توجه تونس شرقا.. خطة للانسلاخ من الغرب أم مناورة؟
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
تونس- تعد زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين خطوة مهمة لعقد تحالفات مع الشرق لتنويع الشركاء الاقتصاديين وجلب التمويلات والاستثمارات في ظل الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، بحسب مراقبين، لكنهم استبعدوا أن يؤدي هذا التوجه إلى انسلاخها عن شريكها الإستراتيجي الاتحاد الأوروبي.
وأجرى الرئيس سعيد الأربعاء الماضي، زيارة رسمية إلى الصين بدعوته من نظيره الصيني شي جين بينغ للمشاركة في منتدى التعاون الصيني العربي الذي حضره أيضا ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتمخضت اللقاءات بين الجانبين التونسي والصيني عن توقيع اتفاقات تعاون اقتصادي في مجالات التعاون الإنمائي وتنمية المبادلات التجارية والتنمية المستدامة والتكنولوجيا الحديثة، بينما تعهدت الصين بتنفيذ مشاريع في قطاعات الصحة والبنية التحتية والطاقة والنقل والبحث العلمي والسياحة.
وبصرف النظر عن زيارة الصين، يشارك رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني في أول قمة كورية أفريقية في العاصمة سيول من الاثنين إلى الخميس القادم، لمناقشة سبل تعزيز التعاون الاقتصادي في عدد من المجالات.
خطوة مهمةوينظر الناشط السياسي أحمد الكحلاوي إلى التقارب التونسي الصيني كخطوة مهمة أقدم عليها الرئيس سعيد لإحياء العلاقات التاريخية مع الصين، مؤكدا أن التوجه التونسي للشرق أملته المصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلاد نتيجة التعاون المختل لفائدة مصالح قوى الغرب.
ويقول الكحلاوي للجزيرة نت إن الرئيس سعيد اختار أن يقود تونس لإقامة شراكات جديدة مع الشرق ليقينه أن تونس ستجني العديد من المزايا الاقتصادية والاستثمارية لا سيما مع الصين القوة الاقتصادية الصاعدة، معتبرا أن تونس ستحقق نموا كبيرا يحررها من هيمنة الدول الغربية.
وينتقد الناشط السياسي ما يعتبره هيمنة فرنسية على العلاقات الاقتصادية الثنائية مع تونس، مشيرا إلى أن البلد وقع في استعمار مباشر استقل منه سنة 1956 لكنه تحول لاستعمار اقتصادي غير مباشر، إذ راكم الجانب الفرنسي المنافع والثروات بينما لم تجن تونس سوى القليل.
وتعيش تونس مصاعب مالية خانقة بسبب ارتفاع حجم ديونها وتراجع مداخيلها من العملة الصعبة وصعوبة النفاذ إلى السوق المالية الدولية للاقتراض خاصة في ظل تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على مدار 4 سنوات.
تونس والصين أبرمتا اتفاقات للتعاون الاقتصادي على هامش زيارة سعيد إلى بكين (رئاسة الجمهورية التونسية) خطة أم مناورة؟من جهة أخرى، يرى القيادي المعارض بحزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني أن تنويع الشراكات مسألة مهمة جدا حتى لا ترمي تونس كل بيضها في سلة الدول الغربية، مبينا أن اللجوء إلى الشرق كان من بين أسبابه عدم نجاح تونس في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ويقول العجبوني للجزيرة نت إن تونس قد تكون توجهت لعقد شراكات مع الصين وروسيا كمناورة لإجبار الدول الغربية على التخلي عن بعض شروطها في علاقة باتفاق صندوق النقد، الذي تعطل بسبب رفض الرئيس سعيد قبول شروطه كرفع الدعم للحصول على قرض.
