الاستثمار الاجتماعي والرأي العام
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
يعد الاستثمار الاجتماعي أحد المفاهيم التي كثر الحديث عنها بين الرأي العام، والاستثمار الاجتماعي هو أحد أنواع المسؤولية الاجتماعية المتعارف عليها بين المحللين والباحثين والمهتمين بالعلوم الاجتماعية والاقتصادية. وعمومًا يمكن تبسيط المفهوم عبر توضيحه أكثر للجمهور؛ فالاستثمار الاجتماعي يسعى إلى الحصول على عائد مادي أو مالي مع الأخذ في الحسبان مجموعة من القيم والمبادئ والأخلاقيات التي تكوّن المجتمع ويتأثر بها، ويربط المحللون الاقتصاديون الاستثمار الاجتماعي بالجانب الأخلاقي كثيرًا خاصة تزايد حدة ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة ممارسات غير صحية أثرت على البيئة وزادت من انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري رغم توجّه الحكومات للاعتماد على مصادر الطاقة البديلة أو ما تعرف بمصادر الطاقة النظيفة.
ولتوضيح أكبر مدى ارتباط الاستثمار بالجانب الاجتماعي؛ فإن الاستثمار الاجتماعي يهدف إلى تحقيق أرباح شريطة عدم الإغفال عن القيم والأخلاق التي تؤثر على المجتمع، وتشجيع الممارسات المرتبطة بحماية البيئة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وحقوق المستهلكين. وما لفت انتباهي خلال الاطلاع على موضوع الاستثمار الاجتماعي وأهدافه وجدواه، تبيّن لي أنه لا يختلف عن الاستثمار التقليدي المتعارف عليه الذي نمارسه في حياتنا اليومية وفقًا لتوجهاتنا الاستثمارية والتجارية؛ إلا أن الاختلاف يكمن في أن الاستثمار التقليدي لا يكترث كثيرًا بالآثار الناتجة عنه بقدر ما يهتم بالأرباح المحققة من الاستثمار، في حين أن الاستثمار الاجتماع يضع العوامل الاجتماعية والأخلاقية أولوية قبل البدء في أي عملية استثمارية. بمعنى آخر يسعى الاستثمار الاجتماعي إلى تنمية مختلف فئات المجتمع في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية؛ فمثلا إنتاج السجائر يهدف إلى بيعها لتحقيق عائد مالي دون الالتفات للمضار المترتبة من الاستثمار على البيئة رغم الدعوات المناهضة للتوقف عن إنتاجها؛ لضررها على صحة الإنسان، وضررها على مكوّنات البيئة وكوكب الأرض عمومًا مع تعرّض العالم لأزمات اقتصادية بسبب تغيّر المناخ. ويعد البروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام أحد أشهر المروجين للاستثمار الاجتماعي وتطبيقاته في منطقة الشرق الأوسط عبر تأسيس بنوك خاصة للفقراء أطلق عليها «بنك جرامين»، وتأسيس شركات للاستثمار في الابتكارات والمنتجات صديقة البيئة من خلال استخدام منهجيات وأساليب الاستثمار الاجتماعي، وقال حينها: «إن دمج الحاجات المجتمعية بالعمل الاستثماري يخدم أغراضًا كثيرةً ليس أقلها التنمية الاجتماعية والاقتصادية بطريقة أقل تكلفة وأكثر جدوى».
إن الاستثمار الاجتماعي يكتسب أهمية يومًا بعد يوم؛ لدوره في الحفاظ على البيئة ومعالجة بعض التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي من بينها تزايد حدة ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ، وتضرر مفردات البيئة نتيجة سلوكيات غير مسؤولة تحوّلت إلى ممارسات دائمة أنهكت البيئة وأربكت توجهات التنمية المستدامة مثل الاستثمار في صناعة التبغ ومصادر الطاقة ذات الانبعاث الكربوني. وأرى من المهم دمج مفردات العمل الاجتماعي وعلم الاجتماع في العمليات الاستثمارية وخطط التنمية الاقتصادية وإدارتها وتنفيذها؛ ليتم انتهاجها كأسلوب عمل في الأنشطة التجارية، وعند وضع الخطط الاقتصادية مثل دراسات الجدوى الاقتصادية، وأرى أيضا أن يحظى موضوع الاستثمار الاجتماعي بمزيد من الاهتمام والتمكين في المؤسسات التعليمية والأكاديمية؛ ليكون في الحسبان عند التخطيط الاستراتيجي لأي توجّه مستقبلي، ولنكن أكثر توسعا في موضوع الاستثمار الاجتماعي؛ فلا ينبغي أن يحتكر تفكيرنا في المردود المادي من الاستثمار الاجتماعي على الحفاظ على البيئة فحسب، بل هناك أدوار مهمة للمسؤولية الاجتماعية في بعض البلدان وهي أحد أنواع الاستثمار الاجتماعي مثل بناء المساكن وتطوير بعض البنى الأساسية وتحسين الخدمات، والمساهمة في البرامج والفعاليات والمناشط التي ينظمها أفراد المجتمع بين فترة وأخرى، مما يكون داعما لبرامج زيادة مستوى الرفاه المجتمعي الذي تنشده المجتمعات، وتسعى إليه الأولويات الوطنية.
