فيديوهات ومشاهد وقصص مروعة ومخيفة تتوالي من الناجيين من محرقة مخيم جباليا بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من شمال قطاع غزة وتحديدًا من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون بعد ثلاث أسابيع من الاجتياح البري المحكم والقصف المتكرر للطائرات الحربية الإسرائيلية بأنواعها المختلفة.

الدمار الهائل حل بمخيم جباليا شمال القطاع، بعد تدميره من الاحتلال الإسرائيلي بشكل انتقامي، جثث ملاقاه في الأزقة والشوارع والأحياء.

عاد ابو سعيد الى منزله بالقرب من منطقة الترنس بعد ان نزح الي احد مدارس الإيواء في غرب مدينة غزة، لم يتمالك نفسه لهول ما شاهد "لم أتمكن من التعرف على مكان بيتى وبيوت جيراني، ان ما حدث شيء لا يصدق، هدم كامل للمنازل والبيوت والأحياء، البيوت الذي سلمت من القصف لم تسلم من الحرق، جثث لم نتمكن من معرفة اصحابها كانت سيارات الإسعاف والدفاع المدني تنتشلها من بين وتحت ركام المنازل المدمرة، لم أرى في حياتى كلها مثل هذه المشاهد المروعة، حتى الصور الكثيرة التى رأيتها عن مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن بهذا الحجم" تحدث وهو يحاول لملمه بعض الاوراق والصور الشخصية المثناترة في الشارع .

صراخ ليس بعيدًا عن مكان تواجدنا امرأة حامل في العشرينات من عمرها كانت تبكى زوجها الذي وجدث أشلاءه بين البيوت، نساء يحاولن تهدئتها لكنهن فشلن بينما كانت تصرخ وتقول كيف سأنجب طفلا يتيمًا؟ متى ستنتهي هذه الحرب؟ تمتمات كثيرة نطقت بها قبل أن يُغمي عليها وتسقط فوق انقاض بيتها.

كما هو معلوم فإن مخيم جباليا هو احد مخيمات اللاجئين الثمانية بقطاع غزة. أنشأته "أونروا" عام 1948م، هذا المخيم يعيش فيه أكثر من 116 ألف لاجئ مساحته تبلغ فقط 1.4 كيلومتر مربع.

يُذكر ان المخيم تعرض لمجزرة في اليوم الخامس والعشرين للحرب علي غزة، لقد كان كم الألم كبير اكبر من حجم السماء آنذاك اما عن الشهداء الذين تجاوز عددهم اكثر من 400 شهيد لم يكونوا مجرد ارقام لكل منهم قصه وحكايه من المعاناه والتحدي والإصرار على البقاء والصمود وعدم الخنوع والخضوع لأوامر جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي طلب منهم مغادرة شمال غزة الى جنوبه، من استشهدوا هم أحفاد من هجروا من فلسطين التاريخية عام 1948. يسمى المربع الذي قصف بمربع السنايدة نسبة الى قرية دير سنيد المحتلة عام 1948.

امين عابد احد نشطاء المخيم كتب على صفحته عبر الفيس بوك " بعض رجال المخيم يسجدون سجدة شكر لأن بيوتهم وشقاء أعمارهم ما زالت أساساتها واقفة دون جدران جراء قذائف التفريغ، يسمونها الناس "مشلحة"، هم يحمدون الله أنهم سوف يتمكنون من لف أعمدة البيوت بالشرايط لتأويهم، ولن يسكنوا خيمة، اغلب البيوت إما منسوفة أو مجرفة أو مفرغة أو محروقة، الشوارع لا يعرفها أحد فقد اختلط الأمر على الجميع، شباب يبحثون عن مفقودين بأيديهم بين الركام بسبب عدم توفر المعدات اللازمة لذلك، ما حدث في شمال غزة ومخيم جباليا بالتحديد عبارة عن تسونامي، ان ما جرى هو محرقة الكون".

أما رئيس مكتب الإعلام الحكومي بغزة فقد صرح في بيان صدر بالأمس قائلًا "لقد انتشلت فرق الإسعاف والدفاع المدني عشرات الشهداء طيلة فترة الاجتياح وبعد الانسحاب، وتواصل البحث حاليًا عن عشرات المفقودين بين ركام المنازل ومراكز الإيواء والمدارس والمستشفيات التي لم تسلم من القصف والتدمير، وحتى عيادات ومقرات ومراكز وكالة الغوث الدولية لم تسلم هي الأخرى من آلة التخريب، فيما تعمد جيش الاحتلال تدمير البنى التحتية والمقومات الاقتصادية كالأسواق والمحال التجارية، وحتى قبور الأموات لم تسلم حيث قامت آلياته بتجريف المقابر، في تعدي فاضح وصارخ من قبل جيش الاحتلال على القيم والمبادئ الإنسانية وقواعد القانون الدولي الإنساني، ليظهر بذلك مشهدا جديدا من مشاهد جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد شعبنا للشهر الثامن" .

ثم اكد في ذات البيان بأن الاحتلال الإسرائيلي "بات واضحا للجميع وفي ظل هذه الجرائم أن الاحتلال يسعى لجعل قطاع غزة منطقة منكوبة وغير صالحة للحياة، وأنه لم يتخل عن محاولات التهجير القسري، جنبا إلى جنب مع جريمة التطهير العرقي التي يقترفها بارتكاب المجازر وقتل عشرات الآلاف، وبالتجويع والتعطيش وضرب المنظومة الصحية ليفقد المواطنون مراكز الرعاية الطبية ولنشر الأمراض والأوبئة".

إن ما فعلته قوات الاحتلال الإسرائيلي من فضائع وجرائم في شمال قطاع غزة وتحديدًا داخل مخيم جباليا ومشروع بيت لاهيا وبيت حانون تظهر فاشية وعنصرية وارهاب دولة الاحتلال الإسرائيلي وتحللها الفاضح من مبادئ الإنسانية وقواعد القانون الدولي وتنكرها لقرارات محكمة العدل الدولية والامم المتحدة.

يأتي ذلك بالتزامن مع اشتداد أزمات الغذاء والماء والدواء وتفاقم المجاعة والعطش بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال المساعدات والوقود إلى قطاع غزة ونُحملهم المسؤولية الكاملة عن كارثة إنسانية وشيكة بالتزامن مع إغلاق جميع المعابر والمنافذ المؤدية إلى قطاع غزة منذ اكثر من 24 يوماً، إن تفاقم استمرار أزمات الغذاء والماء والدواء، يعزز فرص وقوع مجاعة حقيقية في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية ينفذها الاحتلال وتدعمها الإدارة الأمريكية.

كما ان تواصل احتلال معبر رفح البري من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي ، وإغلاق معبر كرم أبو سالم، أدى إلى وقوع أزمات إنسانية مركّبة بمنع اكثر من 22,000 جريح ومريض من السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة، وكذلك منع إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات التموينية لقطاع غزة الذي يعيش فيه قرابة 2,4 مليون إنسان، بينهم أكثر من 2 مليون نازح يعيشون على المساعدات بشكل أساسي ووحيد، في ظل فقدان ربع مليون رب أسرة لأعمالهم ووظائفهم بسبب حرب الإبادة الجماعية، وهو ما خلّف انعدام السيولة النقدية لديهم مما يعزز فرص تعميق المجاعة بشكل واضح.

كما ويمنع الاحتلال "الإسرائيلي" إدخال الوقود وغاز الطهي والدواء ضمن سياسة الضغط على المدنيين والأطفال والنساء، وهي جريمة ضد الإنسانية، مما أدى إلى توقف أكثر من 98% من مخابز قطاع غزة عن العمل بسبب انعدام غاز الطهي، وكذلك توقف أكثر من 700 بئرٍ للمياه عن العمل بسبب الاستهداف ومنع إدخال الوقود، مما يُعزز فرص تعميق المجاعة والعطش ضد المدنيين وخاصة ضد الأطفال والنساء، ناهيك عن استمرار كوارث التَّجويع والقتل والإبادة الجماعية والتدمير الممنهج للأحياء السكنية وللبنى التحتية ولشبكات الماء والصرف الصحي والكهرباء ولكل قطاعات ومناحي الحياة في قطاع غزة، حيث بدى ذلك واضحاً بأنه مخطط له من قبل الاحتلال والأمريكان وبشكل ممنهج وبنية مبيتة ومسبقة وبصورة يندى لها جبين البشرية والإنسانية.

ان ما يحدث في قطاع غزة علي مدار تسعة اشهر يدعو كل دول العالم الحر وكل المنظمات الدولية والأممية إلى الضغط على الاحتلال وعلى الأمريكان من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية، والضغط عليهم من أجل فتح معبر رفح البري ومعبر كرم أبو سالم وكل المعابر البرية والسماح لآلاف الجرحى والمرضى بالسفر لتلقي العلاج في الخارج، ومن أجل إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية، وإدخال الوقود وغاز الطهي، فالواقع في قطاع غزة اقترب من الخروج عن السيطرة، وبالتالي وقوع الكارثة الإنسانية غير المسبوقة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی الإبادة الجماعیة جیش الاحتلال فی قطاع غزة لم تسلم أکثر من

إقرأ أيضاً:

سياحة الكفاح وتسليع المعاناة

في 2018 بدأ المفكر والفيلسوف الإيراني الأمريكي حميد دباشي مع إبراهيم فريحات مشروع توثيق وتحليل لـ 323 صورة للجرافيتي والرسومات الجدارية على جدار الفصل العنصري في الضفة. في ورقتهما التي يُمكن ترجمة عنوانها إلى «مقاومة الإخضاع: الجرافيتي الفلسطيني على جدار الفصل العنصري» يحلل الأكاديميان الثيمات التي عالجها الجرافيتي ورسومات الجدار من الجهتين.

عاصر حميد دباشي إدورد سعيد وتأثر به، وأخذ على عاتقه أن يُكمل المشروع الذي بدأه سعيد في الاستشراق، خصوصًا مع تغير شكل الهيمنة والتمثيل في عالم ما بعد 11 سبتمبر. في كتاب دباشي «ما بعد الاستشراق: المعرفة والسّلطة في زمن الإرهاب» (ترجمة باسل عبدالله وطفه، الصادر 2015 عن دار المتوسط) يهتم دباشي بالعلاقة المتبادلة بين المعرفة التي تهيئ للإبادة، والقوة العسكرية القادرة فعليًا على الإبادة. تتم التهيئة عبر نزع الإنسانية (أن يُظهرون كصراصير لابد من القضاء عليها)، وتوليد وتعزيز الميول العنيفة ضد الشعوب التي يطمح صاحب القوة والنفوذ للتحكم بها.

أقول إنه لا غرابة بأن يكون لمفكر كحميد دباشي العدسة القادرة على رصد السلوك الاستشراقي الذي يتجلى اليوم على نحو يختلف بعض الشيء عنه أيام إدورد سعيد.

في «مقاومة الإخضاع» يرصد الكاتبان بحذق الآثار غير الحميدة لتدويل (internationalization) القضية الفلسطينية. فما يبدو أول الأمر أنه مقاومة لاحتلال عبر الرسم، يكشف عن سلوك استشراقي، ودعوات للسلام تكشف الجهل بطبيعة الصراع بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال.

من ضمن ما حلله الكاتبان عمل فني على الجدار العازل رسمه بانكسي Banksy (وهو يُعد أشهر رسام جرافيتي). رسم العمل ملثمًا فلسطينيًا يرمي بدل الحجر باقة من الورد. يكشف هذا الإصرار على استبدال الحجر وهو رمز للكفاح المسلح، بباقة ورد أو غصن زيتون وهو رمز للسلام - جهلًا بواقع المعاناة الفلسطينية ضد الاحتلال، وما يفرضه من أشكال المقاومة.

تدويل (internationalization) القضية الفلسطينية، أنتج «سياحة كفاح» مزارها الجدار العازل، وأنتج نوع تضامن يُغرّب في الحقيقة أصحاب الأرض. يتوافد الناشطون من كل أنحاء العالم، مخاطبين الأجنبي، ليتحول جدار الهيمنة والتنكيل هذا لمنبر شكاية، ولوحة مفتوحة لقضايا أخرى - وإن كانت عادلة - لكنها لا تمس الفلسطينية مباشرة، وبطريقة لا تمثل الفلسطينيين، بل وأحيانًا لا تلقى أي صدًا لديهم.

سياحة الكفاح وتسليع المعاناة أصبح لها معنى حرفي بافتتاح بانكسي فندقًا في بيت لحم، نقطة البيع الفريدة لديه هو أنه فندق بـ«أسوأ إطلالة»، إذ يُطل على جدار الفصل العنصري.

ثمة جرافيتي شهير آخر يوصي الاحتلال بصنع الحمص عوضًا عن بناء الجدران. وهو بهذه الصياغة يقول بطريقة ما أن الأجدر بالطرفين أن يتركوا الصراعات عنهم، ويعيشوا بسلام ويطبخوا حمص وكبة ومقلوبة. متفهين بصراع الفلسطينيين نحو العدالة والتحرر.

يُطلق الكاتبان اسم «المقاومة المتوسطة» على نوع الشعارات التي تتجنب النضال المسلح من قبيل «بإمكانهم أن يسلبوك حريتك، لكنهم لا يملكون أن يسلبوا روحك المعنوية». يُلاحظ الكاتبان أيضًا فروقًا في قوة الشعار حسب اللغة التي يُكتب بها. فالإنجليزية منها تميل إلى استخدام اللغة الحقوقية، ودعوات السلام العالمية. بينما تُحيل العربية إلى كُتاب وفنانين، وتموضع الصراع محليًا.

دعوات السلام تضع الفلسطينيين في مكانة سواء مع الإسرائيليين، وتؤطر الصراع على نحو يقول ضمنيًا أن الصراع يُمكن أن ينتهي متى ما وُجدت النية والإرادة لتحقيقه. وتحول الخطاب التحرري إلى دعوات لقبول الإضطهاد مقابل السلام. محادثات السلام التي يستخدمها الاحتلال كغطاء لمواصلة توسعه، واستدامة تنكيله بالشعب الفلسطيني تنطلي بسهولة على ناشطي سياحة الكفاح.

مقالات مشابهة

  • أستاذ قانون: الاحتلال الإسرائيلي يريد الاستيلاء على الضفة الغربية
  • من هو الطبيب المعجزة العراقي محمد طاهر الذي رفعه أهل غزة على الأكتاف؟
  • السعودية تعرب عن إدانتها واستنكارها للهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي على جنين
  • سياحة الكفاح وتسليع المعاناة
  • الحرب انتهت والمعاناة مستمرة.. هكذا يتحدى الغزيون أوجاع الإبادة
  • تدمير 34 مستشفى من أصل 38 بعد 15 شهرا من الإبادة الإسرائيلية... كيف يبدو قطاع الصحة بغزة؟
  • إحصائية رسمية تكشف نتائج 470 يوما من حرب الإبادة ضد قطاع غزة
  • استمرت 470 يوما - أهم إحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة
  • إحصائيات مرعبة يكشفها الإعلامي الحكومي بغزة عن الحرب الإسرائيلية
  • بعد 15 شهرا من الإبادة الإسرائيلية.. كيف يبدو قطاع الصحة بغزة؟