صحيفة التغيير السودانية:
2024-06-30@00:53:47 GMT

حول المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم»

تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT

حول المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم»

حول المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم»

عمر الدقير

شهد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية “تقدم”- الذي أنهى أعماله في أديس أبابا يوم ٣٠ مايو الماضي- مشاركة واسعة ومتنوعة من مختلف فئات الشعب السوداني، فقد وَفَد المشاركون من جميع ولايات السودان ومن مهاجر السودانيين في مختلف بقاع الدنيا- ممثلين لقوى سياسية وحركات مسلحة ولجان مقاومة وعدد كبير من تشكيلات المجتمع المدني ومن رموز الفن والإبداع وعسكريين متقاعدين وأصحاب أعمال ومهنيين ونقابيين ومزارعين ورعاة ولاجئين ونازحين- واتسمت مداولات المؤتمر بالجدية وروح وحدة الهدف وشراكة الهم والأمل، وتأكيد عزيمة المؤتمِرين على العمل الدؤوب للمساهمة في إيقاف الحرب لمصلحة مسار سياسي سلمي  لتحقيق التعافي الوطني والتوافق على تجاوز أخطاء العقود السابقة، منذ الاستقلال، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تسع جميع أهلها بلا تمييز على أي أساسٍ كان.

أشارت الرؤية السياسية التي أجازها المؤتمِرون إلى أن إيقاف الحرب يتطلب توحيد جهود كافة السودانيين الساعين لهذا الهدف وتنسيقها عبر أوسع تيار سياسي واجتماعي ممكن .. وبالطبع جاء تكوين “تقدم” كمحاولة صادقة في طريق الاستجابة لهذا المطلب باعتباره أحد أهم شروط النجاح لانتشال بلادنا من مستنقع أزمتها الحالية. وغنيٌّ عن القول أن مهمة إكمال إنجاز هذا المطلب تقع على عاتق الجميع وليس “تقدم” وحدها وشروط إنجازه ليست مستحيلة، فهي تتطلب امتلاك “الوعي المشحون بالاستقامة” والترفع عن الحسابات الصغرى وإعلاء لغة التواصل على لغة التنافر، وتقديم ما هو جوهري على ما هو ثانوي واحترام تقاليد  العمل المشترك.

في هذا السياق، وفي إطار الانفتاح على الآخرين، اشتملت الرؤية السياسية التي أجازها المؤتمر التأسيسي على مقترح مائدة مستديرة تجمع كل المنادين بإيقاف الحرب وإنهاء معاناة شعبنا .. كما رحّب البيان الختامي بكل الجهود الدولية والاقليمية الرامية لإيقاف الحرب وتيسير خيار الحل السياسي بما في ذلك المبادرة التي أعلنتها جمهورية مصر الشقيقة مؤخراً، والتي تلقينا اتصالاً من المسؤولين المصريين بشأنها، وسيتم التواصل معهم خلال الأيام القليلة القادمة لمناقشة التفاصيل المرتبطة بها.

إن ملايين السودانيين الذين تابعوا  المؤتمر التأسيسي لـ “تقدم” تحدوهم آمالٌ عريضة بأن يكون ما بعده مساهمة فعالة في اتجاه تحقيق مطلب إيقاف الحرب ومعالجة الكارثة الإنسانية ووضع الوطن على درب الخلاص والنهوض بإرادة جماعية .. هذه الآمال تفرض على جميع منسوبي “تقدم” – خصوصاً المُصَعّدين للهياكل القيادية – إدراك أنها كيان جبهوي عريض يجب أن يُدار بعقل جماعي وبالتزام تام بالمؤسسية وتشاركية صناعة القرارات وصياغة المواقف، وأن تعتمد الشفافية داخل هياكلها وأمام الشعب، وأن تسود داخلها الاستقامة الأخلاقية الصارمة، والالتزام الصميم بمصالح شعبنا وبما تم التوافق عليه سياسياً وتنظيمياً.

“السلام هو الطريق”، كما قال المهاتما غاندي.. الحل السياسي، لا العسكري، هو خلاص شعبنا من ويلات الحرب وتداعياتها، وموقفنا الداعي لإيقاف الحرب عبر التفاوض لا يرتبط بتقدم هذا الطرف أو ذاك في ميدان المواجهة العسكرية، بل هو موقف مبدئي يتأسس على حقيقة أن الحرب- حتى لو كان مسرحها ولاية واحدة- تعني الموت والتشريد والجوع والتدمير والانتهاكات وكل أشكال المعاناة الإنسانية وتهديد وحدة الوطن، وهي تَمَظْهُر للأزمة الوطنية المتراكمة التي لا يمكن حلها إلا بمخاطبتها عبر مسار سلمي تفاوضي للتوافق على برنامج بناء وطني ديمقراطي تنموي يطوي صفحة الحروب ويحافظ على وحدة بلادنا واستقرارها، ويحقق العدالة والتعافي الوطني، ويفضي لتكوين جيش وطني مهني واحد، ويعيد هيكلة البنيان الاقتصادي لمصلحة الجميع، ويُعلي من شأن القانون ويعيد لمؤسسات الدولة مضامينها النبيلة، ويعلن قطيعة نهائية مع ثنائية الاستبداد والفساد.

الوسومأديس أبابا السلام المؤتمر التأسيسي المهاتما غاندي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم عمر الدقير مائدة مستديرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أديس أبابا السلام المؤتمر التأسيسي المهاتما غاندي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم عمر الدقير مائدة مستديرة المؤتمر التأسیسی

إقرأ أيضاً:

هل هناك إمكانية لتحقيق التحول الديمقراطي؟ (4 -4)

صديق الزيلعي

نختم إعادة نشر المقالات كتبتها من 21 والي 24 يونيو 2020، وقد تفضل قوقل بتذكيري بها. النضال لإنهاء الحرب، لا ينفصل عن الحوار حول مستقبل ثورتنا ومستقبل قضية التحول الديمقراطي وإقامة دولة مدنية مستقرة. وهذه المقالات هي دعوة للحوار حول التحديات التي تواجه إقامة نظام ديمقراطي مستقر في بلادنا، في ظل كل التعقيدات والخلافات والتحديات.
هذه المقالة تم نشرها في 24 يونيو 2020

كانت ثورة ديسمبر إحدى اهم وأعظم المحطات السياسية في بلادنا، حيث استطاع شعبنا الأعزل ان يقود معركة سلمية ضد أعتى دكتاتورية حكمت بلادنا، وان يهزمها. وصمد لنصف عام في وجه القمع والتعذيب والقتل حتى انتصر. ولكن انحياز الجيش للشعب لم يتم كما في أكتوبر وابريل، وكان مختلفا مظهرا ومبطنا. لم يتكرر، الانحياز، في ديسمبر بسبب سياسات النظام التي حولت الجيش من مؤسسة قومية سودانية الي مؤسسة أيديولوجية تدين بالولاء الكامل للحركة الإسلامية. ورغم المواقف البطولية لبعض صغار الضباط الا ان قيادة الجيش كانت تعمل، بكل طاقاتها، الا تكتمل الثورة. ونجحت بالعنف المفرط والضغوط السياسية والتهديدات ان تفرض اتفاق الوثيقة الدستورية المعطوبة والتي سيطرت، بسياسة وضع اليد، على محاور مهمة واساسية للمرحلة الانتقالية.

تواجه قضية التحول الديمقراطي ، كما ذكرنا، تحديات وعقبات عديدة، أهمها: السلام ومتطلباته، أزمة الاقتصاد المركبة وخاصة معاش الشعب، اصلاح المؤسسات العدلية، تحقيق قومية الجيش، تفكيك دولة التمكين، اتباع سياسة خارجية متوازنة في ظل تدخلات دولية متعددة الاساليب، استكمال الدستورية خاصة المجلس التشريعي والحكام المدنيين للأقاليم ، بطء أداء الحكومة الانتقالية، وحدة قوى الحرية والتغيير في وجه الصراع الحزبي المستمر، انجاز التشريعات التي تمس كل جوانب حياة شعبنا خاصة مجالات الحكم الإداري والاعلام والنقابات والتعاون وحقوق النساء.
فهل امام كل تلك التحديات والعقبات والمصاعب يمكننا تحقيق التحول الديمقراطي وإنجاز مهام المرحلة الانتقالية بسلامة والعبور للديمقراطية التعددية المنشودة؟

لا أميل للإجابات السهلة، ولا منهج أسود وابيض، ولا للأحكام المسبقة والجاهزة المستخرجة من بطون الكتب، ولكني أحاول الاجتهاد، قدر استطاعتي، لقراءة الواقع الملموس. وأؤمن ان التحليل الموضوعي للواقع المادي هي أساس الحل.

واقعنا هو كالآتي: أدى توازن القوى لفرض اتفاق مع اللجنة الأمنية يكرس تقاسم للسلطة، قنن في الوثيقة الدستورية، بكل ما عليها. مفاوضات سلام متطاولة مع غياب أطراف أساسية عنها. اقتصاد يعاني من أزمة مركبة. دولة في طريقها لان تكون دولة فاشلة. مكون عسكري شريك لا يساهم في حل المشاكل الاقتصادية رغم امتلاكه لإمكانيات اقتصادية هائلة. حكومة مدنية محاصرة من أكثر من جهة، داخليا وخارجيا. دولة عميقة تمارس التخريب المتعمد والتعطيل المستمر. الحاح وضرورة تحقيق العدالة في وجه جميع التجاوزات وآخرها مجزرة الاعتصام. أعلام موروث يبطن العداء ويمارس التشويه. ديون خارجية فلكية لا قبل لها بها. يتم تصنيفنا كدولة راعية للإرهاب، مما يحرمنا الاستدانة أو اعفاء الديون. إمكانيات ضخمة لبلادنا ولكنها تحتاج للتمويل الذي لا نملكه. تطلعات شعبية مشروعة ولكنها أكبر من امكانياتنا. مجتمع دولي يوعد ولا يفي بوعوده، أحزاب سياسية لا ترى ابعد من ارنبة انفها.

نعم يمكننا تحقيق التحول الديمقراطي رغم وعورة الطريق وحجم التضحيات والمشاق.

أقول ذلك ليس انطلاقا من الاحلام والامنيات ولا من نظرة بعيدة عن الواقع الملموس. أقول ذلك، وبثقة تامة، لأنني أؤمن ان لدينا أساس قوي للنجاح يتمثل في تمسك شعبنا بالحرية والديمقراطية، بعد ان ذاق مرارة حكم العسكر، وجيل شاب مصادم ومتعلم ومتفتح على العالم، ونساء بواسل قررن الا رجوع للوراء، وأحزاب سياسية متعددة، رغم ضعفها وجمود هياكلها، الا انها فاعلة ومؤمنة بالتغيير الديمقراطي. وتوجد في بلادنا حركة نقابية ديمقراطية ومصادمة تمتد جذورها عميقا في وجدان شعبنا. ولدينا طبقة وسطي حديثة متعلمة وتعرفت، بل عايشت، تجارب الشعوب الأخرى. ولدينا حركات مسلحة من مناضلين اشداء رفعوا السلاح دفاعا عن حقوق مناطقهم المهمشة، ويرنون لمستقبل ديمقراطي لبلادنا. وليس فقط حركات تتكون من مقاتلين، بل هناك ملايين المهمشين، في تخوم البلاد واطرافها، الذين نفضوا عن أنفسهم ظلم السنين وتصدوا لامساك حقوقهم بأيديهم، بعيدا عن أي شكل من اشكال الوصاية، من كل الجهات. والأهم تملك بلادنا إمكانيات طبيعية هائلة وثروات كبيرة وموقع قرب الشرق الأوسط الذي في أمس الاحتياج للمنتجات الزراعية.

ورغم تلك المظاهر الإيجابية التي تدعم تحولنا الديمقراطي لا زلنا نعاني من نواقص ومخاطر يجب علينا مواجهتها لننطلق نحو الديمقراطية المستدامة. هناك التبعية الطائفية، والسيطرة القبلية، والتعصب الجهوي، والانقسامات التي شملت كل منظمات المجتمع، ووجود الدولة العميقة ككابح لاي تغيير، والانقسام الطبقي الحاد حيث يعيش الأغلبية تحت حد الفقر وتتمتع اقلية من الطفيليين بكامل خيرات بلادنا. وفي ظل هذا التوازن بين عناصر القوة المساعدة على التغيير وعناصر الضعف المعطلة للتغيير، ستتطور التجربة الديمقراطية. ستتطور بالإصرار عليها، وبالممارسة التي ستتعرض لمصاعب كثيرة، وصعود وهبوط مستمر، ولكن بالعمل الجماعي والمؤسسي سنتجاوزها.

والتحول الديمقراطي لن تحققه الحكومة الانتقالية وحدها، مهما اجتهدت. من الضروري ان تشارك في إنجازه كل القوى الموقعة على ميثاق التغيير، كتحالف متماسك، وكتنظيمات منفردة. كما ستحققه قوى الثورة خارج القوى الموقعة على ميثاق الحرية والتغيير. ستحققه لجان المقاومة، التي قادت الشوارع في اصعب الظروف، ولا تزال الحارس الأمين ، الذي لا يخون، للثورة. وستحققه الحركات المسلحة وجماهير المهمشين. وستحققه منظمات المجتمع المدني. وسيدعمه، بقوة، أبناء السودان في مشارق الأرض ومغاربها. بمختصر الكلام، التغيير الديمقراطي فرض عين على كل سوداني يحلم بسودان جديد، سودان المساواة والمواطنة، سودان دولة المؤسسات وحكم القانون.

خاتمة:
الآن هناك قبول للشراكة العسكرية المدنية، ولكن يجب ان يكون هناك وضوح تام، حول مهام كل طرف، حتى لا يتمدد الطرف العسكري في الحكومة ويسيطر ببطء، بسياسة وضع اليد، على كل شيء. وهنا يجب، من الآن، الوضوح التام والمعلن حول وضع الجيش في النظام الديمقراطي. فهو مؤسسة أساسية من مؤسسات المجتمع، ولكنه ليس مؤسسة فوق المجتمع، أي حاكمة له. وسيعود الجيش كما كان، سابقا، في بلادنا، في ظل الأنظمة الديمقراطية، تحت قيادة الحكومة المدنية المنتخبة.
المجلس التشريعي، لأهميته ومركزي المحوري في النظام الديمقراطي، يحتاج لنقاش مستقبلي منفصل ومفصل، يناقش الفروقات بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني، وأيهما أفضل لبلادنا، والدور المطلوب من المجلس التشريعي في المرحلة الانتقالية.
واجهتنا كمعارضين، عندما كنا ندعو لإسقاط نظام الاسلامويين، أصوات تتحدث عن استحالة ذلك تماما. وفعلها شعبنا بقدراته الذاتية، وأسقط نظام الاسلامويين. ونقول لمن يستبعدون تحقيق التحول الديمقراطي: ان هذا الشعب العظيم لا يزال موجودا وقويا وقادرا رغم كل الصعاب.

siddigelzailaee@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الساعدي القذافي يدعو لتشكيل حكومة وحدة وطنية منعا لانقسام ليبيا ويحذر من حرب واسعة في الشرق الأوسط
  • الرئاسة الفلسطينية: شرعنة 5 بؤر استيطانية بالضفة جزءا من الحرب الشاملة ضد شعبنا
  • فرص السلام .. و جاهزية “تقدم”
  • نقابة الصحفيين السودانيين: استخبارات الجيش تعتقل صحفي بمدينة شندي
  • هل هناك إمكانية لتحقيق التحول الديمقراطي؟ (4 -4)
  • الأمم المتحدة: أكثر من نصف السودانيين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد
  • أزمة اللاجئين.. هل ضاقت مصر بضيوفها؟
  • تأملات في مواقف تقدم (١)
  • بالآلاف.. كيف يعيش السودانيون في مصر الآن؟
  • آخر مخرجات أساليب دعاية الحلف الجنجويدى