أغنية «الحزن النبيل».. مناجاة الأسى المميت

عبد الله برير

عبد الله برير

دونما أدنى هدهدات، تشرع الموسيقى في اقتياد نياط القلب بحزن فجائي يطل من على ليلات الخوف، تذبح المقدمة اللحنية شرايين الحنين بنصل الوجع الحاد، تغمض عيني الواقع وتفتح دهاليز الشجن وصولاً للحن معقد مفعم بالتراجيديا.

صولات الساكسفون الباكية تؤانس الجيتار النائح، وجع الإيقاعات المستغرقة في المأساة.

صوت مصطفى سيد أحمد يطل في فجائية ثكلى (وبقيت أغني عليك غناوي الحسرة والاسف الطويل).. واو الاستئناف على ما قبلها من استسلام وخضوع لمآلات الحال، اجترار التضحيات (وعشان اجيب ليك الفرح رضيان مشيت للمستحيل) حيث الاستعداد الفطري والرضاء التام لطرق أبواب المستحيل، (ومعاك في آخر المدى)، وهب نفسه للانهاية رفقتها، وفي معيتها بيد أنها والظروف جوبها بفوات القطار وضنين الوعد وتخاذلت هي أيضاً، (فتيني يا هجعة مواعيدي القبيل) حيث إخلاف الوعود وأفول شمس اللقيا الحقة، (بعتيني لحضن الأسى وسبتيني للحزن النبيل).. سلمته أحضان الأحزان، وزادت عليه بأن حبسته خلف قضبان الأسى.

تهتز أغصان غابات الحزن مجدداً وتعصف الرياح بحفيف مخيف، مع سيمفونية الوجع حيث الاسترسال في سبر أغوار التضحيات (ومشيت معاك كل الخطاوي الممكنة وبقدر عليها وبعرفها) حيث السفر في دروب المتاح واللاممكن، المستحيل الذي يعرفه والممكن المتاح، (أوفيت وما قصرت في حقك ولا كان عرفة غيرك أصادفها)، المكوث في أعماق الوفاء كيونس في حوت الإخلاص، وتمنى لو أنه ما عرف غيرها إذ ذاك يكفيه، بعدها جرفه تيار حبها العنيف (وقدر هواك يجيبني ليك جمع قلوبنا وولفها) حالة الإلفة التي اعترت المعشوقين حتى وصلا شواطئ التآلف الرحبة (وقتين بقيتي معايا في أعماقي في أعماق مشاعري المرهفة) وهنا تتجلى عبقرية نطاس الرهافة الحاذق صلاح حاج سعيد ربان سفينة المفردات الجزلة بدءاً من اختيار النبل صفة للحزن وصولاً لـ(وقتين) الحنينة التي تشبه صلاحا المرهف، أعماق الأعماق المرهفة، جنان الشاعر البريئة الصادقة الوارفة، انتفاضة شعرية وتحد قلما نلاقيه في أغاني الشاعر (لا منك ابتدت الظروف لا بيك انتهت الأماني المترفة)، الذائقة العالية في اجتزال العبارة، عدم توقف الدنيا على ذهاب المحبوبة رغم الأسى الذي خلفه غبار جراحها على مسامات الروح، فيما لن تسقط الأماني صريعة رحيلها، وسرعان ما يستدرك الشاعر صعوبة الحياة وقسوة الأماني الغدارة التي تخطف القاصي من أنعام الآمال والداني، (ما أصلو حال الدنيا تسرق منية في لحظة عشم) إجهاض الأحلام في صدر الوقت والنائم أحوج ما يكون للاسترسال في العشم، (ندمان أنا؟) استفهام تقريري تجيب عنه الآلات الموسيقية التي تستفسر المدى والمجهول وتستغرق في التفكير فيرد المصطفى في جسارة (أبداً وحاتك عمري ما شلت الندم)، لا ندم على حب اختير طواعية بكامل الحضور والمخاوف، ولا أدل على ذلك قسمه بحياة المحبوبة نفسها، و(أنا عندي ليك كان الفرح رغم احتمالي أساك يا جرح الألم)، أعد لها براحات الأفراح ولوحات البهجة على الرغم من يقينه احتمالية نهايات مأساوية أسماها بجرح الألم، لكان قد وهبها الفرح المخبأ رغم تخوفه من التشظي بألم الجراحات، (كان خوفي منك جايي من لهفة خطاك على المواعيد الوهم) وهو المثقل بالهواجس من لهفة خطى المحبوبة واستعجالها الحزن النبيل، بالمواعيد القاتلة، والنتيجة عند آخر المطاف (أهو نحن في الآخر سوا باعنا الهوى ماشين على سكة عدم) ضحايا العشق في الطريق إلى درب المستحيل حيث لم تستبن هي النصح إلا بنهاية المأساة، تاركة لكليهما الحسرة والأسف الطويل الأبدي البرزخي.

الوسومالحزن النبيل صلاح حاج سعيد عبد الله برير مصطفى سيد أحمد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحزن النبيل مصطفى سيد أحمد

إقرأ أيضاً:

19 شهيدًا في غارات إسرائيلية على غزة: تصعيد جديد ومأساة مستمرة

أكدت وسائل إعلام فلسطينية أن الغارات الإسرائيلية التي بدأت فجر يوم الإثنين أسفرت عن استشهاد 19 شخصًا وإصابة العشرات في أنحاء متفرقة من قطاع غزة، مما يزيد من معاناة المدنيين في ظل التصعيد المتواصل.

قصف حي الدرج: تفاصيل الحادث


وأشارت التقارير إلى أن مستشفى المعمداني استقبل عددًا من الجرحى، إثر قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الدرج شرقي مدينة غزة، ما تسبب في دمار واسع بالمنطقة.

أجواء من الحزن والغضب

الهجمات الإسرائيلية على غزة خلّفت أجواء من الحزن والغضب، وسط دعوات دولية لوقف التصعيد وضمان حماية المدنيين.

مقالات مشابهة

  • 19 شهيدًا في غارات إسرائيلية على غزة: تصعيد جديد ومأساة مستمرة
  • "روح الروح".. وداع "أبو ضياء" أيقونة الحزن والصبر في غزة
  • حمدان بن محمد: من كان رئيسه محمد بن زايد وملهمه محمد بن راشد لن يعرف المستحيل
  • هرب من صاحبه وسط الفرح.. أسد يخرج عن السيطرة في ليبيا.. إيه الحكاية
  • والي الخرطرم: أبطال نادي الهلال الرياضي حققوا المستحيل خارج أرضهم وجمهورهم
  • عمرو الليثي ناعيًا نبيل الحلفاوي: وداعًا ايها الفنان النبيل
  • عمرو الليثي ناعيًا الفنان القدير نبيل الحلفاوي: وداعًا أيها الفنان النبيل
  • متطوعون بأزياء الأبطال الخارقين ينشرون الفرح بين الأطفال المرضى بالسرطان| فيديو
  • متطوعون بأزياء الأبطال الخارقين ينشرون الفرح بين الأطفال المرضى بالسرطان في مستشفى بريشتينا بكوسوفو
  • الجزيرة ترصد أجواء الفرح في ريف دمشق بعد عودة المهجرين