غانا.. المرأة تسيطر اقتصاديا رغم الفقر والتمييز
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
أكرا- تعتبر المرأة في غانا ثروة حقيقية بالنسبة لأسرتها وللمجتمع بشكل عام، فهي تسيطر على ما يقارب 85% من سوق العمل، ولا سيما مع التطور الاقتصادي الملحوظ الذي شهدته البلاد منذ عام 2008.
ويرجع الخبراء ذلك إلى دور المرأة في تفعيل الاقتصاد، حيث تأسست ما تسمى "جمعية ملكات السوق"، وباتت سيدات الأعمال يسافرن للخارج بغرض التجارة وتنشيط الأسواق الغانية.
وترغب العائلات بزج فتياتها في سوق العمل ليصبحن قادرات على دعم الأسرة والاعتماد على أنفسهن وتأمين مستقبل أطفالهن، فالمرأة التي كانت بائعة الفول السوداني والأناناس والموز أصبحت تاجرة في أسواق العاصمة أكرا.
وفي مقابلة سابقة مع الجزيرة نت ذكرت سيدة الأعمال لفلي أنها انتقلت من بيع السمك إلى بيع الأحذية إلى الفلاحة وصولا إلى تجارة العقارات.
وقالت إن "المرأة في غانا إن لم ترع نفسها فلن تجد من يرعاها، فإذا كانت ريفية أو من عائلة فقيرة يتوجب عليها رعاية نفسها بأي شكل كان، وربما مساعدة أسرتها أيضا، فالأسرة تعتبر أن فتاة العائلة هي الأقدر على دعمها لما تملكه من قوة وإصرار يميزها عن الذكر".
يتوجب على المرأة الغانية رعاية نفسها ومساعدة أسرتها أحيانا (الجزيرة) حضور اقتصادي وسياسيشهد العقد الماضي وصول المرأة في غانا إلى أغلب مجالات العمل بعدما كانت محصورة في التجارة والزراعة وبعض المهن اليدوية الأخرى، لكنها مؤخرا وصلت إلى مناصب سامية في الدولة وترشحت للانتخابات الرئاسية، وهذا لا يكفي حسب رأي مهندسة الإلكترونيات جيفا التي كانت مسؤولة عن موقع جيفا للترويج للصناعات النسوية الغانية عبر الإنترنت.
وفي حديثها للجزيرة نت تقول جيفا "إن المرأة الغانية تحتاج لنماذج يحتذى بها، فأنا مثلا سافرت إلى أميركا عندما كان عمري 12 عاما، وتأثرت بالعديد من الشخصيات الناجحة مثل أوبرا وينفري، لكن عندما عدت إلى غانا وجدت أن الفتيات ليس أمامهن مثل أعلى، فمثلهن الأعلى هو أي سيدة ناجحة في تجارتها وتملك المال فقط، وهذا لا يكفي كمقياس للنجاح".
وتسعى جيفا من خلال مشروعها إلى الترويج للصناعات النسوية الغانية في الخارج، لإيمانها بضرورة تمكين المرأة بشكل أوسع عن طريق تعلم المهن وربطها بالتعليم، فقوت اليوم الذي تقنع به بعض النساء لا يستطيع أن يطورها، حسب قولها.
وتضيف "مشروعي هو مجرد مبادرة لإظهار إمكانيات المرأة الغانية، وهو يجلب ربحا جيدا داعما للنساء اللواتي يصنعن المنتجات من إكسسوارات وتحف وكريمات تجميلية وصابون وحقائب جلدية، لكن أيضا تحتاج المرأة في غانا للعديد من المشاريع والمبادرات لتتمكن من تغيير نمط حياتها وتوعيتها".
مع كل ما تحمله المرأة الغانية على كاهلها لكنها لم تنج من التمييز العنصري (الجزيرة) الأميةتشكل الأمية بين النساء في غانا نحو 50%، حيث يمتنع الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس -خاصة البنات- ولا سيما في الأرياف، فهم يعتقدون أن الأفضل لها أن تتعلم مهنة لتدعم أطفالها في المستقبل، ويعتبر الإنجاب المبكر -سواء كان من الزواج أو خارج إطاره- أحد الأسباب التي تحول دون تعليم الفتيات، فقد تضطر العائلات لتزويج البنات بعمر 10 سنوات أو 12 سنة بسبب الفقر.