ويشير العجبوني إلى أنه من غير الواضح إن كان التوجه للصين وروسيا خطوة إستراتيجية من السلطات التونسية للتوجه شرقا أم مجرد محاولة لاستمالة الدول الغربية، مبينا أن اهتمام الصين بالتعاون مع تونس يعكس رغبتها في وضع موطئ قدم في دول كتونس بحكم موقعها الجغرافي الإستراتيجي.
وحول إمكانية توجه تونس للانسلاخ من شريكها التقليدي الاتحاد الأوروبي، يوضح أن أكثر من 70% من الصادرات التونسية تتجه نحو أوروبا المجاورة بينما تصدر أقل من 1% للصين، مؤكدا أنه لا يمكن في وقت قصير أن تتخلى تونس عن شريكها الأوروبي.
بين الربح والخسارةومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي فإن الاهتمام الصيني بالدول العربية ومنها تونس يندرج ضمن مشروعها المتمثل في طريق الحزام والحرير، مشيرا إلى أن استفادة تونس من هذا المشروع رهين رسمها وامتلاكها لرؤية اقتصادية واضحة المعالم.
ومشروع "الحزام والطريق" هو مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم، ويهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنية تحتية في التاريخ.
يقول الشكندالي للجزيرة نت: "يجب على تونس ألا تخسر شركاءها التاريخيين كالاتحاد الأوروبي بهدف التوجه الكامل للشرق حتى لا تخسر ما تجنيه من ربح بفضل تسجيلها فائضا ماليا على مستوى صادراتها نحو الدول الأوروبية خصوصا فرنسا وإيطاليا وألمانيا".
تونس تستورد من الصين بضائع متنوعة مثل الملابس الجاهزة والأحذية وألعاب الأطفال والمواد الاستهلاكية (الجزيرة)في المقابل، سجلت تونس في الربع الأول من سنة 2024 عجزا في الميزان التجاري خاصة مع الصين التي تصدر إلى تونس عديد المنتجات كالمنسوجات والملابس والأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصالات وألعاب الأطفال وغيرها، وروسيا التي تصدر لها القمح والنفط.
ويبرز الشكندالي المصاعب على مستوى التصدير من تونس نحو الصين بحكم البعد الجغرافي، معتبرا أن نجاح التعاون مع الصين أو غيرها مرتبط بقدرة تونس على التفاوض لجلب الاستثمارات والتمويلات في ظل عجز الموازنة وصعوبة النفاذ للتمويل الخارجي.
وتحتاج موازنة تونس لسنة 2024 تمويلات كبيرة بنحو 28.7 مليار دينار تونسي منها 16.44 مليار دينار تمويلات خارجية (أكثر من 5 مليارات دولار). خاصة بعد تقهقر التصنيف السيادي لتونس من قبل وكالات التصنيف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الدول الغربیة الرئیس سعید مع الصین
إقرأ أيضاً:
لماذا تعزز الصين حضورها في إفريقيا..وما هو موقف ترامب من توسع النفوذ الصيني؟
أجرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في يناير/ كانون الثاني الجاري، جولة إفريقية شملت تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، لبحث سبل تعزيز التعاون بين بلاده والدول الأربع.
وجاءت الجولة في ظل تراجع نفوذ فرنسا في القارة السمراء، واهتمام دول بينها روسيا باستثمار هذا التراجع، وبالتزامن مع ولاية جديدة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وتسعى دول إفريقية للاستفادة من تجربة الصين في البنية التحتية، وزيادة الاستثمار، إذ ترغب ناميبيا مثلا، صاحبة خامس أكبر احتياطي لليورانيوم عالميا، بجذب مزيد من الاستثمارات في قطاع التعدين بمساعدة بكين.
وتعد الصين أكبر شريك تجاري لإفريقيا على مدار 15 عاما متتالية، عبر تجارة بقيمة 282.1 مليار دولار عام 2023، كما أنها أكبر مستثمر بالقارة.
ويرى خبير مغربي، في حديث للأناضول، أن زيارات المسؤولين الصينيين المتتالية لإفريقيا تدخل في سياق المنافسة الكبيرة بين الدول العظمى، وخاصة دول أوروبا والولايات المتحدة، على موارد وأسواق القارة السمراء.
