السودان: مرة أخرى عن المأساة الإنسانية
تاريخ النشر: 3rd, June 2024 GMT
د. الشفيع خضر سعيد
منذ فترة ليست بالقصيرة، والتحذيرات حول مآلات الكارثة الإنسانية في السودان تتواتر من عدة جهات، ومن مسؤولين أمميين، باعتبارها من أكبر الكوارث الإنسانية في زمننا المعاصر، وأن الموت الجماعي الذي يخسف بأعداد كبيرة من السكان المدنيين وخاصة الأطفال، لم يعد بسبب استمرار إطلاق النار وحده، وإنما أيضا بسبب تفشي المجاعة والأوبئة وانعدام الغذاء والدواء، وبسبب القهر نتيجة الطرد من المسكن والإذلال وإهانة الكرامة.
مأساة السودان الإنسانية لم تعدم التشخيص وسبر غور كل جوانبها وتقاطعاتها، كما لم تعدم التوصيات بالحلول الملائمة والممكنة التنفيذ. ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عقد في القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية بمشاركة ممثلين لغرف الطوارئ وللمبادرات العاملة في المجال الإنساني في كل ولايات السودان، وممثلين للاجئين السودانيين في كل دول جوار السودان، ونخبة من الخبراء السودانيين في شتى مجالات العلم والعمل العام، بالإضافة إلى مئة واثنين مشارك ومشاركة من منظمات الإغاثة الدولية وهيئات الأمم المتحدة المتخصصة والمنظمات الدولية الأخرى العاملة في السودان، وعدد من القيادات والشخصيات العالمية المرموقة.
وأشبع المؤتمرون الوضع الإنساني في السودان تشريحا واستكشافا واقتراحا لكيفية التغلب على التحديات التي تعيق فعالية تقديم المساعدات الإنسانية، بما في ذلك التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في الاستجابة للأزمة. وتوصل المؤتمر إلى توصيات ممكنة التنفيذ في مجالات الحماية الاجتماعية، الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، الانتهاكات الجنسية والعنف ضد المرأة خلال الحرب، والتنسيق وتكامل الأدوار بين الجهود العالمية والمحلية. وتم ترجمة هذه التوصيات إلى خطة عملية لكيفية تحقيقها على أرض الواقع، تتضمن تقييما تفصيليا للمتطلبات والجداول الزمنية المقترحة وإطارا منطقيا لتنشيط الاستجابة للأزمة، وذلك عبر التنسيق الوثيق والمباشر بين المبادرات القاعدية في السودان وبين المنظمات الدولية المعنية. وتم تسليم نسخة من كل ذلك إلى مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الأخرى المعنية بالتعامل مع القضايا الإنسانية، كما تم نشرها على نطاق واسع، عالميا وإقليمي ومحليا. ولكن، حتى هذه اللحظة لا تزال هذه التوصيات والمقترحات وخطط العمل حبيسة الأقراص الصلبة في حَواسِيبُ هذه المؤسسات، ولم يبذل أي جهد لتنفيذ، ولو بند واحد من بنودها.
ظل العجز وضعف الاستجابة من قبل العالم والمؤسسات الأممية المعنية للتعامل مع هذه المأساة وفق خطط وخطوات عملية على أرض الواقع، هو سيد الموقف
وقبل ذلك، في مايو/أيار من العام الماضي في مدينة جدة، وقع كل من اللواء بحري ركن محجوب بشرى أحمد رحمة عن القوات المسلحة السودانية، والعميد ركن عمر حمدان أحمد حماد عن قوات الدعم السريع، وقعا اتفاقا ملزما للطرفين ويطبق فوريا، تضمن ثلاثة شروط حاكمة، من بينها أن الاتفاق لا يرتبط بالانخراط في أي عملية سياسية، وأن بنوده لا تحل محل أي التزامات أو مبادئ بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تنطبق على هذا النزاع المسلح. كما تضمن الاتفاق واحدا وعشرين التزاما، من بينها: التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، الامتناع من أي هجوم من شأنه أن يتسبب في أضرار مدنية، عدم استخدام المدنيين دروعا بشرية، ضمان عدم استخدام نقاط التفتيش في انتهاك مبدأ حرية تنقل المدنيين والجهات الإنسانية، الالتزام بحماية الاحتياجات والضروريات التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، حظر النهب والسلب والإتلاف، والالتزام بالإجلاء والامتناع من الاستحواذ واحترام وحماية كل المرافق الخاصة والعامة كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء وعدم استخدامها للأغراض العسكرية، السماح بالمرور السريع للمساعدات الإنسانية دون أي عوائق، والامتناع من التدخل في العمليات الإنسانية وتوفير الحماية للعاملين فيها، وتعيين نقاط اتصال للتعامل مع الجهات الفاعلة الإنسانية لتسهيل أنشطتها، السماح لجميع المدنيين بمغادرة مناطق الأعمال العدائية وأي مناطق محاصرة طوعًا وبأمان، عدم عرقلة عمليات الإجلاء الطبي لجمع الجرحى والمرضى دون تمييز والسماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بذلك، الامتناع من تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية، الامتناع عن الانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسفي للمدنيين…إلى غير ذلك من الالتزامات. لكن، وبمجرد انتهاء جولة المفاوضات بين الطرفين الموقعين، تبخرت كل بنود هذه الاتفاقية في الهواء، وكأنها لم تكن أصلا. بل، وخلال أكثر من عام منذ التوقيع عليها وحتى اللحظة، يتم العمل بعكس ما جاء في كل الالتزامات الواردة فيها، وكل ذلك أمام أعين ومسمع رعاتها وأطراف المجتمع الدولي الأخرى.
نحن ندعو الكتل المدنية السودانية الرافضة للحرب لأن تتوحد، ولو حول هدف واحد هو مخاطبة المأساة الإنسانية المتفاقمة في البلاد، وتضع هذا الهدف في مقدمة أولوياتها قبل أي حديث عن العملية السياسية والفدرالية وفصل الدين عن الدولة، فالدولة مهددة في وجودها نفسه!. ندعوها لاستثارة حملة عالمية لإنقاذ المواطن السوداني، المحاصر في الداخل، وفي صحارى وغابات وغياهب اللجوء، من الموت، لإنقاذ الوطن من الدمار والتفتت. وندعوها للصراخ معنا في وجه ضمير العالم بأن يصحو وينتبه لهذه المأساة المتفاقمة، وأن يضعها في مقدمة أولوياته بتوفير الاحتياجات الإنسانية اللازمة، وبأن تلتزم المنظمات الأممية المعنية بالبروتوكول اللازم لمواجهة هذا الوضع الكارثي، وبأن يستخدم مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة كل الصلاحيات المكفولة بحسب منطوق المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين وضمان وصول الإغاثة والمساعدات الإنسانية لهم عبر ممرات آمنة.
هذا هو المطلوب وبشدة في ظل ضآلة الأمل في التوصل إلى وقف الاقتتال، وإلى حل سياسي للأزمة في الأفق القريب.
نقلا عن القدس العربي
الوسومد. الشفيع خضر سعيد
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: فی السودان
إقرأ أيضاً:
اسرائيل تفجر منازل المدنيين على ساكنيها وعشرات الشهداء والجرحى تحت الأنقاض
القاهرة"وكالات": أعلنت حركة حماس أنها مستعدة لعقد "صفقة" لإنهاء الحرب في قطاع غزة تشمل إطلاق سراح الرهائن المتبقين دفعة واحدة وهدنة لمدة خمس سنوات فيما أسفرت ضربات إسرائيلية اليوم عن استشهاد ما لا يقل عن 17 شخصا في غزة بحسب الدفاع المدني. ويبحث وفد حماس برئاسة خليل الحية مع مسؤولين مصريين في القاهرة للبحث في "بعض الافكار ومقترح جديد لوقف النار وتبادل الاسرى"، وفق ما صرح مسؤول في الحركة.
وأضاف المصدر" نوقشت العديد من الافكار المهمة خلال المباحثات مع الوسطاء خلال الأيام القليلة الماضية".
وتابع "نأمل ان يتم قبول رؤية حماس بما يضمن وقفا كليا لاطلاق النار والانسحاب الاسرائيلي الكامل وصفقة جادة لتبادل الاسرى وادخال المساعدات بشكل فوري وبكميات كافية"، فيما تمنع إسرائيل دخول المساعدات والسلع إلى القطاع الفلسطيني المدمر.
وقال طاهر النونو المستشار الإعلامي لرئاسة (حماس) اليوم إن الحركة منفتحة على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل في غزة لكنها غير مستعدة لإلقاء سلاحها.
وذكرت مصادر مقربة من المحادثات أن حماس تأمل في حشد دعم الوسطاء لعرضها، مضيفة أن الحركة قد توافق على هدنة تتراوح بين خمس وسبع سنوات مقابل إنهاء الحرب والسماح بإعادة إعمار غزة وتحرير معتقلين فلسطينيين لدى إسرائيل وإطلاق سراح جميع الرهائن.
وقال النونو، في أول إشارة واضحة على انفتاح الحركة على هدنة طويلة الأمد "فكرة الهدنة أو مدتها غير مرفوضة بالنسبة لنا وجاهزون لبحثها في إطار المفاوضات ونحن منفتحون على أي مقترحات جادة لإنهاء الحرب".
إلا أنه استبعد موافقة الحركة على مطلب إسرائيلي أساسي يتمثل في إلقاء حماس سلاحها. وتريد إسرائيل أن تكون غزة منطقة منزوعة السلاح.
وقال النونو إن "سلاح المقاومة" غير قابل للتفاوض وإنه سيظل في أيديهم ما بقي "الاحتلال".
وألمحت حماس سابقا إلى أنها ربما توافق على هدنة طويلة الأمد مقابل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكن هذا الموقف كان آنذاك جزءا من عرض أوسع نطاقا.
وفي 17 أبريل، رفضت حماس اقتراحا إسرائيليا يتضمن هدنة لمدة 45 يوما في مقابل الإفراج عن عشرة رهائن أحياء.
وفي مقابل مطالبة حماس باتفاق شامل، تطالب إسرائيل بإعادة جميع الرهائن ونزع سلاح حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، ولكن الحركة شددت على أن هذا المطلب يشكل "خطا أحمر".
وبثت حماس اليوم مقطع فيديو يظهر كيفية "إنقاذ رهائن" موجودين داخل نفق إثر قصف للجيش الاسرائيلي.
ميدانيا أعلن الدفاع المدني اسشتهاد 17 شخصا على الأقل صباح اليوم بضربات إسرائيلية، قضى عدد كبير منهم في قصف طال منزلا وطمر ساكنيه تحت أنقاضه.
وأرتقى العدد الأكبر من الشهداء فجرا بضربة أصابت منزل عائلة الخور في حي الصبرة، جنوب مدينة غزة، في شمال القطاع.
وأفاد المسؤول في الدفاع المدني محمد المغير نقلا عن إفادات الجيران بمقتل عشرة أشخاص وفقدان نحو 20 جراء قصف منزل عائلة الخور.وأظهرت لقطات فلسطينيين يعملون على إحداث فجوة في الركام لإخراج جثة.
وقالت أم وليد الخور "كنا نائمين مع أطفالنا، ومن دون أي إنذار، رأينا الدار تنهار علينا. كان هناك صراخ، وأولئك الذين كانوا على قيد الحياة كانوا يستغيثون، لكن أحدا لم يأتِ. تمكنا من إخراج نحو 15 شخصا، جميعهم قضوا اختناقا، جميعهم أبرياء".
وتابعت "غالبية القتلى من الأطفال، قضوا اختناقا من جراء القصف".
واعلن المغير أن القصف الإسرائيلي قتل ثلاثة اشخاص في منزل في مخيم الشاطىء. وقتلت غارات اخرى أربعة اخرين.
ولم يصدر تعليق فوري من الجيش الإسرائيلي الذي استأنف قبل أكثر من شهر غاراته في مختلف أنحاء قطاع غزة في المواجهة مع حركة حماس.
وقُتل منذ تجدد القصف والمعارك ما لا يقل عن 2111 فلسطينيا، وفقا للأرقام التي نشرتها وزارة الصحة التي تديرها حماس السبت.وأرتفعت الحصيلة الإجمالية للقتلى في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب إلى 51495 قتيلا على الأقل، وفقا للوزارة.
اندلعت الحرب إثر الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 وأسفر عن مقتل 1218 شخصا على الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات رسمية.
ومن بين 251 شخصاً اختطفوا في ذلك اليوم، ما زال 58 محتجزين في غزة، 34 منهم قتلى، بحسب الجيش الإسرائيلي.
وسمحت هدنة تم التوصل إليها واستمرت من 19 يناير إلى 17 مارس بعودة 33 رهينة إلى إسرائيل، من بينهم ثمانية قتلى، في مقابل إطلاق سراح نحو 1800 فلسطيني من السجون الإسرائيلية.
والجمعة، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه "سلّم آخر مخزوناته الغذائية المتبقية إلى مطابخ الوجبات الساخنة في قطاع غزة. ومن المتوقع أن ينفد الطعام من هذه المطابخ بالكامل في الأيام المقبلة".
واظهرت صور اليوم فلسطينيين يقفون في طابور في مطبخ مشترك في النصيرات (وسط) في انتظار ملء أوعيتهم بالفاصولياء.
وقال النازح الفلسطيني وائل عودة "هذا أمر مأسوي. ليس هناك غذاء في المطابخ ولا في الاسواق".
وأوقفت إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية والسلع التجارية، متهمة حماس باستغلال المساعدات لصالحها، وهو ما تنفيه الحركة التي تتهم إسرائيل باستخدام "التجويع كسلاح حرب".
وبعدها، حذّر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عبر منصة إكس من أن "الوضع هو نفسه بالنسبة للإمدادات الطبية. إنها تنفد"، مشددا على "ضرورة إنهاء هذا الحظر المفروض على المساعدات، فالأرواح تعتمد عليها".