كيف سخّر الانتقالي والحوثي القضاء لخدمة أجندتهما السياسية؟..تقرير
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
بعد 10 سنوات من استيلاء الحوثيين على السلطة في اليمن، وانقسام البلاد إلى سلطات متعددة تمارس صلاحياتها بقدر ما تملكه من سلاح وغلبة، أصبحت مؤسسات القضاء منصات لتصفية الخصوم وترسيخ الحكم وتجريم المناوئين.
وعادة ما تكون التهم جاهزة في مثل هذا الوضع، إذ تنشط المحاكم الجزائية المتخصصة في إصدار الأحكام القضائية التي قد تصل إلى حد الإعدام، بتهم الخيانة والتخابر مع العدو، وهذا ما نص عليه آخر الأحكام القضائية الذي أصدرته محكمة حوثية، يوم السبت (1 يونيو).
فالحكم نص على إعدام 44 شخصاً بتهمة التخابر مع السعودية وحلفائها، وقبله بأيام أصدرت محكمة في العاصمة المؤقتة عدن حكماً مماثلاً قضى بإعدام 8 أشخاص، بينهم قائد عسكري مناوئ للفصائل الانفصالية جنوبي البلاد.
الحوثي وتسخير القضاء
الأحكام الأخيرة الصادرة عن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة بقضايا الإرهاب، والواقعة تحت سيطرة الحوثيين، قضت بإعدام 44 شخصاً و4 آخرين بالسجن، بتهمة التخابر مع السعودية وحلفائها، وأغلبهم ينتمون لحزب الإصلاح، الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين في اليمن.
المحاكمات التي يجريها الحوثيون غالباً ما تستهدف خصومهم، والمناوئين لحكمهم، وعادة ما تفتقر للظروف المناسبة، إذ يتعرض المعتقلون للتعذيب الجسدي والنفسي، والإخفاء القسري في زنازين انفرادية لأشهر طويلة، مع منعهم من حق الزيارة أو الحصول على محاكمات عادلة، وفق المحامي عبد المجيد صبرة.
ومنذ أن استولت الجماعة الإرهابية على الحكم، في 21 سبتمبر 2014، أصدرت قرابة 500 حكم إعدام بحسب منظمة "سام" للحقوق والحريات اليمنية.
وغالباً ما تكون تلك الأحكام الحوثية ذات صبغة سياسية، وتستهدف المناوئين للجماعة، وخلال السنوات الماضية، نفذت عدداً من أحكام الإعدام، أبرزها لـ9 من أبناء منطقة تهامة، في سبتمبر من العام 2021، فضلاً عن أحكام غيابية بحق قيادات ومسؤولين في السلطة الشرعية.
وليس الإعدام هو ما ينتظر خصوم الحوثيين عبر الأحكام القضائية، بل أيضاً مصادرة أملاك وحقوق مئات الشخصيات اليمنية، بينهم سياسيون وبرلمانيون وعسكريون وحزبيون وناشطون، وآخر عمليات الاستيلاء تلك سيطرتهم على منزل نصر طه مصطفى مدير مكتب رئيس الجمهورية السابق.
القضاء في عدن
شيئاً فشيئاً تتسلل عدوى توظيف القضاء سياسياً من صنعاء إلى عدن، إذ يتهم محامون وحقوقيون سلطات المجلس الانتقالي المتحكمة بزمام الأمور في العاصمة المؤقتة، باستخدام القضاء لتصفية الخصوم.
وتتهم أطراف يمنية المجلس الانتقالي بالاستيلاء على المؤسسات القضائية في العاصمة المؤقتة عدن، وتوظيفه لتحقيق أهداف سياسية، وإصدار أحكام بحق المناوئين، كما هو حال آخر الأحكام الصادرة قبل عدة أيام.
وأصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في عدن، أواخر مايو الماضي، حكماً بإعدام 8 أشخاص، بينهم القائد السابق للواء النقل التابع للحماية الرئاسية، بتهمة تنفيذ عمليات إرهابية، وهي أحكام وُصفت بأنها "مسيّسة"، هدفها تصفية خصوم المجلس.
كما أصدرت المحكمة حكماً بالسجن لمدة 4 سنوات على الصحفي أحمد ماهر، بتهمة نشر معلومات كاذبة وتزوير وثائق، وذلك بعد قرابة عامين على اعتقاله، وهو ما دفع منظمات حقوقية وإعلامية لإدانة الحكم والمطالبة بالإفراج عنه، و"الكف عن توظيف القضاء سياسياً".
منظمة "سام" وتحالف ميثاق العدالة لليمن إلى جانب منظمات أخرى، تعبر عن استنكارها الشديد للحكم الصادر بحق الصحفي أحمد ماهر وتطالب السلطات في #عدن بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه.
وشهدت عدن، خلال السنوات القليلة الماضية، سلسلة من الاغتيالات التي طالت عسكريين ومدنيين ودعاة ومصلحين وقيادات حزبية، إلا أن القضاء لم يبت في كثير منها، رغم توفر الأدلة والقبض على بعض المتهمين، وهو ما دفع البعض للقول بأن القضاء استخدم أيضاً لإبعاد شبح التهم عن قيادات محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي.
أداة من أدوات الصراع
وتعليقاً على هذا يقول المحامي والناشط الحقوقي توفيق الحميدي، رئيس منظمة "سام" للحقوق والحريات اليمنية، إنه منذ أن استولت جماعة الحوثي على صنعاء، في 21 سبتمبر 2014، وضعت مؤسسات القضاء ضمن أولويتها لضمان السيطرة عليه، وتحويله إلى أداة من أدوات الصراع والانتقام من الخصوم.
ونقل موقع"الخليج أونلاين"عن الحميدي قولة "زيادة الاستقطاب والاهتمام بالسيطرة على القضاء، حيث شكلت كل سلطة في اليمن مجلس قضاء ومحكمة عليا ووزارة عدل خاصة بها، إضافة إلى تعيين نائب عام وقضاة، وأصبحت تلك المؤسسات أكثر فشلاً وهشاشة في الوفاء بمعايير المحاكمات العادلة".
كما يشير إلى تشكيل الحوثيين ما يُعرف بـ"المنظومة العدلية"، برئاسة محمد علي الحوثي، وكذا تشكيل هيئة عليا لإدارة شؤون السلطة القضائية، في 2021، من قبل نادي قضاة الجنوب التابع للمجلس الانتقالي، معتبراً الكيانين "مسؤولين بشكل كبير عن الانتهاكات التي حدثت فيما يتعلق بالمحاكمات للمحتجزين السياسيين في صنعاء وعدن"، واعتبر المدعي العام العسكري في مأرب مسؤولاً مباشراً عن تقديم المحتجزين للمحاكمات.
وحول استغلال القضاء لمصادرة الأموال، أشار الحميدي إلى مصادرة الحوثيين قرابة 200 شركة، آخرها شركة عدنان الحرازي، الذي صدر حكم ضده بالإعدام، يوم السبت الماضي.
تكريس للاستبداد
ويرى الحميدي أن السيطرة على المؤسسات القضائية "تعني تكريس الاستبداد من خلال تعزيز قوة المليشيات، ودعم سياساتها القمعية، إذ يصبح القضاء جزءاً من منظومة الاستبداد بدلاً من كونه رقيباً على السلطة التنفيذية".
ويبيّن أن ذلك يؤدي إلى "انتشار الانتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع؛ كالاعتقال التعسفي، والتعذيب، والمحاكمات غير العادلة، والإعدام بناءً على تهم مفبركة، فضلاً عن تقويض ثقة الناس في سيادة القانون، وفقدانهم الإيمان بعدالة النظام القضائي، وتعزيز سياسة الإفلات من العقاب، حيث يكون المجرم لديه طمأنينة من عدم مساءلته".
وأوضح الحميدي أنه في ظل الوضع الحالي تفقد مؤسسات الدولة، مثل الشرطة والمحاكم، استقلاليتها، وتُصبح خاضعةً لإرادة الحكام، وينتشر الخوف والاضطهاد في المجتمع، فضلاً عن تدمير المجتمع المدني، وانقسامه، والاستقطاب المجتمعي، وزيادة العنف.
واستطرد قائلاً: "تسخير القضاء لتصفية الخصوم وتحقيق الأهداف السياسية يشكل خطراً كبيراً على حقوق الإنسان، وسيادة القانون، واستقرار الدولة، وتطور المجتمع".