ولأن الفتاة تعتبر -عُرفا- ثروة إنجابية فإن القبائل تسعى إلى زيادة عدد أفرادها من خلال إنجاب العائلة الواحدة أكثر من 6 أبناء، وفي حال غياب الأب أو تملصه من مسؤولية الأبناء تتحمل المرأة المسؤولية كاملة، من تربية وتأمين سبل العيش للأبناء.
تقول الطالبة كيفتي إنها عملت خادمة في البيوت لتؤمّن أقساط المدرسة التي تتعلم فيها فن الخياطة وتصميم الأزياء.
وتضيف أنها منذ نعومة أظفارها تعتمد على نفسها، لكنها قررت أن تتعلم مهنة لتتمكن من إنشاء مشروعها الخاص مستقبلا.
وتتابع كيفتي "واجهت صعوبات كثيرة من جوع وعوز، فلا أحد يستطيع إعالتي، لكنني رفضت أن أبقى خادمة أو بائعة فعملت لتوفير النقود لأدرس المجال الذي أرغب فيه، وللأسف الدراسة ليست مجانية، ومبادرات الدولة لتمكين الفتيات والنساء قليلة جدا لا تكفي حاجة المرأة في غانا".
ومع كل ما تحمله المرأة الغانية على كاهلها لم تنجُ من التمييز العنصري، فرغم دورها الفعال والمتنامي في شتى المجالات فإنها لا تزال تعاني عدم المساواة بين الجنسين، خاصة في العمالة الريفية، وينتشر ذلك في المناطق الشمالية بشكل كبير، وربما تقل نسبة التمييز في العمالة بالمناطق الحضرية، لكنها قد تأخذ شكلا آخر.
نساء غانيات في أحد أسواق العاصمة أكرا (الجزيرة) التعرض للعنفبدورها، تقول المحامية إلنور بارنيس إن المرأة الغانية تعاني التمييز وتتعرض لإيذاء نفسي ومحاربة اقتصادية، وينظر الرجل إليها على أنها أداة جنسية ويحاول بشتى الوسائل استغلالها.
وتضيف "هناك قوانين تنص على حماية المرأة الغانية، مثل قانون العنف الأسري الصادر عام 1992 وقانون الزواج الذي يمنع زواج القاصرات وتعدد الزوجات، لكن هناك قوى أخرى تحول دون لجوء المرأة الغانية إلى القانون في حال تعرضها للعنف، وهي قوانين القبائل وعادات المجتمع وتقاليده التي تضع المرأة في خندق ضيق جدا يصعب عليها في بعض الأحيان اجتيازه".
وتعتبر بارنيس أن تعديل القوانين الغانية وفرض عقوبات أكثر صرامة على الرجل المعتدي -سواء كان زوجا أو حبيبا أو أبا- وإلزامه بالأطفال ونفقاتهم، ربما يؤدي إلى حماية المرأة بشكل أفضل والحد من تعنيفها والاعتداء عليها، وهي خطوة يجب أن تقوم بها الحكومة بشكل عاجل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
اقتصاديا.. 6 خسائر كاملة عربيا من فوز ترامب
في أعقاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تتجه الأنظار نحو التأثيرات المحتملة لعودته إلى البيت الأبيض على المنطقة العربية. ويكتسب هذا الاهتمام أهمية خاصة نظرا للتحولات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، وما تركته سياساته السابقة (2017-2021) من بصمات على العلاقات الأمريكية- العربية.
يركز هذا التحليل على الأبعاد الاقتصادية المتوقعة لفوز ترامب، مستندا على نمط سياساته السابقة وتوجهاته المعلنة.
وتشير المؤشرات التاريخية إلى احتمالات تغيير جوهري في طبيعة العلاقات الاقتصادية الأمريكية-العربية، مع توقعات بفرض شروط جديدة للتعاون، وإعادة صياغة الاتفاقيات التجارية، وتغيير في أنماط المساعدات والدعم. كما يمكن أن تتأثر المنطقة بالتوترات المتصاعدة في العلاقات الأمريكية-الصينية، مما قد يفرض تحديات إضافية على الاقتصادات العربية.
يمكن أن تتأثر المنطقة بالتوترات المتصاعدة في العلاقات الأمريكية-الصينية، مما قد يفرض تحديات إضافية على الاقتصادات العربية
بشكل عام، من المرجح أن تواجه الدول العربية المنتجة للنفط تحديات متزايدة في ظل ولاية ترامب الثانية، سواء من خلال العقوبات أو الضغوط السياسية أو القيود التنظيمية، وسيكون عليها التكيف مع هذه التطورات للحفاظ على استقرار إنتاجها النفطي وإيراداتها.
الخسائر المحتملة
1- تقليل الصادرات العربية وزيادة تكاليف الواردات: من واقع تجربة الفترة السابقة وسياسات ترامب المعلنة، قد تواجه الدول العربية تقليصا في صادراتها إلى الولايات المتحدة بسبب السياسات التجارية الحمائية.
وسيؤدي زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط خاصة الصخري إلى تقليل الطلب على النفط العربي، وتنخفض حصة الصادرات النفطية العربية للسوق الأمريكي، ويؤدي ذلك إلى ضغط تنافسي على الأسعار يقلل العائدات. ومن المرجح أن يواصل ترامب سياساته الداعمة للإنتاج المحلي، مما قد يؤدي لزيادة إنتاج الولايات المتحدة من 12 مليون برميل/يوم حاليا إلى 14-15 مليون برميل/يوم بحلول عام 2025، وقد تنخفض الواردات الأمريكية من دول الخليج العربية بنسبة 10-15 في المئة بحلول عام 2026 مقارنة بالمستويات الحالية. ومن المحتمل أن تواجه أسعار النفط الخام ضغوطا هبوطية بنسبة 5-10 في المئة على المدى المتوسط بسبب زيادة الإنتاج الأمريكي وأي توترات في العلاقات الإقليمية، وقد تتراجع إيرادات دول الخليج من صادرات النفط بنسبة 8-12 في المئة إذا تحقق السيناريو السابق.
أما الصادرات غير النفطية، فمن المتوقع فرض قيود جمركية أعلى على البضائع العربية؛ يؤدي إلى صعوبة دخول المنتجات العربية للسوق الأمريكي، وبالتالي تقليص حجم الصادرات الزراعية والصناعية العربية، ومن المتوقع زيادة تكاليف الواردات من المنتجات الأمريكية، متمثلة في ارتفاع أسعار المعدات والآلات المستوردة، وزيادة تكلفة التكنولوجيا والبرمجيات، وغلاء الواردات الزراعية (خاصة القمح).
ومن المتوقع ارتفاع تكاليف الحماية العسكرية وفق سياسة "أمريكا أولا"، وزيادة نفقات التسلح والمعدات العسكرية، وتكاليف إضافية للتجارة والشحن نتيجة التوترات الدولية، وارتفاع أقساط التأمين على المشاريع والتجارة، وزيادة تكاليف الامتثال للعقوبات والقيود الأمريكية.
2- تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية: قد تتفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والدول العربية على خلفية سياسات ترامب، هذا قد يعيق التعاون الاقتصادي والسياسي بين الجانبين، كما أن التوترات الأمريكية-الصينية ستؤثر على سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع تكلفة المنتجات الصينية للمستهلك العربي، الناتج عن صعوبة التنقل بين المحاور التجارية المتنافسة وتكاليف إضافية للتأمين والشحن، مع تعقيدات في المعاملات المصرفية الدولية.
3- تقليل المساعدات والمنح الأمريكية: قد تخضع المساعدات والمنح الأمريكية للدول العربية لشروط سياسية أكثر صرامة، وهذا قد يؤثر على برامج التنمية وسبل المعيشة في هذه الدول. وقد سبق لترامب في فترة رئاسته السابقة أن خفض المساعدات لمصر في 2017 (130 مليون دولار)، مع تغيير شروط المساعدات العسكرية للعراق، وربط المساعدات بصفقات السلاح في الخليج، وقد قام بتخفيض مساعدات الأونروا بشكل حاد، وإلغاء برامج مساعدات للأردن وتحويلها لقروض، وتخفيض دعم منظمات الأمم المتحدة، وصعوبة الحصول على مساعدات طارئة، وتقليص برامج USAID في عدة دول عربية، مع خفض مساهمات برنامج الغذاء العالمي، وخفض ميزانيات الإغاثة في اليمن وسوريا.
هذه السوابق الموثقة تشير لنمط متسق في سياسة ترامب "أمريكا أولا" وتقليص المساعدات الخارجية، مما يجعل توقع استمرار هذا النهج منطقيا. أما عن المساعدات العسكرية فسيتم ربطها بصفقات شراء الأسلحة الأمريكية وفرض شروط أصعب للحصول عليها، وتحويلها لقروض بدل المنح المباشرة.
4- تعقيد الجهود الرامية إلى التكامل الاقتصادي العربي والإقليمي: حيث قد تواجه المبادرات الإقليمية للتكامل الاقتصادي العربي مزيدا من التحديات، كما أن التوترات السياسية قد تعيق الجهود الرامية إلى تحرير التجارة والاستثمار داخل المنطقة. ويتوقع تعقيد التكامل الاقتصادي العربي والإقليمي، من خلال تفتيت التحالفات العربية، وتشجيع الصفقات الثنائية المنفردة على حساب العمل العربي المشترك، وخلق منافسة غير صحية بين الدول العربية للحصول على المزايا الأمريكية، وإضعاف المؤسسات الاقتصادية العربية المشتركة، وتقييد حرية العمل الاقتصادي العربي المشترك مما يؤدي إلى تعميق الانقسامات الاقتصادية بين المحاور المختلفة.
وقد تواجه الدول العربية ضغوطا أكبر من الولايات المتحدة للحد من علاقاتها الاقتصادية مع تركيا وإيران، وهذا قد يؤثر على التجارة والاستثمارات العربية مع هاتين الدولتين الإقليميتين المؤثرتين. وبشكل عام، فإن استمرار سياسات ترامب العدائية تجاه بعض الجهات الفاعلة الإقليمية قد يعرقل الجهود العربية الرامية إلى تعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي الإقليمي.
يشير التحليل المبني على السجل التاريخي لسياسات ترامب إلى أن المنطقة العربية قد تواجه تحديات اقتصادية جوهرية في المرحلة القادمة، ورغم وجود بعض الفرص الإيجابية، خاصة في مجالات التعاون العسكري وتحفيز الصناعات المحلية، إلا أن الخسائر المحتملة تبدو أكثر عمقا وتأثيرا وتتطلب استعدادا مبكرا للتعامل معها
5- تهديد الاستقرار الاقتصادي: قد تتأثر إيرادات النفط والاستثمارات والتوظيف والتمويل الخارجي سلبا، وهذا قد يؤدي إلى ارتفاع البطالة وتدهور مستويات المعيشة في بعض الدول. ويمكن توقع تهديد الاستقرار الاقتصادي العربي من خلال الضغوط على مصادر الدخل بالتأثير على أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج الأمريكي، وخفض الطلب على النفط العربي، وبالتالي تقليص العائدات النفطية للدول المصدرة، وزعزعة الاستقرار المالي وإحداث تقلبات في أسواق العملات، وتذبذب أسواق المال العالمية، مع تأثر الاستثمارات العربية في الخارج.
6- انخفاض جاذبية المنطقة للاستثمار الأجنبي، فقد تصبح الدول العربية أقل جاذبية كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر، بسبب ارتفاع المخاطر السياسية والاقتصادية، فقد يبعد المستثمرين الأجانب، وذلك بسبب زيادة عوامل المخاطرة الناتجة عن تصاعد حدة التوترات الإقليمية، وعدم اليقين في السياسات الأمريكية، وتذبذب الأسواق المالية العالمية، يؤدي ذلك لتراجع ثقة المستثمر الأجنبي في الدول العربية وانخفاض تدفقات رأس المال الأجنبي لتفضيل أسواق أكثر استقرارا، وينتج عنه تأجيل المشاريع الاستثمارية الكبرى.
في الخاتمة، يشير التحليل المبني على السجل التاريخي لسياسات ترامب إلى أن المنطقة العربية قد تواجه تحديات اقتصادية جوهرية في المرحلة القادمة، ورغم وجود بعض الفرص الإيجابية، خاصة في مجالات التعاون العسكري وتحفيز الصناعات المحلية، إلا أن الخسائر المحتملة تبدو أكثر عمقا وتأثيرا وتتطلب استعدادا مبكرا للتعامل معها.
قد يكون هذا الوضع دافعا قويا نحو تعزيز التعاون الاقتصادي العربي وتطوير بدائل استراتيجية للحد من التأثيرات السلبية المحتملة، كما يفرض على صناع القرار في المنطقة العربية ضرورة تبني سياسات اقتصادية أكثر مرونة وتنوعا، مع التركيز على تعزيز القدرات الذاتية وتقوية الروابط الاقتصادية الإقليمية والدولية البديلة، وتطوير سلاسل توريد إقليمية أكثر مرونة واستدامة، وعمل مشاريع مشتركة للأمن الغذائي والمائي، وتنسيق السياسات الاقتصادية لمواجهة التحديات المشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والتحول الرقمي، وغيرها من المجالات ذات الأولوية في ظل التحديات.