حكومة جديدة دون تغيير رئيسها في مصر.. لماذا يستمر مدبولي؟
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
جاء تكليف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الاثنين، رئيس الوزراء المستقيل مصطفى مدبولي، بتشكيل حكومة جديدة ليثير تساؤلات عدة عن دوافع تلك الخطوة.
وبينما انتقد البعض بقاء مدبولي في منصبه الذي يشغله منذ نحو 6 سنوات رغم ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية خانقة، ووسط حديث عن رفع مرتقب لأسعار الكهرباء والأدوية والوقود وسلع أخرى، يرى آخرون أن الحكومة سوف تعمل بقيادته على مواصلة خطة إصلاحات ضرورية.
وقدم مدبولي استقالة الحكومة للسيسي، الذي قبلها بدوره، وكلفه فورا بتشكيل حكومة جديدة.
وجاء في بيان للرئاسة المصرية، أن السيسي كلف مدبولي "بتشكيل حكومة جديدة من ذوي الكفاءات والخبرات والقدرات المتميزة، تعمل على تحقيق عدد من الأهداف، على رأسها الحفاظ على محددات الأمن القومي المصري في ضوء التحديات الإقليمية والدولية".
وأضاف البيان أن التكليفات تضمنت "مواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق".
ويعيش ما يقرب من ثلثي سكان مصر، البالغ عددهم 106 ملايين نسمة، تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، وتواجه البلاد انخفاضا في عائدات النقد الأجنبي، سواء من السياحة التي تضررت من وباء كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، وحاليا في قطاع غزة، وكذلك من قناة السويس.
وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مارس الماضي، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن قفز إلى 35.7 في المئة في فبراير، من 29.8 في المئة في يناير، مدفوعا بشكل أساسي بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات.
وفي مايو، أظهرت بيانات البنك المركزي أن التضخم الأساسي انخفض إلى 31.8 في المئة على أساس سنوي في أبريل.
وجاءت زيادة الأسعار نتيجة لخفض قيمة العملة المحلية، إذ سمح البنك المركزي للجنيه المصري بالانخفاض في مارس الماضي إلى نحو 47 جنيها للدولار من 30.85 جنيه، وهو المستوى الذي كان ثابتا عنده على مدى الـ12 شهرا السابقة.
أسعار مرتفعة رغم الإقبال المحدود.. أسواق اللحوم في مصر بين نقيضين شهدت أسواق اللحوم في مصر حالة من التناقض قبيل عيد الأضحى، حيث يعاني المستهلكون من ارتفاع ملحوظ في الأسعار، بينما يشكو التجار من ضعف الإقبال.وخلال السنوات الـ10 الماضية، منذ تولي السيسي رسميا مهام رئاسة مصر في 2014، ارتفع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه (العملة المحلية) وهو ما انعكس بدوره على أسعار جميع السلع، لتعلو الأصوات التي تشكو من الغلاء الشديد وصعوبة المعيشة، خاصة فيما يتعلق بأسعار الأغذية الأساسية، لا سيما بعد عزوف الكثيرين عن شراء السلع الترفيهية والمستوردة.
"قرار جريء".. كيف حلّقت الأسعار في مصر خلال 10 أعوام؟ بالتزامن مع قرار الحكومة المصرية زيادة سعر رغيف الخبز المدعوم بنسبة 300 في المئة لأول مرة منذ عقود، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء ، مصطفى مدبولي، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي جدلا كبيرا بسبب غضب المصريين من استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية بين الحين والآخر.ورفعت مصر أسعار مجموعة واسعة من منتجات الوقود في مراجعتها ربع السنوية في مارس.
وقال مدبولي إن مصر ستبدأ سداد ما بين 20 إلى 25 بالمئة من المتأخرات المستحقة للشركات الأجنبية للطاقة. وكانت متأخرات مستحقة لشركات ومقاولين بدأت تتراكم على مصر بسبب نقص طال أمده في العملة الأجنبية.
الخبز وغيرهوأعلنت القاهرة، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم، رفع سعر رغيف الخبز المدعوم لأول مرة منذ 3 عقود من 5 قروش إلى 20 قرشا، اعتبارا من الأول من يونيو الجاري، وهي خطوة تقول الحكومة إنها "ضرورية لتتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار".
وقال مدبولي حينها إن بلاده مضطرة لتحريك الأسعار "لكن الخبز سيظل مدعوما بصورة كبيرة".
ومن جانبه، قال وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، السبت الماضي، إنه قدم مقترحا برفع سعر كيلوغرام السكر المدعوم للمواطنين ليصل إلى 18 جنيها بدلا من 12.60، وذلك في وقت شهدت فيه الأسواق المصرية أزمات خلال الفترة السابقة مع هذه السلعة.
وتعتقد الخبيرة الاقتصادية، عالية المهدي، في مقابلة مع موقع الحرة أن بقاء مدبولي جاء لأن السيسي "يستريح في التعامل معه رئيسا للوزراء. هذا هو المنطق الوحيد للاختيار".
ومن جانبه، يرى المحلل الاقتصادي المصري، علاء عبد الحليم، في مقابلة مع موقع الحرة، أن مدبولي الشخص المناسب للقيادة السياسية "لأنه ينفذ التكليفات ولا يعارض القرارات وليس شخصا لديه رؤية مختلفة".
ورغم الأزمات الاقتصادية، يشير عبد الحليم إلى أن مصر دائما ما تلقي باللوم في أزماتها الداخلية على أسباب خارجية مثل الحرب الأوكرانية والصراع في السودان، ويعتقد المسؤولون المصريون أنهم يفعلون كل ما في وسعهم بينما تقف الظروف ضدهم.
وكان مدبولي صرح في يناير الماضي، في معرض حديثه عن خفض الدعم بأن مصر واجهت أزمات عالمية مثل كورونا، والحرب الأوكرانية، وأزمة التضخم العالمية، وهو ما أدى إلى اختلاف سعر الصرف بين الدولار والجنيه، ومثل عبئا على الدولة المصرية.
ويشر فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري، في مقابلة مع موقع الحرة إلى أنه بسبب الظروف الأمنية والسياسية الإقليمية "الصعبة" ترى القيادة السياسية ضرورة استمرار مدبولي في رئاسة الحكومة.
تحديات عدةويشير الفقي إلى أن مصر محاطة بالعديد من التحديات السياسية والأمنية مثل ملف المياه، وملف الصراع بين الجيش والدعم السريع في السودان، وحرب غزة، والتوتر في البحر الأحمر وتداعياته على قناة السويس، ورغم ذلك فإن مصر "كانت قادرة في الوقوف على قدميها".
ولا يستبعد الفقي إجراء تغييرات في وزراء المجموعة الاقتصادية بالحكومة الجديدة من أجل إصلاح "التشوهات الهيكلية، أولا من خلال إعادة صياغة منظومة الحماية الاجتماعية ومحاربة الغلاء والتضخم".
وتتوقع المهدي تغيير بعض الوزراء، مثل وزير الصناعة أو الكهرباء، أو الوزراء المعنيين بمنظومة الحماية الاجتماعية.
ويطالب الفقي بضرورة أن تعمل الحكومة على إيصال الدعم لمستحقيه بصورة أفضل من الوضع الحالي.
ويشير إلى أن المشكلة لا تتعلق بالتضخم فهي مشكلة عالمية، لكنها تتعلق بانخفاض معدلات الدخول في مصر، مشيرا إلى أن معدلات التضخم زادت نحو 6 أضعاف منذ جائحة كورونا، في حين ارتفعت إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير في دول أخرى.
ويقول: "التضخم ظاهرة عالمية لكنها تظهر بقوة في الدول ذات الدخول المنخفضة".
