رحلة في دهاليز علم التجهيل
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
يونيو 3, 2024آخر تحديث: يونيو 3, 2024
محمد الربيعي
علم التجهيل ( Agnotology ، الاغنوتولوجيا) هو مصطلح يستخدم لوصف دراسة الافعال المتعمدة والمدروسة التي تهدف الى نشر التضليل وخلط الامور للتأثير على الرأي العام ولكسب التأييد او لبيع منتج ما او للاضرار بالسمعة، واحب تسميته بفن اللف والدوران. تم ابتكار هذا المصطلح من قبل العالم روبرت بروكتور وخبير اللغويات ايان بوال في عام 1995.
لماذا علم التجهيل علم مهم؟ لان المعلومات الخاطئة يمكن ان تجعل الناس يتخذون قرارات خاطئة وتؤثر على الرأي العام. لكن عندما تدرك كيف تشتغل الخدعة، يمكنك ان تحمي نفسك منها. والموضوع ليس سهلا كما تظن، فالجهل عنده خارطته الخاصة ويتغير حسب السياسة والمصالح. نحن نعيش بزمن الجهل الشديد، والعجيب بالموضوع ان الحقيقة غير قادرة ان تخترق كل هذا الضجيج الصادر من وسائل الاعلام والسوشيال ميديا. الجهل ينتشر أولا عندما لا يفهم الناس ما هو مفهوم او ما هو حقيقة، وثانيا عندما تأتي مجموعات ذات مصالح خاصة – مثل حزب او مجموعة سياسية – وتشتغل بجد لخلق التشويش حول موضوع معين. باختصار، ان فهم الجهل السياسي هو جزء رئيسي لكي نفهم العالم حولنا بشكل ادق واصح.
ان علم التجهيل، بدراسته لتأثير المعلومات المغلوطة على القرارات والسلوكيات الفردية والجماعية، يسلط الضوء على تعقيد الجهل وتشكله وفقا للسياقات السياسية والمصالح المختلفة.
المؤرخون وفلاسفة العلم يميلون الى معاملة الجهل على انه فراغ يتمدد باستمرار ليمتص المعرفة. ومع ذلك ، فان الجهل اكثر تعقيدا من هذا، اذ ان له جغرافيا سياسية مميزة ومتغيرة. وغالبا ما يكون مؤشرا ممتازا على سياسات المعرفة. فبدلا من كونه مجرد غياب للمعرفة، يتجلى الجهل باشكال متعددة: جهل مقصود ينبع من الاهمال او الرفض او الخوف، وجهل غير مقصود ناتج عن نقص التعليم او الفرص او القيود الثقافية، وجهل اختياري يتغذى على التحيز او الايديولوجية او رغبة في الحفاظ على السلطة.
وتتوزع هذه الاشكال من الجهل على مناطق وفئات اجتماعية محددة، مما يخلق “خرائط جهل” تتغير مع مرور الوقت وتتأثر بالتغيرات الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية.
ويمثل الجهل مؤشرًا قيما لسياسات المعرفة، حيث يكشف عن اولويات البحث، والتفاوتات في السلطة، والديناميات الاجتماعية. فمثلا، تظهر الرقابة والتضليل الاعلامي والتعليم الموجه كيف يتم استخدام الجهل وتوظيفه في السياقات الاجتماعية والسياسية. وفهم الجهل ضروري لتصميم سياسات فعالة تهدف الى زيادة المعرفة وتقليل التفاوتات. كما يساعد على تعزيز التفكير النقدي وبناء مجتمعات اكثر عدلا.
ولذا، يجب اتخاذ خطوات لمواجهة الجهل، مثل تعزيز التعليم النوعي ودعم الصحافة المستقلة وفتح نقاشات عامة، ومكافحة التمييز. فالمعرفة ليست مجرد سلاح لمواجهة الجهل، بل هي اساس بناء مجتمعات اكثر ابداعا وازدهارا. والمعرفة ليست مجرد ملء فراغ، بل هي اضاءة دروب نحو مستقبل افضل.
وبناءً على فهمنا لعلم الجهل، يمكننا ملاحظة تطبيقاته العملية في مجال التضليل، نذكر ادناه بعض منها على سبيل المثال:
1. التشكيك في الخبراء:– الهجوم على نزاهة العلماء والمؤسسات العلمية: قد يسعى الفاعلون السياسيون الى تقويض ثقة الجمهور في الخبراء والمؤسسات العلمية من خلال نشر معلومات مضللة او تشويه سمعتهم. على سبيل المثال، قد يتم مهاجمة العلماء الذين يدرسون تغير المناخ باعتبارهم متحيزين او مدفوعين باجندات (بأجندات) خفية، او قد يتم التشكيك في نزاهة الدراسات العلمية التي تدعم سياسات معينة.
