال: "وإنما بكى عند هذا؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن».
بكاؤ النبي على القبر:عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت»، وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله في جنازة، فجلس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: «يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا» هذا لفظ ابن ماجة.
وفي رواية أحمد: «بينما نحن مع رسول الله إذ بصر بجماعة، فقال: علام اجتمع عليه هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، قال: ففزع رسول الله، فبدر بين يدي أصحابه مسرعًا حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا، قال: أي إخواني، لمثل اليوم فأعدوا».
بكاء النبي لأجل أمته:عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما «أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [إبراهيم: 36] الآية، وقال عيسى عليه السلام: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [المائدة: 118]، فرفع يديه، وقال: اللهم أُمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسلْهُ: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره رسول الله بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمتك ولا نسوؤك».
عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ترد عليَّ أمتي الحوضَ، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجلُ إبلَ الرجلِ عن إبله، قالوا: يا نبي الله، أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون عليَّ غُرًّا محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ وفي رواية: فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا».
بكاء النبي رقة وحمة:عن أنس بن مالك قال: دخلنا مع رسول الله على أبي سيف القين، وكان ظِئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله إبراهيم، فقبَّله وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة»، ثم أتبعها بأخرى، فقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخذ النبي بنتًا له تقضي، فاحتضنها، فوضعها بين ثدييه، فماتت وهي بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله؟ قالت: ألستُ أراك تبكي يا رسول الله؟ قال: «لستُ أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل».
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان ابن لبعض بنات النبي يقضي، فأرسلت إليه أن يأتيها، فأرسل: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب»، فأرسلت إليه فأقسمت عليه، فقام رسول الله، وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله الصبي، ونفسه تقعقع، فبكى رسول الله، فقال سعد بن عبادة: أتبكي؟ فقال: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله يعوده مع عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: أقد قضى؟ قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى رسول الله، فلما رأى القوم بكاء رسول الله، بكوا، فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم».
وعن أنس بن مالك قال: خطب النبي فقال: «أخذ الراية زيد فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففُتح له، وقال: ما يسرنا أنهم عندنا - أو قال: ما يسرهم أنهم عندنا - وعيناه تذرفان».
مواقف أخرى بكى فيها النبي:عن ابن عباس رضي الله عنه عن عمر بن الخطاب: «.. فلما أسروا الأسارى - يعني في غزوة بدر - قال رسول الله لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكِّنَّا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان - نسيبًا لعمر - فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهَوِيَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله: أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله - وأنزل الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67] إلى قوله: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا» [الأنفال: 69]، فأحل الله الغنيمة لهم».