زهير عثمان حمد

سألني عددٌ كبيرٌ من القراء عن الوضع الذهني الذي يُدير الحرب في السودان، وعن الأسباب التي تدفعنا لدعم وقف هذه الحرب. نُوضّح للعسكريين أن هذه الحرب لا تليق بالعصر الحديث؛ فهي تُعبّر عن ذهنية مُقاتل يدافع عن قبيلته أو لص يحمي مسروقاته، ولا ترتقي إلى مستوى مفاهيم وآليات الحروب العصرية. من الضروري التأكيد على أن المتقاتلين يقفون خارج إطار الزمن الحالي برمته.

لا أدعو إلى استمرار القتال، بل أناشد بوقفه نظرًا لمعاناة أهلنا وكثرة الضحايا والنزوح. ومع ذلك، يواجه العسكر تحديات جمّة في تطبيق مبادئ الإدارة العقلانية للنزاعات المسلحة في السياق الراهن. دعوني أبرز بعض هذه التحديات:التعقيدات المعاصرة للنزاعات: تتسم النزاعات الحديثة بتعقيداتها، كالنزاعات الداخلية والحروب الأهلية، مما يستلزم فهمًا عميقًا للديناميكيات المحلية والثقافية والاجتماعية.
حماية المدنيين: يكون المدنيون غالبًا ضحايا رئيسيين لانتهاكات القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة، مما يتطلب جهودًا مُكثّفة لحمايتهم وتقليل الأضرار التي قد تلحق بهم.
استخدام التكنولوجيا الحديثة: تُشكّل التقنيات الحديثة، مثل الطائرات بدون طيار والتجسس الإلكتروني، تحديًا في تطبيق مبادئ الإدارة العقلانية، ويجب تحديد كيفية استخدامها بشكل متوازن ومسؤول.
التحديات القانونية: يُعقّد تصنيف النزاعات المسلحة وتحديد الأطر القانونية المناسبة الأمور، مما يتطلب الالتزام بالقوانين الدولية الإنسانية وتحديثاتها المستمرة.
التواصل والتفاوض: يتطلب التواصل مع الأطراف المتنازعة والتفاوض مهارات دبلوماسية وفهمًا عميقًا للمصالح المتعارضة، ويجب تحقيق التوازن بين الحوار والقوة العسكرية.
يُعد تطبيق مبادئ الإدارة العقلانية للنزاعات المسلحة تحديًا مستمرًا يتطلب تفاعلًا دائمًا مع التحديات المعاصرة.
تُمثّل التقنيات الحديثة، كالطائرات بدون طيار وأساليب التجسس الإلكتروني، تحديًا في تطبيق مبادئ الإدارة العقلانية للنزاعات. من الضروري تحديد كيفية استخدام هذه التقنيات بطريقة متوازنة ومسؤولة.

وفيما يخص التحديات القانونية، يُعد تصنيف النزاعات المسلحة وتحديد الإطار القانوني الملائم أمرًا معقدًا. يجب الالتزام بالقوانين الدولية الإنسانية ومواكبة تحديثاتها المستمرة.
التواصل والتفاوض يتطلبان مهارات دبلوماسية وفهمًا عميقًا للمصالح المتعارضة، ومن الضروري إيجاد التوازن بين الحوار واستخدام القوة العسكرية.
تطبيق مبادئ الإدارة العقلانية للنزاعات المسلحة يُعتبر تحديًا مستمرًا يتطلب تفاعلًا دائمًا مع التحديات المعاصرة.
أقدم لكم نظرة على بعض المبادئ الفكرية الحديثة في إدارة النزاعات المسلحة الداخلية من منظور عقلاني:القانون الدولي الإنساني يشمل مجموعة من القواعد والمبادئ التي تهدف إلى تقليل المعاناة خلال النزاعات المسلحة، ويتضمن حماية المدنيين والمنشآت المدنية، وتنظيم استخدام الأسلحة، وتحديد قواعد الهجمات العسكرية.
مبدأ الإنسانية يدعو إلى الحفاظ على الإنسانية خلال النزاعات ويشجع على تجنب الانتقام والتدمير غير الضروري.
مبدأ التناسب يتعلق بضبط استخدام القوة العسكرية بما يتناسب مع الهدف المرجو، ويجب تجنب الأضرار الزائدة للمدنيين والممتلكات المدنية.

