عربي21:
2024-09-29@00:54:32 GMT

احتجاجات العطش في الجزائر

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

مع اقتراب حلول فصل الصيف كل عام تتجدد احتجاجات العطش في ربوع الجزائر، ويتزايد غضب المواطنين الذين قست عليهم الطبيعة وتقلبات المناخ، ولم توفر لهم دولتهم الوطنية، من الإمكانيات والوسائل ما يواجهون به تحدي الأمن المائي، وما يترتب عنه من صعوبات في العيش والمعيش. فدائرة العطش ما انفكت تتسع، ومساحتها الترابية والبشرية اكتسحت جل ولايات الجزائر، بل أعطت وتعطي الجزائر العاصمة نموذج الحواضر الأكثر عرضة لانقطاعات الماء الشروب ساعات كل يوم، وبشكل يكاد يكون منتظما.



ففي شهر تموز/ يوليو من العام 2021، قطع المواطنون الطريق الرئيسية المؤدية إلى المطار، بسبب العطش الذي ألمّ بهم لأيام، وجعل أوضاعهم المعيشية صعبة إن لم نقل غير قابلة للاحتمال، في بلد تجاوز سكانه الأربعين مليون نسمة، وله شريط ساحلي ممتد على المتوسط بآلاف الكيلومترات. والحقيقة أن حواضر ومدنا أخرى تظاهرت للسبب نفسه خلال سنوات متعاقبة، من قبيل "تيزي وزو"، و"بجاية"، وتيارت" وغيرها من المناطق التي مسّتها موجات العش وندرة المياه.

تطرح أزمة المياه في الجزائر، وفي جوارها الإقليمي والجهوي أكثر من سؤال عن دور الدولة ومؤسساتها في تدبير المخاطر المتزايدة بسبب تراجع مخزون المياه، ونضوب أرصدة السدود وما يدخل في حكمها
ومع قرب حلول صيف هذا العام (2024) اندلعت من جديد موجات الغضب في مدينة "تيارت"، البعيدة عن العاصمة الجزائر بأقل من 300 كلم، احتجاجا على حال العطش الذي يعاني منه السكان، وتردي الأوضاع العام الصحية والنفسية الناجمة عن شح المياه، وقلة البدائل المتاحة لمواجهتها. لذلك، تطرح أزمة المياه في الجزائر، وفي جوارها الإقليمي والجهوي أكثر من سؤال عن دور الدولة ومؤسساتها في تدبير المخاطر المتزايدة بسبب تراجع مخزون المياه، ونضوب أرصدة السدود وما يدخل في حكمها.

فالجزائر، بحسبها دولة نفطية، تملك الإمكانيات المادية الكفيلة بمساعدتها على التغلب على مخاطر أزمة المياه، من خلال ما تتيح التكنولوجيا الجديدة من وسائل لمواجهة ندرة المياه، ولها في ذلك نماذج ناجحة لبعض الدول العربية، التي تعاني من استدامة قلة التساقطات المطرية وشح المياه، كما هو حال دول الخليج العربي، وتمكنت من توظيف جزء من مقدراتها النفطية لرفع عسر الإشباع من المياه وضيق العطش عن مواطنيها، كما وضعت سياسات عمومية موسومة بالاستمرارية والنجاعة لجعل مواجهة نقص المياه والتغلب عليه محور اهتماماتها، وفي صدارة أولوياتها الوطنية.

لا شك أن الجزائر تحصد نتائج خياراتها التنموية المعتمدة منذ عقود، إن لم نقل منذ الإعلان عن استقلال البلاد سنة 1962، ولا سيما مع حكم الرئيس الثاني بومدين (1965). فقد ركزت على النفط ومشتقاته كمصدر رئيسي للثروة الوطنية، واعتبرته محور بناء التنمية، وتركت المصادر الأخرى دون اهتمام، بل قامت بهدر ما لها من إمكانيات في المجال الزراعي، وما تتوفر من مؤهلات في الميدان السياحي، ولأنها ربطت مصيرها بالنفط وما له من نتائج مادية مباشرة، ساهمت في تكوين ثقافة مجتمعية، قوامها توزيع الريع النفطي، وفق فلسفة تتوخى شراء السلم الاجتماعي، وتوطين ثقافة الاتكالية وازدراء العمل كقيمة اجتماعية منتجة. ولأن منسوب الحكامة المالية وآليات الرقابة والفحص (Audit) وثقافة المساءلة والمحاسبة ضعيفة الفضاء العام، لم توظف عائدات النفط في القطاعات الإستراتيجية، كما هو حال قطاع الماء، الذي أصبح أخطر من النفط ذاته، من زاوية التأثير على الاستقرار المجتمعي والسلم المدني.

