حول المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم»
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
حول المؤتمر التأسيسي لـ«تقدم»
عمر الدقير
شهد المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديموقراطية المدنية “تقدم”- الذي أنهى أعماله في أديس أبابا يوم ٣٠ مايو الماضي- مشاركة واسعة ومتنوعة من مختلف فئات الشعب السوداني، فقد وَفَد المشاركون من جميع ولايات السودان ومن مهاجر السودانيين في مختلف بقاع الدنيا- ممثلين لقوى سياسية وحركات مسلحة ولجان مقاومة وعدد كبير من تشكيلات المجتمع المدني ومن رموز الفن والإبداع وعسكريين متقاعدين وأصحاب أعمال ومهنيين ونقابيين ومزارعين ورعاة ولاجئين ونازحين- واتسمت مداولات المؤتمر بالجدية وروح وحدة الهدف وشراكة الهم والأمل، وتأكيد عزيمة المؤتمِرين على العمل الدؤوب للمساهمة في إيقاف الحرب لمصلحة مسار سياسي سلمي لتحقيق التعافي الوطني والتوافق على تجاوز أخطاء العقود السابقة، منذ الاستقلال، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تسع جميع أهلها بلا تمييز على أي أساسٍ كان.
أشارت الرؤية السياسية التي أجازها المؤتمِرون إلى أن إيقاف الحرب يتطلب توحيد جهود كافة السودانيين الساعين لهذا الهدف وتنسيقها عبر أوسع تيار سياسي واجتماعي ممكن .. وبالطبع جاء تكوين “تقدم” كمحاولة صادقة في طريق الاستجابة لهذا المطلب باعتباره أحد أهم شروط النجاح لانتشال بلادنا من مستنقع أزمتها الحالية. وغنيٌّ عن القول أن مهمة إكمال إنجاز هذا المطلب تقع على عاتق الجميع وليس “تقدم” وحدها وشروط إنجازه ليست مستحيلة، فهي تتطلب امتلاك “الوعي المشحون بالاستقامة” والترفع عن الحسابات الصغرى وإعلاء لغة التواصل على لغة التنافر، وتقديم ما هو جوهري على ما هو ثانوي واحترام تقاليد العمل المشترك.
في هذا السياق، وفي إطار الانفتاح على الآخرين، اشتملت الرؤية السياسية التي أجازها المؤتمر التأسيسي على مقترح مائدة مستديرة تجمع كل المنادين بإيقاف الحرب وإنهاء معاناة شعبنا .. كما رحّب البيان الختامي بكل الجهود الدولية والاقليمية الرامية لإيقاف الحرب وتيسير خيار الحل السياسي بما في ذلك المبادرة التي أعلنتها جمهورية مصر الشقيقة مؤخراً، والتي تلقينا اتصالاً من المسؤولين المصريين بشأنها، وسيتم التواصل معهم خلال الأيام القليلة القادمة لمناقشة التفاصيل المرتبطة بها.
إن ملايين السودانيين الذين تابعوا المؤتمر التأسيسي لـ “تقدم” تحدوهم آمالٌ عريضة بأن يكون ما بعده مساهمة فعالة في اتجاه تحقيق مطلب إيقاف الحرب ومعالجة الكارثة الإنسانية ووضع الوطن على درب الخلاص والنهوض بإرادة جماعية .. هذه الآمال تفرض على جميع منسوبي “تقدم” – خصوصاً المُصَعّدين للهياكل القيادية – إدراك أنها كيان جبهوي عريض يجب أن يُدار بعقل جماعي وبالتزام تام بالمؤسسية وتشاركية صناعة القرارات وصياغة المواقف، وأن تعتمد الشفافية داخل هياكلها وأمام الشعب، وأن تسود داخلها الاستقامة الأخلاقية الصارمة، والالتزام الصميم بمصالح شعبنا وبما تم التوافق عليه سياسياً وتنظيمياً.
“السلام هو الطريق”، كما قال المهاتما غاندي.. الحل السياسي، لا العسكري، هو خلاص شعبنا من ويلات الحرب وتداعياتها، وموقفنا الداعي لإيقاف الحرب عبر التفاوض لا يرتبط بتقدم هذا الطرف أو ذاك في ميدان المواجهة العسكرية، بل هو موقف مبدئي يتأسس على حقيقة أن الحرب- حتى لو كان مسرحها ولاية واحدة- تعني الموت والتشريد والجوع والتدمير والانتهاكات وكل أشكال المعاناة الإنسانية وتهديد وحدة الوطن، وهي تَمَظْهُر للأزمة الوطنية المتراكمة التي لا يمكن حلها إلا بمخاطبتها عبر مسار سلمي تفاوضي للتوافق على برنامج بناء وطني ديمقراطي تنموي يطوي صفحة الحروب ويحافظ على وحدة بلادنا واستقرارها، ويحقق العدالة والتعافي الوطني، ويفضي لتكوين جيش وطني مهني واحد، ويعيد هيكلة البنيان الاقتصادي لمصلحة الجميع، ويُعلي من شأن القانون ويعيد لمؤسسات الدولة مضامينها النبيلة، ويعلن قطيعة نهائية مع ثنائية الاستبداد والفساد.
الوسومأديس أبابا السلام المؤتمر التأسيسي المهاتما غاندي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم عمر الدقير مائدة مستديرةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أديس أبابا السلام المؤتمر التأسيسي المهاتما غاندي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم عمر الدقير مائدة مستديرة المؤتمر التأسیسی
إقرأ أيضاً:
تقسيم الوطن : حول ضرورة تطوير شعار الثورة ومناهضة الحرب
بابكر فيصل
إتخذت ثورة ديسمبر المباركة من شعار “حرية .. سلام .. عدالة” بوصلة لتحقيق الأهداف الكبرى التي خرج من أجلها ملايين السودانيين لإسقاط النظام الفاسد المستبد، وبعد إندلاع حرب الخامس عشر من أبريل اللعينة رفعت القوى المدنية الديمقراطية شعار “لا للحرب” للتعبير عن إنحيازها للجماهير وعدم التماهي مع أطراف الحرب.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، ظلت القوى المدنية تحذر من أن تطاول أمدها سيؤدي لنتائج وخيمة على البلاد والعباد، والتي يقف على رأسها الخطر الكبير الذي سيهدد وحدة البلاد وينذر بتقسيها و تفتيت كيانها الحالي.
وبعد مرور أكثر من عشرين شهراً أضحى خطر تفكيك البلاد ماثلاً عبر ممارسات لا تخطئها العين كان في مقدمتها خطاب الكراهية الجهوي والعنصري الذي ضرب في صميم النسيج الإجتماعي وخلق حاجزاً نفسياً يمهد لإنقسام البلاد بصورة واضحة.
تبع ذلك ثلاث خطوات إتخذتها سلطة الأمر الواقع في بورتسودان تمثلت في الآتي : قرار تغيير العملة الذي فرض واقعاً على الأرض تمثل في تقسيم النظام المالي بالبلاد بحيث صارت الولايات التي تقع تحت سيطرة الجيش تتعامل بعملة مختلفة عن تلك التي يتم تداولها في مناطق سيطرة الدعم السريع.
كذلك كان قرار إجراء إمتحانات الشهادة السودانية في الولايات التي يسيطر عليها الجيش وعدم قيامها في الولايات التي يسيطر عليها الدعم السريع اضافة لولايات تدور فيها رحى المعارك يصب عملياً في إتجاه تكريس عملية تقسيم البلاد عبر حرمان التلاميذ من حقهم في الجلوس للإمتحان فقط لأنهم يتواجدون في رقعة جغرافية لا يسيطر عليها الجيش.
الأمر الثالث تمثل في عدم إستطاعة قطاعات واسعة من الشعب السوداني إستخراج الأوراق الثبوتية ( أرقام وطنية، جوازات سفر الخ) وهى حق طبيعي مرتبط بالمواطنة التي تقوم عليها الحقوق والواجبات في الدولة لذات السبب المتعلق بالعملة وإمتحانات الشهادة.
هذه الخطوات مثلت البداية الفعلية لتقسيم البلاد, ويزيد من تفاقمها الخطوة المزمع إتخاذها من طرف بعض القوى السياسية والحركات المسلحة بإعلان حكومة موازية تجد تبريرها في ضرورة خدمة الشعب في المناطق التي لا يسيطر عليها الجيش، ولا شك أن هذه الخطوة ستشكل خطراً كبيراً على وحدة البلاد مهما كانت مبررات تكوينها (داوها بالتي كانت هى الداءُ).
لمواجهة هذه المعطيات الخطيرة المتسارعة، تقع على القوى المدنية الديمقراطية وقوى الثورة مهمة جسيمة للحفاظ على وحدة البلاد، وليس أمامها من سبيل سوى تكوين جبهة مدنية واسعة يتم من خلالها تطوير شعار الثورة ليصبح “حرية .. سلام .. عدالة .. وحدة”، وكذلك تطوير شعار مناهضة الحرب ليصبح ” لا للحرب، لا لتقسيم البلاد”.
إنَّ أهمية الحفاظ على وحدة البلاد لا تقلُّ بأي حال من الأحوال عن أهمية المناداة بالوقف الفوري للحرب، ولا مناص من تنادي كافة القوى الحريصة على عدم تقسيم البلاد لكلمة سواء يتم من خلالها تجاوز كل الخلافات من أجل تحقيق الهدفين معاً.