مبدأ الضرورة يحث على استخدام القوة العسكرية فقط عند الضرورة لتحقيق الهدف العسكري، ويجب تجنب الاستخدام المفرط للقوة.
التحكيم والتسوية السلمية يشجعان على البحث عن حلول سلمية للنزاعات قبل اللجوء إلى القوة العسكرية، ويُعتبران منهجًا فعالًا لإدارة النزاعات.
التوازن بين هذه المبادئ الفكرية والتطبيق العملي يُعد أمرًا حاسمًا في إدارة النزاعات المسلحة الداخلية.
التطور التكنولوجي يُعتبر جزءًا أساسيًا من الحروب الحديثة، ويؤثر في الاستراتيجيات والتكتيكات والقدرة على الردع والاستجابة. هناك العديد من الأمثلة على كيفية استخدام التكنولوجيا في الميدان العسكري:الأسلحة الذكية:الرصاص الذاتي الموجه: يستخدم أجهزة الاستشعار والكاميرات لتوجيه نفسه نحو الأهداف.
القنابل الذكية: تستهدف أهدافًا محددة باستخدام تقنيات التوجيه.
الطائرات بدون طيار: تُستخدم للمراقبة والاستطلاع والهجمات الجوية.
الاستخبارات الصناعية: تُستخدم الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة في تحليل المعلومات والتنبؤ بالتهديدات، مما يتيح للقادة العسكريين اتخاذ قرارات مستنيرة.
الحروب السيبرانية: تشمل هجمات الكمبيوتر والشبكات والبرمجيات الخبيثة، والتي يمكن أن تكون مدمرة للبنية التحتية والأنظمة العسكرية.
التواصل السيكولوجي: يُستخدم لنشر الأخبار الوهمية والتأثير على الرأي العام، مما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الاستجابة العامة والتحالفات الدولية.
ثقافة التضييع تُشير إلى السلوكيات التي تؤدي إلى إهدار الموارد، وفي سياق الحروب، يمكن أن يكون الإهدار مدمرًا للقوات والمعدات والإمدادات.
مهاوي التمييع تعتمد على استنزاف موارد العدو تدريجيًا لتقليل قدرته على المقاومة.
مباشرة في النظرية تُشير إلى الاستراتيجيات التي تهدف إلى الهجوم المباشر على العدو بأقل قدر من الخسائر، مع التركيز على الهجمات الفعالة والتكتيكات القوية لتحقيق النصر.
إدارة الحروب بموارد محدودة تُشير إلى التحدي الذي يواجهه القادة العسكريون في استخدام الموارد بشكل فعال لتحقيق الأهداف المحددة.
**نظرية الماهوية** تُشير إلى الفلسفة التي تؤكد أن لكل كائن مجموعة من السمات الضرورية لتحديد هويته ووظيفته. في الفلسفة الأفلاطونية، يُفترض أن لجميع الأشياء "ماهية" أو "فكرة"، وهذا هو ما يجعل الشيء شيئًا.
**النظرية المادية** ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتهدف إلى تحديد الأسس العلمية والقيم المادية التي تساعد الإدارة على زيادة الإنتاج بأقل جهد ممكن وزمن أقل.
**تحقيق التوازن بين الماهوية والنظريات وإدارة الموارد** يعتبر أمرًا حاسمًا في الحروب والصراعات. يجب أن يكون القادة على دراية بالتحديات والفرص المتاحة لهم لتحقيق أهدافهم.
**التحديات والفرص في إدارة النزاعات المسلحة:**
1. **الموارد المحدودة**: توفير الموارد الكافية لتنفيذ العمليات العسكرية يُعد تحديًا أساسيًا. يجب على القادة تحديد أولوياتهم بحذر لتحقيق أقصى استفادة من هذه الموارد.
2. **التنسيق والتكييف**: يجب تنسيق الجهود بين القوات المختلفة والتكييف مع القوات والتكتيكات المختلفة لتحقيق النجاح في الميدان.
3. **التحفظ والتآكل**: يجب أن يكون لدى القادة استراتيجية لتقليل قوة العدو تدريجيًا.
4. **القيادة والتفاعل**: القائد العسكري يلعب دورًا أساسيًا في تحفيز الأفراد وتحقيق النجاح في الميدان.
**التركيز على السلم والتطوير الذهني** يُعتبر جزءًا من الرؤية الأمثل لإدارة النزاعات المسلحة. يجب أن يكون التفكير الاستراتيجي موجهًا نحو تحقيق السلم والتفاهم.
في ختام هذا المقال، نجد أنفسنا أمام مرآة التاريخ تعكس صورة الحروب والصراعات التي مزقت أوصال الأمم وأرهقت شعوبها. الحرب في السودان ليست استثناءً من هذه القاعدة، بل هي صدى للمعاناة الإنسانية التي تتجلى في كل نزاع مسلح. إن الدعوة إلى تطبيق مبادئ الإدارة العقلانية والتوجه نحو السلم والتفاهم ليست مجرد نظريات مثالية، بل هي ضرورة ملحة لإنقاذ الأرواح وبناء مستقبل يسوده العدل والأمان.
يجب أن نتذكر دائمًا أن الحروب لا تُفرز سوى الدمار والخراب، وأن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق التنمية والازدهار. لذا، فإن الرؤية الاستراتيجية التي تركز على السلم والتطوير الذهني تُعد خطوة جوهرية نحو تحقيق هذا الهدف. وفي السودان، كما في كل بقاع العالم، يجب أن تكون الأولوية لحماية الإنسان وكرامته، وأن تُبنى القرارات على أسس من الحكمة والعقلانية، مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما يُمكن أن يُسهم في إرساء دعائم السلام الدائم.
فلنعمل جميعًا من أجل عالم يُعلي شأن الإنسان ويحترم حقه في الحياة الكريمة، عالم يُدرك فيه القادة أن الحروب ليست سوى مسارات مظلمة لا تؤدي إلا إلى الضياع والتشريد. ولنجعل من السودان مثالًا يُحتذى به في التغلب على الصراعات والنهوض من رماد الحروب إلى فجر جديد من الأمل والسلام.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوة العسکریة التوازن بین ت شیر إلى أن یکون ا یتطلب یجب أن تحدی ا

