تمر ذكرى هزيمة خمسة جيوش عربية وخسارتها للضفة الغربية والقدس وسيناء والجولان عام 1967، على وقعٍ مختلف لفهم أسباب وظروف حدوثها وسقوط ذرائع تبريرها، وتحليل ظواهر وبواطن الأمور للإنسان العربي العربي وأجياله التي أدركت بعمق أسباب الهزيمة العربية الرسمية أمام الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه الاستعماري، وحاولت الرد عليها قبل عقدٍ من الآن في موجة الربيع العربي المغدور، التي تم الانقضاض عليها بثورة مضادة، لهزيمة الإنسان العربي المطالب بحرية وكرامة ومواطنة وديمقراطية وتعددية سياسية والتخلص من حكم الاستبداد والفرد الواحد.
والأسباب حُكما ذاتية وعربية صرفة، مع سقوط ربط كل ما جرى بالمؤامرة الإمبريالية، وبعدم جاهزية العقل العربي لثورة وديمقراطية وتحرر، وتأبيد سطوة العقل الصهيوني على كل شيء في هذا الكون، وذلك سبب كان يريح ويعفي النظام العربي من تحمل مسؤولياته التي تشدق بها. ومقارنة العجز لجيوش وهياكل اقتصادية واجتماعية وسياسية عربي بالسابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما يجري في غزة وفي بقية مدن فلسطين وفي الجولان وسيناء ورفح، يتأكد الحكم القاطع لقرار الهزيمة من خلال المقايضة التي تمت قبل 57 عاما من هذه الأنظمة بتحقيق هزيمتها وتسليم بقية فلسطين للمشروع الصهيوني.
العودة لجردة أسباب وظواهر الهزيمة العربية هي في التدقيق بالمواقف العربية اليوم من الجريمة الصهيونية التي تستكمل تحقيق الهزيمة على من فشلت التغلغل والإقامة في صدورهم، لفرض هذه الهزيمة بسطوة المحتل أو الطاغية العربي، وإلا كيف تفسر هذه الهياكل العربية فشل جيوشها وفشل سياساتها وحضورها العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي عن رد العدوان على الشعب الفلسطيني!
براهين تلك المقايضة واضحة مثل المواقف العربية المستمرة منذ ثمانية أشهر مقابل جرائم الإبادة الجماعية التي تجري في غزة، ومقابل التغول الصهيوني المتطور عما تحقق له في هزيمة أنظمة عربية لا تترك مناسبة إلا توضح فيها للإنسان العربي كيف يكون الخذلان والخزي والهوان والذل لها ولشعوبها؛ بتجربة الحكم والأداء الساقط لقعر السياسة، وفي الأمن القومي والاقتصاد الذي ضل تكامله رغم كثرة القرارات التي يتسابق عليها مندوبو الأنظمة في جامعتهم.
بكل الأحوال، العودة لجردة أسباب وظواهر الهزيمة العربية هي في التدقيق بالمواقف العربية اليوم من الجريمة الصهيونية التي تستكمل تحقيق الهزيمة على من فشلت التغلغل والإقامة في صدورهم، لفرض هذه الهزيمة بسطوة المحتل أو الطاغية العربي، وإلا كيف تفسر هذه الهياكل العربية فشل جيوشها وفشل سياساتها وحضورها العسكري والأمني والاقتصادي والاجتماعي عن رد العدوان على الشعب الفلسطيني!
التفسيرات المقيتة للهزيمة العربية الرسمية هي أن تشن هذه الأنظمة حربا موازية على مقاومة الشعب الفلسطيني بالدفاع عن سياسة الجبن التي فرضتها تلك الأنظمة بالقمع على شعوبها، رغم انهيار الأسباب والشعارات وتقدم الأسباب الحقيقية لواجهة الأحداث في كل فلسطين؛ مع ما تحقق من كسر لهيبة المحتل وتمريغ أنف جيشه في غزة من مقاومة لا تمتلك عتادا ومستودعات سلاح مخزنة على كامل جغرافيا الأوطان العربية وتصرف عليها مليارات الدولارات، إنما بوسائل بسيطة مقرونة بإرادة متحررة من قيود التكبيل العربي الذاتي لهذه الإرادة، تلك القيود المقرونة بهزيمة أبدية مع الحاكم العربي. لكل ذلك وغيره جرت وتجري محاولة تلويث هذه الإرادة والمقاومة، لأن الحالة العربية المهزومة يجب أن تكون "موحدة"، والحفاظ على هذه الوحدة هو من أسمى غايات النظام العربي.
ولهذه التفسيرات نخب ومثقفون حاضرون بشكل دائم على معلف الهزيمة العربية منذ زمن طويل، يتكاثرون كلما استجدت ظروف عربية يحاول من خلالها العربي النفاذ من تحت عباءة الهزيمة لفضاء الحرية والتحرر، والتعبير عن وجدانه وانتمائه لقضاياه.
أسباب الهزيمة العربية لم تعد أسرارا عسكرية وسياسية بحاجة لمؤرخين وباحثين للنبش فيها، الهزيمة هي اليوم فضيحة عربية في غزة وفي القدس وفي الجولان وفي سيناء ومعبر رفح، فضيحة بكل التفاصيل المنشور غسيلها الأمني والسياسي القذر على حبل الحدود العربية المحيطة بفلسطين. وهناك من يطلب فصل قضية فلسطين عن علاقاتها العربية وبتر ساق القضية عن الجسد العربي، كما يحلو لمثقف النظام المصري القول "هو إحنا مالنا هو محور فيلادلفيا مصري" في تبرير احتلال الجيش الإسرائيلي لهذا المحور، وكما يحلو لقائمة طويلة من مطبلي أنظمة الهزيمة اليوم من رؤية شجاعة مقاومة الشعب الفلسطيني وإيلامها جيش عدوها، ومن دون ملاحظة فشل تحقيق هزيمة الوعي العربي والغربي والدولي الذي يصحو اليوم على واقع معاكس لرغبة المهزومين، لفهم كيف تؤدي المقاومة الفلسطينية في معركة الدفاع عن الوجود ومقاومة الإبادة الصهيونية للشعب الفلسطيني، والدفاع عن أمل الشعب الفلسطيني بالتحرر من المحتل.
ليس جديدا أن يقال إن الهزيمة الرسمية العربية في غزة امتداد لهزيمة عقود طويلة، وليس جديدا أن يُتهم المدافعون عن أرضهم بكل قاموس البذاءة والشيطنة، وأن يبقى المصفقون لانهيار حياة الغزيين الذين أنجبوا واحتضنوا مقاومتهم؛ عناوين أخبار في نشرات أخبار عربية وفي حوارات إعلامية يتسابق المتفرجون على إيقاع الاحتلال في تضخيم قوته وتقزيم فعل الفلسطينيين وإعادة صياغة وعي قديم للهزيمة، ولكن الحاجة لهذا القول مع تمدد العدوان واتساعه، يعني أن اشياء خطيرة تحدث لحزيران العربي تزعج شغف الأنظمة بتثبيت الهزيمة المزعزعة، وأن المقاومة في غزة وفي فلسطين عكرت أجواء التطبيع وتعرقل النمو السرطاني للمستعمرين حلفاء المهزومين.
من يتذكر الآن جنرالات عسكرية عربية على رأس عملهم ويسأل ما هي وظيفتهم الأساسية؟ والجواب أن الملثم أطاح بكل نياشين الزيف العربي وأعادت حالة الاشتباك في غزة صورة الجنرال العربي حارسا لزنزانة، وظلا لطاغية، وحاميا للمحتل، وهذا تعريف الهزيمة العربية في غزة وفي كل فلسطين
الشغف العربي الرسمي بالهزيمة مزمن وقديم، وشرحه موجود على يافطات كبيرة في المطارات والسجون العربية وفي عناوين الأخبار وفي الفروع الأمنية وفي عشرات آلاف الأسرى التي تحتضنهم أقبية التعذيب، وشغف الفلسطينيين بالتحرر دك عروش الاستبداد العربي، وفضحت مقاومتهم للمشروع الاستعماري ونظام الأبارتايد الصهيوني كل أسرار الهزيمة، وعرّت مواجهتهم لجريمة الإبادة الصهيونية كل محاولات عزل الفلسطيني عن مداه العربي وعن حضور قضيته العادلة الإنسانية على الساحة الدولية.