حالة الاعتلال القضائي
رئيس منظمة "سام" تحدث أيضاً عن ضرورة مواجهة هذه المخاطر لتعزيز استقلال القضاء، وحماية حقوق الإنسان، وضمان الشفافية والمساءلة في النظام القضائي.
وعن كيفية الخروج من حالة الاعتلال القضائي في اليمن، يرى الحميدي أهمية وجود عدة خطوات وإصلاحات ضرورية يجب اتخاذها على مختلف المستويات؛ منها ضمان عدم تدخل السلطات المسيطرة على الأرض في الشؤون القضائية، وكذا مراجعة القوانين والتشريعات المتعلقة بالقضاء لضمان تحديثها بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ولفت أيضاً إلى ضرورة "إنشاء آليات مستقلة لمساءلة القضاة والموظفين القضائيين الذين يتورطون في الفساد أو الانحياز السياسي"، وكذا "إنشاء قائمة سوداء بقضاة الإعدامات والانتقام السياسي، والضغط الشعبي والمدني لضمان توفير محاكمات عادلة للمتهمين، ومنع التعذيب وسوء المعاملة، وضمان حقوق الدفاع والتمثيل القانوني، من خلال مراقبة أداء النظام القضائي والدفاع عن حقوق الأفراد المتضررين من الانتهاكات القضائية".
كما شدد الحميدي على ضرورة "نشر الوعي القانوني بين المواطنين لتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وتفعيل دور المنظمات الحقوقية في كشف الانتهاكات، وكذا دور الإعلام في تسليط الضوء على قضايا الفساد القضائي والانتهاكات الحقوقية، وتوعية الجمهور بأهمية استقلالية القضاء وسيادة القانون".
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
هل يجوز استفتاء القلب في الأحكام الشرعية؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: إذا أفتى العلماء بحلة شيء وأنا أشك أنه حرام فهل لى أن أستفتى قلبى أم أتبعهم؟.
وأجاب الشيخ عويضة عثمان،أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن السؤال قائلا: إن الله تعالى يقول "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، والإنسان مطالب بأن يسأل العلماء عما لا يعرف.
وأوضح فى فتوى له، أنه لا يجوز أن يقول الإنسان فى كل شيء سأستفتى قلبى، فهل أنت أهل لمعرفة الحلال والحرام لكى تستفتى نفسك؟!.
ونوه بأن الإنسان الذى يستفتى لا بد أن يكون قد نظر فى الأدلة وعلم الأحكام والمسائل الفقهية وأشكلت عليه بعض الأمور ولا يستطيع أخذ قرار فيها، يعنى "الفطرة السوية"، أما نحن فقد غلب علينا الهوى فى بعض الأمور.
وأضاف: أن كثيرا ما يريد الإنسان أن يخالف كلام الشيخ عندما يسمعه، وهو يعلم أن كلامه صحيح ولكن هواه يغلب عليه بغير ذلك، فإذا حكمنا هذا الكلام فى كل واقعة سنكون بذلك تركنا قول الله تعالى:"فاسألوا أهل الذكر".
وبين انه لابد أن نتعلم أن نرجع إلى علمائنا المتخصصين فى مسألة الفتوى فى كل كبيرة وصغيرة، فلو قال كل شخص لنفسه سأستفتى قلبى ويحكم بالهوى وما يغلب عليه نفسه فلماذا ندرس الفقه ولماذا نضع مؤسسات للفتوى؟! .. فلابد أن ننزل الكلام فى مكانه ونصابه.
ووجه كلامه للسائل وقال انه يقول: "أنا شاكك إنه حرام حتى لو اتفق العلماء على إنه حلال فهل يجب عليه اتباعهم أم يستفتى قلبه" فقد وصل به التشدد إلى هذا مع أنه حريص، لكن حرصه سيؤدى به الى أن يضيق على نفسه فى أمور كثيرة، فيمكن أن يكون الشخص عالما فى مجاله ولكن ليس من الدارسين المتخصصين للفتوى.
وطالما اتفق العلماء على شيء أنه حلال فقد جعل الله لك مخرجا، فأنت أوكلت الأمر الى أهله وأحلوه، فلا تشدد على نفسك ولا تتصف بهذه الصفة، لأن هناك قوما شددوا على أنفسهم حتى شدد الله عليهم.