– نشر معلومات مضللة حول مواضيع علمية: قد يتم نشر معلومات مضللة او زائفة حول مواضيع علمية معقدة، مثل تلوث البيئة او السلامة النووية او الصحة العامة، بهدف ارباك الجمهور وجعله غير قادر على تقييم المخاطر بشكل صحيح.
– الترويج لنظريات المؤامرة: قد يتم الترويج لنظريات المؤامرة التي تشكك في الدوافع او النتائج العلمية، بهدف زرع الشك وعدم الثقة في المعلومات الموثوقة.
2. استخدام اللغة الغامضة او المضللة:– استخدام مصطلحات علمية زائفة او مضللة: قد يتم استخدام مصطلحات علمية زائفة او مضللة لخلق انطباع زائف من الدقة او المصداقية. على سبيل المثال، قد يتم استخدام مصطلح “علم مزيف” لوصف اي بحث علمي لا يتوافق مع وجهة نظر سياسية معينة.
– التلاعب باللغة لاخفاء المعلومات المهمة: قد يتم استخدام اللغة الغامضة او المضللة لاخفاء المعلومات المهمة او التهوين من شأنها. على سبيل المثال، قد يتم استخدام مصطلح “مخاطر محتملة” بدلا من “مخاطر جسيمة” لوصف مخاطر احد المنتجات او السياسات.
– استخدام الايحاءات العاطفية بدلا من الحقائق: قد يتم استخدام الايحاءات العاطفية بدلا من الحقائق لاثارة مشاعر الخوف او الغضب لدى الجمهور، مما يجعله اكثر عرضة للتأثر بالرسائل المضللة.
3. استغلال عدم اليقين والشك:– الترويج لعدم اليقين العلمي على انه دليل على عدم وجود اجماع: قد يتم الترويج لعدم اليقين العلمي الطبيعي على انه دليل على عدم وجود اجماع علمي حول قضية معينة، بهدف اضعاف ثقة الجمهور في العلم.
– التضخيم من مخاطر تقنيات او سياسات جديدة: قد يتم تضخيم مخاطر تقنيات او سياسات جديدة بشكل مبالغ فيه، بهدف اثارة الخوف لدى الجمهور ومنعه من دعمها.
– التقليل من شأن فوائد تقنيات او سياسات قائمة: قد يتم التقليل من شأن فوائد تقنيات او سياسات قائمة، بهدف اقناع الجمهور بأنها غير فعالة او غير ضرورية.
4. استغلال السلطة لثقة الشعب بها:– نشر معلومات مضللة من قبل مسؤولين حكوميين او شخصيات سياسية: قد يتم نشر معلومات مضللة من قبل مسؤولين حكوميين او شخصيات سياسية، مما يمنحها مصداقية زائفة ويجعل الجمهور اكثر عرضة لتصديقها.
– استخدام وسائل الاعلام المملوكة للدولة لنشر الدعاية: قد يتم استخدام وسائل الاعلام المملوكة للدولة لنشر الدعاية والمعلومات المضللة، مما يحد من قدرة الجمهور على الوصول الى المعلومات الموثوقة.
– التضييق على حرية التعبير والصحافة: قد يتم التضييق على حرية التعبير والصحافة، مما يمنع الصحفيين من التحقيق في المعلومات المضللة وتقديم تقارير عنها.
امثلة على الاغنوتولوجيا في نشر المعلومات المضللة في العراق:
– نشر معلومات مضللة حول ازمة كوفيد 19: خلال جائحة كوفيد 19، تم نشر العديد من المعلومات المضللة حول الفيروس وطرق الوقاية منه وعلاجه. تضمنت هذه المعلومات ادعاءات كاذبة حول عدم فعالية اللقاحات ووجود علاجات “معجزة” للفيروس.
– التضليل السياسي ضد النشطاء: يشكل التضليل السياسي اداة قوية يستخدمها بعض الفاعلين السياسيين في العراق لقمع المعارضة واضعافها. ويشمل ذلك نشر معلومات مضللة واستخدام خطاب الكراهية والعنف ضدهم ونشر معلومات مضللة عبر وسائل الاعلام والسوشيال ميديا وشن حملات تشويه سمعة. وكذلك نشر معلومات مضللة لقمع حرية التعبير وحجب المعلومات او التلاعب بها لمنع الجمهور من معرفة الحقيقة حول قضايا مثل الفساد او انتهاكات حقوق الانسان
– استخدام الاغنوتولوجيا لنشر الكراهية والعنف الطائفي: غالبا ما يتم استخدام الاغنوتولوجيا لنشر الكراهية والعنف الطائفي. على سبيل المثال، قد يتم نشر خطاب كراهية ضد مجموعات عرقية او دينية معينة.
– استخدام لغة عاطفية بدلا من الحقائق: لاثارة مشاعر الخوف او الغضب لدى الجمهور، مما يجعله اكثر عرضة للتأثر بالرسائل المضللة.
– التعميم بدلا من تقديم تفاصيل محددة: لاخفاء المعلومات المهمة.
– نشر معلومات مضللة من قبل جهات سياسية: لجعل الجمهور اكثر عرضة لتصديقها.
من المهم ملاحظة ان هذه مجرد امثلة قليلة، وان هناك العديد من الطرق الاخرى التي يمكن من خلالها استخدام الاغنوتولوجيا في التضليل السياسي.
للتصدي للتضليل السياسي، من المهم ان يكون لديك وعي نقدي للمعلومات التي تستهلكها، وان تبحث عن مصادر موثوقة، وان تفكر بطريقة انتقادية في ادعاءات الاخرين. بالاضافة الى ذلك، من المهم دعم الصحافة المستقلة والمنظمات المدنية التي تعمل على مكافحة التضليل الاعلامي.
مرتبطالمصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: المعلومات المضللة نشر معلومات مضللة على سبیل المثال وسائل الاعلام اکثر عرضة بدلا من من قبل
إقرأ أيضاً:
الأكل الحلال.. رحلة بحث مضنية ونقطة تلاقي عرب فيتنام
هانوي/هو تشي منه- أن تظفر بوجبة أكل حلال تسد بها رمقك في فيتنام أمر ليس بالهيّن واليسير، فمطاعم العرب والمسلمين عموما تعد على أصابع اليد في كبرى المدن، فما بالك خارجها في بقية مناطق البلاد المترامية الأطراف.
"ورطة" صغيرة في هذه الرقعة الخيّرة والمضيافة من المعمورة تعود أساسا إلى أن الجاليات العربية والمسلمة حديثة عهد في بلد الـ100 مليون نسمة، وهم بالكاد بضعة آلاف شبه "مشتتين" بين هانوي شمالا وهو تشي منه جنوبا، مما يجعل إطلاق مطعم حلال شبه مجازفة من قبل البعض من ذوي الفكر الاستثماري بينهم.
وحتى بعد الاستعانة بخرائط غوغل لتحديد مواقع المطاعم الحلال المتوافرة، فإما أن تجد صعوبة بالغة في العثور على مكانها، وإن عثرت على عنوان صحيح لأحدها فستكون بعيدة نسبيا عن مركز المدينة. أما تلك القريبة فأغلبها في مناطق هواة السهر والرقص والموسيقى الصاخبة ومراكز التدليك المنتشرة في كل مكان.
وفي إحدى الأزقة القريبة من هذه المناطق "الساخنة" وسط العاصمة الفيتنامية هانوي، وتحديدا في "هوان كيام" بالحي العتيق، وجد المصري إيهاب توفيق (44 عاما) له مستقرا، وفي محل صغير أطلق مع شقيقه مطعمه "يلا كباب" المختص في الأكلات الشرقية.
صعوبات.. و"صواريخ"يقول إيهاب -وهو من محافظة الشرقية- إن المطعم واجه بعض الصعوبات في البداية، لكن بفضل الله وحمده بات اليوم قبلة لكل العرب القاطنين في هانوي، وأغلبهم شبان من مصر والمغرب وتونس والجزائر.
ويضيف إيهاب وهو يحمل طبقا من المشاوي المشكلة على الطريقة الشامية إلى أحد حرفائه الأوفياء من الجالية العربية، أن الفيتناميين أيضا وحتى السياح الأجانب والعرب يقبلون على مطعمه وتستهويهم خاصة "صواريخ الشاورما" التي يتكفل بتحضيرها شاب سوري ذو خبرة.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، عبر الشاب المصري عن سعادته بأن يكون مطعمه نقطة التقاء بين أبناء الجاليات العربية في فيتنام رغم قلة عددها، مشيرا إلى أن المطبخ بمعناه الشامل بمثابة سفير للحب والسلام والتعريف بثقافة الشعوب وموروثها الحضاري.
إعلانوتتراوح أسعار الأطباق عند "يلا كباب" من 200 دونغ فيتنامي (8 دولارات) إلى 400 دونغ (16 دولارا)، أما الشاورما والعصائر فلا تتجاوز الـ100 دونغ (4 دولارات)، وهي أسعار عالية نسبيا مقارنة بالأكل في المطاعم الشعبية في فيتنام.
يشار إلى أن المطبخ الفيتنامي ثري جدا بالأطباق ذائعة الصيت عالميا على غرار حساء "فا" الشهير و"بو تشي" وسندويتش "باه مي" الموروث من الفرنسيين، لكن العثور على "الحلال" من بين هذه الأطباق الشهية أمر شبه مستحيل.
وفي حال اللجوء إلى "ابن البحر" كما يقول التونسيون في إشارة إلى الأسماك، فإن الخيارات متعددة جدا على اعتبار أن هذه الثروة كبيرة جدا في فيتنام التي تمتد سواحلها على طول نحو 3500 كيلومتر.
وإضافة إلى أسماك الساحل المطل على بحر جنوب الصين، تحظى فيتنام بهذه الثروة الغذائية في بحيرات عديدة وفي نهر الميكونغ العظيم الذي يمر جزء كبير منه على أراضيها قبل بلوغه المصب والدلتا التي تحمل اسمه جنوب شرقي البلاد.
وفي هذا السياق، يقول الشاب التونسي إسكندر المكني (30 عاما) الذي التقاه موفد الجزيرة نت في "يلا كباب" إن خيار الأسماك لا يستهويه لأن الأنواع كثيرة ولا يمكنه التمييز بين سمك البحر والنهر.
ويضيف ابن مدينة جمّال من محافظة المنستير الساحلية وسط تونس، وهي معقل للمطبخ القائم على الأسماك القادمة من مينائها الشهير المطل على البحر الأبيض المتوسط، أنه يرتاد أحيانا مطاعم مختصة في المأكولات البحرية الموثوقة، لكنه يفضل ما تجود به أيادي إيهاب الذي وصفه مازحا بـ"فيت كونغ المشاوي".
وفي سؤال عن تقديراته لعدد العرب في هانوي، يقول مواطنه أحمد الشيباني (26 عاما) إن المغاربة يتربعون على الصدارة بنحو 500 فرد يليهم المصريون والجزائريون بنحو 150 لكل جنسية، ثم اليمنيون والمصريون بنحو 100 لكل جنسية.
إعلانوعن التونسيين، قال أحمد إن عددهم لا يتجاوز الـ50، مشيرا إلى أن غالبية العرب في فيتنام من الشباب ويعملون أساسا في تدريس اللغة الإنجليزية برواتب مجزية وامتيازات مغرية، منوها بالمعاملة الطيبة للسلطات الفيتنامية والطيبة الخارقة لأبناء "العم هو".
وبالتوجه جنوبا نحو مدينة هو تشي منه ذات العشرة ملايين نسمة، يميل الأمر نحو التحسن، فقد رصدت الجزيرة نت عددا لا بأس به من المطاعم الحلال، سواء على خرائط غوغل أو خلال التجوال في مناطق الجذب السياحي بالمدينة التي تتواصل فيها الاحتفالات بذكرى النصر والوحدة.
وأخذنا "العم غوغل" هذه المرة إلى مطعم اختاروا له من الأسماء "حلال الشام"، وكان ذا التقييم الأعلى في المدينة بين المطاعم الحلال، في حين تكفل تطبيق "قراب" (أوبر فيتنام) بعملية حجز ونقل سلسة وسريعة وضعتنا أمام المحل الواقع في شارع تجاري إستراتيجي وحيوي.
وعلى عكس ما يوحي الاسم، كانت المفاجأة بأن صاحب المطعم تونسي وليس من أهل الشام، وباستفساره عن ذلك، بادرهم سامي عبيد بعد الترحيب والتبجيل قائلا "وهل من أكل أشهر وأفضل وأطيب من الأكل السوري عبر العالم؟"، مؤكدا أن حرفاءه عرب وفيتناميون وأجانب كذلك.
وفي ضيافته بمجلس خصصه للنرجيلة وزينه ديكور شامي بهيج، روى سامي للجزيرة نت بداياته في عالم المال والأعمال وصولاته وجولاته مع "البزنس" في كامل دول جنوب شرق آسيا، من الصين إلى ماليزيا مرورا بالفلبين وأخيرا في فيتنام التي وصفها بالتنين الصاعد اقتصاديا بسرعة مكوكية.
وفيما يلي جولة بعدسة موفد الجزيرة نت الخاص في رحاب "حلال الشام" الذي خصص طابقه الأرضي لبيع كل المنتجات الحلال من لحم البقر والأغنام وكذلك أنواع عديدة من البقوليات والبهارات وغيرها..