وتوقع أن تغير واشنطن سياستها تجاه إفريقيا في عهد ترامب، على عكس سلفه جو بايدن الذي زار إفريقيا مرة واحدة خلال ولايته بين عامي 2021 و2025.
** جولة جديدة
وبين 6 و9 يناير/ كانون الثاني الجاري، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي 4 دول إفريقية، هي تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، ضمن مباحثات مكثفة لتعزيز التعاون، لاسيما الاقتصادي.
وتندرج هذه الجولة في إطار تقليد مستمر منذ 35 عاما، وفق بيانات منفصلة للدول المعنية، "في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، ما يدل على أهمية التعاون مع الصين".
وقال رئيس المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة بالمغرب (أهلي) رشيد ساري للأناضول إن "الصين أكبر مستثمر بإفريقيا، بفضل عملها على تقوية علاقاتها بالقارة، بعدما كان اهتمامها منصبا على آسيا وأوروبا".
وأضاف أن "هذا الاهتمام انطلق بشكل كبير منذ إعلان الصين عن مبادرة الحزام والطريق عام 2013، التي انخرطت فيها دول إفريقية عديدة".
و"الحزام والطريق" مبادرة صينية تُعرف أيضا بـ"طريق الحرير" للقرن الحادي والعشرين، وتهدف إلى ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية لربط أكثر من 70 دولة.
وتتضمن المبادرة إنشاء حزام بري من السكك الحديدية والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، إضافة إلى طريق بحري يسمح للصين بالوصول إلى إفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي، بكلفة إجمالية تريليون دولار.
وأرجع ساري اهتمام الصين بإفريقيا إلى "توفر القارة على مواد خام، خاصة المرتبطة بالتكنولوجية الحديثة، مثل الكوبالت"، الذي يستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
وفي أغسطس/ آب الماضي، أفاد تقرير صادر عن مكتب المجموعة القيادية لتعزيز مبادرة "الحزام والطريق" (رسمي) بأن الصين ظلت أكبر شريك تجاري لإفريقيا للعام الـ15 تواليا، وفق وكالة الصين الرسمية (شينخوا).
وذكر المكتب أن الصين فرضت تعريفات جمركية صفرية على 98 بالمائة من المنتجات الخاضعة للتعريفات الجمركية من 27 دولة إفريقية أقل نموا.
ووقَّعت الصين اتفاقيات ثنائية لتعزيز وحماية الاستثمار مع 34 دولة إفريقية، إضافة إلى اتفاقيات لتجنب الازدواج الضريبي مع 21 دولة إفريقية، حسب التقرير.
وفي 2023، بلغ حجم التجارة بين الصين وإفريقيا 282.1 مليار دولار أمريكي، مسجلا رقما قياسيا جديدا للعام الثاني تواليا، فيما تجاوز حجم الاستثمار الصيني المباشر في القارة 40 مليار دولار في 2023.
** صراع على إفريقيا
وظهر الحضور الصيني القوي في إفريقيا، وفق ساري، في ظل العلاقات الباردة بين الولايات المتحدة ودول القارة خلال عهد بايدن.
وقال إن "زيارات المسؤولين الصينيين المتتالية لإفريقيا تدخل في سياق المنافسة الكبيرة بين الدول العظمى حول إفريقيا، خاصة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية".
و"التواجد القوي للصين في إفريقيا مؤخرا يأتي في ظل تراجع الاهتمام الأمريكي بالقارة في عهد بايدن، الذي لم يزر إفريقيا إلا نادرا، منها زيارته لأنغولا".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي قبل نحو شهر من انتهاء رئاسته، زار بايدن أنغولا وجزيرة الرأس الأخضر، لعرض مشروع السكك الحديدية المدعوم من واشنطن، ضمن مساعيها لمواجهة نفوذ الصين.
