عبدالقوي السباعي

العملياتُ الأخيرةُ التي نفّذتها القواتُ المسلحةُ اليمنية مستهدفةً حاملةَ الطائرات الأمريكية “آيزنهاور”، والسفن المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي، حملت العديد من الرسائل؛ إذ كان مضمونها الأبرز أن قواتِنا المسلحة اليوم، باتت هي المتحكمةَ بتوزيع ورسم خارطة الجغرافيا العسكرية التكتيكية في ميدان الصراع البحري، والمسيطرة على التموضع والمسار والتحَرّك والانتشار، لكل قطعةٍ حربية أمريكية أَو غيرها في بحار المنطقة، سواءٌ أكانت العلنية، أَو الموصوفة بالسرية، وأصبح السلاح اليمني قادراً على النيل منها داخل هذه الجغرافيا، أياً كانت تبعيتها أَو تحصُّنُها وقدراتها الدفاعية.

وأثبتت القدرة اليمنية للعالم أن هذه الأسلحة متميزة ومتطورة إلى الحد الذي لا تسطيع فيه كُـلّ قوى البغي والعدوان ووسائط الدفاعات الجوية والرادارات التي تمتلكها أن تتصدى لها، أَو تحد من فعاليتها، وبالتالي فالأمريكي يوماً عن يوم يستنزف قدراته وإمْكَانياته وثروات حلفائه في سبيل إنقاذ “إسرائيل”، لكن دون جدوى.

ما في جعبة الجيش اليمني هو أكبرُ من ذلك بكثير، والمستوى الذي حقّقه مستوىً عالٍ جِـدًّا، سواء من حَيثُ القدرة الهجومية أَو القوة التدميرية أَو التفوق المعلوماتي والفعالية الاستخباراتية، ولعل أكبر دليل ومؤشر، هو المستوى الذي تحقّق في ضرب الأهداف “السيَّارة” وبمختلف المديات والسرعات، وقد كان للجميع شرفُ أن شاهد نماذجَ من تلك الضربات المتميزة وفي أكثر من مكان في جغرافيا البحار.

غير أن استهدافَ الحاملة الأمريكية الأكثر تحصيناً، والأكثر رمزية بالنسبة للعالم المتكالب على هذه الجغرافيا، يعكس مدى القدرة اليمنية والتصميم والإصرار على النيل منها، وإن لم تدمّـرها بالكلية؛ إلا أنها كسرت هيبتها وأفقدتها عذريتها التي حافظت عليها منذ العام 1977م، وهي بذلك رسالة مفادها أن قوى الاستكبار والهيمنة الصهيونية العالمية، لن تحمي “إسرائيل”، ولن تخفف من وطأة الاستنزاف اليمني لقدراتها المادية والاقتصادية، وسلبها أهم العوامل المؤثرة على ميزانها العسكري في ظل استمرار حصارها وعدوانها على أهلنا في غزة.

هذا التحول النوعي والكمي والكيفي في العمليات اليمنية المتصاعدة، كشف لنا زيف “البعبع” المتوحش والعملاق المفترس، والذي بدا وكأنهُ غول وهمي من ورق، لولا تضخيم وتهويل الـ “بروباغندا” الأمريكية، وكشف أَيْـضاً عن ثغرات أنظمة الدفاع الجوي والتعامل السريع مع الأهداف المختلفة، ومنظومات كذا.. وكذا؛ ما أثار الشكوك حول فاعلية وكفاءة كُـلّ تلك المنظومات السراب، والتي بُنيت عليها الهيبة الاستراتيجية لأمريكا.

وبالتالي فقد مثّلت تجربة الجيش اليمني في إعادة تطوير وبناء قدراته بهذا الشكل، وتحت العدوان والحصار الجوي والبري والاستخباراتي العسكري من خماسية التحالف (الأمريكي-الإسرائيلي-البريطاني-السعوديّ-الإماراتي) نموذجاً يُحتذى به، وموضوع دراسة لمختلف مراكز الأبحاث العالمية، وأصبح العالم كله مديناً بالشكر للجيش اليمني، الذي كشف لهم حقيقة السلاح الأمريكي ومدى فاعليته دفاعاً وهجوماً، وكيف أنه كان محاطاً بهالةٍ زائفة كشفتها التجارب الميدانية لسنواتٍ تسع، وبات العالم اليوم يؤمن أن القدرة الحقيقية للسلاح اليمني ستنعكس على القدرة الفعلية لنفوذ اليمن قريباً، بعد أن أصبحت كُـلّ المنطقة في الإقليم وما يتعداها مكشوفةً وتحت نظر ومرمى نيران الجيش اليمني.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

ميزان المدفوعات الإسرائيلي ومدى تأثره بالحرب

تأثر ميزان المدفوعات الإسرائيلي سلبا بسبب تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي استمرت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى الشهر الأول من العام الحالي، حيث تراجعت موارد العديد من مصادر النقد الأجنبي خلال عامي الحرب، خاصة الصادرات السلعية والخدمية والاستثمارات الأجنبية الواردة، الأمر الذي أدى إلى تراجع مدفوعات عددا من الأنشطة الاقتصادية للخارج أيضا، إلا أن الملاحظ أن حدة التأثير كانت أكثر خلال العام الأسبق بالمقارنة بالتأثير الذي حدث في العام الماضي.

وميزان المدفوعات هو الميزان الذي يقيس الفرق بين موارد النقد الأجنبي الواردة لأية دولة من كل المصادر، وبين مدفوعات النقد الأجنبي منها إلى دول العالم بكل الأنشطة. وتسهيلا لبيان مدى تأثر نوعية الموارد والمدفوعات، يتم تقسيم الميزان الكلى للمدفوعات إلى موازين فرعية خمسة رئيسية، أبرزها الميزان التجاري الذي يرصد الفرق بين حصيلة الصادرات السلعية ومدفوعات الواردات السلعية، والميزان الخدمي الذي يرصد الفرق بين المتحصلات من الأنشطة الخدمية ومدفوعاتها، وميزان الدخل الأولى وميزان الدخل الثانوي والحساب الرأسمالي والمالي، والتي سنعرضها تباعا.

عادة ما يحظى الميزان التجاري السلعي بالاهتمام الأكبر بغالبية دول العالم، حيث إنه الأكبر من حيث القيمة والتأثير، إلا أنه في الحالة الإسرائيلية يقترب الميزان التجاري الخدمي من حيث الأهمية والتأثير من الميزان التجاري السلعي، حتى أن حصيلة الصادرات الخدمية أصبحت تفوق حصيلة الصادرات السلعية بالسنوات الأخيرة، كما أصبح الفائض المتحقق بالميزان الخدمي يفوق قيمة العجز المزمن بالميزان السلعي خلال السنوات العشر الأخيرة
وعادة ما يحظى الميزان التجاري السلعي بالاهتمام الأكبر بغالبية دول العالم، حيث إنه الأكبر من حيث القيمة والتأثير، إلا أنه في الحالة الإسرائيلية يقترب الميزان التجاري الخدمي من حيث الأهمية والتأثير من الميزان التجاري السلعي، حتى أن حصيلة الصادرات الخدمية أصبحت تفوق حصيلة الصادرات السلعية بالسنوات الأخيرة، كما أصبح الفائض المتحقق بالميزان الخدمي يفوق قيمة العجز المزمن بالميزان السلعي خلال السنوات العشر الأخيرة.

عجز تجاري سلعي وفائض خدمي

ولعل النظرة التاريخية لواقع تلك الموازين الفرعية داخل ميزان المدفوعات الإسرائيلي، تساعدنا في فهم مدى تأثرها بتداعيات الحرب خلال العامين الأخيرين، فالميزان التجاري السلعي يعاني من عجز مزمن أمكن رصده منذ عام 1980 وحتى العام الأخير، فيما عدا فائض محدود عام 2009 نتيجة انخفاض سعر النفط بشكل كبير في بلد تنخفض به نسبة الاكتفاء الذاتي من النفط إلى 6.5 في المائة، بينما يحقق ميزان الخدمات فائضا مستمرا منذ عام 1997 وحتى العام الماضي، أما ميزان الدخل الأولى الذي يقيس الفرق بين إيرادات فوائد الاستثمارات في الخارج، وبين مدفوعات الفوائد عن الاستثمارات الأجنبية الموجودة بالبلاد فيحقق عادة عجزا مستمرا، بينما يحقق ميزان الدخل الثانوي فائضا مستمرا، وهو الذي يقيس الفرق بين المعونات الواردة والمعونات الممنوحة للخارج، وبين تحويلات العمالة الواردة من الخارج وبين تحويلات العمالة الخارجة من البلاد.

أما الحساب المالي الذي يقيس الفرق بين تدفقات الاستثمارات الأجنبية، بأنواعها: المباشرة وغير المباشرة والودائع والقروض الداخلة للبلاد، وبين مثيلتها الخارجة من البلاد، فهو ميزان متقلب ما بين تحقيق فائض أو عجز في السنوات الماضية، وهكذا يميل ميزان المدفوعات الكلي لتحقيق فائض عادة، مما تسبب في ازدياد قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية حتى خلال عامي الحرب.

