عربي21:
2025-05-01@14:25:04 GMT

الاصطفاف الإقليمي خلف أمريكا

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

ما أن أعلن جو بايدن مبادرة بشأن ما يحدث في قطاع غزة، حتى اصطفت الدول العربية خلف مبادرته مطالبة بالاستجابة لها، وهي مبادرة وُلدت برؤية إسرائيلية -كما تناقلت الأوساط الأمريكية- وماتت يومها بخطاب إسرائيلي وأيضا أمريكي، إذ ما زال الإسرائيلي يؤكد ألا بديل عن استمرار القتال، كما أعلن الأمريكان تأييدهم للقضاء على قيادات حماس وعدم قبول استمرار سيطرتها على القطاع، فأي مبادرة هذه التي يريدون للحركة أن توقع عليها؟!

الوضع الذي نحن أمامه هو ما يصفه "المهدي المنجرة" في كتابه "الإهانة في عهد الميغا-إمبريالية" بـ"الذل (.

.) فقد غدت المهانة شكلا للحكم ونمطا لتدبير المجتمعات وطنيا وعالميا" ويتابع المهدي بقوله: "تنبع الإهانة من إرادة واعية في التعدي على كرامة الآخرين وليس فقط من الهيمنة". وكان يقصد بالميغا-إمبريالية "الإمبريالية العظمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتحالفاتها ذات الهندسة المتنوعة".

بيت القصيد في كلام الدكتور "المنجرة" أن الإهانة نابعة من إرادة واعية في التعدي على كرامة الآخرين، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة بالحكام والشعوب على السواء، يهينوننا بقصد ودون مواربة ليكسروا عزمنا المنهك، ويستبدوا بمقدَّراتنا قبل قرارنا، ثم يريدون بسط هذه المهانة والهيمنة على الفصائل التي أهانتهم للمرة الأولى منذ عشرات السنين، وصفعتهم صفعة تاريخية ستظل محفورة على وجوههم قبل أن تكون منقوشة بحروف من نور في حقبة مظلمة.

يريد الأمريكيون للمقاومة أن توقع على ورقة الهزيمة السياسية، بقبول وقف مؤقت لإطلاق نار "قد يصير دائما" في حال استمرت المفاوضات بشكل جيد! إذا يمكن للإسرائيلي أن يعطل المفاوضات بأي حجة بعد استلام أسراه، ويعيد حربه الوحشية على القطاع لتهجير الفلسطينيين في النهاية من فلسطين كلها وإخلائها من سكانها الأصليين، وهذه النتيجة الطبيعة للمبادرة الأمريكية
يريد الأمريكيون للمقاومة أن توقع على ورقة الهزيمة السياسية، بقبول وقف مؤقت لإطلاق نار "قد يصير دائما" في حال استمرت المفاوضات بشكل جيد! إذا يمكن للإسرائيلي أن يعطل المفاوضات بأي حجة بعد استلام أسراه، ويعيد حربه الوحشية على القطاع لتهجير الفلسطينيين في النهاية من فلسطين كلها وإخلائها من سكانها الأصليين، وهذه النتيجة الطبيعة للمبادرة الأمريكية التي أعلنت الدول العربية أنها تدعو إليها، ثم أعلنت الدول السبع دعمها للمبادرة مع مطالبة الدول الإقليمية بأن تضغط على حماس لقبولها، رغم أن لا أحد وضع الاحتلال الهمجي أمام مسؤوليته بقبول المقترح السابق الذي رعته الولايات المتحدة وقبلته المقاومة الفلسطينية ورفضه الاحتلال، فأي اختلال في موازين العدالة هذا!

المثير للانتباه أن جميع من دعا الفلسطينيين إلى قبول الاتفاق يتجاهلون أمرين؛ أولهما أن المقترح الأمريكي لم يصل إلى الفلسطينيين، بحسب تصريحات حسام بدران مساء أمس الاثنين، ويطالبونهم بالتوقيع "على بياض" كما نقول في مصر، ومعلوم حجم الانحياز الأمريكي للجانب المحتل والمجرم. وثانيهما، وهو الأهم، أن الاحتلال نفسه يرفض المقترح الأمريكي، إذ لا يمكن فهم الاستدراك الإسرائيلي لكلام بايدن ووصفه بغير الدقيق، بأنه قبول بالمقترح، فلماذا يدعون الفلسطينيين إلى قبول اتفاق لم يقبله الاحتلال أصلا رغم انحياز النص له؟!

ربما تحتاج الدول المعنية بالشأن الفلسطيني، وخاصة الدول "الضاغطة" على حماس، إلى أن تفهم طبيعة المكاسب التي خرجت بها المقاومة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والمكاسب التي حافظت عليها بعدم تمكين العدو من أسراه أو المساس ببنية المقاومة، أو قدرتها على السيطرة المدنية في كل بقعة انسحب الاحتلال منها، ما يعني هزيمة سياسية كاملة و"مذلة" لكل الأطراف التي دعمت (في السر والعلن) العدوان الهمجي البربري على القطاع، فضلا عن الهزيمة الاستخباراتية لكل دولة عظمى أو إقليمية حاولت جمع معلومات استخباراتية عن الأسرى الإسرائيلين ولم يجدوا سوى السراب.

هذه القدرات الهائلة في التدبير أولا والصمود ثانيا، فضلا عن البسالة في المواجهات المباشرة رغم فارق القدرات والإمكانيات، تجعلنا نتساءل بحقٍّ عن مقدار كفاءة العقل الذي يدعو طرفا لا يزال ممسكا بمقاليد الأمور إلى تقديم تنازلات! وما الدافع وراء الضغط على المقاومة سوى "الذل" الذي وصفه الدكتور المنجرة!

ربما يكون الدافع الخفي من الضغط على المقاومة، أنها استطاعت تحطيم كل الأساطير السياسية والعسكرية في المنطقة، فإسرائيل ليست جيشا لا يُقهر، وقوتها العسكرية غير رادعة للمقاومين، خاصة في فلسطين ولبنان، بل هي المردوعة خاصة على الحدود الشمالية مع حزب الله الذي يرفع من سخونة قصفه بما أشعل معه الغابات، بل الأهم أن الولايات المتحدة نفسها تكبح الهجوم الإسرائيلي على حزب الله بعدما شاهدت خوار وضعف الجنود الإسرائيليين بعتادهم في مواجهة مقاومين حفاة أو بـ"شبشب نابولي"، الفلسطينيون هم من يُكسبون غيرهم الوزن في المنطقة، لا العكس، فمثلا لم يهاتِف بايدن السيسي إلا بعد ستة أشهر من وصوله إلى الرئاسة (في أيار/ مايو 2021)، على خلفية تصعيد عسكري بين المقاومة والاحتلال في قطاع غزة، ولا تحتل مصر مكانتها في المنطقة وكذلك الأردن إلا بسبب وجودهما الحدودي مع فلسطين المحتلة، وكذلك تكتسب قطر جزءا مهما من مكانتها المتزايدة بسبب استضافتها لمكتب حركة حماسكما أن مقولة أمريكا ستحارب إذا هوجمت إسرائيل أصبحت مقولة غير مخيفة لليمنيين والعراقيين ومن قبلهم اللبنانيين، فهذه الأساطير كلها تحطمت، وتحطمت معها أسطورة كبرى روجها الزعماء العرب؛ عنوانها أننا لا نستطيع فعل شيء للفلسطينيين في ظل القوة الإسرائيلية والدعم الأمريكي، وهو ما تحطم على مدار الأشهر الثمانية المنصرمة.

كذلك قد يكون هناك دافع خفي آخر، يتعلق بخوف حكام المنطقة من ذياع صيت حركة تحرر وطني، وهي حركة تقوم بتغيير قيادتها بصورة انتخابية، وتكتسب مكانتها السياسية من رضا مجتمعها عنها، وهي صورة مغايرة لطبيعة حكمهم القسري دون انتخابات حقيقية، فضلا عن أنهم جاثمون فوق أنفاس شعوبهم دون رضا داخلي، بل بدعم خارجي محض، لأجل ذلك يخشى حكام المنطقة من الانتصار السياسي للمقاومة لأنها ستزيد من تعرية وضعهم السياسي والاجتماعي داخليا.

بَقِيَ أن نذكِّر الفلسطينيين والوسطاء الذين يتعاملون معهم بالوزن الحقيقي للطرفين؛ الفلسطينيون هم من يُكسبون غيرهم الوزن في المنطقة، لا العكس، فمثلا لم يهاتِف بايدن السيسي إلا بعد ستة أشهر من وصوله إلى الرئاسة (في أيار/ مايو 2021)، على خلفية تصعيد عسكري بين المقاومة والاحتلال في قطاع غزة، ولا تحتل مصر مكانتها في المنطقة وكذلك الأردن إلا بسبب وجودهما الحدودي مع فلسطين المحتلة، وكذلك تكتسب قطر جزءا مهما من مكانتها المتزايدة بسبب استضافتها لمكتب حركة حماس على أراضيها، ولو أغلقته كما يُقال فإن هذا الجزء المهم ستفقده من تأثيرها الإقليمي السياسي وسيتحول إلى الدولة الجديدة التي ستستضيف الحركة. لذا على الفلسطينيين أن يدركوا أنهم من يمنحون غيرهم الوزن، وعلى الأطراف الأخرى أن تدرك ذلك أيضا، فلا تضغط إلى الدرجة التي تجعل الفلسطينيين يديرون ظهورهم عنها، وبالتالي ستتجاهلهم منظومة "الميغا-إمبريالية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه بايدن غزة العربية إسرائيلية حماس إسرائيل حماس غزة العرب بايدن مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی المنطقة على القطاع

إقرأ أيضاً:

انهيار أمريكا أصبح حتمية تاريخية

يمانيون../
أمريكا التي بنت امبراطوريتها على أنقاض العديد من الدول في مختلف قارات العالم تعيش اليوم مرحلة الشيخوخة..

وكما قال عالم الاجتماع العربي عبدالرحمن بن خلدون إن للدول أعماراً كأعمار البشر، تبدأ بالطفولة وتنتهي بالشيخوخة.. دخلت أمريكا مرحلة شيخوختها وبدأت التدحرج إلى الأسفل من القمة التي وصلت إليها بالقوة العسكرية والاحتلال والنهب والتدمير.

لم تستطع أمريكا البقاء في المكانة التي وصلت إليها لأن حركة التاريخ تفرض عليها السقوط، وهذه حتمية تاريخية عاشتها كل الدول التي بنت حضارات كبيرة ومؤثرة، تصل هذه الحضارة إلى نقطة تاريخية تحتم عليها التراجع والنكوص وإفساح المجال لحضارات أخرى صاعدة.

الآن في عهد هذا الرئيس الأمريكي المعتوه ترامب تسارعت عملية الانهيار الأمريكي انطلاقاً من حقيقة تاريخية تقول إن للقادة تأثيرات مفصلية على بلدانهم، إما أن يقودونها إلى المجد أو إلى الهاوية والأخيرة ما يحدث الآن في أمريكا.

ترامب يسحب بلاده بقوة وثبات صوب الهاوية، وكثير من الدول التي تضررت من أمريكا ستتشفى من السقوط الأمريكي المريع من فيتنام إلى أفغانستان إلى البوسنة والهرسك إلى دول أمريكا اللاتينية ودول الشرق الأوسط والعديد من الدول الأوروبية تركت أمريكا لنفسها ثارات في مختلف أنحاء العالم وقد حان الوقت لتسدد ديونها تلك.

وباستقراء سريع نلاحظ أن نسبة كبيرة من انحدار أمريكا نحو الهاوية جاء على يد من يصنفها العالم بأنها أضعف دولة؛ الجمهورية اليمنية التي تقف اليوم شامخة لمقارعة امبراطورية الشر بجبروتها العسكري، وقد تحقق لليمن ما أراد وأذل أمريكا في معركة البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب.. يقف العالم مصاباً بالدهشة أمام هذه المنازلة التي يصنفها بأنها غير متكافئة.

لقد ألحقت العملية العسكرية اليمنية بكيان الاحتلال وداعميه وحلفائه وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا هزيمة قاسية متعددة الجوانب؛ ففي الجانب السياسي لم تعد معظم دول العالم مقتنعة بالمقاربة السياسية للقضية الفلسطينية من وجهة النظر الصهيونية والأمريكية والبريطانية، والتي ظلت لعقود من الزمن تسوقها تحت مسمى أحقية إسرائيل في العيش على أرض فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني..

وفي الجانب العسكري كانت الهزيمة التي ألحقتها البحرية اليمنية بكيان الاحتلال وأقوى دولتين عسكريتين في العالم أمريكا وبريطانيا مدوّية، تمكنت خلالها البحرية اليمنية بصواريخها البالستية دقيقة التصويب ومسيراتها المتطورة من وضع حد للعربدة الأمريكية البريطانية الصهيونية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب المندب..

وفي الجانب الاقتصادي كان تأثير العملية العسكرية اليمنية على كيان الاحتلال قاسياً تمثل بشل حركة الموانئ الفلسطينية المحتلة خاصة ميناء أم الرشراش (إيلات) وإيقاف حركة الاستيراد والتصدير في كل الموانئ، الأمر الذي خلف وضعاً صعبا للكيان الصهيوني.

المسألة الآن مسألة وقت، وقد تعلن أمريكا هزيمتها بنفسها انطلاقاً من جملة من الحقائق يعيش العالم فصولها لحظة بلحظة.

مقالات مشابهة

  •  مستوطنون يقتحمون مناطق في رام الله ويحاولون تخريب ممتلكات الفلسطينيين
  • عـــزالدين القسام رمـــز للثورة والجهاد
  • شهداء جدد.. الاحتلال الإسرائيلي يستمر في حصد أرواح الفلسطينيين
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • علاوي وعون يبحثان ” الأمن الإقليمي”
  • الرئيس الفنزويلي: أمريكا تضرب الاقتصاد العالمي وتجر الدول للعداء مع الصين
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • انهيار أمريكا أصبح حتمية تاريخية
  • الدول الأصعب بالحصول على تأشيرة دخول أمريكا.. دولة عربية بينها (إنفوغراف)