إعلان بايدن .. هل ينجح هذه المرة ؟!
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
إن غيومًا عديدةً تتجمع في سماء الشرق الأوسط، وعلى نحو خاص في غزة ورفح وفي جنوب لبنان وجنوب البحر الأحمر، فضلًا عن مشكلات ليبيا والسودان المنسية تقريبًا، وبرغم إن كلا من هذه المشكلات له نطاقه وسماته والعناصر المؤثرة فيها، إلا أنها في الواقع متصلة ومترابطة معًا ليس فقط بحكم انتمائها لهذه المنطقة وبحكم تضارب وتصارع مصالح القوى والأطراف المختلفة الإقليمية والدولية المعنية وللمنطقة، ولكن أيضا لأن كل منها يمكن أن يشكل مشكلة قابلة للتصعيد والتفجر عند الضرورة، إذا هدأت إحداها أو بعضها وعلى نحو تظل معه المنطقة مشتعلة أو تكاد بشكل ما ليسهل السيطرة عليها وتوجيهها لخدمة أطراف محددة وفي مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة بالطبع.
وفي ظل الظروف الراهنة في معظم دول المنطقة ومع كل يوم يقربنا من انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم ومن احتمال انهيار حكومة نتنياهو بسبب تنوع وتكاثر الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية، فإن برميل البارود ترتفع درجة حرارته وتقل السيطرة عليها كذلك وهو ما يعرض المنطقة ككل لخطر لا يمكن التقليل منه. وبالنظر إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاجتماعية وأعمال الإبادة الجماعية في غزة ورفح والتي لا ترى فيها واشنطن بعد أنها تتجاوز الخطوط الحمراء ولا تتضمن إبادة جماعية وأنها بمثابة أعمال عسكرية إسرائيلية للدفاع عن النفس بزعم نتنياهو حتى لو استمرت أعمال الإبادة الجماعية أشهرًا عديدةً في غزة ورفح من أجل نصر لن يتحقق بشكل كامل على حماس حتى لو أراد أو تمنى نتنياهو وهو ما أكدته واشنطن نفسها أكثر من مرة في الأسابيع الأخيرة.
على أية حال فإنه مع التركيز على عملية تحريك جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس، أو بمعنى أدق إعادة إحيائها في مسعى يحمل اسم الرئيس الأمريكي جو بايدن فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها أولا، أنه من المعروف على نطاق واسع أن الرئيس الأمريكي بايدن يتطلع وبرغبة كبيرة إلى النجاح في تحقيق هدنة في غزة كخطوة تحسب له من ناحية، ويمكن البناء عليها لصالحه في الانتخابات الرئاسية من ناحية ثانية، ولعل مما له دلالة في هذا المجال أن الرئيس الأمريكي الذي دخل في عناد وتحد علني محكوم مع رئيس وزراء إسرائيل لدعم شعبيته حرص على التودد لنتنياهو وهو ما ظهر بوضوح سواء في تجنب الإساءة إلى إسرائيل أو إلى رئيس وزرائها، بل في تبرير سياساتها والدفاع عنها ضد سوء إدارتها حتى وإن كان ذلك ضد رغبة نتنياهو ذاته، ومع الوضع في الاعتبار الأوراق التي يلعب بها كل منهما في مواجهة الآخر فإن كل منهما يحافظ على شعرة معاوية، ومما له دلالة أن يسارع نتنياهو بقبول دعوة الكونجرس الأمريكي له لإلقاء كلمة أمامه وهو ما سيدعم مركزه وتمسكه بسياساته بالنسبة لمحاولة التوصل إلى هدنة بين حماس وإسرائيل في الفترة القادمة. ومن جانب آخر، فإن الرئيس بايدن حرص على أن تكون مقدمة مقترحاته للهدنة نوعا من التزكية له ولسياساته المنحازة لإسرائيل، حيث قدم نفسه على أنه داعم لإسرائيل وأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي زار إسرائيل أثناء الحرب، وأنه هو أيضًا الذي وقف مع إسرائيل ضد الهجوم الإيراني عليها ردا على ضرب المجمع الإيراني القنصلي في دمشق في أبريل الماضي. وإذا كانت هذه كلها، فضلًا عن صفقات السلاح والذخيرة لإسرائيل لدعم مجهودها الحربي تعزز من ثقل بايدن في إسرائيل وداخل الولايات المتحدة، فإن نتانياهو يتطلع إلى المزيد من المساعدات والدعم الأمريكي خاصة في الأشهر القادمة. وعلى صعيد آخر فإن إسرائيل تعيش حالة من التمزق الداخلي والاستقطاب الحاد بين حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وبين قوى المعارضة الأخرى التي تسعى جادة إلى التخلص من نتنياهو وحكومته بكل السبل الممكنة، ولكن السؤال هو هل يتمكن بايدن من إنقاذ نتنياهو من أخطائه أم سيعجل بالإطاحة به؟ برغم أن تحقيق ذلك قد يزداد صعوبة وذلك بالنظر إلى أن أغلبية الحكومة في الكنيست تصل إلى 64 صوتًا من إجمالي 120 صوتًا هم إجمالي أعضاء الكنيست ومع أنها أغلبية ليست كبيرة إلا أنها ليست أغلبية صغيرة إلى حد يمكن التلاعب بها، ولعل ذلك يفسر قدرة نتنياهو على الاستمرار برغم حالات التفكك والخلافات الداخلية وما يقوم به بن غفير وسيموتريتش وزير المالية من تهديد بالانسحاب من الحكومة إذا استجاب نتنياهو لمطالب حماس بوقف القتال في غزة بشكل دائم وإذا تم سحب القوات الإسرائيلية من غزة. ونظرًا لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يحقق أهداف الحرب ضد حماس، ولا يبدو أنه يقترب بشكل ملموس منها، فإنه لا يريد الاستجابة للدعوة لإجراء انتخابات عامة في إسرائيل أوسحب الثقة من الحكومة، أو أن يحل يائير ليبيد زعيم المعارضة محل بن غفير وسيموتريتش، وهو ما لا يرغب فيه نتنياهو حتى الآن على الأقل من منطلق أن هناك أغلبية إسرائيلية تؤيد نتنياهو على حد زعمه برغم مناكفاته مع بايدن، ومما له دلالة أن نسبة تأييد نتنياهو قد تحسنت نسبيا بعد انخفاضها في الأشهر الأخيرة.
ويبدو أن نتنياهو يرغب في استمرار هذا الوضع للاقتراب أكثر من موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية وما قد يصاحبها من تقلبات بسبب مشكلات ترامب وقضاياه أمام المحاكم الأمريكية. ومن ثم تستمر حالة عدم اليقين بالنسبة للأوضاع سواء في أمريكا أو إسرائيل بكل ما يترتب على ذلك من نتائج ليست بعيدة على الأرجح عن اهتمامات وتحضيرات بايدن ونتنياهو لخوضها.
ثانيا، إنه في الوقت الذي يأخذ بايدن على عاتقه هدف العمل من أجل التوصل إلى هدنة في الحرب في غزة ليس من منطلق وفاء للحفاظ على حياة الفلسطينيين الأبرياء مثلا ولكن من منطلق الحفاظ على إسرائيل ومصالحها والتوصل إلى أفضل صيغة مفيدة لها، خاصة وأن هناك قناعات متزايدة في العالم تشعر بضرورة العمل على التمهيد لحل الدولتين كأساس للسلام في الشرق الأوسط فالسلام لن يتحقق في إسرائيل ما لم يتحقق في فلسطين وبشكل عادل وأن التضحيات الفلسطينية الكبيرة والمتواصلة لن تزيد الفلسطينيين إلا تمسكا بحقوقهم الوطنية وبحقهم في إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ووفق قواعد القانون والشرعية الدولية التي يزداد التأييد العالمي لها بالنسبة لفلسطين يومًا بعد يوم. وإذا كانت إسرائيل وحكومتها اليمينية العنصرية المتطرفة قد مارست ولا تزال تمارس أسوأ أساليب الاستعمار الاستيطاني والإبادة الجماعية والتطهير العرقي الممنهج ضد القوى الفلسطينية فإنها قد وصلت إلى ذروة ما يمكن لمتطرفي الحكومة الوصول إليه، فإن الرئيس الأمريكي بايدن يريد في الواقع تشييد سياج حماية لإسرائيل والتمهيد لاستيعابها بين دول وشعوب المنطقة وذلك بشتى السبل المعروفة في عمليات الدمج السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي بشكل أو بآخر وفي هذا المجال ينظر إلى مصالح إسرائيل على المدى المتوسط والبعيد ولا يشعر بالقلق من مواقف نتنياهو وزمرة المتطرفين حوله والذين سينتهي بهم المطاف ليدركوا كم عمل بايدن من أجل مصلحتهم، وكم كانوا قصارى النظر في معارضتهم لحل الدولتين.
ولعله من الأهمية بمكان التذكير بأن مقترحات بايدن حول الهدنة في غزة ووقف القتال في رفح وتبادل الرهائن والمحتجزين، هي في الواقع خطة تم تداولها ومناقشتها بين مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل منذ ما قبل أبريل الماضي وتم بشأنها تبادل لوجهات النظر حول تلك الأطراف فضلا عن البحث في إمكانية إعادة فتح معبر رفح لتخفيف مشكلات مرور شحنات الغذاء والأدوية والمصابين الفلسطينية وفق ما يتم الاتفاق بشأنه وما أعلنته مصر من ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من المعبر حتى تتم إعادة تشغيله وإذا تم ذلك فسيتم حل مشكلات عديدة بما في ذلك احتمال التعرض إلى مجاعة في غزة ورفح حسب مسؤولي الأمم المتحدة المعنيين بالتطورات في غزة ورفح.
ثالثا، إنه إذا كانت إعادة طرح الخطوط العريضة لمقترحات بايدن التي طرحت من قبل مع بعض التعديلات ومنها إمكانية أن تقوم إسرائيل بشن حرب في غزة إذا رأت ذلك ضروريًا من وجهة نظرها، يشير إلى درجة ما من التوافق النسبي حول تلك الخطوط ولو بشكل مبدئي، فإن انتقاد أكثر من وزير في حكومة نتانياهو للمقترحات لا يعني رفضها -على الأقل حتى الآن- ولكنه نوع من التسويق وتقسم الأدوار ومحاولة الحصول على أكبر قدر من المكاسب من واشنطن. وسواء استمر نتنياهو أم رحل بشكل أو بآخر فإن الخلافات بين إسرائيل وحماس حول بنود خطة بايدن هي خلافات حقيقية ولكن الطرفين يريدان التوصل إلى صفقة حتى لا تضيع الفرصة وحتى تجد محاولات بايدن بصيصا من الأمل للنجاح هذه المرة وهو ما ترغبه إسرائيل وحماس وأمريكا والوسطاء أيضا وستكون إنجازًا إذا تمت.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الرئیس الأمریکی فی غزة ورفح وهو ما
إقرأ أيضاً:
صحة غزة: مدير مستشفى كمال عدوان تلقى تهديدًا من الاحتلال بأنه سيعتقل هذه المرة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قالت وزارة الصحة بغزة إن الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان تلقى تهديدا واضحا من الاحتلال بأنه سيعتقل هذه المرة.
أحرقت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مستشفى كمال عدوان في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة؛ والذي يعد أكبر مستشفيات في تلك المنطقة، وكان يقدم خدماته لأكثر من 400 ألف نسمة.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بأن جيش الاحتلال أجبر المرضى والمصابين والكوادر الطبية والطواقم الصحفية على إخلاء المستشفى بالقوة، بالتزامن مع إطلاق القذائف والرصاص تجاهه.
وأضافت أن "كمال عدوان" هو الوحيد الذي يعمل في شمال قطاع غزة، ويقدم الخدمة الطبية للمواطنين، قبل أن يقوم بإحراقه، حيث أتت النيران على أقسام: العمليات والمختبر والإسعاف والطوارئ والاستقبال.