والسؤال الأخير في ذكرى هزيمة جيوش عربية في الخامس من حزيران/ يونيو قبل أكثر من نصف قرن: من يتذكر الآن جنرالات عسكرية عربية على رأس عملهم ويسأل ما هي وظيفتهم الأساسية؟ والجواب أن الملثم أطاح بكل نياشين الزيف العربي وأعادت حالة الاشتباك في غزة صورة الجنرال العربي حارسا لزنزانة، وظلا لطاغية، وحاميا للمحتل، وهذا تعريف الهزيمة العربية في غزة وفي كل فلسطين.
x.com/nizar_sahli
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الهزيمة الاحتلال الاستبداد غزة فلسطين فلسطين غزة الاحتلال العالم العربي الاستبداد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی الهزیمة العربیة عربیة فی غزة فی غزة وفی
إقرأ أيضاً:
محمود علي يوسف أول عربي يرأس مفوضية الاتحاد الأفريقي
محمود علي يوسف، سياسي من جيبوتي، وُلد عام 1965، ودرس في معاهد محلية ودولية، وحصل على ماجستير في الإدارة من جامعة لافال بكندا. بدأ العمل في وزارة خارجية جيبوتي عام 1992، وشغل مناصب دبلوماسية عدة، منها سفير بلاده لدى مصر ومفوض التعاون الدولي، ثم وزيرا للشؤون الخارجية عام 2005.
في أواخر عام 2024، ترشح لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، وتمكن من الفوز بالمنصب في 15 فبراير/شباط 2025 بعد منافسة قوية، ليخلف التشادي موسى فكي.
المولد والدراسةوُلد محمود علي يوسف يوم 2 سبتمبر/أيلول 1965 في جيبوتي العاصمة، وفيها تلقى تعليمه الأساسي والجامعي، ثم حصل على شهادة في اللغة العربية من معهد في تونس، وشهادة ترجمة إنجليزية فرنسية من مدرسة ليفربول للأعمال في المملكة المتحدة.
كما اجتاز امتحان أكسفورد للغة الإنجليزية، وحصل على شهادة في اللغات الأجنبية من جامعة ليون في فرنسا، وماجستير في الإدارة من جامعة لافال بكندا عام 1990.
التحق محمود علي يوسف عام 1995 بالمدرسة الوطنية للإدارة العامة في كندا، ويجيد اللغات الفرنسية والإنجليزية والعربية والصومالية.
بدأ محمود يوسف مسيرته المهنية في وزارة الخارجية والتعاون الدولي في جيبوتي عام 1992، وعمل مستشارا، ثم نائبا لمدير إدارة المنظمات الدولية عام 1993، إذ ساهم في تنسيق العلاقات مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى.
وبين عامي 1996 و1997، شغل منصب مدير إدارة العالم العربي، وعمل على تعزيز علاقات جيبوتي الدبلوماسية مع الدول العربية، وتنظيم مشاركة البلاد في أنشطة المنظمات الإقليمية العربية.
إعلانوفي عام 1997 أصبح سفيرا فوق العادة لدى مصر ومندوبا دائما لدى جامعة الدول العربية، وعمل على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف القطاعات.
كما كان مفوضا غير مقيم لجيبوتي لدى لبنان والسودان وليبيا وسوريا وتركيا، وساهم في توقيع العديد من الاتفاقيات المشتركة في مختلف المجالات بما في ذلك التجارة والأمن والثقافة.
وفي مايو/أيار2001، عُين يوسف مفوضا للتعاون الدولي بوزارة الخارجية الجيبوتية، ونجح في توسيع شراكات بلاده في مجال التنمية، وإبرام اتفاقيات مشتركة.
في عام 2005، أصبح وزيرا للشؤون الخارجية والتعاون الدولي، وناطقا رسميا باسم الحكومة في جيبوتي.