لنتذكر أن الاستيطان الفرنسي خرج من الجزائر تاركا مساحات زراعية شاسعة، وحقولا من الكروم والحمضيات، وزراعة القمح والحبوب إجمالا، ناهيك عن الخضراوات والفواكه، إلا أن استراتيجية التصنيع، أو ما سماها ودعا إليها رجل الاقتصاد الفرنسي "Gerard Debernis"  (1928-2010) بـ"الصناعة المصنعة" وألزم الجزائر باعتمادها، والتي دفعت الجزائريين دفعا إلى الحلم بتحويل بلدهم إلى قطب الصناعة في المنطقة المغاربية وجعلها "يابان شمال أفريقيا"، كانت نتيجتها المفجعة أن مُنيت سياسة التصنيع بالفشل الذريع، بسبب ضيق السوق المغاربية وانسداد الأسواق الأجنبية أمامها، والتبعية التكنولوجية المطلقة للجزائر تجاه الخارج.

ليست احتجاجات العطش في حواضر الجزائر ومدنها، سوى نتيجة من نتائج فشل الخيارات التنموية لسياسات الجزائر ما بعد الاستقلال، ولعل ما هو أخطر من كل هذا؛ الاستمرار في إعادة إنتاج الخيارات ذاتها، دون امتلاك جرأة وشجاعة الجهر بالحقيقة، والنظر إلى المستقبل بقدر من الموضوعية والواقعية والفاعلية
ولأن حلم التصنيع كان كبيرا وضاغطا فقد جرفت الجزائر المستقلة كل الحقوق الزراعية لبناء المصانع، وتخلت عن تطوير ما يرتبط بالفلاحة من تشييد السدود، واستغلال التساقطات المطرية، وتطوير مصادر المياه، فوجد الجزائريون أنفسهم يعيشون من النفط، ولا شيء سوى النفط، ويعانون من التبعية للخارج في أمور ذات طابع استراتيجي في حياتهم، وعلى رأسها المياه والحبوب، والخضراوات.
 أما السياحة فلا وجود لبنية تحتية تحضنها وتطورها، ولا تقاليد وثقافة تمكن الإنسان الجزائري من استغلال مؤهلات بلاده السياحية، وهي كثيرة، من أجل خلق تراكمات مادية منتجة للتنمية ومشجعة عليها.

ليست احتجاجات العطش في حواضر الجزائر ومدنها، سوى نتيجة من نتائج فشل الخيارات التنموية لسياسات الجزائر ما بعد الاستقلال، ولعل ما هو أخطر من كل هذا؛ الاستمرار في إعادة إنتاج الخيارات ذاتها، دون امتلاك جرأة وشجاعة الجهر بالحقيقة، والنظر إلى المستقبل بقدر من الموضوعية والواقعية والفاعلية.

فقد شاهد المتابعون للشأن الجزائري طوابير المواطنين يبحثون عن ليترات من الحليب، وبعض أنواع القطنيات، والخضراوات، أما الفواكه فكانت حتى وقت ليس ببعيد شبه منعدمة في الأسواق الجزائرية. لذلك، سيكون ملحّا ومطلوبا من النخبة القائدة في الجزائر النظر إلى المستقبل والتخطيط له بغير العقلية التي عمرت عقودا، ورهنت السياسات العمومية، دون جدوى، منذ الإعلان عن الاستقلال في 5 تموز/ يوليو 1962، والذي ستحل ذكراه بعد يومين.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائر المياه الجزائر المياه الجفاف موارد سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الجزائر

إقرأ أيضاً:

"زمة المياه في مصر".. التحديات والحلول من خلال تحلية مياه البحر

تشكل أزمة المياه في مصر أحد التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد، حيث تعاني من نقص حاد في الموارد المائية اللازمة لتلبية احتياجات سكانها المتزايدين. 

في هذا السياق، قدم الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، تحليلًا مفصلًا حول تكلفة تحلية المياه وأهمية هذه العملية في معالجة نقص المياه.

تكلفة تحلية المياه

وفقًا للدكتور شراقي، تكلف عملية تحلية المتر المكعب من مياه البحر دولارًا واحدًا، أي ما يعادل 50 جنيهًا مصريًا. 

هذه التكلفة تُعتبر معيارًا عالميًا، حيث تتشابه في معظم دول العالم. تأتي هذه المعلومات ضمن حديثه لبرنامج «الخلاصة» على قناة المحور، حيث أشار إلى الدور الحيوي لتحلية المياه في تلبية الاحتياجات المنزلية والصناعية.

الاستخدامات المختلفة لمياه التحلية

تشير التقديرات إلى أن نحو 70% من المياه المحلاة تُستخدم لأغراض منزلية وشرب، بينما تُستخدم النسبة المتبقية في الصناعة.

 وهذا يعني أن تحلية المياه تعد ضرورة أساسية لتحسين نوعية الحياة في الدول التي تعاني من نقص المياه.

أزمة المياه في مصر

يواجه قطاع الزراعة في مصر أزمة حادة في المياه، وهو الأمر الذي يتطلب التركيز على معالجة هذه الأزمة بشكل خاص. أوضح الدكتور شراقي أن حصة الفرد السنوية من المياه تُعتبر منخفضة مقارنة بالاحتياجات الأساسية، مما يعكس عمق المشكلة التي تعاني منها البلاد.

حصة الفرد من المياه

مصر تضم نحو 105 ملايين نسمة، ويحتاج الفرد سنويًا إلى نحو 1000 متر مكعب من المياه. بالتالي، تحتاج مصر ككل إلى نحو 105 مليارات متر مكعب سنويًا. 

ومع ذلك، يُنتج نهر النيل فقط 55 مليار متر مكعب، بينما تتوافر 5 مليارات متر مكعب من مصادر أخرى مثل الأمطار.

عجز المياه

يفيد الدكتور شراقي بأن مصر تعاني من عجز مائي يصل إلى 45 مليار متر مكعب سنويًا. للتغلب على هذا العجز، يُعتمد بشكل جزئي على إعادة استخدام مياه الزراعة من خلال المعالجة المتقدمة. 

وهذا يعكس أهمية التكنولوجيا في تحسين كفاءة استخدام المياه المتاحة.

إعادة استخدام مياه الزراعة

تعتبر عملية إعادة استخدام مياه الزراعة من الحلول الفعالة في مواجهة أزمة المياه. 

يتم تنفيذ هذه العملية عن طريق معالجة المياه المستعملة، مما يساهم في زيادة كفاءة استغلال المياه ويقلل من الفاقد، ويُعتبر هذا النهج ضروريًا لمواجهة العجز المائي الذي يواجهه القطاع الزراعي.

التوجه نحو تحلية المياه

أكد الدكتور شراقي على ضرورة استمرار الدولة في توسيع عمليات تحلية مياه البحر كجزء من الاستراتيجية الوطنية لإدارة المياه. 

فزيادة القدرة على تحلية المياه يمكن أن تساعد في تلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه في البلاد.

الفوائد الاقتصادية والبيئية لتحلية المياه

بالإضافة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية، يمكن أن تساهم تحلية المياه في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال توفير مياه صالحة للاستخدام في الزراعة والصناعة. كما تُعتبر عملية التحلية خطوة نحو تحقيق التنمية المستدامة في ظل التحديات البيئية.

التحديات المستقبلية

على الرغم من الفوائد المحتملة لتحلية المياه، إلا أن هناك العديد من التحديات التي يجب التعامل معها. من بينها:

التكاليف المرتفعة: رغم أن تكلفة تحلية المتر المكعب واحدة من التحديات، إلا أن الأسعار قد ترتفع مع زيادة الطلب.

الآثار البيئية: يحتاج إنتاج المياه المحلاة إلى استهلاك الطاقة، مما يمكن أن يؤدي إلى آثار بيئية سلبية إذا لم يتم إدارة الموارد بشكل مستدام.

البنية التحتية: تحتاج مصر إلى تطوير بنية تحتية قوية لدعم مشاريع تحلية المياه وتحسين نظام إدارة الموارد المائية بشكل عام.

مقالات مشابهة

  • بعد احتجاجات الفصائل الشيعية.. السلطات العراقية تغلق إحدى بوابات الخضراء
  • احتجاجات طلابية في المغرب وتضامن واسع معهم.. ما الذي يحدث؟ (شاهد)
  • عربي21 ترصد احتجاجات طلبة المغرب والتضامن الواسع معهم.. ما الذي يحصل؟ (شاهد)
  • عاجل- احتجاجات عربية في الأمم المتحدة رفضًا لخطاب نتنياهو والوفود العربية تغادر القاعة
  • عاجل- احتجاجات عربية في الأمم المتحدة رفضًا لخطاب نتنياهو
  • متابعة طلبة كليات الطب والصيدلة بالرباط في حالة سراح بعد احتجاجات
  • احتجاجات في تونس بعد تصويت البرلمان على تعديل مشروع قانون مثير للجدل
  • سقوط صاروخ داخل المياه على بعد 20 مترا من بحيرة طبريا
  • «علوم الاستمطار» يناقش استراتيجيات إدارة المياه المستدامة
  • "زمة المياه في مصر".. التحديات والحلول من خلال تحلية مياه البحر