ما يميّز المجتمع العُماني إدراكه لأهمية الاستثمار الاجتماعي وهذا ما نلحظه ونتابعه خلال تفاعلهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يكوّن رأيًا عامًا مدركًا وواعيًا في هذه الوسائل بهذا النوع من الاستثمار، ولعل استمرار المبادرات المجتمعية ضمن بند المسؤولية الاجتماعي وانعكاسها إيجابا على مختلف فئات المجتمع، ساعد كثيرًا على تكوّن رأي عام في المجتمع ينظر إلى هذه الاستثمارات الاجتماعية بعين الرضا والترقب؛ لدورها في فك الكرب، وتنمية المجتمع، إضافة إلى ترسيخ مبدأ التكافل والتعاضد الاجتماعي بين أفراده.
ما أرجوه أن يتم دمج تطبيقات الاستثمار الاجتماعي في المناهج الدراسية وتخصيص بعض الفعاليات والندوات والمؤتمرات للحديث عن الاستثمار الاجتماعي، وتوضيح انعكاساته على المجتمع عموما وأفراده خصوصا، والاستثمار الاجتماعي غالبًا ما يكون قريبًا من الرأي العام، بل يسايره في التوجهات والرؤى المستقبلية؛ لدوره في معالجة التحديات المجتمعية التي تواجه المجتمع وتؤرقه بهدف تقديم حل مستدام وفاعل لها، وأجزم شخصيًا أن الاستثمارات الاجتماعية لن تترك قضية أو موضوعًا مجتمعيًا بدون حلها؛ لارتباط أفراد المجتمع بقضاياه يوميا، ولمعايشته لها وسعيه لحلها سريعا كونها تؤثر على حياته اليومية ومتطلباتها.
ختاما،، أود الإشادة بتأسيس غرفة تجارة وصناعة عُمان لمركز الاستثمار الاجتماعي حديثًا، وتكوين مجلس إدارة له بصمة في العمل الاجتماعي؛ بهدف تأطير مبادرات الاستثمار الاجتماعي وحوكمتها بين القطاعين العام والخاص لتحويل الاستثمار الاجتماعي من سلوكيات أو ممارسات محدودة ذات أثر ضئيل إلى مبادرات ذات عائد قابل للقياس باستخدام منهجيات وأساليب إحصائية ونموذجية يتم من خلالها توظيف الأفكار الإبداعية المبتكرة لقياس الأثر المتوقع من الاستثمار الاجتماعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاستثمار الاجتماعی من الاستثمار على البیئة موضوع ا
إقرأ أيضاً:
الخلوة الاستراتيجية للقطاع الاجتماعي تناقش تحديات الأفراد في أبوظبي
نظّمت دائرة تنمية المجتمع- أبوظبي الخلوة الاستراتيجية للقطاع الاجتماعي لعام 2025، تزامناً مع عام المجتمع بحضور الدكتور مغير الخييلي رئيس الدائرة، وقيادات القطاع الاجتماعي في الإمارة.
تهدف الخلوة الاستراتيجية للقطاع الاجتماعي 2025، إلى استعراض مستجدات القطاع الاجتماعي من مشاريع ومبادرات وبرامج، والاطلاع على منجزات الجهات الاجتماعية ورسم ملامح المرحلة القادمة وتعزيز التكامل في تقديم الخدمات الاجتماعية.
واستضاف مركز "نبض الفلاح"، الصرح المجتمعي الذي يتوسط منطقة الفلاح، وتم تدشينه مؤخراً، فعاليات الخلوة الاجتماعية التي تضمنت ورشا وأنشطة متعددة وشهدت مشاركة مجموعة من أفراد مجتمع إمارة أبوظبي من مختلف الجنسيات والفئات العمرية، ما أضفى بُعدًا جديدًا للحوار الاستراتيجي وعزز نهج الدائرة القائم على الشراكة المجتمعية والاستماع إلى تطلعات السكان لضمان تطوير سياسات وخدمات تعكس احتياجاتهم الفعلية.
تضمنت الخلوة جلسات حوارية معمقة تم خلالها تسليط الضوء على مجموعة من قصص النجاح لأفراد المجتمع، ممن استفادوا من الخدمات الاجتماعية بمجالات تكوين الأسرة، وأصحاب الهمم، والطفولة المبكرة.
واستعرض المشاركون أبرز التحديات الاجتماعية والموضوعات ذات الأولوية، وكيفية إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة تعزز جودة حياة أفراد المجتمع.
وسلطت الخلوة الضوء على مجموعة من قصص النجاح لأفراد المجتمع، ممن استفادوا من الخدمات الاجتماعية في مجالات تكوين الأسرة، وأصحاب الهمم، والطفولة المبكرة.
وتطرق المشاركون إلى أبرز التحديات التي يواجهها القطاع الاجتماعي وسلطوا الضوء على الموضوعات ذات الأولوية، وكيفية إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة تعزز جودة حياة أفراد المجتمع.
وجرى تنظيم ورش عصف ذهني تفاعلية، حول الأولويات الاجتماعية للعام الجاري، والعمل على إطلاق مبادرات وبرامج تعكس هذه الأولويات وتلبي الحاجات المجتمعية الفعلية بما يتماشى مع أهداف عام المجتمع.
وتم استعراض الفرص المتاحة لدعم جودة الحياة وتعزيز التماسك الاجتماعي، من خلال مبادرات تواكب التوجهات المستقبلية وتساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية المستدامة.
وبهذه المناسبة، أكد الدكتور مغير خميس الخييلي، أن الخلوة تمثل محطة حيوية لتوحيد جهود مختلف الجهات في القطاع الاجتماعي، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق تطلعات القيادة الرشيدة في بناء مجتمع متماسك ومزدهر، يرتكز على مبادئ العطاء والتلاحم الإنساني.
وقال إن القيادة الرشيدة تولي الإنسان أولوية قصوى وتضع رفاهيته في صميم سياساتها التنموية، إيمانًا منها بأن بناء مجتمع متقدم يبدأ بتمكين أفراده وتعزيز جودة حياتهم، ومن هذا المنطلق، تأتي الخلوة في نسختها للعام 2025 تزامناً مع عام المجتمع، حيث تم إشراك أفراد المجتمع في مناقشاتنا، والتعرف على آرائهم حول الخدمات الاجتماعية، وتجاربهم في عدد من الخدمات، ما يعكس التزامنا بالعمل وفق نهج تشاركي يضع الإنسان في قلب عملية التنمية،ويعزز مسؤوليتنا تجاه تحقيق رفاه الجميع.
وأضاف أن القطاع الاجتماعي في أبوظبي يشهد تطوراً مستمراً، بفضل التوجيهات الحكيمة لقيادتنا التي ترسخ قيم التكاتف والتعاضد، مشيراً إلى ضرورة مواصلة العمل المشترك لطرح مبادرات مبتكرة ومستدامة تعزز رفاه المجتمع وتحققالتأثير الإيجابي المطلوب.
وأوضح أن التطوير الحقيقي ينبع من تضافر الجهود والاستماع إلى تطلعات مختلف شرائح المجتمع، بما في ذلك كبارالمواطنين، وأصحاب الهمم، والشباب، والأسر، لضمان أن تكون السياسات والمبادرات انعكاسًا حقيقيًا لاحتياجاتهم وطموحاتهم.
شهدت الخلوة مشاركة واسعة من الجهات المعنية وتبادل ممثلوها الأفكار والخبرات حول السياسات والبرامج المستقبلية، إضافة إلى استعراض نماذج عمل مبتكرة تسهم في تحسين الخدمات المقدمة للأفراد والأسر في الإمارة.