ويدعو الفقي إلى ضرورة إيصال الدعم لمستحقيه بشكل نقدي مباشر، ويعتقد أن نظام الشرائح المعمول به في تسعير الكهرباء يسمح بتحويل الدعم من الفئات القادرة إلى الفئات غير القادرة، وهو أمر مشابه لما يحدث مع تسعير الوقود، حيث يتحمل أصحاب السيارات الأكبر حجما التكلفة الأعلى
ويقول: "لذلك أصحاب الدخول المرتفعة يغطون أصحاب الدخول المنخفضة ورغم ذلك، فالدولة لاتزال تدعم الكهرباء والمنتجات البترولية بنحو 155 مليار جنيه وهذا إهدار للموارد المحدودة".
ويشير إلى أن مهمة محاربة التضخم يتحملها البنك المركزي، الذي رفع أسعار الفائدة أكثر من مرة، وكان لذلك آثار سلبية على النشاط الاقتصادي ولكن بشكل مؤقت، أملا في خفض التضخم تدريجيا، وبالفعل انخفضت معدلات التضخم من 40 في المئة تدريجيا إلى حوالي 31 في المئة في أبريل.
ويتوقع الفقي أنه بنهاية 2025 سيعود التضخم إلى معدل ما قبل الحرب الأوكرانية، أي أقل من 10 في المئة، وهي معدلات يرى أن المواطن البسيط يمكن أن يتحملها.
ومن جانبه، يرى عبد الحليم أن المشكلة الأساسية التي تواجهها مصر ليست في رفع الدعم بل الديون الداخلية المتراكمة، وتكلفة بعض السلع التي توفرها الحكومة.
ويشير عبد الحليم إلى أن قرار زيادة سعر الخبز صحيح 100 في المئة فنيا، لكنه لا يعالج مكمن المشكلة، فالدولة تنفق نحو 125 مليار جنيه على دعم الغذاء، وحوالي 70 مليار على دعم الطاقة في حين تدفع ثلاث أضعاف ذلك في فوائد الديون.
ويشير إلى أن هذا الأمر يدفع الدولة إلى خفض بعض الخدمات من أجل سداد المديونية.
ويضيف عبد الحليم: "لا يجب الحديث عن الدعم دون حل المشكلة الكامنة" و"المهم تغيير السياسيات وليس تغيير الأشخاص. تستطيع تعيين أفضل شخص في العالم لكن ستحصل على نفس النتيجة".
ويتوقع الفقي أن تعمل حكومة مدبولي على توفير فرص العمل وهو ما سيساهم في زيادة الناتج المحلي، وستكون لذلك تبعات اقتصادية تتمثل في زيادة معدل النمو، وهو ما ستكون مهمة القطاع الخاص.
ويقول الفقي، وهو مسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، إن القطاع الخاص كان يساهم في الاقتصاد بنحو 25 في المئة، والآن يمكنه المساهمة بنحو 50 في المئة.
توقعاتوتوقعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية نمو الاقتصاد المصري بنسبة تتراوح بين 2.9 في المئة و3 في المئة في السنة المالية التي تنتهي في نهاية الشهر الجاري، قبل أن يتسارع إلى 4.2 بالمئة في 2024-2025. وقالت الوزارة إن الاقتصاد سينمو نتيجة الإنفاق الاستثماري وصافي الصادرات والواردات والإنفاق الاستهلاكي.
وتوقع وزير المالية، محمد معيط، خلال محادثات مصر مع صندوق النقد الدولي في واشنطن في 16 أبريل، نمو الاقتصاد بواقع 2.8 في المئة هذا العام، و4.2 في المئة في 2024-2025.
وتأثر الاقتصاد المصري بشدة بسبب النقص الحاد في العملة الأجنبية، لكن الوضع تحسن مع إبرام صفقة رأس الحكمة الضخمة مع الإمارات في أواخر فبراير، وتوقيع اتفاق قيمته 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في أوائل مارس.
