رحيل «عجوز العربة» يثير الحزن في الدقهلية.. كرّمه المحافظ قبل 7 سنوات
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
جسد نحيف وظهر انحنى مع الزمن، يستخدم بطنه في سحب عربة خشبية ثقيلة الوزن، ممسكا بـ«عصا» يتكئ عليها، ويجوب بها شوارع المنصورة بمحافظة الدقهلية، متحديا كبر سنه، معافرا بما تبقى لديه من صحة، عرفه أهالي الدقهلية باسم «عجوز العربة»، وأهداه محافظة الدقهلية عام 2017 «كشك» ليعول أسرته في عمر السبعين، لينقذه من عمله الشاق في جمع «الروبابيكيا»، وبعد 7 سنوات من انتشار قصته، رحل زكريا سالم عن عمر يناهز 84 عامًا، بحسب ما أكده صبري مصباح، أحد أهالي الدقهلية خلال تصريحاته لـ«الوطن».
حالة من الحزن الشديد انتابت أهالي المنصورة، بعد معرفتهم بخبر وفاة زكريا سالم، المعروف بـ«عجوز العربة»، ونشروا صورته ليودعوه بكلمات مؤثرة.
قصة عجوز العربة وتكريم المحافظنبأ وفاة عجوز العربة جعل الأنظار تتجه نحو قصته المنتشرة قبل 7 سنوات، وقتها كرمه محافظ الدقهلية وأهداه «كشك»، ليعينه على مشقة عمله، ولم يكتف بتكريمه فقط، بل قام بزيارته وتقديم كافة أنواع الدعم له.
كان «عم زكريا» يعمل منذ صغره بعدة مهن، مثل النقاشة التي سرعان ما تركها بسبب أمراض الصدر، حيث أن استنشاق مواد الطلاء أتعبه، مقررا الاتجاه لمهنة أخرى وهي «شوي السمك»، تلك المهنة التي أتعتبه أيضًا رغم الأموال الجيدة التي يحصل عليها، وتعينه في تربية أولاده الثلاثة، وقضاء كافة احتياجات أسرته.
عم زكريا يتنقل من عمل لآخرأمراض الصدر باتت عائقا لـ«عم زكريا»، ولم يعد يتحمل الوقوف أمام النار واستنشاق الدخان، ليتوجه بعدها إلى العمل في جمع الكراتين من الشوارع والمحال التجاربة، ويقوم بجمعها في عربته الخشبية التي يسحبها بجسده النحيف، مستخدما حزاما يلفه حول بطنه.
وآخر المهن التي عمل بها «عجوز العربة»، كانت بائعا في الكشك الذي أهداه له محافظ الدقهلية، قبل أن يرحل في نبأ محزن.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدقهلية المنصورة
إقرأ أيضاً:
طبقاتُ الحزن المُجمد!
لطالما تجنبتُ وجوه الأمهات اللواتي فقدن أحد أبنائهن، لاسيما فـي أيام العزاء الأولى، إلا أنّي تفرستُ هذه المرّة شحوب الأمّ التي فقدت طفلتها البالغة الثالثة من عمرها غرقا فـي حوض، بينما كانت تهتمُ برضيعها الجديد. بدت لي شديدة اليأس ولم ترفع رأسها عندما انحنيتُ لتقبيلها.
شاهدتُ امرأة أخرى فـي طفولتي، تصرخُ كحيوان جريح وهي تجثو على جثة ابنها الذي قضى نحبه فـي حادث دهس، ولم أستطع تجاوز نحيبها كلما رأيتها، وهي أيضا لم تفعل. عندما أراها أشعر بأنّها عالقة ومشوشة فـي تلك اللحظة البعيدة.
يخبرنا إرفـين د. يالوم، فـي كتابه المهم «تعرية الحبّ»، ترجمة: جوهر عبدالمولى، والصادر عن منشورات حياة، عن رفض الناس التحدث عن موت أبنائهم، يصلُ الأمر بالبعض إلى العجز عن التذكر أو الذهاب إلى النوم، بينما يُساور البعض الآخر شعور يومي بالذنب.