وهدفت زيارة بايدن الوحيدة لدفع مشروع ممر "لوبيتو" لتطوير السكك الحديدية بين أنغولا وزامبيا والكونغو.
ويندرج المشروع ضمن المنافسة مع الصين للحصول على المعادن المستخدمة في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية وتقنيات الطاقة المتجددة.
ورأى ساري أن "قدوم ترامب (توليه الرئاسة) يمكن أن يغير المعادلة، لأنه رجل أعمال ويهدف إلى الرفع من مصالح بلاده التجارية في القارة".
وتوقع أن تتغير السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا في عهد ترامب (بدأت ولايته الرئاسية في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري)، وهو ما يدفع الصين إلى تقوية حضورها في القارة.
ورجح أن تعيد واشنطن النظر في العلاقات الأمريكية الإفريقية، وتعمل على بناء علاقات قوية مع العمق الإفريقي.
** الديون والتنمية
ساري حذر من ارتفاع ديون بعض الدول الإفريقية من خلال انخراطها في مشاريع مشتركة مع الصين.
وأوضح أن "الخطير في الأمر هو أن الصين تبني علاقة مع بعض الدول الإفريقية وفق شروط بكين، ما يورط هذه الدول، كما حدث لمطار أوغندا الذي أنجزته الصين، ثم تعثرت أوغندا في تسديد ديونه".
وفي 2021 نفت الصين صحة تقارير إعلامية غربية عن اعتزامها الاستحواذ على المطار، مستغلة تعثر أوغندا في تسديد الديون.
واتهم وزير الخارجية الصيني، في أغسطس/ آب 2023، وسائل إعلام غربية بالترويج لنظرية "فخ الديون".
واعتبر هذا "ازدواجية معايير، فالديون المستحقة للولايات المتحدة استثمارا، وديون الصين فخا".
وتابع: "إذا كان هناك أي فخ في إفريقيا حقا، فهو فخ الفقر والتخلف، اللذين ينبغي التخلص منهما في أقرب وقت ممكن".
وأفاد بأن نسبة الصين من إجمالي الدين الخارجي الإفريقي تبلغ 17 بالمائة، وهي أقل بكثير من نسبة الغرب.
ساري استدرك: "رغم مشكل تمويل المشاريع، إلا أن بكين تبني علاقات مع بعض الدول في إطار علاقة رابح- رابح"، أي تحقق استفادة للطرفين.
ورأى ضرورة أن تتكفل الدول الإفريقية بتشييد البنى التحتية، بينما تخصص أموال الاستثمارات الصينية للمشاريع الاستثمارية الاستراتيجية، حتى لا تبدد هذه الأموال على بنى تحتية متهالكة.
** قوة التحالفات الإفريقية
وفي ظل التنافس الدولي على موارد وأسواق القارة السمراء "هناك رغبة كبيرة لأن تكون لدى الدول الإفريقية استقلالية عن الدول الكبرى"، وفق ساري.
ودعا إلى "تقوية السوق الإفريقية الحرة وآليات عمل الاتحاد الإفريقي وباقي التجمعات الإفريقية، مع جعل الاقتصاد أولوية لنهوض دول القارة، فالجانب الاقتصادي مقدم على السياسي".
ولفت ساري إلى إطلاق المغرب مشاريع قارية، مثل أنبوب الغاز المغربي النيجيري ومشروع الأطلسي.
ولفت إلى أن "الحس الاقتصادي بدأ يظهر في العلاقات بين الدول الإفريقية، وهو مطلب خبراء منذ مدة، فمصلحة الشعوب مقدمة على الصراعات السياسية بين الدول".
وخلال زيارة ملك المغرب محمد السادس لنيجيريا، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، اتفق البلدان على إحداث مشروع أنبوب غاز للربط بينهما.
ومن المقرر أن يمر الأنبوب بكل من بنين وتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا