إسرائيل والطريق إلى نهاية غير سعيدة
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
لا يَنْفك بنيامين نتنياهو يكرر التأكيد على هدفه بتحقيق "النصر المطلق" في عدوانه الجاري على قطاع غزة، منذ ثمانية أشهر متتالية، ما دعا العديد من القيادات السياسية والمرجعيات العسكرية الإسرائيلية إلى تسخيف تلك المقولة، ودحضها بكونها مجرد أوهام في رأس نتنياهو.
الوزير في مجلس الحرب، غادي آيزنكوت اتهم نتنياهو في 29 مايو/أيار بالفشل الأمني والاقتصادي في الحرب، و"تسويق وهم النصر المطلق" للإسرائيليين، وأوضح أن "من يقول سنقوم بتفكيك عدد من الكتائب في رفح وعندها سنعيد المختطفين، يزرع الأوهام الكاذبة، لأن الحدث أكثر تعقيدًا، وأن الأمر سيستغرق من 3 إلى 5 سنوات لتحقيق استقرار كبير، ثم سنوات عديدة أخرى لتأسيس نظام حكم آخر في غزة".
يُدرك بنيامين نتنياهو أن الحرب لم تحقّق أهدافها التي أعلنها منذ اليوم الأول، ويُدرك أيضًا أن الأفق صعب ومعقّد وأكبر من السيطرة عليه ودفعه بالاتجاه الذي يريده في المدى المنظور.
مدينة رفح التي دخلها جيش الاحتلال لتكون الحلقة الأخيرة والحاسمة في تحقيق النصر المطلق بالقضاء على ما تبقى من كتائب القسام، ما زالت المقاومة فيها تقاتل بقوّة موقعة خسائر فادحة في جيش الاحتلال، بالتوازي مع معارك أكثر شراسة في شمال القطاع، ولا سيما في منطقة جباليا التي شهدت عملية أسر وقتل عدد من الجنود، ذكّرتنا بمعركة السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، في رسالة واضحة أن المقاومة ما زالت فاعلة في عموم القطاع.
الفشل المتوقّع في رفح، دفع رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنيغبي للقول؛ "نتوقّع 7 أشهر أخرى من القتال لتعميق إنجازاتنا وتحقيق هدفنا المتمثل في تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس والجهاد الإسلامي". مضيفًا: "فقط لا ينبغي أن نستخدم ساعة توقيت على أنفسنا أو نحدّد إنذارات نهائية"، في إشارة واضحة إلى أفق مفتوح، تصعب السيطرة على خطه الزمني أو نتائجه المتوقعة، بعد تجربة الأشهر الثمانية الماضية، التي جعلت الزمن "غير مقدّس" في أحلامهم لتحقيق النصر المطلق.
تحقيق الهدف إذن، في نظر غادي آيزنكوت رئيس الأركان السابق والوزير في وزارة الحرب، سيستغرق سنوات طويلة وليس مجرد أشهر سبعة، ما يجعل حلم تحقيق النصر المطلق أقرب للسراب، كلما اقترب تكشف عن هباء، لكن الأمل الذي يحدو العطشى يتجدد دائمًا.
هذا تحديدًا هو حال حكومة الحرب بقيادة نتنياهو التي وعدت بالقضاء على حماس والمقاومة خلال الشهر الأوّل من المعركة، ثم بنهاية العام الماضي، ثم مع دخول مدينة خان يونس مطلع العام الجاري، إلى أن وصلت إلى مدينة رفح بعد سبعة أشهر من القتال المتواصل، وما زالت تَطرح آجالًا جديدة هي بين الأشهر والسنوات.
ما يفقد الاحتلال قدرته على وضع تقدير زمني أو أهداف عسكرية واقعية، هو فقدانه للمعلومات الدقيقة عن قدرات كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية التي تمثل صندوقًا أسود، في وقت اتّسعت فيه رقعة الصراع في الضفة الغربية، وعلى الحدود اللبنانية وحتى اليمن والبحر الأحمر والأبيض المتوسّط، حتى تحوّلت المعركة إلى حرب استنزاف يغرق فيها الاحتلال، وتجعل الزمن في غير صالحه، إذ انهارت روايته، وتآكلت شرعيته، وازدادت عزلته الدولية.
الشّخْصنة والسّياسة المؤدلجةالعديد من الوزراء في حكومة الحرب يدركون أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود، ويرون أن إطلاق سراح الأسرى يجب أن يشكّل أولوية، وضرورة البحث عن أفق سياسي لإدارة القطاع بعيدًا عن الاحتلال المباشر، لأنه سيشكل معضلة لإسرائيل على المستويين: العسكري، والاقتصادي، وعلى مستوى السمعة الدولية، وسيعرقل فرص التطبيع، وإعادة تموضع إسرائيل في الشرق الأوسط.
ولكن بنيامين نتنياهو لا يزال مصرًّا على موقفه رغم ذلك، وإصراره يعود لأسباب شخصية وسياسية وأيديولوجية لديه؛ فنهاية الحرب دون تحقيق "نصر مطلق"، ستنهي مستقبله السياسي وتحمله مسؤولية الفشل، وستضعه في مواجهة ملفات الفساد التي تلاحقه أمام القضاء.
كما أن قناعته السياسية التي تتقاطع مع اليمين الصهيوني القومي المتطرف، برفض الدولة الفلسطينية، وضم الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية، ستصبح سرابًا بعد أن فقدت إسرائيل قدرتها الردعية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفشلها في استعادته أو ترميمه طوال الأشهر الثمانية التالية، ولذلك يجد نتنياهو في سياسة العناد والهروب إلى الأمام منجاة ومخرجًا محتملًا له ولقناعاته السياسية التائهة في هذه الحرب.
يعيش نتنياهو مزيجًا من "الأنا" المتضخمة والفكر الأيديولوجي المتطرّف، وهو يرى نفسه ملكًا متوجًا لإسرائيل وأحد أهم الشخصيات التاريخية. وتخيل نفسه خارج سدة الحكم أو في قفص الاتهام يسبب له حالة من الرهاب والفزع العميق، وهو يزداد عنادًا كلّما استشعر اقتراب تلك النهاية، ويظن القتال مُنقِذًا له، ولا سيّما مع تحرج الإدارة الأميركية من سحب دعمها له، وإن مارست نقدًا تكتيكيًا لسلوكه، وذلك حتى لا تُغضب اللوبي الصهيوني قُبيل الانتخابات الرئاسية.
لا يشكل الانسياق وراء تلك الأبعاد الشخصية والأيديولوجية لنتنياهو ظاهرة صحية لإسرائيل، في ظل التراجع المتصاعد لقدرتها على الردع، وإنهاك جيشها، وانهيار سمعتها، وتزايد عزلتها الدولية بعد القرارات العدلية الدولية ضدها، ناهيك عن مشاكلها المتفاقمة اقتصاديًا واجتماعيًا؛ بسبب الحرب الاستثنائية في تاريخها.
استبعاد التفكير العقلاني، لصالح التفكير الرغائبي الأيديولوجي لبعض قادتها، وفي مقدمتهم نتنياهو، سيأخذ إسرائيل بعيدًا عن تحقيق "النصر المطلق"، ولا يستبعد أن تحمل الأشهر القادمة مزيدًا من الفشل الإستراتيجي لإسرائيل بسبب تراكم أزماتها الداخلية والخارجية.
يقول اللواء احتياط إسحق بريك: "إسرائيل لا تملك القدرة على كسب الحرب ضد حماس أو حزب الله اللبناني، وعدم إنهاء تلك الحرب سيحوّلها إلى حرب استنزاف تستمر لسنوات، وستؤدي في النهاية إلى انهيارها"، ويضيف: "الجيش الإسرائيلي صغير ومهترئ وليس لديه فائض في القوات، وكل يوم تتواصل فيه الحرب يزداد الوضع سوءًا".