تظهرُ عند البعض نبرة اتهام للذات ظاهرة أو خفـية، وشعور بالخزي، ويفعلُ بعضهم كما فعلت المرأة التي دُهس ابنها «يُجمدون الحزن»، فـيُكابدون ما يسميه يالوم «الفجيعة المُزمنة»، حيث يتعاظمُ إحساسهم بالخسارة، لأنّهم لم يعتقدوا للحظة واحدة أنّ الموت سينالُ من أعزّ أحبتهم!
أتذكرُ أمّ الغريقة -ودموعها تلتهبُ على خديها المُحمرين- وهي تتحدثُ بسرد موجع عن الفستان الأخير الذي ألبسته ابنتها، وكأنّها راغبة فـي التأكيد على شيء ما.. إلا أنّ النسوة قاطعنها وطلبن منها ألا تحكي وأن تستغفر وأن تحتسبها عند الله، وقلن لها شيئا عجيبا عن الدموع التي تؤذي الموتى!
وآنذاك فكرتُ بأنّ أسوأ ما قد يحدث هو ألا نقدر على مشاركة الآخرين تلك المشاعر الكئيبة التي تُمزق دواخلنا. إذ لا يعي الكثير من الناس أنّ لكل واحد منا طريقة ما لتجاوز الحزن، يستطيع بعضنا التخطي والقفز بينما بعض آخر يتأخرُ شعوره بالخلاص، فلا شيء يُغضب الآباء والأمهات أكثر من العجز عن مساعدة أبنائهم!
من وجهة نظر يالوم يعكس الأمر رغبتنا فـي السيطرة على ما لا نستطيع السيطرة عليه، إذ إنّ عقلنا يُحدثنا طوال الوقت: هنالك ما كان ينبغي فعله ولم نفعله، فنحنُ محاطون بوهم يجعلنا نعتقد بأنّ لدينا قوة ونموا غير محدودين، وأنّ الوجود عبارة عن مسار مُعبد بالإنجازات المتصاعدة إلى الأبد، بينما ينبغي أن نكون وجها لوجه مع قصّة زوالنا المؤكدة. فالمشاعر لا تتعلقُ دائما بذلك التفسير السطحي: قوة الإيمان أو ضعفه، فهي ليست زرا يُمرر أحدنا سبابته فـيشعلها أو يُطفئها!
يذهب يالوم إلى أنّ فقد أحد الوالدين يعني أن نفقد الماضي، أمّا فقدان الأبناء فـيعني أن نفقد المستقبل، فنحنُ ننظرُ للأبناء باعتبارهم مشروع الحياة الذي يُحقق لنا شيئا من الخلود.
عندما لا تُقدم المساعدة النفسية الملائمة، ولا يُفسح المجال لإظهار الهشاشة العميقة، فإنّ الثكالى يرزحون طويلا تحت عبء التورط بالإنكار المرير، «الاستعارة التي تنطبقُ على الحزن المزمن هي الجمود، حيث يصبح الجسم مُتخشبا والوجه مشدودا، وتُعيق الأفكار الباردة والمتكررة عمل الدماغ».
يهملُ مجتمعنا والأفراد فـيه أهمية العلاج النفسي، أو على الأقل مشاركة الشريكين فـي التحدث عن الحزن الذي ألمّ بهما، لاستيعاب الخسارة والتصالح مع حتمية الموت، كيلا يبقيا حبيسا تلك البرهة التي لا تمضي إلى الأبد، وللانغماس مُجددا مع الأحياء وكل الأشياء التي تجعل للحياة معنى.
يغدو التحدث إلى المصابين بالفجيعة، مُحفزا لكل طبقة من طبقات الحزن لأن تكشف عن الأخرى وصولا إلى الصميم المُعقد. «فالمرء إذا أراد أن يتعلم كيفـية التعايش مع ذهاب الموتى، يجب عليه أولا أن يتعلم كيفـية التعايش مع الأحياء».
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى