د مصطَفَى غَلْمَان: اَلْوَعْيُ بِالذَّاكِرَةِ الثَّقاَفِيَّةِ وَتَدَاوُلِيَاتِهَا
تاريخ النشر: 3rd, August 2023 GMT
د مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان (إن الثقافة إذ هي تؤول العالم، فإنها تغيره) ـ بولريكور ـ ( مصفوفة حقائبي على رفوف الذاكرة والسفر الطويل يبدأ دون أن تسير القاطرة! ) ـ أمل دنقل ـ
يستطيع الإنسان الكوني اليوم أن ينوجد في صلب المفهوم الجديد للذاكرة الثقافية، بما هي موضوع للتساؤل النظري الواعي بأولوية تأصيل التجربة الاجتماعية وموقعها في التاريخ والثقافة.
يقترح علماء الاجتماع في صلب هذه المقاربة الحديثة، الاتصال بالثقافة، كما هو الحال بالنسبة لجورج سيميل الذي يعتبرها مشروعا بديلا لتهذيب الأفراد من خلال فعالية النماذج الخارجية التي أصبحت عامة وموضوعية عبر التاريخ. وهي مواضعة يؤسس عليها جورج سيميل نظريته باعتبار أن أساس تدهور الثقافات يأتي بالدرجة الأولى من التسلسل الهرمي واحترام التقاليد . عكس بيير بورديو الذي يدمج الفئات الاجتماعية والاقتصادية ضمن هذه الرؤية، باعتبارها فئات مرتبطة ببعضها، ولا يمكن أن تختزل الثقافة داخلها.
القصد من إيراد هذه التقعيدة، هو الانفعال مع الأشكال المستحدثة لمجموع الثقافات الجماهيرية وتكورها على نطاق واسع ، وما صاحب ذلك من تسوية للاختلافات والاختلالات الاجتماعية والثقافية، وكذا تفكيك الفئات الاجتماعية في المجتمعات الكونية، التي طالما ضمنت “نقل القيم التي يتم تذكرها بشكل جماعي والحفاظ عليها” علامة على الأفول والانهدام تحت سلطة أفول الذاكرة الحضارية، وانصرام دهرها ونكوصها تحت نظر ما أصبح يطلق عليه اليوم ب “الوعي النظري والتاريخي”.
إن ثنائية “الذاكرة والثقافة” تثير هذه الأسئلة، الموتورة والمتوثرة، من “شعور بالأزمة والتحول” ، وأعراض ذلك على قيم الاتصال والمثاقفة الحضارية بين الشعوب، وانعكاسها على واقع “الذاكرة الفردية والجماعية”، التي تتجادل في سياقات متقاطعة ومتناقضة وسط فوضى السوشيال ميديا ووسائط التواصل الاجتماعي المتعددة، وهو ما يسهم بشكل أفقي في صناعة نقاشات فارغة ومجتزأة من سياسات مخدومة لإحياء ثقافات مهيمنة ومقنعة.
إن التفكير في حالة الذاكرة وعلاقة الذاكرة بالتاريخ والثقافة، يؤشر على ضياع بوصلة الفكر الجماعي، وانحصار ذلك في الابتداع الفج والهامشي للمجتمعات المقسمة والمتناحرة، محدودة الرؤية والحدود الجغرافية والسياسية، ومتباعدة في علاقاتها الإنسانية، وغير قادرة على التسامح والحوار وقيم الاختلاف، حيث تصبح هذه العلاقات المتضاربة والمتجادلة، ليس فقط بين الذاكرة والتاريخ ، ولكن أيضًا بين الذكريات المتناقضة في كثير من الأحيان للمجموعات العرقية والمجتمعات الدينية المختلفة.
وفي هذا المستوى يمكن طرح قضايا الانحسار الثقافي وتداولياته، في بنية تماس المنظومة الغربية وربيباتها، حيث تستقيم جدارات التأثير الأيديولوجي، وآثاره في محيط المستعمرات القديمة، ومستتبعات ذلك في المآلات الكبرى للتنمية، كالتعليم والخدمات الاجتماعية الموازية، والرهان على مجتمع المعرفة وتطوير البحث العلمي والأكاديمي الجامعي ..إلخ. وقد أفاضت المؤرخة الفرنسية نادين بيكودو في تأطير وتفكيك هذه القطيعة، في كتاباتها حول الفعل الاجتماعي الثقافي داخل المجتمع العربي المتدين، وخصوصيات الذاكرة الجماعية في تحصينه من مخاطر الأيديولوجيات والتيارات الفلسفية المتداعية؟. ولهذا لا يمكن الحديث هاهنا بمعزل عن نظرية المفكرة الفرنسية نفسها، من كون ” الإيديولوجيا هي بمثابة “رؤية للعالم”، كما الإسلام، يقدم لمعتنقيه رؤية للعالم”، وهو الأمر الذي يتعزز بآليات امتداد الأيديولوجيا في السلوك الإنساني الجماعي المحدود، والذي يعني من ضمن ما يعنيه اقتياد البوصلة ك”جماع أفكار، أو تصورات ومعايير وقيم، ومثل”، يتم اعتناقها والإيمان بها تحت مسميات إنسانية عديدة، تتجافى، وتتقاطع، وتتلون، ولا تراوح حيزا في الزمان والمكان، دون أن يشكل ذلك وحدة مبيانية في التأثير والامتداد .. وإلى ذلك، يمكن أن نطعم هذا المنهج برؤية جديرة بالتأمل، ساقها الكاتب الفرنسي فرانسوا برون في إحدى دراساته حول (الأيديولوجية لحكم أفضل .. موت وقيامة الأيديولوجيات)، يذهب فيها إلى أن “أيديولوجية المجتمع أو الطبقة الاجتماعية تنخدع في معظم الأحيان بالطبيعة التعسفية لرؤيتها للأشياء. تمزج ما تؤمن به ، بما تراه قمينا بالمتابعة والتمحيص، وسرعان ما تحتفظ فقط مما “تراه” بما يؤكد ما تؤمن به، ثم تأخذ نظامها في التفسير لواقع العالم. إنها تبني أساليب الحياة الموروثة من التاريخ ، والمتعلقة بالثقافة .. “. وهو ما يؤكده رولان بارت أيضا في كتاب “أسطوريات” أو “البرجوازية الصغيرة”، حيث “الطبيعي الذي تُلبِسه الصحف والفن والحسّ المشترك باستمرار لباساً مضحكاً من الواقع..، عن الطبيعة والتاريخ وقد احتدما في سردية واحدة، عن الخداع “الذي يُحوِّل ثقافة البرجوازية الصغيرة إلى طبيعة كلّية”، عن “اللازمانية” التي تسم بشكلٍ عام أية أسطورية؛ رغبة الخطاب الأسطوري الدائمة في احتواء الماضي والحاضر والمستقبل ضمن القول الواحد. بمعنى آخر ، لأجل قياس مدى رغبتنا في الامتداد عبر الذاكرة ، وتأسيس مرمى ثقافي بإزاء ما ننظر إليه بأدمغتنا، هناك ما يشدنا إلى التدافع الاختلافي، وتجنيب مبدأ الحياد الفكري، حتى نتمكن من تصويب علاقتنا بقضايا العصر وروحه المتقدة. وهو الصرح الذي لطالما ننشده، بالقليل من الاقتبال والجهوزية التاريخية والثقافية، لأن الذي يربطنا بالماضي أكثر مما نحاول استعادته بالمنظور المستقبلي. وما نبتدعه عند استعادتنا للمبادرة وتوجيهنا إياه بما يضمن سيرورة أعمالنا وأثرها في المجتمع، يجافي غالبا قلب الهدف الذي نطمح إليه؟. هل هي الرغبة في التغيير ، التي لا تنثني عن مظاهر الفعل الحقيقي والواجب، أم أن أوهاما تحيط بنا من كل جانب، تأبى إلا أن تجحد الطبائع وتأسر العقول، متنكرة، وجائرة في صحراء لا ممتدة؟.المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية: الذی ی
إقرأ أيضاً:
"أونروا": أوضاع سكان شمال غزة "لا يمكن تصورها"
أكدت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لويز ووتريدج، أن الأوضاع المعيشية في شمال قطاع غزة صعبة ومأساوية.
وفي حديثها إلى وكالة فرانس برس من مدينة غزة إلى حيث فر العديد من سكان الشمال منذ بدء عمليات القصف، نقلت ووتريدج المعلومات التي جمعتها من الفلسطينيين النازحين ومن زملاء لها في الأونروا. أونروا: إسرائيل تجعل الحصول على الطعام مستحيلاً في غزة - موقع 24قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" أن إسرائيل لا تسمح سوى بدخول 6% من احتياجات السكان في قطاع غزة من الدقيق والمواد الغذائية، مشيرة إلى أن ذلك تسبب بأزمة حادة خاصة في الحصول على الخبز، وإغلاق معظم المخابز جنوب القطاع. وتقدر الوكالة التابعة للأمم المتحدة أن ما بين 100 ألف و130 ألف شخص فروا من شمال قطاع غزة منذ بدء العملية التي تهدف، بحسب الجيش الإسرائيلي، إلى منع حركة حماس من إعادة تنظيم صفوفها.وقالت ووتريدج: "لا يمكن الحصول على الغذاء أو مياه الشرب. توقفت ثماني آبار للأونروا في جباليا عن العمل منذ عدة أسابيع. لقد تضررت ولم تعد هناك كمية كافية من الوقود" لتشغيل نظام الاستخراج.
وأضافت "بلغنا تحت وقع الصدمة أن القصف مستمر على المستشفيات والملاجئ".
وتابعت "هنا في مدينة غزة، ألتقي أشخاصاً فروا هرباً من الموت وعرضوا عليَّ مقاطع فيديو مروعة لهم وهم يركضون في الشوارع ويشقون طريقهم وسط الأنقاض.
وأشارت إلى أن "خمسين يوماً من الحصار - نتيجته الدمار والموت والألم... - إنه أمر لا يمكن تصوره".
جرس إنذار.. سكان غزة يعيشون وسط "قنابل موقوتة" إسرائيلية - موقع 24حذرت منظمة دنماركية غير حكومية في تقرير نشر الإثنين، من أن الأسلحة المتفجرة المستخدمة في منطقة مكتظة بالسكان مثل قطاع غزة ستستمر في تعريض المدنيين للخطر حتى بعد وقف الحرب.
وقالت إنه "في الفترة نفسها تقريباً من العام الماضي، علمنا أن شمال غزة كان معزولاً عن العالم.
وأضافت "وعندما نسمع أن عائلات بقيت تحت الأنقاض لأن الذين فروا اضطروا إلى تركهم، نتفهم تماماً شعور هؤلاء بصدمة كبيرة".
وقالت إن "هناك ما بين 100 ألف إلى 130 ألف شخص هنا بعد أن اضطروا إلى مغادرة المناطق المحاصرة في جباليا وبيت حانون... يصلون إلى مدينة غزة إلى مبان متفحمة ومدمرة، تحت المطر، والطقس بارد جداً".
وأضافت "ليس لديهم فرش ولا قماش مشمع للاحتماء من المطر ولا خيام، ولا حتى بطانيات. العائلات تبكي. والبعض يتسول لأن أطفالهم ليس لديهم ملابس دافئة. وهناك رضع ليس لديهم أبسط المقومات للتصدي للبرد. الظروف التي يرغم فيها الناس على العيش هنا فظيعة للغاية".
وتابعت "يجدون أنفسهم وسط الأنقاض، في مبانٍ ينبغي أن يحميها القانون الدولي، وفي الواقع بينما يروون قصصاً مروعة مثل وصول الدبابات إلى حيث لجأوا أو قصف المدارس التي تستخدم ملاجئ يضطرون إلى العودة إلى هناك لأنه ببساطة ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه".