بعد 10 سنوات من استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن، وانقسام البلاد إلى سلطات متعددة تمارس صلاحياتها بقدر ما تملكه من سلاح وغلبة، أصبحت مؤسسات القضاء منصات لتصفية الخصوم وترسيخ الحكم وتجريم المناوئين.

وعادة ما تكون التهم جاهزة في مثل هذا الوضع، إذ تنشط المحاكم الجزائية المتخصصة في إصدار الأحكام القضائية التي قد تصل إلى حد الإعدام، بتهم الخيانة والتخابر مع العدو، وهذا ما نص عليه آخر الأحكام القضائية الذي أصدرته محكمة حوثية، يوم السبت (1 يونيو).

فالحكم نص على إعدام 44 شخصاً بتهمة التخابر مع السعودية وحلفائها، وقبله بأيام أصدرت محكمة في العاصمة المؤقتة عدن حكماً مماثلاً قضى بإعدام 8 أشخاص، بينهم قائد عسكري مناوئ للفصائل الانفصالية جنوبي البلاد.

الحوثي وتسخير القضاء

الأحكام الأخيرة الصادرة عن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، والواقعة تحت سيطرة الحوثيين، قضت بإعدام 44 شخصاً و4 آخرين بالسجن، بتهمة التخابر مع السعودية وحلفائها، وأغلبهم ينتمون لحزب الإصلاح، الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين في اليمن.

المحاكمات التي يجريها الحوثيون غالباً ما تستهدف خصومهم، والمناوئين لحكمهم، وعادة ما تفتقر للظروف المناسبة، إذ يتعرض المعتقلون للتعذيب الجسدي والنفسي، والإخفاء القسري في زنازين انفرادية لأشهر طويلة، مع منعهم من حق الزيارة أو الحصول على محاكمات عادلة، وفق المحامي عبد المجيد صبرة.

ومنذ أن استولت الجماعة الإرهابية على الحكم، في 21 سبتمبر 2014، أصدرت قرابة 500 حكم إعدام بحسب منظمة "سام" للحقوق والحريات اليمنية.

وغالباً ما تكون تلك الأحكام الحوثية ذات صبغة سياسية، وتستهدف المناوئين للجماعة، وخلال السنوات الماضية، نفذت عدداً من أحكام الإعدام، أبرزها لـ9 من أبناء منطقة تهامة، في سبتمبر من العام 2021، فضلاً عن أحكام غيابية بحق قيادات ومسؤولين في السلطة الشرعية.

وليس الإعدام هو ما ينتظر خصوم الحوثيين عبر الأحكام القضائية، بل أيضاً مصادرة أملاك وحقوق مئات الشخصيات اليمنية، بينهم سياسيون وبرلمانيون وعسكريون وحزبيون وناشطون، وآخر عمليات الاستيلاء تلك سيطرتهم على منزل نصر طه مصطفى مدير مكتب رئيس الجمهورية السابق.

القضاء في عدن

شيئاً فشيئاً تتسلل عدوى توظيف القضاء سياسياً من صنعاء إلى عدن، إذ يتهم محامون وحقوقيون سلطات المجلس الانتقالي المتحكمة بزمام الأمور في العاصمة المؤقتة، باستخدام القضاء لتصفية الخصوم.

وتتهم أطراف يمنية المجلس الانتقالي بالاستيلاء على المؤسسات القضائية في العاصمة المؤقتة عدن، وتوظيفه لتحقيق أهداف سياسية، وإصدار أحكام بحق المناوئين، كما هو حال آخر الأحكام الصادرة قبل عدة أيام.


وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في عدن، أواخر مايو الماضي، حكماً بإعدام 8 أشخاص، بينهم القائد السابق للواء النقل التابع للحماية الرئاسية، بتهمة تنفيذ عمليات إرهابية، وهي أحكام وُصفت بأنها "مسيّسة"، هدفها تصفية خصوم المجلس.

كما أصدرت المحكمة حكماً بالسجن لمدة 4 سنوات على الصحفي أحمد ماهر، بتهمة نشر معلومات كاذبة وتزوير وثائق، وذلك بعد قرابة عامين على اعتقاله، وهو ما دفع منظمات حقوقية وإعلامية لإدانة الحكم والمطالبة بالإفراج عنه، و"الكف عن توظيف القضاء سياسياً".

منظمة "سام" وتحالف ميثاق العدالة لليمن إلى جانب منظمات أخرى، تعبر عن استنكارها الشديد للحكم الصادر بحق الصحفي أحمد ماهر وتطالب السلطات في  #عدن بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه.

وشهدت عدن، خلال السنوات القليلة الماضية، سلسلة من الاغتيالات التي طالت عسكريين ومدنيين ودعاة ومصلحين وقيادات حزبية، إلا أن القضاء لم يبت في كثير منها، رغم توفر الأدلة والقبض على بعض المتهمين، وهو ما دفع البعض للقول بأن القضاء استخدم أيضاً لإبعاد شبح التهم عن قيادات محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي.

أداة من أدوات الصراع

وتعليقاً على هذا يقول المحامي والناشط الحقوقي توفيق الحميدي، رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات اليمنية، إنه منذ أن استولت جماعة الحوثي على صنعاء، في 21 سبتمبر 2014، وضعت مؤسسات القضاء ضمن أولويتها لضمان السيطرة عليه، وتحويله إلى أداة من أدوات الصراع والانتقام من الخصوم.

ونقل موقع"الخليج أونلاين"عن الحميدي قولة "زيادة الاستقطاب والاهتمام بالسيطرة على القضاء، حيث شكلت كل سلطة في اليمن مجلس قضاء ومحكمة عليا ووزارة عدل خاصة بها، إضافة إلى تعيين نائب عام وقضاة، وأصبحت تلك المؤسسات أكثر فشلاً وهشاشة في الوفاء بمعايير المحاكمات العادلة".

كما يشير إلى تشكيل الحوثيين ما يُعرف بـ"المنظومة العدلية"، برئاسة محمد علي الحوثي، وكذا تشكيل هيئة عليا لإدارة شؤون السلطة القضائية، في 2021، من قبل نادي قضاة الجنوب التابع للمجلس الانتقالي، معتبراً الكيانين "مسؤولين بشكل كبير عن الانتهاكات التي حدثت فيما يتعلق بالمحاكمات للمحتجزين السياسيين في صنعاء وعدن"، واعتبر المدعي العام العسكري في مأرب مسؤولاً مباشراً عن تقديم المحتجزين للمحاكمات.

وحول استغلال القضاء لمصادرة الأموال، أشار الحميدي إلى مصادرة الحوثيين قرابة 200 شركة، آخرها شركة عدنان الحرازي، الذي صدر حكم ضده بالإعدام، يوم السبت الماضي.

تكريس للاستبداد

ويرى الحميدي أن السيطرة على المؤسسات القضائية "تعني تكريس الاستبداد من خلال تعزيز قوة المليشيات، ودعم سياساتها القمعية، إذ يصبح القضاء جزءاً من منظومة الاستبداد بدلاً من كونه رقيباً على السلطة التنفيذية".

ويبيّن أن ذلك يؤدي إلى "انتشار الانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع؛ كالاعتقال التعسفي، والتعذيب، والمحاكمات غير العادلة، والإعدام بناءً على تهم مفبركة، فضلاً عن تقويض ثقة الناس في سيادة القانون، وفقدانهم الإيمان بعدالة النظام القضائي، وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب، حيث يكون المجرم لديه طمأنينة من عدم مساءلته".

وأوضح الحميدي أنه في ظل الوضع الحالي تفقد مؤسسات الدولة، مثل الشرطة والمحاكم، استقلاليتها، وتُصبح خاضعةً لإرادة الحكام، وينتشر الخوف والاضطهاد في المجتمع، فضلاً عن تدمير المجتمع المدني، وانقسامه، والاستقطاب المجتمعي، وزيادة العنف.

واستطرد قائلاً: "تسخير القضاء لتصفية الخصوم وتحقيق الأهداف السياسية يشكل خطراً كبيراً على حقوق الإنسان، وسيادة القانون، واستقرار الدولة، وتطور المجتمع".

حالة الاعتلال القضائي

رئيس منظمة "سام" تحدث أيضاً عن ضرورة مواجهة هذه المخاطر لتعزيز استقلال القضاء، وحماية حقوق الإنسان، وضمان الشفافية والمساءلة في النظام القضائي.

وعن كيفية الخروج من حالة الاعتلال القضائي في اليمن، يرى الحميدي أهمية وجود عدة خطوات وإصلاحات ضرورية يجب اتخاذها على مختلف المستويات؛ منها ضمان عدم تدخل السلطات المسيطرة على الأرض في الشؤون القضائية، وكذا مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالقضاء لضمان تحديثها بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

ولفت أيضاً إلى ضرورة "إنشاء آليات مستقلة لمساءلة القضاة والموظفين القضائيين الذين يتورطون في الفساد أو الانحياز السياسي"، وكذا "إنشاء قائمة سوداء بقضاة الإعدامات والانتقام السياسي، والضغط الشعبي والمدني لضمان توفير محاكمات عادلة للمتهمين، ومنع التعذيب وسوء المعاملة، وضمان حقوق الدفاع والتمثيل القانوني، من خلال مراقبة أداء النظام القضائي والدفاع عن حقوق الأفراد المتضررين من الانتهاكات القضائية".

كما شدد الحميدي على ضرورة "نشر الوعي القانوني بين المواطنين لتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وتفعيل دور المنظمات الحقوقية في كشف الانتهاكات، وكذا دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا الفساد القضائي والانتهاكات الحقوقية، وتوعية الجمهور بأهمية استقلالية القضاء وسيادة القانون".

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

التجمع الوحدوي يطالب الانتقالي بالإفراج عن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات في عدن

طالب حزب التجمع الوحدوي اليمني المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات بالإفراج الفوري عن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات المنددة بتردي الخدمات في العاصمة المؤقتة عدن.

 

ودعا الحزب -في بيان- الانتقالي إلى التوقف عن مداهمة البيوت واحترام حرماتها، والسماح للناس بالتظاهر باعتباره حقا دستوريا للمواطن ليعبر عن عدم رضاه عن الأداء السيء للشرعية بكل مكوناتها.

 

وأضاف البيان "تتابع الأمانة العامة لحزب التجمع الوحدوي ما يجري في عدن من مظاهرات نتيجة انهيار العملة والخدمات وعدم قدرة المواطن على تحمل نتائجها، وقد ساءت حالة الناس وانتشرت المجاعات في ظل صمت مطبق من قبل المجلس الرئاسي والحكومة".

 

وأكد أن تلك الأوضاع أخرجت المواطنين للشارع للمطالبة بتحسين المعيشة والخدمات، معبرًا عن أسفه لقيام القوات الأمنية بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء واعتقال عدد من الشباب ومداهمة البيوت.

 

وشهدت عدن وعدد من المدن الأيام الماضية احتجاجات غاضبة تنديدا بتدهور العملة الوطنية وانعدام الخدمات، وفي مقدمتها الكهرباء.

 


مقالات مشابهة

  • خبير عسكري جنوبي يهاجم الانتقالي ويصفهم بـ”اللصوص”
  • التجمع الوحدوي يطالب الانتقالي بالإفراج عن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات في عدن
  • تنفيذ برنامج تعزيز الاستجابة القضائية لجرائم الفساد
  • «مكتب النائب العام» يواصل تنفيذ برنامج تعزيز الاستجابة القضائية لـ«جرائم الفساد»
  • 5 آلاف جنيه كفالة طلب إعادة النظر فى الأحكام الباتة.. اعرف التفاصيل
  • "تقرير أمريكي" يتوقع عودة الحرب في اليمن وسيطرة الحوثيين على عدن ومأرب (ترجمة خاصة)
  • حراك يمني في ميونيخ.. لحشد الدعم الاقتصادي والتحاق المجتمع الدولي بتنصيف الحوثيين منظمة إرهابية (تقرير)
  • وزير العدل يعقد اجتماعا لتقييم النشاط القضائي ومحاور قطاعية هامة
  • ما هى الإجراءات المتبعة حال فقد أوراق التحقيق أو أصل الأحكام فى القضايا؟
  • شركة “إكس” تتوصل إلى تسوية في دعوى ترامب القضائية