إقرأ أيضاً:

الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته

كشفت الأمم المتحدة، أن الاقتصاد السوري بحاجة لـ55 عاما للعودة إلى المستوى الذي كان عليه في 2010 قبل اندلاع النزاع، إذا ما واصل النمو بالوتيرة الحالية، مناشدة الأسرة الدولية الاستثمار بقوة في هذا البلد لتسريع عجلة النمو.

وقال أخيم شتاينر، رئيس برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في تقرير إنه « بالإضافة إلى مساعدات إنسانية فورية، يتطلب تعافي سوريا استثمارات طويلة الأجل للتنمية، من أجل بناء استقرار اقتصادي واجتماعي لشعبها ».

وشدد المسؤول الأممي خصوصا على أهمية « استعادة الانتاجية من أجل خلق وظائف والحد من الفقر، وتنشيط الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنى الأساسية للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والطاقة ».

وفي إطار سلسلة دراسات أجراها لتقييم الأوضاع في سوريا بعد إسقاط الرئيس بشار الأسد في ديسمبر، قدم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الخميس، ثلاثة سيناريوهات للمستقبل الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

وبحسب معدل النمو الحالي (حوالي 1,3% سنويا بين عامي 2018 و2024)، فإن « الاقتصاد السوري لن يعود قبل عام 2080 إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل الحرب ».

وسلطت هذه التوقعات « الصارخة » الضوء على الحاجة الملحة لتسريع عجلة النمو في سوريا.

وما يزيد من الضرورة الملحة لإيجاد حلول سريعة للوضع الراهن، هو أنه بعد 14 عاما من النزاع، يعاني 9 من كل 10 سوريين من الفقر، وربع السكان هم اليوم عاطلون عن العمل، والناتج المحلي الإجمالي السوري هو اليوم أقل من نصف ما كان عليه في 2011، وفقا للتقرير.

وتراجع مؤشر التنمية البشرية الذي يأخذ في الاعتبار متوسط العمر المتوقع ومستويي التعليم والمعيشة إلى أقل مما كان عليه في 1990 (أول مرة تم قياسه فيها)، مما يعني أن الحرب محت أكثر من ثلاثين عاما من التنمية.

وفي هذا السياق، نظر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى وتيرة النمو اللازمة لعودة الناتج المحلي الإجمالي إلى المستوى الذي كان عليه قبل الحرب، وكذلك إلى الوتيرة اللازمة لبلوغه المستوى الذي كان يمكن للبلاد أن تبلغه لو لم تندلع فيها الحرب.

وفي السيناريو الأكثر « واقعية » والذي يتلخص في العودة إلى الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 فقط، فإن الأمر يتطلب نموا سنويا بنسبة 7,6% لمدة عشر سنوات، أي ستة أضعاف المعدل الحالي، أو نموا سنويا بنسبة 5% لمدة 15 عاما، أو بنسبة 3,7% لمدة عشرين عاما، وفقا لهذه التوقعات.

أما في السيناريو الطموح، أي بلوغ الناتج المحلي الإجمالي المستوى الذي كان يفترض أن يصل إليه لو لم تندلع الحرب، فيتطلب الأمر معدل نمو بنسبة 21.6% سنويا لمدة 10 سنوات، أو 13.9% لمدة 15 عاما، أو 10.3% لمدة 20 عاما.

وقال عبد الله الدردري، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، إنه لا يمكن سوى لـ »استراتيجية شاملة » تتضمن خصوصا إصلاح الحكم وإعادة بناء البنى التحتية في البلاد أن تتيح لسوريا « استعادة السيطرة على مستقبلها » و »تقليل اعتمادها على المساعدات الخارجية ».

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كلمات دلالية الاقتصاد الامم المتحدة التنمية الحرب تقرير سوريا

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد: نفخر بروح الإبداع والتميز التي تبني مستقبل دبي
  • وزير الخارجية السوداني: نقف بقوة مع حقوق الشعب الفلسطيني ونرفض تهجيره
  • مآلات السودان في مستقبل الأيام ما بين الوحدة والتقسيم
  • مواجهة مستقبل غير مؤكد.. أمريكا الآن خصم واضح وعدو جديد لأوروبا
  • أحمد إبراهيم الطاهر: نهاية الحرب الضروس قد باتت وشيكة بما قدمته القوات المسلحة
  • السودان: الأمل الضائع في مواجهة الأزمات المستمرة والحروب المتجددة
  • جائحة مؤامرونا التي تجتاح السودانيين
  • تخريمات و تبريمات على هامش إجتماع نيروبي “التأسيسي”
  • الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته
  • باحث سياسي: إسرائيل تستغل تفجيرات تل أبيب لتحقيق أهدافها بالضفة الغربية