د. الشفيع خضر سعيد

منذ فترة ليست بالقصيرة، والتحذيرات حول مآلات الكارثة الإنسانية في السودان تتواتر من عدة جهات، ومن مسؤولين أمميين، باعتبارها من أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر، وأن الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، لم يعد بسبب استمرار إطلاق النار وحده، وإنما أيضا بسبب تفشي المجاعة والأوبئة وانعدام الغذاء والدواء، وبسبب القهر نتيجة الطرد من المسكن والإذلال وإهانة الكرامة.

ومع ذلك لم يتخط تفاعل هذه الجهات، وهؤلاء المسؤولون مع الكارثة حدود إرسال التحذيرات من مأساوية الأوضاع، في حين ظل العجز وضعف الاستجابة من قبل العالم والمؤسسات الأممية المعنية للتعامل مع هذه المأساة وفق خطط وخطوات عملية على أرض الواقع، هو سيد الموقف، حتى انطبق عليها، وعن جدارة، وصف كارثة السودان المنسية، كما أشرنا في مقالنا السابق.

مأساة السودان الإنسانية لم تعدم التشخيص وسبر غور كل جوانبها وتقاطعاتها، كما لم تعدم التوصيات بالحلول الملائمة والممكنة التنفيذ. ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عقد في القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية بمشاركة ممثلين لغرف الطوارئ وللمبادرات العاملة في المجال الإنساني في كل ولايات السودان، وممثلين للاجئين السودانيين في كل دول جوار السودان، ونخبة من الخبراء السودانيين في شتى مجالات العلم والعمل العام، بالإضافة إلى مئة واثنين مشارك ومشاركة من منظمات الإغاثة الدولية وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الأخرى العاملة في السودان، وعدد من القيادات والشخصيات العالمية المرموقة.

وأشبع المؤتمرون الوضع الإنساني في السودان تشريحا واستكشافا واقتراحا لكيفية التغلب على التحديات التي تعيق فعالية تقديم المساعدات الإنسانية، بما في ذلك التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في الاستجابة للأزمة. وتوصل المؤتمر إلى توصيات ممكنة التنفيذ في مجالات الحماية الاجتماعية، الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، الانتهاكات الجنسية والعنف ضد المرأة خلال الحرب، والتنسيق وتكامل الأدوار بين الجهود العالمية والمحلية. وتم ترجمة هذه التوصيات إلى خطة عملية لكيفية تحقيقها على أرض الواقع، تتضمن تقييما تفصيليا للمتطلبات والجداول الزمنية المقترحة وإطارا منطقيا لتنشيط الاستجابة للأزمة، وذلك عبر التنسيق الوثيق والمباشر بين المبادرات القاعدية في السودان وبين المنظمات الدولية المعنية. وتم تسليم نسخة من كل ذلك إلى مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى المعنية بالتعامل مع القضايا الإنسانية، كما تم نشرها على نطاق واسع، عالميا وإقليمي ومحليا. ولكن، حتى هذه اللحظة لا تزال هذه التوصيات والمقترحات وخطط العمل حبيسة الأقراص الصلبة في حَواسِيبُ هذه المؤسسات، ولم يبذل أي جهد لتنفيذ، ولو بند واحد من بنودها.

ظل العجز وضعف الاستجابة من قبل العالم والمؤسسات الأممية المعنية للتعامل مع هذه المأساة وفق خطط وخطوات عملية على أرض الواقع، هو سيد الموقف

وقبل ذلك، في مايو/أيار من العام الماضي في مدينة جدة، وقع كل من اللواء بحري ركن محجوب بشرى أحمد رحمة عن القوات المسلحة السودانية، والعميد ركن عمر حمدان أحمد حماد عن قوات الدعم السريع، وقعا اتفاقا ملزما للطرفين ويطبق فوريا، تضمن ثلاثة شروط حاكمة، من بينها أن الاتفاق لا يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية، وأن بنوده لا تحل محل أي التزامات أو مبادئ بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تنطبق على هذا النزاع المسلح. كما تضمن الاتفاق واحدا وعشرين التزاما، من بينها: التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، الامتناع من أي هجوم من شأنه أن يتسبب في أضرار مدنية، عدم استخدام المدنيين دروعا بشرية، ضمان عدم استخدام نقاط التفتيش في انتهاك مبدأ حرية تنقل المدنيين والجهات الإنسانية، الالتزام بحماية الاحتياجات والضروريات التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، حظر النهب والسلب والإتلاف، والالتزام بالإجلاء والامتناع من الاستحواذ واحترام وحماية كل المرافق الخاصة والعامة كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء وعدم استخدامها للأغراض العسكرية، السماح بالمرور السريع للمساعدات الإنسانية دون أي عوائق، والامتناع من التدخل في العمليات الإنسانية وتوفير الحماية للعاملين فيها، وتعيين نقاط اتصال للتعامل مع الجهات الفاعلة الإنسانية لتسهيل أنشطتها، السماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية وأي مناطق محاصرة طوعًا وبأمان، عدم عرقلة عمليات الإجلاء الطبي لجمع الجرحى والمرضى دون تمييز والسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بذلك، الامتناع من تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، الامتناع عن الانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين…إلى غير ذلك من الالتزامات. لكن، وبمجرد انتهاء جولة المفاوضات بين الطرفين الموقعين، تبخرت كل بنود هذه الاتفاقية في الهواء، وكأنها لم تكن أصلا. بل، وخلال أكثر من عام منذ التوقيع عليها وحتى اللحظة، يتم العمل بعكس ما جاء في كل الالتزامات الواردة فيها، وكل ذلك أمام أعين ومسمع رعاتها وأطراف المجتمع الدولي الأخرى.

نحن ندعو الكتل المدنية السودانية الرافضة للحرب لأن تتوحد، ولو حول هدف واحد هو مخاطبة المأساة الإنسانية المتفاقمة في البلاد، وتضع هذا الهدف في مقدمة أولوياتها قبل أي حديث عن العملية السياسية والفدرالية وفصل الدين عن الدولة، فالدولة مهددة في وجودها نفسه!. ندعوها لاستثارة حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني، المحاصر في الداخل، وفي صحارى وغابات وغياهب اللجوء، من الموت، لإنقاذ الوطن من الدمار والتفتت. وندعوها للصراخ معنا في وجه ضمير العالم بأن يصحو وينتبه لهذه المأساة المتفاقمة، وأن يضعها في مقدمة أولوياته بتوفير الاحتياجات الإنسانية اللازمة، وبأن تلتزم المنظمات الأممية المعنية بالبروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وبأن يستخدم مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة كل الصلاحيات المكفولة بحسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية لهم عبر ممرات آمنة.

هذا هو المطلوب وبشدة في ظل ضآلة الأمل في التوصل إلى وقف الاقتتال، وإلى حل سياسي للأزمة في الأفق القريب.

نقلا عن القدس العربي

 

الوسومد. الشفيع خضر سعيد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: فی السودان

إقرأ أيضاً:

«حماس»: استمرار غلق معابر القطاع أمام المساعدات عقاب جماعي بحق المدنيين الأبرياء

أعلنت حركة حماس، أن استمرار إغلاق معابر القطاع أمام المساعدات عقاب جماعي بحق المدنيين الأبرياء وانتهاك صارخ للقانون الدولي، وأن منع وصول الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية جريمة حرب موصوفة ومحاولة بائسة لخنق سكان القطاع الصامدين.

اليونيسف

وفي سياق متصل، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، إن حجم الدمار في غزة تجاوز مستوى الكارثة، وحذرت من أن توقف تسليم المساعدات سيؤدي إلى عواقب مدمرة على الأطفال والأسر في جميع أنحاء القطاع.

وأكدت «اليونيسف» أن استمرار وقف إطلاق النار ضروري بما يسمح للمساعدات بالتدفق حتى تتمكن المنظمة من مواصلة توسيع نطاق الاستجابة الإنسانية في القطاع المنكوب.

وقال إدوارد بيجبيدر، المدير الإقليمي لـ«اليونيسف» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن القيود التي أعلنتها إسرائيل، الأحد، على دخول المساعدات للقطاع «ستضر بشدة بعمليات إنقاذ حياة المدنيين».

وقالت المنظمة إن الأسر في جميع أنحاء غزة، بمن في ذلك الأطفال، تكافح من أجل البقاء دون ما يكفي من الغذاء أو الدواء أو المأوى. ومع وجود 19 مستشفى من أصل 35 تعمل بشكل جزئي فقط، فإن النظام الصحي يتعرض لضغوط شديدة.

اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

وينص اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحركة حماس بوساطة مصرية قطرية أمريكية، على هدنة مكونة من 3 مراحل، بدأت الأولى صباح يوم الأحد الموافق 19 يناير 2025، وتستمر لمدة 6 أسابيع، بحسب وزارة الخارجية القطرية.

جاء ذلك بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية النهائية، على الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بعد 15 شهرًا من الحرب المدمرة التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا في القطاع.

وكان من المفترض أن يدخل هذا الاتفاق حينها حيز التنفيذ في تمام الساعة 8:30 من صباح الأحد 19 يناير 2025، (06:30 بتوقيت جرينتش)، لكن بدأ بالفعل في تمام الساعة 11:30 بعدما وافقت الحكومة الإسرائيلية بشكل نهائي على الاتفاق.

اقرأ أيضاًانتقادات دولية تطالب حكومة الاحتلال برفع القيود على دخول المساعدات لغزة

الاتحاد الأوروبي يدعو إلى استئناف سريع للمفاوضات بشأن وقف إطلاق النار بغزة

الأمم المتحدة: 51 مليون طن من الركام مخلفات حرب إسرائيل على غزة

مقالات مشابهة

  • وزير المعادن يتفقد معارض الشركات العالمية فى معرض التعدين الدولي بكندا
  • ندعوا أمن زنجبار والجهات المعنية باتخاذ الإجراءات لوقف ظاهرة رمي الطماش والمفرقعات النارية ومضايقة الأطفاء والنساء في الأسواق
  • مذكرة من الكُتّاب والأدباء والنشطاء السودانيين إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب بوقف الحرب في السودان وحماية المدنيين
  • حصيلة المجازر الصهيونية في غزة تتجاوز 48 ألف شهيد وسط استمرار الجرائم بحق المدنيين
  • حماس: استمرار الاحتلال في إغلاق معابر غزة جريمة عقاب جماعي بحق المدنيين
  • «حماس»: استمرار غلق معابر القطاع أمام المساعدات عقاب جماعي بحق المدنيين الأبرياء
  • حزب صوت مصر: منع المساعدات عن غزة جريمة ضد الإنسانية وانتهاك للقانون الدولي
  • السودان: مواقف كينيا معزولة ووضعتها في خانة “الدولة المارقة” حسب بيان لوزارة الخارجية أشادت فيه بمواقف دول أخرى
  • رابطة الدوري : الأندية هي المعنية بتحديد أسعار تذاكر المباريات
  • الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة: التحديات في قطاع غزة تتطلب التدخل الدولي السريع «فيديو»