*زيارات قلواك : حرث في بحر..*
د.ابراهيم الصديق على
(1)
قضية نفط جنوب السودان لن تحل من خلال لقاء وزراء النفط فى البلدين ، ولو كان الأمر كذلك لما أحتاج قلواك دينق حمل رسالة من سلفاكير إلى البرهان ، ولكن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك ، وحتى ما ورد من مقترحات حل غير عملية وغير ممكنة ، وهذا نتاج تقديرات حكومة جنوب السودان وخياراتها المترددة ما بين الاستجابة لرهانات خارجية وضغوط مع علاقات شخصية بين حميدتى وقلواك وخطوط تواصل واضح.
– خبراء اوربيين تحدثوا فى مايو من العام الماضي عن خفايا آخر زيارات قلواك دينق إلى السودان فى ابريل 2023م ، ومعرفته مسبقا بتحرك عسكرى بواسطة مليشيا الدعم السريع ، فقد ابلغه حميدتى قائد المليشيا نيته التحرك عسكريا ، وكل ما فعله قلواك هو نصح اقاربه مغادرة الخرطوم قبل يوم السبت 15 ابريل 2023م..
– طيلة أكثر من عام من الحرب ، ظلت مشاركة أبناء الجنوب تتزايد فى الحرب ، و عوضوا كثيرا من استنزاف قاعدة المليشيا ، بعد تراجع نسبة المرتزقة من النيجر وتشاد ومالى ، لدرجة أن عدد المقبوض عليهم فى الاذاعة فقط 152 من منطقة واحدة بأعالى النيل ، وعماد قوة المليشيا ببحري وخاصة مناطق المزارع وشارع مور وحتى شارع القذافى وحتى ود راوه كلها ارتكازات من ابناء جنوب السودان ، ومن الواضح أن ذلك عمل منهجي وخطوط امداد كبير دون أى موقف أو تنبيه أو تحذير من حكومة جنوب السودان..
– واشارت تقارير دولية واممية عن حركة الامداد والتشوين للمليشيا عبر جنوب السودان ، بل بدأت محاولات رصف طرق بين أبو مطارق وراجا ، ومع صعوبة الأمر لكنه إشارة إلى طبيعة العلاقة المسكوت عنها..
(2)
وخلاصة القول ، هذه قضية أمنية وسياسية بالدرجة الاولي ، وعلاجها يبدأ من تصحيح حكومة جنوب السودان لمواقفها وتأكيد دعمها العملي للسودان لانهاء هذه الحرب ، فهذا تمرد على السلطة وتاثيره بالغ على الطرفين..
هذا هو الموقف الجدي ، لا يمكن الضغط تحت قاعدة نفط جنوب السودان (لانقاذ المحاصرين من المليشيا فى مصفاة الجيلى) و(السماح لهم بالبقاء لقصف المدنيين وترويع الامنين) وإعادة تشغيل المصفاة فى هذه الظروف..؟
ولن يكون بمقدور وزراء النفط التقرير بشأن محطة العيلفون بعد استيلاء المليشيا عليها وطرد العاملين منها ، أو توفير الامان لحركة العاملين على طول خط الانابيب ..
كل ذلك غير ممكن وخطوط التواصل والإسناد ممدودة بين قلواك وعبدالرحيم لبحث المخارج وإعادة الحياة فى شرايين المليشيا المنهكة.. مهما كان تآثير النفط على جنوب السودان ، فإن تاثير الحرب المدمرة على بلادنا أشد ضررا وأبعد أثرا..
(3)
وفق تقارير عالمية وخبراء فإن صادرات جنوب السودان النفطية بدأت في الانخفاض وسط الحرب في السودان والوضع في البحر الأحمر. وأشارت وكالة S&P Global Insights إلى أن الصادرات من محطة بشائر النفطية السودانية في البحر الأحمر بلغت أدنى مستوى لها منذ 11 شهرًا عند 79 ألف برميل يوميًا في فبراير. ويمثل صادر النفط 80% من موارد جنوب السودان وعمادها الاقتصادى ، وبدات تاثيرات الحرب منذ بداية هذا العام ، مع تراجع قيمة الجنيه وارتفاع السلع بنسبة 40% ..
وسيكون الوضع أكثر قتامة إذا تطاول الأمر ، ولذلك من الأفضل النظر الجاد إلى الفيل وليس ظله..
(4)
قضية ابيي وما تسرب عن وعود المليشيا بمنحها إلى جنوب السودان ليست النقطة الأكثر خطورة في هذا الموقف ، ومن المهم النظر إلى ما اشار له الأستاذ راشد عبدالرحيم وهو خبير فى قضايا الجنوب عن (دفع ابناء النوير إلى محرقة الحرب فى السودان لإستنزافهم) ، وإنما الخطورة فى تعريض علاقات بلدين جارين و شعبين إلى حالة عداء وجفوة وجدانية ستظل عالقة أمام عبر حقب التاريخ مقابل موازنات ظرفية ، ووقتية..
فالرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى هى الأصل فى علاقات الشعوب وليس عاديات الاحداث أو مغامرات المراهنين..
حفظ الله البلاد والعباد
ابراهيم الصديق على
3 يونيو 2024مإنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: جنوب السودان
إقرأ أيضاً:
موسم التشرذم السياسي في السودان
موسم التشرذم السياسي في السودان
فيصل محمد صالح
تعاني الأحزاب والتيارات السياسية في السودان من حالة تشرذم عامة منذ زمن طويل، لكن وصلت هذه الحالة الآن إلى حدها الأقصى، حتى لم يبقَ حزب على حاله، وتمزقت بعض الأحزاب والكتل إلى مجموعات صغيرة يصعب تجميعها، ثم ساهمت الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين في زيادة حدة التمزق وتوسيع مداه، وذلك بسبب اختلاف المواقف التي، في كثير من الأحيان، لا تتم على أساس القراءات والتحليلات السياسية المختلفة، ولكن على أسس جهوية وعرقية واجتماعية.
آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية.
هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس».
ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محمد مختار الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب.
وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة.
تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً.
عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر.
من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأحزاب اليسار الحركة الإسلامية الحزب الاتحادي الأصل الحزب الشيوعي السوداني السودان القوى السياسية المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني حزب الأمة القومي حزب البعث فيصل محمد صالح