عمل يوسف على إعادة هيكلة الوزارة وبناء دوائر عمل جديدة، بما في ذلك الإعلام والشؤون القانونية وشؤون المغتربين، كما أسس معهد الدراسات الدبلوماسية، وهي مؤسسة مخصصة لتدريب الدبلوماسيين الجيبوتيين ومناقشة التحديات الدبلوماسية.
كما سعى إلى تعزيز الحضور الدبلوماسي لبلاده دوليا، وبنى شراكات إستراتيجية مع القوى العالمية.
وقد مثل يوسف جيبوتي 3 ولايات متتالية في مجلس السلم والأمن الأفريقي. وتولى رئاسة مجلس وزراء الخارجية العرب التابع لجامعة الدول العربية عامي 2007 و2017.
وفي عام 2008، شارك في تنظيم وعقد مؤتمر المصالحة الصومالية، كما ترأس العديد من اجتماعات المصالحة بين الصومال وإقليم أرض الصومال تهدف لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
في عام 2009، أسهم يوسف في إقرار "مدونة سلوك جيبوتي"، وهي وثيقة قانونية تهدف إلى مكافحة القرصنة والسطو المسلح على السفن في غربي المحيط الهندي وخليج عدن.
وترأس عام 2012 مجلس وزراء منظمة التعاون الإسلامي، كما قاد فريق الاتصال بشأن مالي، وتولى رئاسة مجلس وزراء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، وساهم في محاولات حل الصراعات في غرب أفريقيا والقرن الأفريقي.
إعلانفي عام 2015، أصبح يوسف عضوا في اللجنة التنفيذية والأمين العام المساعد لحزب التجمع الشعبي للتقدم، الحزب الحاكم للبلاد، وساهم في نجاحه في الانتخابات عبر حشد الناخبين وتنفيذ الإستراتيجيات.
في فبراير/شباط 2023، انتخب عضوا في الجمعية الوطنية الجيبوتية (البرلمان)، لكن بحكم توليه منصب وزير الخارجية، ينوب ممثل عنه في المناقشات البرلمانية.
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، دشن يوسف حملته الانتخابية لمنصب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، إذ استعرض رؤيته وبرامجه لتطوير أداء الاتحاد وتعزيز دوره في مواجهة التحديات بالقارة.
وأكد يوسف أن أفريقيا تعاني من فراغات أمنية تستغلها القوى الخارجية للتدخل، مشيرا إلى أن الحالة السودانية هي الأبرز، ومؤكدا أن التعامل مع الأزمة في السودان يبدأ من مسؤولية دول جواره.
كما يتخذ يوسف موقفا قويا داعما للقضية الفلسطينية، وأعلن مرات عدة أن الاتحاد الأفريقي لن يفتح أبوابه لأي دولة تضرب عرض الحائط بالمبادئ القانونية والأخلاقية المشتركة بين الدول الأفريقية، وفي مقدمتها إسرائيل.
في 15 فبراير/شباط 2025، انطلقت أعمال القمة الـ38 لقادة دول الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وعلى هامشها، جرت عمليات تصويت لمنصبي رئيس مفوضية الاتحاد ونائبه.
واختتمت عمليات التصويت بعد 6 جولات بإعلان فوز يوسف بمنصب رئيس المفوضية، بحصوله على 33 صوتا بعد منافسة شرسة مع مرشح كينيا رايلا أودينغا، ومرشح مدغشقر ريتشارد واندريا.
وفي 16 فبراير/شباط 2025، أدى يوسف القسم رئيسا لمفوضية الاتحاد الأفريقي، وقال في تصريح إن المهمة صعبة وإنه أقسم من أجل خدمة أفريقيا بأمانة وكرامة.
المناصب والمسؤوليات نائب مدير إدارة المنظمات الدولية بوزراة خارجية جيبوتي عام 1993. مدير إدارة العالم العربي بوزراة خارجية جيبوتي عام 1996. سفير جيبوتي لدى مصر عام 1997. مفوض وزارة الخارجية للتعاون الدولي عام 2001. وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي عام 2005. رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي عام 2025. إعلان