الجديد برس|

تشهدت مدن وعواصم عالمية تظاهرات وفعاليات ومستمرة، فيما قدم مسؤولون كبار استقالاتهم ودعاوى قضائية ضد إسرائيل ومؤيديها على خلفية حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

وشارك الآلاف في تظاهرات نظمت في العاصمة الفرنسية باريس والعاصمة النمساوية فيينا ومدينة فوبرتال الألمانية والعاصمة برلين وآرهوس الدنماركية والعاصمة كوبنهاغن ومانشستر وبورنموث في بريطانيا والعاصمة لندن مالمو.

وأبسالا في السويد، دعماً للشعب الفلسطيني، والمطالبة بوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

وفي سياق متصل، تصاعدت الدعاوى القضائية العالمية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، على خلفية جرائم حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث أعلن رئيس دولة تشيلي، جابريال بوريتشعن أن بلاده ستنضم إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. وفق ما نشرته وكالات الأنباء اليوم الأحد ورصده موقع “يمن إيكو”.

ورفعت جنوب إفريقيا في نهاية ديسمبر الماضي، دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب إبادة في قطاع غزة، وفي يناير الماضي، أمرت المحكمة إسرائيل بمنع أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وفي 24 مايو الماضي، أمرت محكمة العدل الدولية مجدداً إسرائيل بوقف هجومها العسكري “فوراً” في رفح، مطالبة بالإبقاء على معبر رفح بين مصر وغزة مفتوحاً.

وفي وقت سابق، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرات اعتقال على خلفية جرائم مفترضة ارتُكبت في قطاع غزة وإسرائيل ضد 3 قادة في “حماس” ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه.

وأمس السبت، رفع نائب رئيس الوزراء البلجيكي وزير النقل جورج غيلكينيت، دعوى قضائية ضد شركة الطيران الإسرائيلية تشالينغ إيرلاينز، بسبب شحنها معدات عسكرية إلى إسرائيل من مطار لييج الدولي في بلجيكا.

وقال غيلكينيت -وفقاً لصحيفة دي مورغن الناطقة بالفلمنكية- إنه عقب تداول أنباء عن نقل تشالينغ إيرلاينز معدات عسكرية إلى إسرائيل عبر مطار لييج، تم إجراء التحقيقات اللازمة ورفع دعوى قضائية على إثرها.

واعتبر أن الأمر الآن متروك للمحكمة لاتخاذ الخطوات اللازمة، مشيراً إلى أن نقل المتفجرات جواً يتطلب الحصول على تصريح خاص، وهو ما لا تملكه شركة الطيران المعنية، حسب قوله.

وفي معرض تبريره للخطوة، قال إنها تهدف أيضاً إلى سد كافة الثغرات القانونية أمام عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، حتى نتمكن من المساهمة في وقف الأعمال الوحشية في قطاع غزة، مضيفاً: “يجب أن نمنع بلجيكا من تسليح الجيش الإسرائيلي والتواطؤ بشكل سلبي في المذبحة بغزة”.

يشار إلى أن 4 منظمات مدنية بلجيكية أعلنت أن الأسلحة الأمريكية المرسلة إلى إسرائيل يتم نقلها عبر مطار لييج الدولي الواقع شرق العاصمة بروكسل.

والخميس الفائت، استقال مسؤول آخر في إدارة بايدن احتجاجاً على تعامل واشنطن مع الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، بحسب تقرير نشرته وسائل إعلام غربية.

وصرح ألكسندر سميث، وهو متعاقد مع وكالة المعونة الدولية الأمريكية، لصحيفة الغارديان ومقرها المملكة المتحدة، أنه عُرض عليه إنذار نهائي بعد إعداد ورقة بحثية حول وفيات الأطفال والأمهات الفلسطينيين: إما الاستقالة أو الفصل من العمل.

وقال سميث، وهو مستشار كبير سابق لشؤون النوع الاجتماعي وصحة الأم والطفل والتغذية، لصحيفة الغارديان، إن العرض التقديمي لبحثه في أحد المؤتمرات تم إلغاؤه في نهاية المطاف من قبل القيادة العليا للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. واستقال يوم الإثنين الماضي، منهياً فترة عمله التي استمرت أربع سنوات في الوكالة، ووجه رسالة إلى مديرة الوكالة سامانثا باور، مهاجماً ما وصفه بالمعاملة غير المتساوية التي تقوم بها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لمختلف البلدان والأزمات، مع الإشارة بشكل خاص إلى معاملة الوكالة للفلسطينيين.

ووفقاً لصحيفة الغارديان، كتب سميث: “لا أستطيع أن أقوم بعملي في بيئة لا يمكن فيها الاعتراف بأشخاص محددين كبشر كاملين، أو حيث تنطبق مبادئ النوع الاجتماعي وحقوق الإنسان على البعض، ولكن ليس على الآخرين، اعتماداً على عرقهم”.

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة عقب أحداث السابع من أكتوبر، استقال العديد ممن يشغلون مناصب بارزة في جميع أنحاء العالم احتجاجاً على الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، بدءاً من كبار المسؤولين وحتى الأكاديميين. وهنا نظرة على عدد قليل:

كريغ مخيبر، مدير مكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بسبب “فشل الأمم المتحدة في فلسطين”، وأن الحكومات الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم أوروبا “متواطئة بالكامل” في “الإبادة الجماعية” للفلسطينيين في غزة.

وكتب كريج موخيبر إلى فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: “مرة أخرى، نشهد إبادة جماعية تتكشف أمام أعيننا، والمنظمة التي نحن نخدم فيها تبدو عاجزة عن إيقافها”.

مخيبر محامٍ ومتخصص في القانون الدولي لحقوق الإنسان والسياسات والمنهجية، وقد خدم في الأمم المتحدة منذ عام 1992، حيث عمل كمحامٍ كبير في مجال حقوق الإنسان في فلسطين وأفغانستان والسودان.

البروفيسور كامل حواش، حزب العمال البريطاني، أكاديمي بريطاني فلسطيني من حزب المعارضة الرئيسي في المملكة المتحدة بسبب موقف الحزب من إسرائيل. وكتب حواش رسالة مفتوحة إلى زعيم الحزب على حسابه في منصة “إكس” قائلاً: “لقد تابعت موقف الحزب من فلسطين وإسرائيل بفزع. لقد انضممت أنت بنفسك إلى الدعم الأعمى لإسرائيل”، مؤكداً أن حزب العمل قام بتعليق وطرد أعضائه اليهود بسبب التعبير عن دعمهم للفلسطينيين.

جوش بول، مدير وزارة الخارجية الأمريكية، استقال من المكتب المسؤول عن نقل الأسلحة إلى الدول الأجنبية، وكان قد شغل منصب مدير شؤون الكونجرس والشؤون العامة في المكتب لمدة 11 عاماً، احتجاجاً على دعوة إدارة بايدن لمواصلة إرسال الأسلحة والذخيرة إلى إسرائيل، والمساعدة في قصفها لغزة.

وكتب على صفحته: “كنت أعلم أن الأمر لا يخلو من التعقيد الأخلاقي والتنازلات الأخلاقية، وقد قطعت على نفسي وعداً بعدم البقاء في منصبي طالما شعرت بالضرر الذي قد أسببه، وجاءت استقالته في 18 أكتوبر في نفس اليوم الذي زار فيه الرئيس الأمريكي بايدن إسرائيل لإظهار دعمه علناً.

كوثر بوشالخت، النائب عن حزب جروين لينكس الهولندي وسياسية هولندية وعضو البرلمان، اعتذرت عن ترشحها للانتخابات العامة المقبلة في البلاد احتجاجاً على موقف حزبها من إسرائيل والعنف المتزايد في غزة.

وقالت في منشور لها على إنستغرام: “الآن هو الوقت المناسب للسياق، وهو ما كان ينبغي أن يكون عليه الحال منذ البداية، لأنه بدون العدالة يصبح السلام بعيداً ويستمر الأبرياء في دفع الفاتورة بحياتهم”، وانتقدت دعم حزبها السياسي الأخضر- الذي يدعو إلى اقتصاد عادل ومكافحة أزمة المناخ، لافتقاره إلى عمل يعكس مبادئه كأن يكون له موقف صارم وقوي حول التاريخ الدموي لإسرائيل في فلسطين.

ومع استمرار الهجمات والمجازر الإسرائيلية على غزة، تواجه إدارة نتنياهو مستوى غير مسبوق من العزلة، عالمياً وإقليمياً، وسط تضاعف المخاطر التي باتت تهدد إسرائيل، وبصرف النظر عن إدارة بايدن وعدد قليل من الدول الأوروبية. وفق ما أكدته جريدة ديلي صباح التركية.

وإذا استمرت حكومة نتنياهو في تكتيكاتها القاسية في غزة، فإن الأزمة الأمنية التي تعيشها إسرائيل قد تصبح غير قابلة للإصلاح، الأمر الذي يثير تساؤلات بالغة الأهمية حول وجود إسرائيل في المستقبل.

المصدر: الجديد برس

كلمات دلالية: محکمة العدل الدولیة الإبادة الجماعیة حرب الإبادة إلى إسرائیل فی قطاع غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ديفيد هيرست: تغلب الفلسطينيون على حرب الإبادة الإسرائيلية وعادوا إلى الديار

تناول مقال للكاتب البريطاني ديفيد هيرست في موقع "ميدل إيست آي" عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع بعد 15 من حرب الإبادة الإسرائيلية.

وقال هيرست، إن "العودة التاريخية للفلسطينيين، بعد خمسة عشر شهراً من التدمير الإسرائيلي، مؤشر على انتصار الروح الإنسانية على القهر المنظم".

وأضاف، أن "صور الدمار في غزة سوف تحرق ثقبا تاريخيا في الرواية التأسيسية لإسرائيل كدولة ولدت من رحم المحرقة وقامت على أكتاف ضحاياها".

وتابع، "سوف يخلد رفع الحصار عن شمال غزة – مهما كان مؤقتاً – في التاريخ الفلسطيني كما خلد فك الحصار عن لينينغراد (والذي حصل أيضاً في السابع والعشرين من يناير) في التاريخ الروسي للحرب العالمية الثانية. إنه لا يقل أهمية عنه".

وفيما يلي نص المقال:

يمكن للمذيع الخارجي أن تحيق به الكثير من الفجائع – في هذه الحالة، أفضل مخططات البي بي سي لعمل برنامج "اليوم" من معسكر أوشفيتز، وتكريس اليوم بأكمله للبث عبر العديد من القنوات إحياء للذكرى السنوية الثمانين لتحرير المعتقلين في ذلك المعسكر.

قد ينقطع البث من بولندا، وهو انقطاع – في زمن البث عبر الإنترنيت والأقمار الصناعية في أيامنا هذه – قد لا يتجاوز بضع ثوان، والأسوأ من ذلك هو أن ينشغل الناس عن الحدث نفسه بحدث أكبر منه تشهده الساحة العالمية، وذلك كان هو حادث تصادم السيارات الذي وقع يوم الاثنين.

بينما كان رجالات الدولة يتجمعون من مختلف أرجاء العالم في معسكر الإبادة السابق، كان مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين عانوا خمسة عشر شهراً من القصف المدمر والتجويع والمرض على أيدي دولة ولدت بعد المحرقة يمشون إلى شمال غزة في مسيرة عودة استمرت عدة ساعات.

لوحظ غياب شخصين مهمين عن هذا التجمع في بولندا. أما الأول والأبرز فهو رئيس البلد الذي كانت قواته هي من قام بتحرير معسكر الموت النازي، أي رئيس روسيا فلاديمير بوتين.

وأما الغائب الثاني فهو رئيس وزراء البلد الذي بذل أقصى ما في وسعه خلال فترة احترافه للعمل السياسي من أجل أن يقبض ثمن الشعور الأوروبي بالذنب إزاء المحرقة، ومن أجل تبرير محاولات إسرائيل المتكررة لتطهير فلسطين عرقياً من الفلسطينيين.

ثمة أسباب عملية من وراء غياب بنيامين نتنياهو عن أوشفيتز. أما الأول فهو خشيته من أن يتم إلقاء القبض عليه بموجب المذكرة التي صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية بحقه عن ارتكاب جرائم حرب في غزة.

وأما السبب الثاني فهو مثوله أمام محكمة إسرائيلية بتهم متعددة تتعلق بالفساد.



تناقض صارخ
انسجاماً مع تعامل إسرائيل الخسيس تاريخياً مع الناجين من المحرقة، لم تتحول قنواتها التلفزيونية الرئيسية إلى سمت "لقد ماتت الملكة" كما فعلت البي بي سي، بل استمرت تلك القنوات في بث برامجها الاعتيادية طوال اليوم.

لم يمض دون أن يلفت الأنظار نفاق إسرائيل في تعاملها مع واحدة من أهم الذكريات السنوية في التاريخ اليهودي، ولا التناقض الصارخ الذي يولده ذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار ما تعودت عليه إسرائيل من اغتنام كل فرصة ممكنة لاتهام نقادها بمعاداة السامية وبإنكار المحرقة.

لم ينس أحد تلك الحركة الاستعراضية التي قام بها نتنياهو عندما ألبس أعضاء وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة نجوماً صفراء بعد هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 – وهي الحركة الاستعراضية التي ندد بها رئيس النصب التذكاري للمحرقة المسمى ياد فاشيم، معتبراً إياها إهانة لضحايا الإبادة الجماعية ولدولة إسرائيل في آن واحد.

إلا أن رد البي بي سي على هذه الأزمة من القيم الإخبارية كان بالفعل سوفياتياً: وهو أن تقوم بمحو الأخبار التي لا تتناسب مع توجه الحزب.

لا ريب أن ذلك كان بأوامر من الجهات العليا، وذلك أن كل واحد من معدي البرامج فعل نفس الشيء. بعد تدبر عميق طوال اليوم، منحت نشرة أخبار العاشرة مساء في تلفزيون البي بي سي 22 دقيقة لذكرى المحرقة وأربع دقائق لغزة.

وضعت تغطية الذكرى السنوية للمحرقة ضمن إطار توجيه رسالة إلى عالم اليوم. قال المتحدثون، الواحد تلو الآخر، إن الدروس المستوحاة من المحرقة لا ينبغي أن تموت مع آخر من تبقى من الناجين منها، على الأقل بسبب ما يجتاح العالم من مستويات غير مسبوقة من معاداة السامية.

لا يمكن للمرء معارضة هذا التصريح. إلا أن الفيل الذي في الحجرة كان التشابه بين ما فعله النازيون باليهود وما لم يزل يفعله الإسرائيليون بالفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة على مدى خمسة عشر شهراً، ونحن هنا لا نتكلم عن التشابه خطابياً أو بلاغياً فحسب، بل من حيث أنه بات الأساس الذي انبني عليه إجراءان قضائيان في أرفع المحاكم الدولية.

ومع مرور اليوم نما أكبر فأكبر. في برنامج "اليوم" توجه فيليب ساندز، الخبير القانوني في جرائم الحرب، إلى المستمعين بشرح لتاريخ المحاولات التي بذلت تاريخياً من أجل تصنيف الإبادة الجماعية جريمة حرب.

ذكر ساندز كلمة "غزة" المحرمة، ولكنه سعى للقول إنه أياً كان ما توصف به ما تقوم به إسرائيل من أفعال في فلسطين وغزة، فما كان ينبغي له أن يحصل. رغم أن محكمة العدل الدولية تنظر حالياً في تهمة الإبادة الجماعية التي توجهت بها جنوب أفريقيا ومعها بلدان أخرى، إلا أن المذيع وساندز كلاهما التزما الصمت إزاء القضية رغم أنها ماتزال حية. لا يمكن لهما التأثير على المحلفين لأنه لا وجود لمحلفين. إذن، لابد من أن صمتهما وراءه سبب آخر.

تاريخ لا ينسى
ثمة جدل حول الأفعال الإسرائيلية في غزة حتى داخل إسرائيل.

أجرى اثنان من مؤرخي المحرقة، وهما دانيال بلاتمان وآموس غولدبيرغ، مقارنات مخيفة وخلصا منها إلى التالي: "مع أن ما يحدث في غزة ليس أوشفيتز، إلا أنه ينتمي إلى نفس العائلة – جريمة الإبادة الجماعية."

لنتنياهو نفسه ينسب الفضل في وقوع هذين الحدثين الدوليين الهائلين في نفس اليوم – أكبر عودة فلسطينية إلى الأرض التي طردوا منها في تاريخ الصراع والذكرى السنوية لتحرير أوشفيتز.

فقراره منع الفلسطينيين من العودة يوم السبت كما كان مقرراً لهم، بسبب خلاف حول من ينبغي أن يطلق سراحه من الرهائن الإسرائيليين، هو الذي أخر مسيرة العودة شمالاً يومين حتى الاثنين.

من خلال ذلك، أسس نتنياهو وزمرة المتعصبين الدينيين من حوله لمناسبة تضاف إلى التاريخ الإسلامي والعربي.

لم يكن يوم الاثنين، السابع من يناير (كانون الثاني) أي إثنين يُستهل به العام الجديد. صادف ذلك في التقويم الإسلامي يوم السابع والعشرين من رجب، والذي لم يزل حتى هذا الأسبوع يُحتفل به من قبل المسلمين في أنحاء العالم لحدثين آخرين تصادف وقوعهما فيه.

ليلة الإسراء والمعراج هي الليلة التي حملت الملائكة فيها النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من مكة إلى المسجد الأقصى قبل أن تعرج به إلى السماوات العلى ثم تعود به إلى مكة. تلك الرحلة، التي اجتمع فيها النبي بموسى وإبراهيم وآدم وعيسى، وتلقى من الله التعليمات، هي جزء مهم في الدين. فهي تربط المسلمين بالمسجد الأقصى، وخلدت ذكرها آيات في القرآن الكريم.

هذا من مبادئ العقيدة. ولكن تصادف نفس اليوم مع مناسبة أخرى وقعت في التاريخ العربي، وهي أيضاً حدث يربط العرب بالقدس، كان ذلك في عام 1187 عندما حرر صلاح الدين مدينة القدس من لورد باليان أوف إبيلين، منهياً بذلك قرناً من الاحتلال الصليبي.

والآن أضاف نتنياهو مناسبة ثالثة إلى السابع والعشرين من رجب.



سعادة وتحدي
هذا هو اليوم الأول في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي يمارس فيه الفلسطينيون حق العودة إلى أراض لم تدخر إسرائيل وسعاً في محاولة إخراجهم منها عنوة. كل الأحداث الثلاثة ترسخ وتعزز إيمان الفلسطينيين بأن القدس هي عاصمتهم الوطنية، وكذلك إيمان المسلمين بأن القدس جزء لا يتجزأ من العقيدة الإسلامية.

ما شهدناه هذا الأسبوع من مسيرة طويلة لمئات الآلاف من الفلسطينيين وهم يعودون إلى ديارهم لهو حدث ملحمي وتاريخي – ليس فقط بسبب ما في المشهد من صور، وإنما لما سيكون لهذا الحدث من أثر عميق على الأجيال القادمة.

لقد أثبتت غزة لكل فلسطيني ولكل العالم أن حقهم في العودة ليس ممكناً فحسب، بل وقريب المنال كذلك.

ما يقرب من نصف مليون فلسطيني عادوا إلى الشمال، وذلك رغم علمهم التام بأن منازلهم أصبحت ركاماً وأنهم قد لا يرون أفراداً من عائلاتهم تركوهم خلفهم عندما خرجوا.

يعبّرون في طريق عودتهم عن السعادة، وكلهم عزم، وتصميم، وتحد. في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قالت كبير روسومي، وهي من بيت لاهيا، إنها تتجه نحو الشمال لتبحث عن أحبتها، سواء من كانوا على قيد الحياة أو من كانوا في عداد الأموات.

وقالت: "الشمال هو القلب والروح، الشمال هو الأرض التي فقدناها. نأمل أن نلتحف بهذه الأرض، أرض ديارنا، وأرض شعبنا، التي فقدناها."

رسومي محقة. فقد عانى شمال غزة من أطول وأصعب فترة احتلال لقطاع غزة طوال أيام الحرب التي بلغت 471 يوماً. فقد كان المكان الذي حاولت إسرائيل مراراً وتكراراً إخلاءه من مقاتلي حماس، ثم من كل المواطنين، من خلال فرض التجويع.

يمكننا أن نعبر عن ذلك بالأرقام. فقد نقلت قناة الجزيرة عن مصدر طبي القول إن ما لا يقل عن خمسة آلاف إنسان قتلوا أو فقدوا، وأن 9500 جرحوا، بسبب حملة التطهير العرقي التي أطلق عليها خطة الجنرالات، والتي بدأت في وقت مبكر من شهر أكتوبر (تشرين الأول).

رغم ذلك، خرج من تحت الركام مقاتلو حماس ومن بحوزتهم من رهائن. يمكن لملايين الإسرائيليين الذين أيدوا الحرب أن يروا الآن بأعينهم عبثية ما جنتهم أياديهم وما تسببوا به من دمار.

هنا ليبقوا
سوف تحرق صور الدمار في غزة ثقباً تاريخياً في الرواية التأسيسية لإسرائيل كدولة ولدت من رحم المحرقة وقامت على أكتاف ضحاياها.

سوف يخلد رفع الحصار عن شمال غزة – مهما كان مؤقتاً – في التاريخ الفلسطيني كما خلد فك الحصار عن لينينغراد (والذي حصل أيضاً في السابع والعشرين من يناير) في التاريخ الروسي للحرب العالمية الثانية. إنه لا يقل أهمية عنه.

أكثر من أي شيء آخر، يعتبر هذا الصمود الجماعي في وجه كل العوامل الطاغية، ووسط دمار لا يقل عما لحق بهيروشيما من دمار، أفضل رد على نتنياهو وعلى المجتمع الدولي، الذي ظل يتفرج سامحاً للكارثة أن تحصل – ثم على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.



لم يكن من باب الصدفة، عشية ذلك الحدث التاريخي، أن يقول ترامب بعفوية خادعة تصدر عنه كلما أراد الحديث عن تحركات محسوبة بعمق إنه ينبغي أن تُنظف غزة من مليون ونصف المليون فلسطيني، بحيث يتم نقلهم إلى الأردن ومصر لإتاحة المجال لإعادة تعمير القطاع. ينسجم ذلك تماماً مع طلب نتنياهو في الأيام الأولى من الحرب من ذراعه الأيمن، رون ديرمر، البحث عن طرق لتقليل عدد السكان في غزة.

فقط بيرني ساندرز، السيناتور المستقل من فيرمونت، أطلق على هذه الخطة ما ينطبق عليها تماماً، حيث قال: "هناك اسم لهذا – تطهير عرقي – وهو جريمة حرب."

لحسن الحظ، لا توجد فرصة لتطبيق خطط ترامب ونتنياهو في التطهير العرقي – والتي أعيدت تسميتها الآن لتصبح "الهجرة الطوعية". فخلال ساعات، أعلن كل من الأردن ومصر عن رفضهما لأي تهجير للسكان – ليس من باب التعاطف مع الفلسطينيين، ولكن بشكل أساسي لأن الدولتين تعلمان بأن تدفق أعداد كبيرة من الفلسطينيين إليهما يمكن أن تشكل مزيجاً متفجراً.

يعتبر الأردن ومصر ذلك مشكلة وجودية تهدد نظاميهما. ثم ورد اسم ألبانيا، ولكن ما لبثت تيرانا أن رفضت ذلك بعد ساعات.

في فترته الرئاسية الأولى، أخفق ترامب في بيع "صفقة القرن" للمنطقة، والتي كانت محاولة لدفن الحقوق الفلسطينية في قبر شيد بالصفقات التجارية وبكثير من الخرسانة. وفي فترته الثانية، أخفقت حتى قبل أن تبدأ خطته لبيع التطهير العرقي للفلسطينيين إلى جيرانهم. وهذا أمر أكثر أهمية.

هذا يعني أن الفلسطينيين هنا ليبقوا، وبأعداد أكبر من اليهود، داخل فلسطين التاريخية. تحقق ذلك في خضم معاناة شخصية غير مسبوقة، ورغم ذلك أثبت الفلسطينيون تمسكهم بهذه الأرض.
هذا هو انتصار الروح الإنسانية على القهر المنظم. وهذا هو أيضاً الدرس المستفاد من المحرقة.

مقالات مشابهة

  • تقارير أمريكية: الولايات المتحدة تتقهقر اقتصاديا أمام “بريكس”
  • ديفيد هيرست: تغلب الفلسطينيون على حرب الإبادة الإسرائيلية وعادوا إلى الديار
  • “الأونروا” تعلن نقل موظفيها خارج مدينة القدس المحتلة بسبب قرارات قوات الاحتلال الإسرائيلية
  •  شاهد| تسليم الأسيرة الإسرائيلية “أربيل يهود” للصليب الأحمر أمام منزل يحيى السنوار في خانيونس
  • أستاذ قانون دولي: الأسرى المبعدون سيدلون بشهاداتهم أمام «الجنائية الدولية»
  • معهد أمريكي: تهديدات صنعاء على “إسرائيل” وأمريكا لن تنتهي بتوقف الحرب في غزة
  • “الدولية لدعم فلسطين”: إسرائيل ليس لديها صلاحيات للتحكم في مصير “أونروا”.. مهزلة
  • اليوم.. "الشيوخ الأمريكي" يصوت على معاقبة "الجنائية الدولية" بسبب إسرائيل
  • الأمم المتحدة تؤكد أن استخدام “إسرائيل” “قوة مميتة” ضد المدنيين العائدين إلى جنوب لبنان انتهاك للقانون الدولي
  • الأردن يطلق جسرا جويا “مكثفا” إلى قطاع غزة