رأس المال البشري في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
إريك هازان و سايمون جونسون
استحوذ الذكاء الاصطناعي التوليدي على مخيلة العالم لأنه يبدو من المرجح أن يعمل على أتمتة مهام (تشغيلها آليا) كانت في السابق تتطلب مهارات معرفية متقدمة. ومعه، ينشأ احتمال حقيقي بأن تحل الخوارزميات محل عدد كبير من العمال المتعلمين والمتمرسين. ماذا قد يحدث عندما تتولى الآلات وظائف كتاب السيناريو، والمحامين، ووظائف الإدارة المتوسطة، بل وحتى الإدارة التنفيذية الرفيعة المستوى، وليس فقط وظائف نساج النول اليدوي وعمال السيارات؟
تتلخص إحدى الاستجابات لهذه الحال في النظر إلى المهارات على أنها لم تعد تشكل أهمية كبرى، أو حتى الاستسلام لتصور مفاده أننا يجب أن نخفف من التأكيد على أهمية التعليم.
يتعين علينا أن نعمل على تحسين أدائنا في كل ما تواجه أجهزة الكمبيوتر صعوبة في القيام به من عمل، بما في ذلك فهم السياق، والتفكير خارج الصندوق، وإدارة العلاقات مع غيرنا من البشر. وفقا لتقرير حديث صادر عن معهد ماكينزي العالمي، فإن ما يصل إلى 30% من ساعات العمل الحالية في البلدان الصناعية قد تتحول إلى التشغيل الآلي بحلول عام 2030، في ظل سيناريو التشغيل الآلي المعتدل. وفي حين فرض التشغيل الآلي الضغوط على العمال لعقود من الزمن، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي يؤذن بتسارع كبير وتغيير مؤلم في حياة كثير من الناس الذين افترضوا أن حياتهم المهنية مستقرة.
في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يكاد يكون من المؤكد تقريبا أن عدد الأشخاص العاملين كموظفين في المكاتب، وفي التصنيع، وممثلي خدمة العملاء سوف ينخفض مع ترسخ الذكاء الاصطناعي التوليدي. (يشمل التقرير تسع دول في الاتحاد الأوروبي ــ جمهورية التشيك، والدنمارك، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا، وبولندا، وإسبانيا، والسويد ــ والتي تمثل 75٪ من السكان العاملين في أوروبا، فضلا عن المملكة المتحدة). لكن الأخبار ليست كلها سيئة. إذ تشير تقديرات التقرير إلى أن الطلب على العمال في مجالات الرعاية الصحية، والطاقة النظيفة، وغير ذلك من المهن التي تتطلب مهارات عالية (مثل البحث العلمي والتطوير) من المرجح أن يرتفع في ذات البلدان. بالطبع، لا يخلو الأمر من عوامل أخرى مؤثرة، بما في ذلك الجهود المبذولة لتحقيق صافي الانبعاثات صِـفر (والتي تشكل أهمية لخلق فرص عمل جديدة في مختلف البلدان الصناعية)، وقوة العمل المتقدمة في السن (خاصة في أوروبا)، والتوسع المستمر الذي تشهده التجارة الإلكترونية في القطاع الخاص، وتعزز قوة البنية الأساسية الممولة من الحكومة. بدلا من البطالة الجماعية، نجد أن النتيجة الأكثر ترجيحا هي أن كثيرا من الناس سيواجهون قريبا ضغوطا تحملهم على تغيير وظائفهم. واستنادا إلى افتراضات معقولة، قد تشهد أوروبا ما يصل إلى 12 مليون انتقال مهني على مدار السنوات الست المقبلة.
في حين يُـعَـد معدل الانتقال المهني السنوي المتوقع (0.8% من العاملين) أقل من المعدل المرتفع نسبيا الذي لوحظ في أوروبا أثناء جائحة كوفيد-19 (1.2%)، فأنه أعلى بمرتين من المعدل الطبيعي قبل الجائحة (0.4%). وفي الولايات المتحدة، قد يصل عدد الانتقالات بين الوظائف خلال ذات الفترة إلى ما يقرب من 12 مليونا، وإن كان هذا يبدو أكثر قابلية للإدارة، حيث سجلت الولايات المتحدة بالفعل معدل انتقال أعلى قبل الجائحة (1.2%) مقارنة بأوروبا.
يشعر المسؤولون التنفيذيون على ضفتي الأطلسي بالقلق بالفعل بشأن نقص المهارات وعدم التوافق في سوق العمل الـمُـحْـكَـمة. هذا خبر سار للبشر المؤهلين بشكل مناسب إذا ارتفع الطلب على المهارات الاجتماعية والعاطفية مع التكنولوجيات الجديدة. الواقع أن أكثر من 1100 مسؤول تنفيذي استطلعت شركة ماكينزي آراءهم في أوروبا والولايات المتحدة لم يكتفوا بالتأكيد على الحاجة إلى مهارات متقدمة في تكنولوجيا المعلومات وتحليل البيانات، بل أكدوا على الحاجة أيضا إلى مزيد من العاملين الذين يتمتعون بالقدرة على التفكير النقدي، والإبداع و«التدريس والتدريب». من المرجح أن تكون التأثيرات على الأجور كبيرة. وسوف يتحول الطلب على العمالة نحو المهن التي تقدم بالفعل أجورا أعلى في كل من أوروبا والولايات المتحدة.
ويتمثل خطر حقيقي في خفض بعض الوظائف في المهن الإدارية المنخفضة الأجر. وسوف يحتاج هؤلاء العاملون إلى اكتساب مهارات جديدة للحصول على عمل أفضل أجرا. إذا تمكنوا من اكتساب هذه المهارات ــ بأنفسهم، أو من خلال أرباب العمل، أو بمساعدة الحكومة ــ فسوف تتاح لهم الفرصة لتسلق سلم الأجور.
لكن الأمر ينطوي على خطر حقيقي يتمثل في سوق عمل أكثر استقطابا حيث يتوفر عدد من فرص العمل الأعلى أجرا أكبر من عدد العمال المؤهلين (فيؤدي هذا إلى زيادة الأجور العليا)، ويتنافس عدد أكبر كثيرا من العمال على وظائف أدنى أجرا ومحدودة على نحو متزايد (فـيُـفـضي هذا إلى دفع أجور الطرف الأدنى من توزيع الدخول إلى مزيد من الانخفاض). سوف تكون هذه النتيجة انعكاسا مخيبا للآمال في اتجاه انخفاض التفاوت في الأجور في سوق العمل بعد الجائحة.
ما يدعو إلى التفاؤل أن هذه النتيجة من الممكن تجنبها. من منظور صناع السياسات، يتمثل الدرس الرئيسي المستخلص من كل هذا في أن رأس المال البشري يشكل أهمية أكبر من أي وقت مضى للقدرة التنافسية الوطنية والرخاء المشترك. سوف تظل بعض الوظائف اليدوية مع البشر (تواجه الروبوتات صعوبة نسبية في كثير من مهام التنقل والتنظيف الأساسية). لكن المسؤولين التنفيذيين مقتنعون حاليا بأنهم في احتياج إلى إعادة تدريب عدد كبير من العمال من أجل تلبية كل احتياجاتهم من المهارات. يجب أن تعمل السياسة العامة على تشجيع أصحاب العمل قدر الإمكان على مواصلة هذا التصرف وإعادة تأهيل العمال بدلا من الاستغناء عنهم.
الواقع أن نمو الإنتاجية الأسرع بشكل ملحوظ والرخاء المشترك، وخاصة في أوروبا، من الممكن أن يتدفق من التكنولوجيا الجديدة، لكن هذا لن يحدث إلا إذا كان تبني التكنولوجيا مصحوبا بمهارات بشرية مطورة وإعادة نشر العمال بشكل أكثر استباقية.
لتحقيق هذه الغاية في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي، يجب أن يتحلى المسؤولون التنفيذيون قدر الإمكان بالصراحة بشأن فجوات المهارات الوليدة، وينبغي للحكومات أن تركز على تسهيل الأمور قدر الإمكان لكل العاملين الراغبين في ترقية مهاراتهم في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة.
سايمون جونسون كبير خبراء الاقتصاد الأسبق في صندوق النقد الدولي، وهو مؤلف مشارك (مع دارون عاصم أوغلو) لكتاب القوة والتقدم: صراعنا المستمر منذ ألف عام على التكنولوجيا والازدهار.
إريك هازان شريك إداري في شركة ماكينزي آند كومباني وعضو في مجلس معهد ماكينزي العالمي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی فی أوروبا یجب أن
إقرأ أيضاً:
تقنين الذكاء الاصطناعي في الطب على مائدة قمة ويش بقطر
الدوحة- حظيت قضيتا الرعاية الصحية بمناطق النزاع، والتطورات التكنولوجية في مجال الرعاية الصحية من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بالتركيز الأكبر من قبل المشاركين في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش 2024″، الذي اختتم أعماله اليوم بالدوحة.
وطالب مشاركون في القمة بضرورة إنشاء تحالف عالمي لحماية الصحة بمناطق النزاعات، في ظل ارتفاع وتيرة الهجمات على مقدمي الرعاية الصحية في السنوات الأخيرة، كما دعوا إلى ضرورة وضع تشريعات لتقنين استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية للحفاظ على خصوصية بيانات ومعلومات المرضى.
وفي ختام القمة التي شارك فيها أكثر من 200 خبير عالمي، تم الإعلان عن تبني قطر مبادرة "كارديو فور سيتيز"، وهي مبادرة تتمحور حول تبني نهج قائم على البيانات لتعزيز صحة القلب والأوعية الدموية للسكّان، بحيث تصبح قطر مركزا إقليميا لتوسيع نطاق هذه المبادرة في منطقة الشرق الأوسط.
أبو سمرة يحذر من الارتفاع المقلق في الهجمات التي تستهدف المنشآت الصحية (الجزيرة) ارتفاع وتيرة الهجماتوقال البروفيسير رئيس قسم الجودة ومدير المعهد الوطني للسكري والسمنة وأمراض الأيض بمؤسسة حمد الطبية عبد البديع أبو سمرة، للجزيرة نت، إن المؤتمر سلط الضوء على الارتفاع المقلق في الهجمات التي تستهدف المنشآت الصحية بشكل ينتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مطالبا بأهمية اتخاذ إجراءات محددة لحماية الصحة في مناطق النزاعات المسلحة.
وأضاف عبد البديع أن القانون الدولي الإنساني يحمي الرعاية الصحية في مناطق النزاع، ويضمن سلامة الكوادر الطبية والمنشآت ووسائل النقل لتقديم الرعاية دون تمييز، ولكن السنوات القليلة الماضية شهدت زيادة مروّعة في وتيرة وحجم وتأثير الهجمات على النظم الصحية، بما في ذلك البنى التحتية والعاملون في مجال الرعاية الصحية، في بلدان مثل السودان وغزة ولبنان وأوكرانيا وغيرها.
وشدد على أهمية أن تتعاون وكالات الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدني مع مجتمع الرعاية الصحية لأجل تبني موقف أكثر قوة ضد الهجمات التي تستهدف الخدمات الصحية أو تؤثر عليها بشكل مباشر، واتخاذ خطوات حازمة لتعزيز القانون الدولي الإنساني واحترامه، وإدراج حماية الرعاية الصحية ضمن برامج الصحة والعمل الإنساني، وأهمية إنشاء تحالف عالمي لحماية الرعاية الصحية في النزاعات.
ولفت إلى أنه وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، فقد وثقت منظمة الصحة العالمية، منذ عام 2018، أكثر من 7 آلاف حادثة هجوم على الرعاية الصحية، راح ضحيتها ما يزيد على 2200 من العاملين الصحيين والمرضى، وأصيب أكثر من 4600 شخص في 21 بلدا وإقليما يعاني من أزمات إنسانية معقّدة.
سليم سلامه: التطورات الرقمية أحدثت ثورة في الرعاية الصحية ولكن يجب مراعاة الاعتبارات الأخلاقية (الجزيرة) ثورة في مجال الصحةوفي إطار آخر، قال الرئيس التنفيذي لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية "ويش" سليم سلامه، في حديث للجزيرة نت، إن التطورات الرقمية أحدثت ثورة حقيقية في مجال الصحة مثل العديد من القطاعات الأخرى، لكن بالطبع هناك بعض الاعتبارات الأخلاقية التي يجب التوقف عندها ومراعاتها.
ويرى المتحدث ذاته أن لهذه التطورات الرقمية تأثيرات ضارة، رغم كونها مفيدة، مشددا على ضرورة التركيز على معرفة كيفية تناسبها مع الاتصال الثقافي والديني، وكيف يتم تكييفها ثقافيا مع بلداننا ومنطقتنا ومع المبادئ الإسلامية.
وتابع أن التطورات الحاصلة في مجال الذكاء الاصطناعي يمكنها أن تحدث ثورة في مجال الطب من خلال تحسين دقة التشخيص وفعالية العلاج، وتعزيز الرعاية الصحية الشاملة، بالإضافة إلى الإسهام في البحوث الطبية الحيوية وتطوير الأدوية. واستدرك أنه مع التقدم السريع الذي يحققه الذكاء الاصطناعي، أصبحت القضايا الأخلاقية المرتبطة به في صدارة اهتمام الباحثين وواضعي السياسات، وكانت من أبرز القضايا التي تمت مناقشتها خلال المؤتمر.
غالي يؤكد أهمية وضع تشريعات جديدة لحماية بيانات المرضى (الجزيرة) المسؤولية الطبيةومن جانبه، قال أستاذ الإسلام والأخلاقيات البيولوجية في مركز التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة الدكتور محمد غالي، في حديث للجزيرة نت، إن أهم ركائز أخلاقيات الرعاية الصحية بشكل عام هي العلاقة بين الطبيب والمريض، وكلما كان الطبيب يشعر بالمسؤولية والمريض لديه حماية، باعتباره الطرف الأضعف، فإن العلاقة تكون مؤسسة على أخلاق مستقيمة.
وأضاف غالي أن الطبيب لديه مسؤولية باعتباره يتحكم في الأدوات المستخدمة في الرعاية الطبية كأدوات الجراحة والأجهزة الطبية، ولكن الذكاء الاصطناعي ظهر ليحدث إشكالا في هذه العلاقة، مما يجعل تحكم الطبيب بهذه العلاقة ليس كاملا، لأن هناك أدوات ذكية تتعلم وتستوعب وتقرر وتضع النصائح أو القرارات في طريقة العلاج.
وأشار إلى أن الطبيب مع هذه التقنيات الجديدة لم يعد مسيطرا على العلاقة كما كان في السابق، لأنه بات يعتمد على الأدوات التي لا يستطيع السيطرة عليها، كما أنه لا يمكن أن نجعل الآلة هي المسؤولة، لأن المسؤولية نوع من التكليف ولا يوجد أي مكلف إلا الإنسان.
وأوضح أن المسؤول مع الطبيب في هذه الحالة يكون هو من قام بتجهيز وبرمجة وأتمتة هذه الآلة الذكية، لافتا إلى أن هذه إشكالية يجب حلها من خلال إدخال مسؤولين جدد لم يكونوا موجودين من قبل، مثل علماء الهندسة والحواسب وعلوم الكمبيوتر وغيرهم.
وأكد أن الأمر يحتاج لتشريعات جديدة أيضا لحماية بيانات المرضى والحفاظ على أخلاقيات الرعاية الصحية، مثل أهمية ترخيص أو اعتماد الآلات الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي داخل المستشفيات، لأنها تختلف عن سابقتها وتحتاج لترخيص خاص بهيئات معينة من خلال لجان أخلاقية محددة.
أكثر من 200 خبير و3000 مندوب في مجال الصحة من مختلف دول العالم شاركوا في قمة ويش (الجزيرة) التنبؤ بالأمراضمن جهتها، قالت مديرة التطبيقات الجينومية في معهد قطر للطب الدقيق رجاء باجي، للجزيرة نت، إن الذكاء الاصطناعي له تأثيرات كبيرة في تطوير الخدمات الصحية، خاصة في مجال الطب الدقيق، فهذه التقنيات تسهم في التنبؤ بالأمراض، ومن ثم توفير الإجراءات أو الخدمات الوقائية لمنع حدوث هذه الإصابات.
وأوضحت الخبيرة أن الآليات الذكية تتطلب من أجل ذلك الحصول على معلومات وبيانات خاصة شاملة عن الإنسان.
ولفتت إلى أن من مزايا هذه التقنية الجديدة أيضا السرعة ودقة التشخيص من خلال المساعدة في قراءة الأشعة أو التقارير الطبية وإعطاء النتائج بطريقة مميزة، بالإضافة إلى أنها ستخفف الكثير من الأعباء الإدارية عن الطبيب، خاصة في مسألة إدخال البيانات، وبالتالي توفير الوقت للطبيب للتحدث أكثر مع المريض، وبناء علاقة إنسانية أقوى معه.
واستدركت المتحدثة ذاتها أن التحدي الأكبر لهذه التقنيات يكمن في مسألة تعريض الخصوصية للخطر، وكذلك الحفاظ على البيانات والمعلومات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي في الأساس للتنبؤ بالأمراض، والتي يتم تزويد التطبيقات بها، موضحة أن هذا الخطورة تكمن في مسألة التعرض للاختراق وانتهاك هذه الخصوصية.