بليك فليتوود

ترجمة: أحمد شافعي

يحق للطلبة المتظاهرين اليوم في جامعة كولومبيا أن يفخروا بأنهم يواجهون المذابح المروعة لعشرات الآلاف في غزة ـ ومنهم النساء والأطفال ـ ويسلطون الضوء عليها.

يحق لهم، وللطلبة في شتى الجامعات الأمريكية، أن يكونوا موضع احتفاء، لما أبدوا من شجاعة، ومثالية، وتعاطف مع أكثر من ثلاثين ألف مدني يتعرضون للقتل بلا شفقة بقنابل ورصاصات صنعت في أمريكا.

لقد كانت هجمة السابع من أكتوبر على إسرائيل شنيعة وغير مسبوقة، أدانها الجميع وحق لهم أن يدينوها. لكن رد الفعل الإسرائيلي المغالى فيه، بقتل المدنيين الفلسطينيين دونما تمييز وإحالة مدن عن بكرة أبيها إلى ركام، قد أدين هو الآخر من أغلب الأمريكيين الذين طالبوا بوقف إطلاق النار وإنهاء المجزرة.

يرى ثلث الأمريكيين أن ما تقوم به إسرائيل يرقى إلى الإبادة الجماعية وأن منع المساعدات الإنسانية الذي يفضي إلى تجويع جماعي عمدي أمر يتنافى مع الإنسانية.

وأغلب الأمريكيين لا يقرون مظاهرات الطلبة، لكنهم خاضعون لتأثير ما يسمعون ويرون في الإعلام الأساسي الذي يدعم حتما الوضع القائم ويشوه متظاهري اليوم بوصفهم بالعنف ونصرة حماس. فالمؤسسة عموما لا تعجبها الفوضى.

ولطالما جهر الطلبة الجامعيون على مدار التاريخ بالحقائق التي يعزف كبارهم عادة عن الجهر بها أو يخشونه. ولدى هؤلاء الطلبة بوصلة أخلاقية عميقة يحدث أن يتجاهلها الآخرون في أنفسهم.

فالطلبة الجامعيون في المقام الأساسي هم الذين يتحركون بشجاعة بناء على قناعاتهم، وينهضون مخاطرين بأجسامهم ومستقبلهم المهني ليسلطوا الضوء على قضايا مهمة متعلقة بحقوق الإنسان التي تتعرض لانتهاكات فاضحة.

وما يحدث كثيرا أن ينساه الأمريكيون الكبار والساسة هو أن مظاهرات الطلبة في الجامعات الأمريكية هي منذ أمد بعيد التي يثبت التاريخ صوابها، وذلك نمط تكرر مرارا على مدار عمري البالغ ثمانين عاما.

لقد قال السيناتور روبرت كينيدي لطلبة كولومبيا سنة 1964 «إن أشد أماكن الجحيم التهابا مدخر لمن يلزمون في أوقات الأزمات الأخلاقية الحياد».

في عام 1968، احتللت قاعة هاملتن ومكتب رئيس الجامعة في (المكتبة الدنيا) لمدة أسبوع. لم أمارس العنف، ونحن معشر الطلبة لم نمارس تخريبا أو تدميرا. وأرجعنا لوحة قيمتها ملايين الدولارات إلى حرم الجامعة حفاظا عليها.

هل فعلت ما ينافي القانون؟ بالقطع. تجاوزت. هل كانت قضيتنا تبرر أفعالنا (وقضيتنا هي الفصل العنصري المستمر وامتهان السود ووفاة ثلاثة ملايين نفس في فيتنام، والتمويل المؤسسي البحثي لآلة حرب فيتنام المميتة). بالقطع كانت قضيتنا تبرر أفعالنا.

هل غيرت مظاهراتنا الخارجة على القانون أي شيء؟ الإجابة نعم قاطعة.

إنني أومن بأننا معشر المتظاهرين الطلبة أنقذنا آلاف الأنفس وجعلنا العالم أفضل مما كان.

انتشرت مظاهراتنا المناهضة لحرب فيتنام المناصرة لحقوق الإنسان انتشار النار في الهشيم، في أرجاء أمريكا والعالم. فقد أنشأت المظاهرات في نهاية المطاف مناخا أعان على تقوية إنهاء هذه الحرب غير الضرورية قبل سنين مما كانت لتنتهي في ظروف أخرى. كانت لتزهق مئات آلاف الأنفس لكن مظاهرات الطلبة أنقذتها.

كانت سنة 1968 نقطة تحول، أطلقت شرارة الحماس لعمل مشترك انتشر في العالم. فكان ذلك زمن ربيع براج، ثم شهد الصيف مظاهرات حاشدة في بولندا وتشيكوسلوفاكيا ضد الهيمنة السوفييتية، وفي فرنسا ضد حرب الجزائر، وفي المكسيك ضد الطبقة الإقطاعية الحاكمة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

لكن الإرث الحقيقي لاضطرابات عام 68، أي الإرث المستمر حتى مظاهرات الطلبة الآن، هو فكرة مستمرة مفادها أن التغيير ممكن حين لا يهاب الطلبة الجهر برفض أوضح أخطائنا.

وهذه فكرة تبعث القوة، فكرة أن على الطلبة التزاما وواجبا بأن يتحدوا السلطة، ويشككوا في الافتراضات، ويغتنموا إمكانية إحداث التغيير الاجتماعي المطلوب.

هل ثمة تماثلات بين ما جرى سنة 1968 وما يجري في 2024؟ في رأيي نعم.

يقول متظاهرو اليوم إنهم استلهموا مباشرة تراث النشاط السياسي الطويل، والمضطرب في كثير من الأحيان، في الولايات المتحدة: أي مظاهرات الحقوق المدنية في أوائل الستينيات، وحركة بيركلي لحرية التعبير، والمظاهرات المناهضة لحرب فيتنام، وحركة حقوق المرأة.

لماذا لا تكون جميع مظاهرات الطلبة سلمية؟ لأن المظاهرات السلمية التامة، في كثير من الأحيان، لا تنجح، ويسهل تماما تجاهلها.

لقد ظل السود طوال سنين يتظاهرون ضد أبشع أعمال التفرقة العنصرية. ولم تحدث نقطة التحول في تلك المسألة الأخلاقية الحرجة إلا حينما جلس أربعة طلاب جامعيين سود البشرة بشكل خارج على القانون في مطعم مخصص للبيض فقط وولورث في جرينسبورو، بولاية كارولاينا الشمالية. وبعد ستة أشهر من ذلك بدأ المطعم في تقديم خدماته للسود. فالمظاهرات غايتها الهدم.

ومن المؤكد أن المظاهرات الراهنة سلمية. فما من صور لمتظاهرين يعتدون على طلبة آخرين. وما من ضرر حقيقي أو تخريب، وبرغم تكسير بعض النوافذ، لم يهدم أي مبنى. وكان كثير من طلبة كولومبيا المتظاهرين يهودا. وغالبية المتظاهرين المناصرين للفلسطينيين لا كانوا ولا سيكونون يوما داعمين لحماس.

إقامة الخيام تظاهر سلمي. الهتاف بـ«فلسطين حرة» ليس معاديا للسامية، حتى لو ارتأى البعض أن يفسروه هذا التفسير. لا شك أن بعض الناس لا يرتاحون إليه. لكن هذا التفسير العدواني والتسلح بمعاداة السامية يفضي غالبا إلى عنف وصراعات عند مواجهة الطلبة أو استدعاء الشرطة لهم. ولم تكن إدانة الرئيس بايدن للعنف المنتشر ـ والذي لم يحدث فعلا ـ إلا عملا سياسيا لا أثر له إلا تأجيج النار.

استدعاء قوات تنفيذ القانون ذات الأسلحة الثقيلة لم ينجح في بيريكلي سنة 1964، أو كولومبيا سنة 1968، أو هارفارد سنة 1969، أو ولاية كنت سنة 1970 التي انتهت بمصرع أربعة من الطلبة. ذلك يأتي دائما بنتائج عكسية، ويحقق مزيدا من الاهتمام بالمتظاهرين. لقد ارتاعت مينوش شفيق رئيسة جامعة كولومبيا عند مطالبة أعضاء في الكونجرس ومانحين يهود برأسها، فاستدعت شرطة مكافحة الشغب، وأثارت المتظاهرين في مئة وخمسين كلية في أرجاء البلد.

في عام 1968 لم تتوقف المظاهرات مع التخرج في الربيع. وفي صيف هذا العام، مع توافر الوقت والمكان للاشتباك ستعج العاصمة واشنطن والجامعات والمؤتمرات السياسية وقاعات المدينة والمسيرات بالناشطين.

يجب أن تتبنى أمريكا تراثها الطويل من مظاهرات الطلبة. فذلك جزء من عظمة بلدنا، وسبق أن ساعد في أن نكون بلدا أكثر إنصافا ومساواة وديمقراطية. ومظاهرات الجامعات هي أحدث تجليات حرية التعبير، ووسيلة لتقوية الحركات الاجتماعية التقدمية التي تجسد أرفع القيم الأمريكية.

بليك فليتوود كاتب ومحرر سابق في نيويورك تايمز

عن ذي هيل

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بعد وفاة 32 حالة.. كولومبيا تعلن الطوارئ بسبب تفشي الحمى الصفراء

أعلن رئيس كولومبيا، جوستافو بيترو، أنه سيعلن حالة الطوارئ الصحية والاقتصادية بسبب تفشي الحمى الصفراء التي تؤثر بشكل أساسي على الأجزاء الوسطى والغربية من البلاد، وحتى الآن، أكد الرئيس تسجيل 74 حالة إصابة و32 حالة وفاة بسبب المرض.

وأعلن بيترو على وسائل التواصل الاجتماعى «نعلن حالة طوارئ اقتصادية بعد حالة الطوارئ الصحية، ولكن ليس بسبب ما يقوله المهربون وغاسلي الأموال وشركات النفط، الذين هيمنوا على السياسة الاقتصادية الكولومبية، بل بسبب أمر بسيط ومؤثر: الحياة، و نواجه مرة أخرى فيروسًا، هذه المرة الحمى الصفراء».

المعهد الوطني للصحة في كولومبيا

ويشير أحدث تقرير وبائي صادر عن المعهد الوطني للصحة فى كولومبيا إلى أن تفشي المرض بدأ في سبتمبر من العام الماضي، في منطقة ريفية في الجزء الشرقي من مقاطعة توليما، وأوضحت الوكالة أن هذه المنطقة لا تزال تمثل غالبية الإصابات والوفيات، بواقع 57 إصابة و23 وفاة.

وفي المقابل، لم يتم تسجيل سوى 13 إصابة في نفس المنطقة طوال عام 2024، وفي الأسبوع الماضي، أعلنت السلطات المحلية حالة الطوارئ بسبب ارتفاع عدد الحالات، وفقا لصحيفة التيمبو.

ويوضح تقرير المعهد الوطني للصحة أن «الإصابات متفرقة في المناطق الريفية، ولم تُسجل أي إصابات مؤكدة في المناطق الحضرية».

ما هي الحمى الصفراء؟

وتعرف منظمة الصحة العالمية الحمى الصفراء بأنها عدوى فيروسية تنتقل عن طريق المفصليات، وخاصة البعوض والقراد، والتي تنتمي إلى جنس Flaviviridae، وينتقل الفيروس إلى الإنسان عن طريق لدغة البعوض من نوع Aedes و Haemagogus.

وتتراوح فترة حضانة الفيروس ما بين ثلاثة إلى ستة أيام، تشمل الأعراض الأولية الحمى وآلام العضلات والصداع وفقدان الشهية والغثيان والقيء، وتختفي هذه العلامات عادة خلال أربعة أيام كحد أقصى.

وفي بعض الحالات الشديدة، قد يحدث نزيف من الفم، أو الأنف، أو العينين، أو المعدة. وتقول منظمة الصحة العالمية إن «نصف المرضى الذين يدخلون المرحلة السامة يموتون خلال سبعة إلى عشرة أيام».

اقرأ أيضاًإلغاء قرار الحصول علي تطعيم «الحمى الشوكية» للمسافرين إلي السعودية

لإصابته بالحمى.. الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يدخل المستشفى

البيت الأبيض: كولومبيا توافق على استقبال المهاجرين المرحلين

مقالات مشابهة

  • جيهان مديح: جولة السيسي الخليجية تحمل أبعادًا استراتيجية كبرى
  • دعوّةُ علَمَ النصرِ والعزّة.. واستّجابة كُـلّ حُرٍ في عرينِ الكرامة
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. مظاهرات في غزة ضد حماس تطالب بإنهاء الحرب مع إسرائيل
  • بعد وفاة 32 حالة.. كولومبيا تعلن الطوارئ بسبب تفشي الحمى الصفراء
  • مئات المتظاهرين في فرنسا يحتجون على استشهاد الصحفيين في غزة
  • كولومبيا تعلن حالة طوارئ صحية بسبب الحمى الصفراء
  • كلام عن علم الأردن .. رمز الفخر والإعتزاز
  • وزارة الخارجية تعرب عن إشادة المملكة بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى
  • أوباما يدعم هارفارد بعد رفضها الإذعان لترامب في مظاهرات غزة
  • بعد إقرار قانون العمل الجديد.. جبالي: عليكم الفخر بما أُنجزتم لصالح الوطن والمواطن