ويقول الفقي إن القاهرة تفتح المجال أمام القطاع الخاص المحلي والأجنبي، من خلال تسهيل إجراءات الاستثمار، ومن خلال الإنفاق على بنية تحتية قوية.
وقال الفقي إن الاستقرار السياسي والإنفاق على البنية التحتية، من شبكة الطرق والكهرباء والمياه ومحطات الطاقة، ساهم في عقد صفقات مثل رأس الحكمة وغيرها، ساهمت في الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية.
كما أن مصر لديها سوق قوي يضم 115 مليون مصري وأجنبي.
ويشير إلى أن تطبيق الخطة التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخرا، وتتضمن وقفا دائما لإطلاق النار وإعادة الإعمار، سيساهم في تخفيف الضغط على مصر من خلال تخفيف التوتر في منطقة البحر الأحمر، وبالتالي قناة السويس.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القطاع الخاص حکومة جدیدة فی المئة فی عبد الحلیم من خلال فی مصر وهو ما أن مصر
إقرأ أيضاً:
خبراء الاقتصاد العراقي:لماذا لاتنشئ حكومة السوداني “صندوقا سيادياً” لتحقيق الاستقرار المالي ؟
آخر تحديث: 2 فبراير 2025 - 11:46 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- يستشهد خبراء الاقتصاد بتجارب دولية ناجحة في إنشاء صناديق سيادية مثل الصندوق السيادي النرويجي الذي يعد من أكبر الصناديق الاستثمارية في العالم حيث يستثمر عائدات النفط في مجموعة متنوعة من الأصول لضمان الاستدامة المالية للأجيال القادمة. كما نجحت دول خليجية مثل السعودية والإمارات وقطر في إنشاء صناديق سيادية ضخمة أسهمت في تنويع اقتصاداتها وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل، ومع ذلك، فإن العراق يواجه تحديات كبيرة قد تعرقل إنشاء مثل هذا الصندوق، منها ضعف الاستقرار السياسي وتأثيره على القرارات الاقتصادية الكبرى إضافة إلى الفساد الإداري الذي قد يعيق حسن إدارة واستثمار أموال الصندوق والتحديات القانونية والتشريعية المتعلقة بتأسيس وإدارة الصندوق وفق معايير الحوكمة الرشيدة، فضلاً عن تذبذب أسعار النفط وتأثيره على تدفق العائدات المالية. يرى بعض الاقتصاديين أن إنشاء الصندوق السيادي قد يسهم في تقليل الاعتماد على المساعدات الدولية والقروض الخارجية، كما يمكن أن يساعد في استقرار سعر صرف الدينار العراقي وتقليل التضخم. كذلك، فإن استخدام أموال الصندوق في دعم مشاريع البنية التحتية والإسكان والصحة والتعليم بدلاً من الاعتماد الكامل على الموازنة العامة سيعزز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. من جهة أخرى، فإن الحكومة العراقية قد تواجه معارضة سياسية أو حزبية حول إنشاء هذا الصندوق، حيث يمكن أن تظهر مخاوف من استخدامه لأغراض غير اقتصادية أو خضوعه لتجاذبات سياسية تؤثر على استقلاليته. ورغم كل هذه التحديات، تبقى التجارب الناجحة في دول أخرى دليلاً على أهمية مثل هذه الصناديق في تحقيق الاستدامة المالية، وهو ما يدفع نحو ضرورة أن يتخذ العراق خطوة جادة في هذا الاتجاه.يعد إنشاء صندوق سيادي بالدولار الأمريكي خطوة استراتيجية يمكن أن تساهم في تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد للعراق من خلال استثمار عائدات النفط في مشاريع إنتاجية تعزز النمو والتنمية المستدامة. ومع تصاعد الدعوات لإنشاء هذا الصندوق، يبقى السؤال الأهم: هل تمتلك الحكومة الإرادة السياسية والإدارية اللازمة لتحقيق هذا المشروع الحيوي.