وهكذا نجد أن اتجاه الموازين الفرعية للميزان الكلي خلال عامي الحرب رغم ما لحق بهم من تأثير، قد ظل على نفس الوتيرة التاريخية، حيث ظل الميزان السلعي يحقق عجزا والميزان الخدمي يحقق فائضا، والدخل الأولى يحقق عجزا والدخل الثانوي يحقق فائضا مع تدفق المعونات الخارجية خاصة من الولايات المتحدة، كما ظل الحساب المالي يحقق عجزا نتيجة زيادة الاستثمارات الأجنبية الخارجة عن قيمة الاستثمارات الأجنبية الداخلة.

وبرصد مدى شدة تأثر تلك الموازين الفرعية بعامي الحرب، نجد أنه في التجارة السلعية انخفضت قيمة الصادرات في العام الأول للحرب بنسبة 8.3 في المائة، في حين كانت نسبة انخفاضها في العام الثاني 3.8 في المائة. أما بالواردات فقد انخفضت في العام الأول بنسبة 12 في المائة، لكنها تحسنت في العام الثاني جزئيا وهو التحسن الذي لم يعيدها لمستوى عام ما قبل الحرب والذي ظلت أقل منه بنسبة 9 في المائة.

وذلك رغم زيادة واردات الدفاع في عامي الحرب لتصل إلى 7.2 مليار دولار في العام الماضي، لكنه قابلها تراجع تكلفة واردات الطاقة خلال عامي الحرب، بسبب تراجع أسعار النفط والفحم اللتان تستوردهما خلال العامين، ليصل العجز التجاري السلعي إلى 20.6 مليار دولار في العام الأول و26.3 مليار دولار في العام الثاني مقابل عجز بلغ 26.5 مليار دولار في العام السابق للحرب.

خدمات الأعمال وصمود الصادرات الخدمية

أما التجارة الخدمية فتعد نتائجها غير مفهومة للبعض، فرغم انخفاض حصيلتها خلال عامي الحرب عما كانت عليه في العام السابق على الحرب، فقد حققت فائضا في العام الماضي يفوق الفائض المتحقق في عام 2022 السابق على الحرب، وهو أمر يجده البعض غير مفهوما بسبب تراجع إيرادات السياحة نتيجة تراجع أعداد السياح الواصلين من بلدان العالم في العام الماضي، وكذلك تأثر خدمات النقل بسبب التعطيل الكبير لميناء إيلات بسبب حصار الحوثيين لباب المندب.

لكن سبب تلك الحصيلة الكبيرة للفوائض بالتجارة الخدمية البالغة 39.2 مليار دولار في العام الماضي، واستوعبت العجز في الميزان التجاري السلعي البالغ 26.3 مليار دولار، وتحقيق فائض في ميزان السلع والخدمات بلغ 13 مليار دولار، يمكن فهمه بالنظر إلى التوزيع النسبي لموارد الخدمات في العام الماضي، حين نجد أن خدمات الأعمال تستحوذ على نسبة 87 في المائة من الموارد الخدمية، وخدمات النقل 10 في المائة، والسياحة 2.6 في المائة، والباقي للخدمات التأمينية والحكومية، ومن هنا فإن الضرر الذي لحق بالإيرادات السياحية وخدمات النقل لم يكن له أثره الكبير في تأثر فائض التجارة الخدمية.

وهذا النصيب الكبير لخدمات الأعمال بين موارد الخدمات أمر مستمر بالسنوات الماضية، فخلال السنوات الخمس الأخيرة لم يقل نصيبه من موارد الخدمات عن الثمانين في المائة، وكان هذا هو السبب في أن مجمل حصيلة الصادرات الخدمية خلال عام 2023 والبالغة 81.9 مليار دولار، ورغم انخفاضها بنحو 3 مليارات دولار عن العام السابق للحرب، كانت أعلى من الحصيلة الخدمية في أية دولة عربية خلال العام، والتي تعتمد على الموارد الخدمية من السياحة والنقل والخدمات الصحية والتعليمية والمالية والترفيهية وغيرها، حيث كانت في الإمارات 72.5 مليار دولار والسعودية 48.5 مليار دولار شاملة الحج والعمرة، و33.6 مليار دولار بمصر.

الدين الخارجي يتراجع رغم الحرب!

أما في الدخل الثانوي فقد زادت المعونات الأجنبية من الحكومات إلى 8.2 مليار دولار، خاصة من الولايات المتحدة والتي تم رصد 6 مليارات دولار منها، واستمرت ألمانيا في تقديم التعويضات الشخصية البالغة حوالي نصف مليار دولار سنويا، كما زادت تحويلات العاملين الداخلة البالغة 5.3 مليار دولار، عن قيمة تحويلات العمالة الخارجة البالغة 2.8 مليار دولار.

ساهمت عوامل خارجية عديدة في امتصاص ميزان المدفوعات الإسرائيلي للآثار السلبية التي لحقت به في العام الأول للحرب، لتنخفض حدتها في العام الثاني، بسبب المساندة الغربية بل والعربية ومن دول إسلامية ساهمت في إمداد اسرائيل باحتياجاتها، من السلع والمواد الخام والوقود ليستمر دوران عجلة اقتصادها وآلة حربها، رغم حصارها المستمر لسكان غزة ومنع الغذاء والدواء والوقود عنهم لشهور طويلة
أما الاستثمار الأجنبي المباشر في إسرائيل فقد انخفض من حوالي 23 مليار دولار في العام السابق على الحرب، إلى 16 مليار دولار في العام الأول للحرب واقترب من 17 مليار دولار في العام الثاني، كذلك تحولت الاستثمارات الأجنبية في الأوراق المالية والتي تسمى استثمارات الحافظة، من تدفق للداخل في العام السابق للحرب بقيمة 4.3 مليار دولار، إلى تدفق للخارج بقيمة 11 مليار دولار في العام الأول للحرب، وعودة للداخل بقيمة ملياري دولار في العام الثاني، وبإضافة الاستثمارات الأخرى المتعلقة بالقروض والودائع الأجنبية، فقد انخفضت قيمة الاستثمارات الأجنبية بأنواعها الثلاثة مباشرة وحافظة وأخرى، من حوالي 24 مليار دولار في العام السابق على الحرب إلى أقل من 8 مليارات دولار في العام الأول للحرب، لكنها عادت للصعود في العام الثاني للحرب إلى حوالي 27 مليار دولار.

وهكذا ساهمت عوامل خارجية عديدة في امتصاص ميزان المدفوعات الإسرائيلي للآثار السلبية التي لحقت به في العام الأول للحرب، لتنخفض حدتها في العام الثاني، بسبب المساندة الغربية بل والعربية ومن دول إسلامية ساهمت في إمداد اسرائيل باحتياجاتها، من السلع والمواد الخام والوقود ليستمر دوران عجلة اقتصادها وآلة حربها، رغم حصارها المستمر لسكان غزة ومنع الغذاء والدواء والوقود عنهم لشهور طويلة، وهو المنع الذي عاد مؤخرا دون أي رد فعل عملي من قبل الدول العربية والإسلامية رغم حدوثه بشهر الصوم.

صحيح أن معدلات النمو قد تراجعت والعجز بالموازنة قد زاد، لكن الدين الخارجي الإسرائيلي الذي بلغ 155.2 مليار دولار بنهاية العام السابق على الحرب، اتجه للانخفاض بعامي الحرب ليصل إلى 147.4 مليار بنهاية العام الماضي، مع الدعم المالي والعسكري الغربي الذي قلل من الحاجة للاقتراض، كما زادت قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية من 198.6 مليار في أيلول/ سبتمبر 2023 الشهر السابق للحرب، إلى 216 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.

x.com/mamdouh_alwaly

مقالات مشابهة

  • البنتاغون: هجماتنا لا تهدف لتغيير النظام في اليمن وقتلنا قيادات حوثية
  • لقطات لبعض الذخائر والأسلحة والحبوب المخدرة التي عثرت عليها قوات الجيش داخل أوكار ميليشيا حزب الله بقرية حوش السيد علي بريف القصير غرب حمص
  • تجربة درع السودان وتجارب كل التشكيلات العسكرية التي ساهمت (..)
  • ميزان المدفوعات الإسرائيلي ومدى تأثره بالحرب
  • الزبيدي يهاجم المكونات الحضرمية ويعترف أن الصراع حول "النفط والنفوذ"
  • بن حبتور: العدوان على اليمن يستهدف إرادة الإنسان اليمني لا فريقًا بعينه
  • الحزب الإشتراكي اليمني يُدين العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن
  • روسيا تحث أمريكا على وقف استخدام القوة في اليمن وخفض التصعيد
  • وزير الخارجية الروسي لنظيره الأمريكي: أوقفوا استخدام القوة في اليمن
  • لغز بلا أدلة مذبحة الرحاب.. لغز الجثث الخمس التي حيرت الجميع!