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النصر المطلق
إقرأ أيضاً:
مجزرة جديدة جنوب غزة والأونروا تتهم إسرائيل بانتهاك قواعد الحرب
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجزرة جديدة في منطقة المواصي -التي وصفتها سابقا بأنها آمنة- غرب مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، في حين اتهمت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إسرائيل بانتهاك جميع قواعد الحرب في غزة.
وأفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين -بينهم أطفال- إثر قصف طائرات مسيرة إسرائيلية خيام النازحين في المواصي.
وأظهرت مقاطع مصورة النيران تلتهم عددا من الخيام، بينما كان فلسطينيون يحاولون بوسائل بدائية السيطرة على الحرائق في الموقع المستهدف.
تغطية صحفية| 7 شــهــداء وعدد من الجرحى بقصف مُسيّرات إسرائيلية خيام النازحين بمنطقة المواصي غرب خانيونس جنوب قطاع غزة. pic.twitter.com/pZ4OWpam3U
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) December 22, 2024
وأضاف المراسل أن غارة إسرائيلية أخرى استهدفت سيارة بمنطقة المواصي، مما أسفر عن سقوط شهيدين وعدد من المصابين.
وأفادت مصادر طبية للجزيرة باستشهاد 50 فلسطينيا في الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية.
وفي شمال القطاع، واصل جيش الاحتلال نسف المربعات السكنية في مخيم جباليا وبلدة بيت لاهيا، بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي عنيف طوال ساعات الليل.
إعلانوقالت قناة الأقصى الفضائية إن طائرات الاحتلال المسيّرة "الكواد كابتر" تطلق النار بكثافة على منازل المواطنين في حي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة، وفي شارع النزهة ومحيط دوار فيشارا في جباليا البلد.
حصار المستشفىفي الأثناء، واصلت قوات الاحتلال استهداف مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي القطاع، وقال محاصَرون من الطواقم الطبية والمرضى في المستشفى للجزيرة إنهم "معرضون لخطر الموت جوعا بعد نفاد كل مقومات الحياة الأساسية".
وأضافوا أنهم متكدسون في الممرات الداخلية للمستشفى خشية كثافة النيران الإسرائيلية وعشوائيتها.
وأوضح المحاصرون أنهم غارقون في الظلام، بسبب قصف الاحتلال لمولدات الكهرباء، ولا يعرفون بعضهم بعضا إلا بأصواتهم، كما أكدوا وجود عدد من الشهداء لا يستطيع أحد دفنهم منذ يوم السبت خشية القصف المستمر.
وقال مدير المستشفيات الميدانية بـ"صحة غزة" مروان الهمص، في بيان الأحد، إن الوضع في المستشفى "صعب"، وإن الاتصال مقطوع مع الطواقم الطبية.
وأشار الهمص إلى أن الجيش الإسرائيلي أنذر بإخلاء المستشفى دون إعطاء وسائل لإخراج المرضى.
بدورها، دعت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس إلى وقف الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف المرافق الصحية والعاملين فيها بقطاع غزة.
وأضافت -في مقابلة سابقة مع الجزيرة- أن المنظمة لم تتمكن من تقديم المساعدات الطبية المطلوبة، بسبب القصف الإسرائيلي العنيف.
وتابعت هاريس "نحاول يوميا إيصال المساعدات الطبية لقطاع غزة، لكن سلطات الاحتلال ترفض السماح لنا بذلك".
انتهاك قواعد الحربمن جانبه، أكد المفوض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني أن إسرائيل تنتهك جميع قواعد الحرب في قطاع غزة، الذي يتعرض لإبادة إسرائيلية مستمرة منذ أكثر من 14 شهرا.
وقال في منشور على موقع إكس "لكل الحروب قواعد، إلا أنه تم انتهاك جميع هذه القواعد في غزة، الهجمات على المدارس والمستشفيات باتت أمرا شائعا، ولا ينبغي للعالم التعود على ذلك".
إعلانوأضاف لازاريني "لقد تأخر وقف إطلاق النار في غزة كثيرا".
وبدعم أميركي تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حربا على غزة خلفت قرابة 153 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.